أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 918

جلسة 22 من يونيه سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانة، ومصطفى الأسيوطي.

(217)
الطعن رقم 777 لسنة 40 القضائية

(أ، ب) إجراءات المحاكمة. "حضور المدافع عن المتهم". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الجنايات. "الإجراءات أمامها".
( أ ) مناط التعارض في المصلحة بين المتهمين؟ مثال لإجراءات محاكمة صحيحة.
(ب) حضور أكثر من محام مع كل متهم بجناية. غير واجب.
(ج) إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى. تساند الأدلة في المواد الجنائية.
(د، هـ، و، ز) تحقيق. "إجراءاته". إثبات. "اعتراف". "شهود" إكراه. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
(د) مجرد حضور ضابط الشرطة التحقيق لا يعيب إجراءاته. سلطان الوظيفة في ذاته لا يعد إكراهاً ما دام لم يستطل إلى المتهم بالأذى مادياً كان أو معنوياً. مجرد الخشية لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف.
(هـ) الاعتراف في المسائل الجنائية. تقديره. موضوعي.
(و) حق محكمة الموضوع في تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً.
(ز) وزن أقوال الشهود. موضوعي.
(ح) عقوبة. "تقديرها". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير العقوبة".
تقدير العقوبة في حدود ما هو مقرر قانوناً. أمر موكول إلى محكمة الموضوع. عدم التزامها ببيان الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته.
(ط) محضر الجلسة. بطلان. إجراءات المحاكمة.
خلو محضر الجلسة من إثبات البيانات الواردة بدفتر أحوال الشرطة كاملة لا يترتب عليه البطلان.
1 - مناط التعارض في المصلحة أن يكون لأحد المتهمين دفاع يلزم عنه عدم صحة دفاع الآخر، بحيث يتعذر على محام واحد أن يترافع عنهما. ولما كان الحكم المطعون فيه قد عول في الإدانة - فيما عول - على اعتراف الطاعن الثاني عن نفسه وعلى الطاعن الأول مما يتفق به قيام التعارض ويستلزم فصل دفاع كل منهما عن الآخر، وكان يبين من مطالعة محضري جلستي المحكمة حضور ثلاثة محامين عن الطاعنين في الجلسة الأولى سمعت فيها المحكمة شهادة الشهود ومرافعة أحد المحامين ثم أجلت المحكمة نظر الدعوى إلى اليوم التالي حيث نبهت الدفاع إلى قيام التعارض وفصل دفاع كل طاعن عن الآخر، وكان الثابت أن هيئة الدفاع بعد أن لفتت المحكمة نظرها إلى قيام التعارض قد عنيت بتقسيم الدفاع عن الطاعنين فتولى منها مساعدة الطاعن الأول غير من تولى مساعدة الطاعن الثاني، ومحص كل منهما الأدلة القائمة على كل متهم اختص بالدفاع عنه بما في ذلك ما قاله الطاعن الثاني في حق الطاعن الأول، ومن ثم تكون مظنة حرج المحامي في المرافعة عن مصلحتين متعارضتين منتفية في الواقع، ما دام كل منهما قد أخذ حقه في الدفاع وأتيح له أن يتناول بكامل الحرية تفنيد ما أسنده زميله إليه، وينهار كل أساس يقوم على القول بحصول بطلان في الإجراءات أو إخلال بحق الدفاع، ولا عبرة بأن الشهود كانوا قد سمعوا في حضرة المدافعين جميعاً على النحو الذي جرت عليه إجراءات المحاكمة قبل تخصيص كل متهم بمن يدافع عنه لأن أياً من المتهمين لم يطلب من المحكمة إعادة الإجراءات بعد تقسيم الدفاع، ولأنه يتعين التفرقة بين أمرين مستقلين: تولى المحامين جملة واحدة الدفاع عن المتهمين معاً على الرغم من قيام التعارض بين مصالحهم وسماع الشهود في مواجهتهم قبل الفصل بين دفاعهم من البداية فإن أول الأمرين انحسم بما رفع التعارض بتدخل المحكمة والعمل على تصحيح البطلان طبقاً للمادة 335 من قانون الإجراءات الجنائية أما الثاني فلا وجه لدعوى الإخلال فيه بحق الدفاع.
2 - لا يوجب القانون أن يكون مع كل متهم بجناية أكثر من محام واحد يتولى الدفاع عنه.
3 - من المقرر أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى. إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
4 - من المقرر أنه ليس في حضور ضابط الشرطة التحقيق ما يعيب إجراءاته، إذ أن سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراهاً ما دام هذا السلطان لم يستطل على المتهم بالأذى مادياً كان أو معنوياً. كما أن مجرد الخشية لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكماً.
5 - الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة.
