أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 3 - صـ 1

جلسة 25 أكتوبر سنة 1951
(1)
القضية رقم 55 سنة 19 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك ومصطفى فاضل بك وعبد العزيز سليمان بك المستشارين.
أ - إثبات. تقدير شهادة الشهود. سلطة المحكمة في ذلك. لها أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة.
ب - مرض الموت. شهادة الطبيب المعالج المكتوبة. كشف الأشعة. اتخاذ دليل منهما على أن المورث كان مريضاً مرض الموت بالإضافة إلى ما حصلته المحكمة من أدلة أخرى. لا تثريب على المحكمة في ذلك.
جـ - مرض الموت. أداء المورث بعض أعمال في فترات متقطعة من مرضه قبل وبعد التصرف المطعون فيه. ذلك لا ينفي أنه كان مريضاً مرض الموت.
1 - متى كانت الأسباب التي بني عليها الحكم المطعون فيه تطابق الثابت بمحضر التحقيق الذي أجرى في الدعوى والأوراق التي قدمت فيها ومن شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها. وكان ما ينعاه الطاعن عليها لا يخرج عن كونه مجادلة في تقدير شهادة الشهود والأوراق بغية الوصول إلى نتيجة أخرى بمقولة أن المحكمة تغاضت عما استند إليه الطاعن في دفاعه من حجج وبراهين. فهذا الطعن لا يكون له أساس. إذ لمحكمة الموضوع وهى تباشر سلطتها في هذا التقدير أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة متى أقامت قضاءها على أدلة سائغة كافية لحمله.
2 - لا تثريب على المحكمة إذا هي اتخذت مما ورد في شهادة الطبيب المعالج المكتوبة في أنه تولى علاج المورث لمدة تزيد على ستة شهور قبل وفاته وأنه كان مريضاً بنزلة شعبية مزمنة ودرن رئوي وأنه كان طريح الفراش أحياناًً وأحياناً أخرى كان ينتقل إلى جهة أخرى للعلاج وأن سبب وفاته على ما يذكر هو الدرن الرئوي وهبوط في القلب، وكذلك من شهادة كشف الأشعة، دليلاً مضافاً إلى الأدلة والقرائن الأخرى التي ساقتها على مرض المورث بالسل من تاريخ الكشف عليه بالأشعة واشتداد هذا المرض عليه بعد ذلك ووفاته بسببه، مما أدى بها إلى اعتباره مرض موت وتقريرها بناء على ذلك ببطلان العقدين المطعون فيهما لتحريرهما خلال فترة اشتداده، وهى بما لها من سلطة التقدير في هذا الشأن لا حاجة بها إلى اتخاذ أي إجراء آخر في هذا الصدد.
3 - إن أداء المورث بعض الأعمال في فترات متقطعة من مدة مرضه كقبضه مبلغاً من المال وفكه رهناً حيازياً وحصول هذه الأعمال منه قبل وبعد تحرير العقدين المطعون فيهما بصدورهما في مرض الموت – ذلك ليس من شأنه أن ينفى ما انتهت إليه المحكمة من أن المورث كان في فترة اشتداد مرضه عاجزاً عن أعماله العادية حتى إنه أناب عنه غيره في مباشرتها لأن قيامه يمثل ما قام به لا يمنع من اعتبار مرضه مرض موت متى كان شديداً يغلب فيه الهلاك وانتهى بموته.


الوقائع

في يوم 21 من إبريل سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 13 مارس سنة 1949 في الاستئناف رقم 221 سنة 4 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع أصلياً بنقض الحكم المطعون فيه وبتأييد الحكم الابتدائي واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام الطعون عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 26 من إبريل سنة 1949 أعلنت المطعون عليها بتقرير الطعن، وفي 11 من مايو سنة 1949 أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليها بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 25 منه أودعت المطعون عليها مذكرة بدفاعها مشفوعة بمستنداتها طلبت فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وفي 24 من فبراير سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات. وفي 11 من أكتوبر سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة.. إلخ.


