أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الحادية والأربعون - صـ 625

جلسة 12 من ابريل سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ محمد رفيق البسطويسى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعبد اللطيف أبو النيل وعمار ابراهيم وأحمد جمال عبد اللطيف.

(107)
الطعن رقم 23377 لسنة 59 القضائية

(1) اثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". اكراه. دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف".
الاعتراف الذى يعول عليه. شرطه ؟
وجوب استبعاد الدليل المستمد من الاعتراف. متى كان وليد إجراء باطل. حد ذلك ؟
(2) اثبات "اعتراف". دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره إثر قبض باطل. جوهرى. وجوب تعرض المحكمة له والرد عليه. متى عولت على الدليل المستمد منه.
مثال لتسبيب معيب للرد على الدفع ببطلان الاعتراف.
(3) دستور. قبض. تفتيش "التفتيش بغير إذن". تلبس.
القيد على الحرية الشخصية. غير جائز. إلا فى إحدى حالات التلبس أو بإذن من السلطة القضائية المختصة. المادة 41 من الدستور.
(4) تلبس. مأمورو الضبط القضائى.
التلبس حالة تلازم الجريمة لا شخص مرتكبها.
تلقى مأمور الضبط نبأ الجريمة عن الغير. لا يكفى لقيام حالة التلبس. علة ذلك ؟
(5) اثبات "بوجه عام".
تساند الأدلة فى المواد الجنائية. مؤداه ؟
1 - من المقرر أنه لا يصح فى القانون التعويل على الاعتراف ما لم يكن ناشئا عن حرية واختيار، وهو لا يعتبر كذلك - ولو كان صادقا - إذا جاء وليد إجراء باطل، ففى هذه الحالة يجب استبعاد الدليل المستمد منه، إلا أن هذا البطلان يستطيل إلى إجراءات التحقيق اللاحقة عليه إذا ثبت لقاضى الموضوع أنها منقطعة الصلة بذلك القبض الباطل.
2 - لما كان الدفع ببطلان الاعتراف لوقوعه أثر قبض باطل يعد من الدفوع الجوهرية التى يتعين على المحكمة أن تعرض لها وترد عليها بأسباب سائغة ما دامت قد عولت على الدليل المستمد من الاعتراف ذاك، وكان الطاعن الأول قد تمسك أمام محكمة الموضوع ببطلان اعترافه بتحقيقات النيابة العامة لكونه وليد قبض باطل. وكان الحكم المطعون فيه - على السياق المتقدم - قد أورد فى معرض رده على الدفع ذاك، بأن الواقعة المسند إلى الطاعنين ارتكابها حدثت بتاريخ 19 من أكتوبر سنة 1987 ثم قبض على الطاعن الأول بتاريخ 20 من أكتوبر سنة 1987 ثم عرض على النيابة العامة فى 21 من اكتوبر سنة 1987 حيث أدلى باعترافه، ثم اطرح الحكم هذا الدفع تأسيسا على أن القبض على الطاعن الأول تم صحيحا، دون أن يورد الأسباب والاعتبارات التى تسوغ هذا التقرير، ودون أن يستظهر فى مدوناته ماهية الإجراءات التى اتخذت من قبل الطاعن وماهيتها من حيث كونها مقيدة للحرية من عدمه. والسلطة التى أمرت باتخاذها حتى يتبين مدى حقها فى الأمر بها، فإن الحكم فى هذا يمثل مصادرة على المطلوب قبل أن ينحسم أمره، فوق قصوره فى التسبيب.
3 - إن الفقرة الأولى من نص المادة 41 من الدستور قد نصت على أن "الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على إحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل، إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة وذلك وفقا لأحكام القانون". وكان مؤدى هذا النص، أن أى قيد يرد على الحرية الشخصية بوصفها من الحقوق الطبيعية المقدسة للانسان من حيث كونه كذلك، لا يجوز إجراؤه إلا فى حالة من حالات التلبس كما هو معرف به قانونا، أو بإذن من جهة قضائية مختصة.