6 - لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تجزئ الدليل ولو كان اعترفاً وتأخذ منه بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
7 - وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
8 - إن تقدير العقوبة التي يستحقها كل متهم من سلطة محكمة الموضوع في حدود ما هو مقرر بالقانون للجريمة التي تثبت عليه. وليست المحكمة ملزمة بأن تبين الأسباب التي من أجلها أوقعت عليه العقوبة بالقدر الذي ارتأته.
9 - خلو محضر جلسة المحاكمة من إثبات البيانات الواردة بدفتر أحوال الشرطة كاملة لا يترتب عليه البطلان.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 19 مايو سنة 1969 بدائرة مركز ناصر محافظة بني سويف: المتهمان الأول والثاني قتلا إبراهيم عبد الله جراره عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتا النية على قتله وأعدا لذلك سلاحاً نارياً (طبنجة) وآلة حادة وتوجها إلى مكان تواجده وما أن ظفرا به حتى أطلق عليه أولهما أعيرة نارية وقام الثاني بضربه بالآلة الحادة قاصدين قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. المتهم الأول - ( أ ) أحرز بغير ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيبه عنه سلاحاً نارياً مششخناً "طبنجة" (ب) أحرز ذخائر مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له في حيازة السلاح أو إحرازه. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر بذلك. ومحكمة جنايات بني سويف قضت حضورياً عملاً بالمواد 17 و230 و231 من قانون العقوبات (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة عن التهمتين المسندتين إليه (ثانياً) بمعاقبة المتهم الثاني بالسجن لمدة عشر سنوات. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه، إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار، قد شابه البطلان في الإجراءات وخالف الثابت في الأوراق وأخل بحق الدفاع وانطوى على التناقض والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك أن المحكمة قبلت في أولى جلسات المحاكمة هيئة مكونة من ثلاثة محامين للدفاع عن الطاعنين معاً رغم تعارض مصلحتيهما - إذ اعترف الطاعن الثاني على نفسه وعلى الطاعن الأول - واستمعت المحكمة إلى شهود الإثبات ثم إلى مرافعة أحد محامي الدفاع، ولا يغير من ذلك أن تكون المحكمة قد تنبهت إلى قيام التعارض في الجلسة التالية ولفتت إلى ذلك نظر الدفاع. ودفع الحاضر عن الطاعنين ببطلان الاعتراف المنسوب للطاعن الثاني لصدوره تحت تأثير الإكراه نتيجة الاعتداء عليه بالضرب الذي ترك أثراً في جسده، وبسبب القبض على والد الطاعن الأول، إلا أن المحكمة رفضت الدفع على سند من أن الطاعن الثاني قبض عليه يوم 21/ 5/ 1969 على خلاف الثابت بالأوراق إذ قبض عليه يوم 21/ 5/ 1969 وأرجع الكشف الطبي - المتوقع عليه في 22/ 5/ 1969 - إصابته إلى أكثر من يومين سابقين على تاريخ الكشف عليه، وإلى أن جميع من نسب إليهم هذا الطاعن التعدي عليه نفوا هذه الواقعة، مع أن الضابط والشرطي اللذين قبضا عليه في القاهرة لم يسألا في ذلك، وإلى أن الاعتراف تأيد بأقوال الشهود وماديات الدعوى، وهو ما لا يصلح رداً على الدفع. وقد أدلى الطاعن الثاني باعترافه في حضور بعض رجال الضبط مما يعد إكراهاً ويعيب إجراءات التحقيق. وأغفلت المحكمة الرد على تأثير الإكراه المعنوي الناشئ من القبض على والد الطاعن الأول. وقد أثار المدافع عن الطاعنين التناقض بين الدليل القولي والدليل الفني إذ جاء في اعتراف الطاعن الثاني أنه اعتدى على المجني عليه مرتين وأن الطاعن الأول أطلق عليه عيارين، في حين أن الثابت من تقرير الصفة التشريحية إصابة المجني عليه بثلاثة أعيرة نارية وخمس إصابات قطعية ورضية، وعول الحكم المطعون فيه في إدانة الطاعنين على أقوال الشهود رغم ما يحيط بها من شكوك. ولم تثبت المحكمة عند إطلاعها على دفتر أحوال نقطة شرطة القطورى جميع البيانات الموضحة بذلك الدفتر. ومع تماثل ظروف كل من الطاعنين أوقعت المحكمة عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة على الطاعن الأول بينما اكتفت بتوقيع عقوبة السجن لمدة عشر سنوات