أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 33 - صـ 142

جلسة 20 من يناير سنة 1982

برئاسة السيد المستشار/ محمد كمال عباس نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد إبراهيم الدسوقي، فهمي عوض مسعد، جهدان حسين عبد الله ومحمود شوقي أحمد.

(28)
الطعن رقم 217 لسنة 51 القضائية

(1) إعلان "الإعلان للنيابة". محكمة الموضوع.
الإعلان في النيابة. استثناء. ضرورة أن تسبقه تحريات دقيقة عن محل إقامة المعلن إليه. تقدير كفاية المعلومات. خضوعه لتقدير محكمة الموضوع. مثال.
(2) إعلان "الإعلان في مواجهة النيابة".
الإعلان في مواجهة النيابة. صحيح في كل حالة تكتشف ظروفها عن أنه لم يكن في وسع طالب الإعلان بذل مزيد من الجهد في التحري.
(3) إيجار "إيجار الأماكن".
التنازل عن الإيجار والإيجار من الباطن. ماهية كل منهما.
(4) إثبات "القرائن". محكمة الموضوع.
استنباط القرائن من إطلاقات محكمة الموضوع. شرطه. أن يكون سائغاً.
(5) إيجار "إيجار الأماكن". حكم "تسبيب الحكم".
الإقامة بالخارج وشغل العين جزئياً بواسطة الغير مع احتفاظ المستأجر بجزء آخر. مؤداه. استخلاص الحكم من هذه الوقائع وحدها تخلي المستأجر عن العين. فساد في الاستدلال مثال.
1 - جرى قضاء محكمة النقض [(1)] على أن إعلان الأوراق القضائية في النيابة العامة بدلاً من إعلانها لشخص المراد إعلانه أو في محل إقامته - إنما أجازه القانون على سبيل الاستثناء، ولا يصح اللجوء إليه إلا إذا قام المعلن بالتحريات الكافية للتقصي عن محل إقامة المعلن إليه، إلا أن تقرير كفاية التحريات التي تسبق الإعلان للنيابة أمر موضوعي يرجع إلى ظروف كل واقعة على حدتها، وتستقل محكمة الموضوع بتقديره دون ما رقابة عليها من محكمة النقض في ذلك ما دام قضاؤها قائماً على أسباب سائغة.
2 - إذ كان الإعلان في مواجهة النيابة يصح في كل حالة تكشف ظروفها عن أنه لم يكن في وسع طالب الإعلان بذل مزيد من الجهد في التحري، وكانت أوراق الدعوى قد خلت مما يمكن الاستدلال منه على أنه لو بذلت المطعون ضدها جهداً في سبيل الاهتداء إلى الموطن الجديد للطاعنة الأولى لتوصلت إلى معرفته ولاستطاعت إعلانها فيه فيما بقى من الميعاد المحدد للإعلان فإن الحكم إذ اعتبر ذلك الإعلان صحيحاً لا يكون قد جاوز السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بما لا معقب عليها فيه من محكمة النقض لتعلقه بأمر موضوعي.
3 - التنازل عن الإيجار يتم بنقل المستأجر لجميع حقوقه والتزاماته المترتبة على عقد الإيجار إلى شخص آخر يحل محله فيها ويكون بهذه المثابة بيعاً أو هبة لحق المستأجر تبعاً لما إذا كان هذا التنازل بمقابل أو بدون مقابل، أما التأجير من الباطن فلا يعدو أن يكون عقد إيجار يقع على حق المستأجر ذاته [(2)].
4 - الأصل في استنباط القرائن أنها من إطلاقات محكمة الموضوع، إلا أنه يشترط أن يكون استنباطها سائغاً، وأن يكون استدلال الحكم له سنده من الأوراق ومؤدياً إلى النتيجة التي بني عليها قضاءه.
5 - إذ كان الحكم المطعون فيه دلل على تخلي الطاعنة الأولى عن شقة النزاع والتنازل عن إيجارها للغير بسفرها إلى أمستردام وشغل الطاعن الثاني للشقة المؤجرة قبل موافقة المطعون ضدها على تأجيرها من الباطن مفروشاً وجعلها مكتباً للمحاماة بعد أن كانت سكناً، وكانت هذه الوقائع بمجردها لا تفيد تنازل الطاعنة الأولى عن الشقة للطاعن الثاني، ولا تستقيم مع الترخيص لها بالتأجير من الباطن مفروشاً حتى عودتها من الخارج، واتخاذها دليلاً على تنازلها عن الإيجار لمجرد عدم إقامتها بالعين المؤجرة، دون أن يبين الحكم كيف أفادت الأوراق هذا المعنى، مع احتفاظ الطاعنة الأولى بحجرة بالعين مغلقة تضع