المحكمة

.... من حيث إن وقائع الدعوى حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق المقدمة في الطعن, تتحصل في أن المرحوم بريك المصري مورث الطاعن والمطعون عليها والمتوفى في 6 من نوفمبر سنة 1943 باع إلى الطاعن بموجب عقدين محررين في 5 من أغسطس سنة 1943 120 ف و12 ط و2 س (صار مقدارها بعد نزع ملكية جزء منها وفاء للأموال الأميرية 60 ف و20 ط و10 س) وقطعة أرض مساحتها ثمانية عشر قيراطاً بما هو مقام عليها من منزل وملحقاته. وفي 31 من أكتوبر سنة 1946 أقامت والدة الطاعن بصفتها وصية عليه الدعوى رقم 1 كلى دمنهور سنة 1947 على المطعون عليها وبقية الورثة وطلبت فيها الحكم بصحة ونفاذ عقدي البيع المذكورين. فدفعت المطعون عليها بصدورهما من المورث في مرض موته. وفي 24 من إبريل سنة 1947 قضت محكمة دمنهور الابتدائية بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ونفى هذا الدفاع أي طريق من طرق الإثبات بما فيها البينة. وبعد أن تم التحقيق قضت المحكمة في 20 من مايو سنة 1948 بصحة ونفاذ العقدين وإلزام المطعون عليها بالمصروفات من تركة مورثها: مؤسسة قضاءها على أنه وإن كان ثلاثة من شهود الإثبات الأربعة شهدوا بأنهم سمعوا بالإشاعة أن المورث كان مريضاً بالسل، إلا أنهم اختلفوا سواء في تحديد بداية ظهور المرض عنده أو في تحديد بداية انقطاعه انقطاعاً كلياً عن مباشرة أعماله، وعلى أنه بفرض صحة ما ذهبت إليه المطعون عليها من أنه كان مريضاً بالسل، استناداً إلى شهادة صادرة من مستشفى الملك فؤاد بالإسكندرية تفيد أنه ظهر من الكشف عليه بالأشعة في يوم 4 من مارس سنة 1943 وجود دون تكهفى برئته اليمنى، وإلى تقرير من الدكتور كامل جرجس يتضمن أن المورث كان مريضاً بنزلة شعبية مزمنة ودرن رئوي وأنه تولى علاجه قبل وفاته بمدة تزيد على ستة شهور، إلا أنه لما كان مرض الموت هو المرض الذي يعجز صاحبه عن القيام بأعماله ويكون الغالب فيه موته، وكان السل من الأمراض التي قد يطول أمدها لأكثر من سنة، ومن ثم لا يعد مرض موت إلا إذا اشتد ولا يعتبر كذلك إلا في فترة اشتداده فقط، وكان شهود الإثبات قد تضاربوا في تحديد بداية ظهور المرض عند المورث وفي بداية اشتداده عليه، فإن المحكمة تستنتج من ذلك صحة ما شهد به شاهد النفي من أنه لم ينقطع عن مباشرة أعماله إلا قبل وفاته بمدة لا تزيد على شهر أي بعد تحرير العقدين المطعون فيهما بزمن طويل، مما يتعين معه اعتبارهما صحيحين. وفي 8 من نوفمبر سنة 1948 استأنفت المطعون عليها هذا الحكم فقضت محكمة استئناف الإسكندرية في 13 من إبريل سنة 1949 بإلغائه ورفض دعوى الطاعن وإلزامه بمصروفاتها عن الدرجتين وهو الحكم المطعون فيه، وتتحصل الأسباب التي أقيم عليها في: (أولاً) أنه يتضح من التحقيق الذي أجرته محكمة الدرجة الأولى أن شهود الإثبات الأربعة قد أجمعوا على أن المورث كان مريضاً بالسل، وأنه وإن كان علمهم بهذا المرض مستمداً من طريق السماع، إلا أنه قد تأيد بما جاء في الشهادة الصادرة من مستشفى الملك فؤاد بالإسكندرية من أنه في يوم 4 من مارس سنة 1943 كشف على المورث بالأشعة فتبين وجود درن تكهفى برئته اليمنى، وكذلك بما أثبته الدكتور كامل جرجس (مفتش صحة مركز أبى حمص) في شهادته المكتوبة من أنه تولى علاج المورث لمدة تزيد على ستة شهور قبل وفاته وأنه كان مريضاً بنزلة شعبية مزمنة ودرن رئوي وأحياناً كان طريح الفراش وأحياناً أخرى كان ينتقل إلى الإسكندرية للعلاج علاوة على العلاج الذي كان يؤديه له، وأن سبب وفاته على ما يذكر درن رئوي وهبوط في القلب، وأن فيما تقدم ما يقطع في أن المورث كان مريضاً بالسل وأنه توفي بسبب هذا المرض (وثانياً) أن شاهد الإثبات الأول شهد بأن المورث استمر مريضاً لمدة سنة قبل وفاته ولزم فراشه لمدة ستة شهور حتى توفي، وأن المدعو عبد القوي المصري هو الذي كان يباشر أعماله في هذه الفترة، وأن الشاهد الثاني ذكر أن المورث استدعاه إلى منزله قبل وفاته بحوالي ثلاثة أو أربعة شهور أي في تاريخ العقدين المطعون فيهما – وكلفه بتحرير عقد بيع المنزل وأنه ظل مريضاً من هذا اليوم حتى يوم وفاته, وأن الشاهد الثالث قال إن