على الطاعن الثاني، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، ثم أطرح دفاع الطاعنين في مختلف وجوهه بما يتفق وصحيح القانون. لما كان ذلك، وكان مناط التعارض أن يكون لأحد المتهمين دفاع يلزم عنه عدم صحة دفاع الآخر، بحيث يتعذر على محام واحد أن يترافع عنهما، وكان الحكم المطعون فيه قد عول في الإدانة - فيما عول - على اعتراف الطاعن الثاني على نفسه وعلى الطاعن الأول مما يتفق به قيام التعارض، ويستلزم فصل دفاع كل منهما عن الآخر، ولما كان يبين من مطالعة جلستي المحاكمة حضور ثلاثة محامين عن الطاعنين في الجلسة الأولى سمعت فيها المحكمة شهادة الشهود ومرافعة أحد المحامين، ثم أجلت المحكمة نظر الدعوى إلى اليوم التالي حيث نبهت الدفاع إلى قيام التعارض، وفصل دفاع كل طاعن عن الآخر. لما كان ذلك، وكان الثابت أن هيئة الدفاع بعد أن لفتت المحكمة نظرها إلى قيام التعارض قد عنيت بتقسيم الدفاع عن الطاعنين فتولى منها مساعدة الطاعن الأول غير من تولى مساعدة الطاعن الثاني، ومحص كل منهما الأدلة القائمة على كل متهم اختص بالدفاع عنه، بما في ذلك ما قاله الطاعن الثاني في حق الطاعن الأول، ومن ثم تكون مظنة حرج المحامي في المرافعة عن مصلحتين متعارضتين منتفية في الواقع، ما دام كل منهما قد أخذ حقه في الدفاع وأتيح له أن يتناول بكامل الحرية تفنيد ما أسنده زميله إليه، ومن ثم ينهار كل أساس يقوم على القول بحصول بطلان في الإجراءات أو إخلال بحق الدفاع ولا عبرة بأن الشهود كانوا قد سمعوا في حضرة المدافعين جميعاً على النحو الذي جرت عليه إجراءات المحاكمة قبل تخصيص كل متهم بمن يدافع عنه، لأن أياً من المتهمين لم يطلب من المحكمة إعادة الإجراءات بعد تقسيم الدفاع، ولأنه يتعين التفرقة بين أمرين مستقلين: تولى المحامين جملة واحدة الدفاع عن المتهمين معاً على الرغم من قيام التعارض بين مصالحهم، وسماع الشهود في مواجهتهم قبل الفصل بين دفاعهم من البداية فإن أول الأمرين انحسم بما رفع التعارض بتدخل المحكمة والعمل على تصحيح البطلان طبقاً للمادة 335 من قانون الإجراءات الجنائية. أما الثاني فلا وجه لدعوى الإخلال فيه بحق الدفاع لما تقدم. هذا إلى أن القانون لا يوجب أن يكون مع كل متهم بجناية أكثر من محام واحد يتولى الدفاع عنه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان الاعتراف المنسوب للطاعن الثاني وأطرحه في قوله "إنه مردود بإنكار كل من وردت أسماؤهم في أقوال المتهم - الطاعن الثاني - باعتبار أنهم وجهوا إليه إكراهاً، وقرروا جمعياً أنهم لم يشاهدوا المتهم ولم يقابلوه إطلاقاً حتى وقت سؤالهم عن واقعة الإكراه المدعى به، وهو قول حق تأيد بماديات الدعوى وبظروف الأحوال، ذلك أن الثابت مما لاحظه السيد وكيل النيابة المحقق من عدم وجود أية آثار تفيد وقوع الإكراه على المتهم تأيد بالكشف الطبي المتوقع على المتهم الذي جاء صريحاً قاطعاً في هذا الخصوص من أن ما جاء بالتقرير من وجود إصابة طفيفة قديمة بركبة المتهم اليسرى فإنه أرجع تاريخ حدوثها إلى يومين سابقين على توقيع الكشف الطبي وهو وقت لم يكن قد قبض فيه على المتهم بعد، فإذا أضفنا إلى ذلك ما قرره المتهم الأول بجلسة المحاكمة من أن إكراهاً ما لم يقع عليه طيلة المدة منذ القبض عليه وحتى مثوله أمام النيابة يبين بجلاء أن ابن عمه المتهم الثاني وشريكه في ذات الجريمة كان في ذات الظروف التي كان هو فيها، ولا محل بعد ذلك لأن يقال بأن المتهم - الطاعن الثاني - لم يتعرض لأي إكراه بسبب أن والده يعمل بشرطة القطورى لأن هذا الظرف ذاته ينسحب إلى المتهم الثاني ويستفيد منه فضلاً عن أنه ابن عم المتهم الأول فهو شريك معه في ذات الفعل والجرم، يؤيد هذا المنطق ويؤكده ما شهد به بالجلسة الختامية الملازم أول فكري عامر الذي قبض على المتهمين بالقاهرة من أنه اصطحب والد المتهم الأول في ذهابه إلى القاهرة، وعاصر واقعة قبضه على المتهمين كما استمر مرافقاً للقوة والمتهمين حتى الساعة 9 م حيث تركه بنقطة العياط" ويبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن الثابت من الكشف الطبي المتوقع على الطاعن الثاني في الساعة التاسعة من صباح يوم 22/ 5/ 1969 أنه وجد به