فيها منقولاتها أثناء سفرها للخارج. لما كان ما تقدم، وكانت الوقائع التي استخلص منها الحكم تنازل الطاعنة الأولى عن عقد الإيجار لا تؤدي إلى ما استخلصه منها، وكان التنازل عن الإيجار هو الواقعة التي أقام الحكم عليها قضاءه فإنه يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال [(3)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 5946 سنة 1975 مدني جنوب القاهرة الابتدائية ضد الطاعنين طالبة الحكم في مواجهة الطاعن الثاني بإخلاء الطاعنة الأولى العين المؤجرة المبينة بالصحيفة. وقالت بياناً لها أنه بعقد مؤرخ 3/ 9/ 1937 استأجرت الطاعنة الأولى شقة النزاع من المالك السابق للعقار قبل انتقال ملكيته للمطعون ضدها بقصد استعمالها سكناً خاصاً، ونص في العقد على حظر التأجير من الباطن والتنازل عن الإيجار، وإذ تخلت عن العين المؤجرة وتنازلت عن الإيجار للطاعن الثاني دون إذن كتابي فقد أقامت الدعوى. أجابت الطاعنة الأولى على الدعوى بأنه مصرح لها من الشركة المطعون ضدها بالتأجير من الباطن مفروشاً مدة سفرها إلى الخارج وبتاريخ 19/ 3/ 1977 حكمت المحكمة بندب خبير لمعاينة عين النزاع والغرض المخصصة له وواضع اليد واستظهار إقامة المستأجر الأصلية، وبعد إيداع الخبير لتقريره حكمت بتاريخ 29/ 3/ 1977 برفض الدفع باعتبار الدعوى كأن لم تكن وإخلاء الطاعنة الأولى من العين المؤجرة وذلك في مواجهة الطاعن الثاني. استأنفت الطاعنة الأولى هذا الحكم بالاستئناف رقم 3040 سنة 96 ق القاهرة، كما استأنفه الطاعن الثاني بالاستئناف رقم 5289 سنة 97 ق القاهرة، وبتاريخ 6/ 1/ 1981 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف - طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن - وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعنة الأولى تنعى بالوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول أنها تمسكت في مرحلتي التقاضي بأنها لم تعلن بصحيفة الدعوى الابتدائية إعلاناً صحيحاً في خلال ثلاثة شهور من تاريخ تقديم الصحيفة إلى قلم الكتاب ذلك أن إعلانها بصحيفة الدعوى في النيابة بتاريخ 6/ 1/ 1976 قد وقع باطلاً لأنه لم تسبقه تحريات كافية للتقصي عن محل إقامتها بعد أن أثبت المحضر في محضره بتاريخ 16/ 12/ 1975 عدم الاستدلال على محل إقامتها. وبالتالي تعتبر الدعوى كأن لم تكن إعمالاً للمادة 70 من قانون المرافعات، وإذ قضى الحكم برفض الدفع تأسيساً على أن إعلانها وقع صحيحاً فقد أخطأ في تطبيق القانون.
حيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه وإن كان صحيحاً، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن إعلان الأوراق القضائية في النيابة العامة بدلاً من إعلانها لشخص المراد إعلانه أو في محل إقامته - إنما أجازه القانون على سبيل الاستثناء، ولا يصح اللجوء إليه إلا إذا قام المعلن بالتحريات الكافية للتقصي عن محل إقامة المعلن إليه، إلا أن تقدير كفاية التحريات التي تسبق الإعلان للنيابة أمر موضوعي يرجع إلى ظروف كل واقعة على حدتها، وتستقل محكمة الموضوع بتقديره دون ما رقابة عليها من محكمة النقض في ذلك ما دام قضاؤها قائماً على أسباب سائغة. ولما كان الحكم المطعون فيه رد على الدفع المبدى من الطاعنة الأولى باعتبار الدعوى كأن لم تكن بقوله "إن صحيفة افتتاح الدعوى أمام محكمة أول درجة قدمت لقلم الكتاب في 1/ 12/ 1975 وقيدت بتاريخ 2/ 12/ 1975 وأنه بتاريخ 16/ 12/ 1975 لم يتم الإعلان لعدم الاستدلال على المستأنفة في الاستئناف رقم 3040 لسنة 96 ق - الطاعنة الأولى - ...... وقد أعلنت...... بعد ذلك بصحيفة الافتتاح بتاريخ 6/ 1/ 1976 في مواجهة النيابة لعدم