4 - من المقرر أن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، وأن تلقى مأمور الضبط القضائى نبأ الجريمة عن الغير لا يكفى لقيام حالة التلبس ما دام هو لم يشهد أثرا من آثارها ينبئ عن وقوعها.
5 - الأدلة فى المواد الجنائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة بحيث إذا سقط إحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذى كان للدليل الباطل فى الرأى الذى انتهت إليه المحكمة، أو ما كانت تقضى به لو أنها تفطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما سرقا الحلى الذهبية المبينة الوصف والقيمة بالتحقيقات المملوكة......... وكان ذلك بطريق الاكراه الواقع عليها بأن قام المتهم الأول بكم فاها بيديه وقام الثانى بشد وثاقها وتمكنا بذلك من الاستيلاء على الحلى سالف الذكر. واحالتهما محكمة جنايات كفر الشيخ لمحاكمتهما طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الاحالة. وادعت المجنى عليها مدنيا قبل المتهمين بمبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمادة 314 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة عشرة سنوات والزامهما متضامنين بأن يؤديا للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه، أنه إذ دانهما بجريمة السرقة بالاكراه والزمهما بالتعويض، قد شابه القصور فى التسبيب، ذلك بأنهما دفعا ببطلان اعتراف الطاعن الأول بتحقيقات النيابة العامة لكونه وليد قبض باطل لحصوله بغير إذن من النيابة العامة وفى غير الأحوال التى تجيز ذلك إلا أن الحكم رد على هذا الدفع بما لا يصلح ردا، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى فى قوله أنها "تتحصل فى أنه فى صباح يوم 19/ 10/ 1987 توجه المتهمان الأول والثانى إلى منزل المجنى عليها..... وكانا قد اتفقا على سرقة حليها وإذ طرق المتهم الأول باب مسكنها فقد فتحت له ورحبت به إذ سبق أن حضر إليها فى اليوم السابق لاستئجار محل فى مبناها وحال دخوله أمسك بها وكم فاها ودخل المتهم الثانى فور ذلك وامسك بها أيضا وقام المتهمان بالقائها أرضا وربطا يديها وفمها بقماش حتى لا تستغيث وسبب ذلك جروح ونزف من فمها ثم قام المتهمان بالاستيلاء عنوة عن ستة أسوار ذهبية من معصمها كما إنتزعا من عنقها سلسلة ذهبية بها سبيكة ذهبية وخلعا من أصبعها دبلة ذهبية ثم وليا الفرار". وساق مضمون الأدلة التى استند إليها فى قضائه ومن بينها اعتراف الطاعن الأول بتحقيقات النيابة العامة، وما نقله عن رواية ضابط الواقعة المقدم....... رئيس وحدة مباحث فوة، بما مؤداه أنه عقب ابلاغه بالواقعة، أجرى تحرياته عنها، فأسفرت عن أن الطاعنين قد ارتكبا الواقعة، عرض للدفع ببطلان القبض وما تلاه من إجراءات ورد عليه فى قوله: "أنه عن الدفع ببطلان القبض على المتهم الأول وما تلاه من إجراءات وببطلان اعترافه بتحقيق النيابة العامة لبطلان القبض ولأنه وقع تحت اكراه معنوى فإن هذين الدفعين مردودين إذ لا سند لهما فى الأوراق إذ المتهم الأول قبض قانونا وقد اعترف بواقعة السرقة باكراه من المجنى عليها وأرشد عن المسروقات التى أخفاها فى منزله باناء الجبن كما أرشد عن ثمن الأساور الذهبية الخاصة بالمجنى عليها والتى سلمتها والدته إلى....... كأمانة ومن ثم وقع القبض عليه صحيحا فى 20/ 10/ 1987 وقد عرض على النيابة العامة فى 21/ 10/ 1987 حيث أدلى باعترافه فى حرية واختيار ودون اكراه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لا يصح فى القانون التعويل على الاعتراف ما لم يكن ناشئا عن حرية واختيار، وهو