من الإصابات خدش قديم مجلوط قطره واحد ملليمتر تقريباً حدث منذ أكثر من يومين على مقدم الركبة اليسرى يجوز حدوثه من الاحتكاك بجسم صلب مثل الركوع على أرض خشنة أو مثل ظفر اليد - أي يد - ولا توجد بالركبة اليمنى إصابات كما لا توجد بالذراع الأيسر آثار إصابات حديثة ولا توجد علامات ضرب كرباج ولا توجد بباقي الجسم آثار إصابات حديثة ظاهرة، ولا يوجد بالمتهم ما يحتاج التردد على المستشفى للعلاج وقد انصرف مع الشرطة عقب الكشف مباشرة في وقتها، ولما كان الثابت من المفردات أن الطاعن الثاني قبض عليه مساء يوم 20/ 5/ 1969 وتوقع الكشف الطبي عليه صباح يوم 22/ 5/ 1969 وأرجع ذلك الخدش إلى أكثر من يومين، فإن ما ذهب إليه الحكم من أن تلك الإصابة حدثت قبل القبض عليه يكون صحيحاً مطابقاً للواقع من الأمر حسبما ثبت من الدليل الفني، ويكون ما أثبته الحكم خطأ من أن هذا الطاعن قبض عليه يوم 21/ 5/ 1969 غير مؤثر فيما خلصت إليه المحكمة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكانت المحكمة قد رفضت الدفع ببطلان الاعتراف بناء على ما ساقته من أدلة مجتمعة، فلا يقدح في سلامة الحكم المطعون فيه عدم سؤال من نسب إليهم الطاعن الثاني الاعتداء عليه - بعد أن قطعت المحكمة في تاريخ حصول ذلك الخدش - إذ لا أثر لذلك في منطق الحكم وما انتهى إليه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس في حضور ضابط الشرطة التحقيق ما يعيب إجراءاته، إذ أن سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراهاً، ما دام هذا السلطان لم يستطل إلى المتهم بالأذى مادياً كان أو معنوياً، كما أن مجرد الخشية لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكماً. ولما كان الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة، ومن ثم يكون النعي على اعتراف الطاعن الثاني في كافة وجوهه على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وهو في مجال المواءمة بين الدليل القولي المستمد من اعتراف الطاعن الثاني والدليل الفني المستمد من تقرير الصفة التشريحية لم يأخذ بما قرره الطاعن الثاني من حيث عدد الضربات التي كالها هو للمجني عليه وكذا عدد الأعيرة التي أطلقها الطاعن الأول عليه لعدم اطمئنانه إلى تلك الأقوال، وأخذ بما جاء بتقرير الصفة التشريحية. وكان البين من مساق الدليلين كما أوردها الحكم أن لا تعارض بينهما. وكان لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تجزئ الدليل ولو كان اعترافاً. وتأخذ منه بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الوجه من النعي يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولما كان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم من أقوال الشهود، فإن هذا الوجه من النعي ينحل إلى مجرد جدل موضوعي في تقدير الدليل الذي تستقل به محكمة الموضوع دون معقب. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين لم يطلب إثبات كافة البيانات الواردة بدفتر أحوال نقطة شرطة القطورى، ولم يدع في طعنه بأن المحكمة أخلت بحقه بعدم إطلاعه عليها، وكان خلو محضر الجلسة من إثبات تلك البيانات كاملة لا يترتب عليه البطلان، فضلاً عن أن ما أثبتته المحكمة منها لم يكن له أثر في تكوين عقيدة المحكمة إثباتاً أو نفياً، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أنزل حكم المادة 17 من قانون العقوبات في حق الطاعنين وخلص إلى أن عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة هي الواجبة التطبيق عليها. ثم أجرى الحكم بعد ذلك حكم المادة 17 من ذلك القانون في حق الطاعن الثاني ونزل بالعقوبة التي وقعها عليه إلى السجن لمدة عشر سنوات. الأمر الذي يتفق وصحيح القانون. ولما كان تقدير العقوبة التي يستحقها كل متهم من سلطة محكمة الموضوع في حدود ما هو مقرر بالقانون للجريمة التي ثبتت عليه. وليست المحكمة ملزمة بأن تبين الأسباب التي من أجلها أوقعت عليه العقوبة بالقدر الذي ارتأته. فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه من تناقض لا يكون على أساس. لما كان ما تقدم، فإن الطعن كله يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.