الاستدلال على محل إقامتها واشتملت ورقة إعلانها الأخيرة آخر موطن معلوم لها وهو موطن إقامتها بالعين المؤجرة لسكنها والمسلم من المستأنف - الطاعنين - باحتفاظها حتى الآن بحجرة بها كمقر لها ولإقامتها، مما تستخلص معه المحكمة أن المستأنف ضدها - المطعون ضدها - لم تقصر بذل الجهد في التحري وإجراء الإعلان وفق حكم القانون". لما كان ذلك، وكان الإعلان يصح في كل حالة تكشف ظروفها عن أنه لم يكن في وسع طالب الإعلان بذل مزيد من الجهد في التحري، وكانت أوراق الدعوى قد خلت مما يمكن الاستدلال منه على أنه لو بذلت المطعون ضدها جهداً في سبيل الاهتداء إلى الموطن الجديد للطاعنة الأولى لتوصلت إلى معرفته واستطاعت إعلانها فيه فيما بقى من الميعاد المحدد للإعلان، فإن الحكم إذ اعتبر ذلك الإعلان صحيحاً لا يكون قد جاوز السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بما لا معقب عليها فيه من محكمة النقض لتعلقه بأمر موضوعي، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم استدل على تنازل الطاعنة الأولى عن الإيجار والتخلي عن العين المؤجرة للغير بمغادرتها البلاد إلى أمستردام بتاريخ 18/ 3/ 1973 وشغل الطاعن الثاني لها وتغييره الغرض المخصصة له بجعلها مكتباً للمحاماة، في حين أن كلا الأمرين لا يؤدي إلى التنازل في حين أن كل ذلك لا يؤدي إلى التنازل عن الإيجار وبما أن المطعون ضدها رخصت لها بتاريخ 27/ 3/ 1973 بالتأجير من الباطن مفروشاً بمناسبة سفرها إلى الخارج ولحين عودتها ولم يبين الحكم أن شغل الطاعن الثاني للعين كان لحسابه وليس لحسابها كمستأجر من الباطن بالرغم من احتفاظها بحجرة مغلقة - بها منقولات لها - بعين النزاع، مما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أن التنازل عن الإيجار يتم بنقل المستأجر جميع حقوقه والتزاماته المترتبة على عقد الإيجار إلى شخص أخر يحل محله فيها ويكون بهذه المثابة بيعاً أو هبة لحق المستأجر تبعاً لما إذا كان هذا التنازل بمقابل أو بدون مقابل، أما التأجير من الباطن فلا يعدو أن يكون عقد إيجار يقع على حق المستأجر ذاته - ولئن كان الأصل في استنباط القرائن أنها من إطلاقات محكمة الموضوع إلا أنه يشترط أن يكون استنباطها سائغاً، وأن يكون استدلال الحكم له سنده من الأوراق ومؤدياً إلى النتيجة التي بني عليها قضاءه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه دلل على تخلي الطاعنة الأولى عن شقة النزاع والتنازل عن إيجارها للغير بسفرها إلى أمستردام وشغل الطاعن الثاني للشقة المؤجرة قبل موافقة المطعون ضدها على تأجيرها من الباطن مفروشاً وجعلها مكتباً للمحاماة وبعد أن كانت سكناً، وكانت هذه الوقائع بمجردها لا تفيد تنازل الطاعنة الأولى عن الشقة للطاعن الثاني، ولا تستقيم مع الترخيص لها بالتأجير من الباطن مفروشاً حتى عودتها من الخارج. واتخاذها دليلاً على تنازلها عن الإيجار لمجرد عدم إقامتها بالعين المؤجرة دون أن يبين الحكم كيف أفادت الأوراق هذا المعنى، مع احتفاظ الطاعنة الأولى بحجرة بالعين مغلقة تضع فيها منقولاتها أثناء سفرها للخارج وكانت الوقائع التي استخلص منها الحكم تنازل الطاعنة الأولى عن عقد الإيجار لا تؤدي إلى ما استخلصه منها، وكان التنازل عن الإيجار هو الواقعة التي أقام الحكم عليها قضاءه فإنه يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال بما يستوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة.


[(1)] نقض 12/ 6/ 1973 مجموعة المكتب الفني السنة 24 ص 895.
[(2)] نقض 24/ 6/ 1967 مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 185.
[(3)] نقض 24/ 1/ 1979 مجموعة المكتب الفني السنة 30 ص 369.