لا يعتبر كذلك - ولو كان صادقا - إذا جاء وليد إجراء باطل، ففى هذه الحالة يجب استبعاد الدليل المستمد منه، إلا أن هذا البطلان يستطيل إلى إجراءات التحقيق اللاحقة عليه إذا ثبت لقاضى الموضوع أنها منقطعة الصلة بذلك القبض الباطل. وإذ كان ذلك، وكان الدفع ببطلان الاعتراف لوقوعه أثر قبض باطل يعد من الدفوع الجوهرية التى يتعين على المحكمة أن تعرض لها وترد عليها بأسباب سائغة ما دامت قد عولت على الدليل المستمد من الاعتراف ذاك، وكان الطاعن الأول قد تمسك أمام محكمة الموضوع ببطلان اعترافه بتحقيقات النيابة العامة لكونه وليد قبض باطل. وكان الحكم المطعون فيه - على السياق المتقدم - قد أورد فى معرض رده على الدفع ذاك، بأن الواقعة المسند إلى الطاعنين ارتكابها حدثت بتاريخ 19 من أكتوبر سنة 1987 ثم قبض على الطاعن الأول بتاريخ 20 من أكتوبر سنة 1987 ثم عرض على النيابة العامة فى 21 من أكتوبر سنة 1987 حيث أدلى باعترافه، ثم اطرح الحكم هذا الدفع تأسيسا على أن القبض على الطاعن الأول تم صحيحا، دون أن يورد الأسباب والاعتبارات التى تسوغ هذا التقرير، ودون أن يستظهر فى مدوناته ماهية الإجراءات التى اتخذت من قبل الطاعن وماهيتها من حيث كونها مقيدة للحرية من عدمه، والسلطة التى أمرت باتخاذها حتى يتبين مدى حقها فى الأمر بها، فإن الحكم فى هذا يمثل مصادرة على المطلوب قبل أن ينحسم أمره، فوق قصوره فى التسبيب، ذلك بأن الفقرة الأولى من نص المادة 41 من الدستور قد نصت على أن "الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل، إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة وذلك وفقا لأحكام القانون". وكان مؤدى هذا النص، أن أى قيد يرد على الحرية الشخصية بوصفها من الحقوق الطبيعية المقدسة للانسان من حيث كونه كذلك، لا يجوز إجراؤه إلا فى حالة من حالات التلبس كما هو معرف به قانونا، أو بإذن من جهة قضائية مختصة. وكان من المقرر أن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، وأن تلقى مأمور الضبط القضائى نبأ الجريمة عن الغير لا يكفى لقيام حالة التلبس ما دام هو لم يشهد أثرا من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها، وكان مؤدى الواقعة التى أوردها الحكم ليس فيه ما يدل على أن الجريمة شوهدت فى حالة من حالات التلبس المبينة على سبيل الحصر بالمادة 30 من قانون الاجراءات الجنائية، وليس فيه ما يدل على أن أمرا بالقبض على الطاعن الأول صدر من جهة قضائية مختصة، وإذ كان ذلك، وكان الحكم لم يستظهر أن الاعتراف المنسوب إلى الطاعن الأول بتحقيقات النيابة العامة منبت الصلة بالاجراء المقول ببطلانه، فإنه يكون قد تردى فى حومة القصور فى التسبيب وران عليه العموض والايهام فى مقام الرد على الدفع ببطلان اعتراف الطاعن الأول لأنه جاء وليد قبض باطل، ويعجز من ثم محكمة النقض على إعمال رقابتها للحكم من حيث صحة تطبيق القانون على الوقائع كما صار اثباتها فيه. وهو ما يعيب الحكم ويبطله. ولا يغنى عن ذلك ما أورده الحكم من أدلة أخرى إذ الأدلة فى المواد الجنائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة بحيث إذا سقط إحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذى كان للدليل الباطل فى الرأى الذى انتهت إليه المحكمة، أو ما كانت تقضى به لو أنها تفطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والاعادة دون حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعنان بأوجه الطعن والزام المطعون ضدها - المدعية بالحقوق المدنية بالمصاريف المدنية.