المورث استدعاه إلى منزله قبل وفاته بخمسة عشر يوماً وكان في ذلك الوقت مريضاً وطلب إليه التوقيع بصفة شاهد على عقد بيع المنزل - وهذه الشهادة وإن خلت مما يفيد سير المرض إلا أنها لا تنفى أن المورث كان مريضاً قبل ذلك، وأن الشاهد الرابع قرر أنه علم بأن المورث كان مريضاً بالسل وأن المرض ظهر عنده في أوائل شهر مارس سنة 1943 ثم اشتد عليه شيئاً فشيئاً حتى ألزمه فراشه قبل وفاته بشهرين، وأنه يبين بجلاء من شهادة هؤلاء الشهود مجتمعة ومن الشهادتين الطبيتين المقدمتين من المطعون عليها، مضافاً إليها ما شهد به شاهد النفي الأول من أنه قابل المورث في شهر يوليه سنة 1943 ولاحظ عليه آثار الضعف والهزال كما شكا إليه من مرضه، وكذلك ما قرره شاهد النفي الثاني من أن الدكتور كامل جرجس كان يقوم بعلاج المورث أحياناً في بلده وأحياناً في أبى حمص عندما كان ينتقل إليه وذلك في الوقت الذي طلب منه فيه التوقيع على العقدين - إنه يبين بجلاء من ذلك كله أن مرض السل ظهر عند المورث على أقل تقدير في 4 من مارس سنة 1943 تاريخ الكشف عليه بالأشعة وأنه لم يتحسن من هذا التاريخ بل استمر في الزيادة بدليل أنه لجأ بعد ذلك إلى الدكتور كامل جرجس قبل وفاته بستة شهور ثم أخذ المرض يشتد عليه ابتداء من شهر يوليه سنة 1943 والطبيب يستمر في علاجه والمرض يزداد شدة حتى ألزمه داره ثم انتهى بوفاته في نوفمبر سنة 1943، وأنه لما كان العقدان المطعون فيهما قد حررا في شهر أغسطس سنة 1943 أي خلال هذه الفترة التي اشتدت فيها وطأة المرض فيكونان قد صدرا من المورث في مرض موته (وثالثاً) أنه إذا أضيف إلى ما تقدم ما أجمع عليه شهود الإثبات من أن عبد القوي المصري هو الذي كان يباشر أعمال المورث وقت مرضه وما قرره شاهد النفي من أن عبد القوي المذكور كان يباشر أعماله قبل وفاته بشهر واحد لرجحت المحكمة أقوال شهود الإثبات لخلوها من أي مطعن ولتأييد أقوال شاهدي النفي لها تأييداً جزئياً، وبذلك يكون قد تجمع لدى المحكمة من الأدلة السالف ذكرها ما يفيد أن مرض المورث قد اشتد عليه ابتداء من شهر يوليه سنة 1943 وأن هذا المرض قد أقعده عن مباشرة أعماله الخصوصية على الأقل منذ هذا التاريخ حتى وفاته بدليل أن المستأنف عليهم (وهم الطاعن ووالدته السيدة نظله الجبالي عن نفسها وبصفتها وصية على ابنتها عليه بريك المصري) لم يقدموا أي دليل على أن المورث باشر عملاً ما بنفسه بعد يوليه سنة 1943 (ورابعاً) أنه إذا أضيف أيضاً أن المستأنف عليهم لم يحركوا ساكناً من تاريخ وفاة المورث في سنة 1943 حتى تاريخ رفع الدعوى في سنة 1947 وأن والدة الطاعن التي كانت وصية عليه قررت في مذكرتها المقدمة إلى محكمة الدرجة الأولى أن ثمن الصفقة كان مقابل تنازلها عن دين لها في ذمة المورث ثم عادت وأدرجته كاملاً بمحضر تركته لكان في هذه الظروف ما يرجح أن العقدين المطعون فيهما إنما حررا في مرض موت المورث وأن المستأنف عليهم كانوا يشعرون في قرارة نفوسهم بأنهما مشوبان بالبطلان وأن الدعوى الحالية لم ترفع كما قالت المطعون عليها إلا رداً على الدعاوى التي أقامتها على والدة الطاعن بريع نصيبها في التركة.
ومن حيث إن الطعن بني على سبب واحد حاصله أن الحكم المطعون فيه مشوب بالبطلان لقصور أسبابه وخطئه في الاستدلال والإسناد وذلك في أربعة مواضع (الأول) إذ قطعت محكمة الاستئناف، استناداً إلى ما سبق ذكره في (أولاً) من حاصل أسباب الحكم، في أن المورث كان مريضاً بالسل وأن هذا المرض كان سبب وفاته - مع أنه يبين من شهادة شهود الإثبات وأولهم شقيق لزوج المطعون عليها ورابعهم ابن أخ للمورث أنها مبنية على السماع وخلو من الإجماع الذي قالت به المحكمة، إذ أجاب ثالثهم بأنه ما كان يعرف نوع من مرض المورث، وإنما علم بالإشاعة بعد وفاته أنه مرض السل، وأن رابعهم وإن كان قد شهد بنوع المرض إلا أنه قال إنه علم به قبل وفاة المورث بشهرين فقط: أما شهادة الطبيب المعالج فهي كلام مكتوب وليست بشهادة يمكن الاطمئنان إليها ولاسيما أنه لم يجزم فيها بسبب الوفاة إذ قال إنه - على ما يذكر - درن رئوي وهبوط في القلب، مما يحتمل معه أن يكون لها سبب أخر غير مرض السل، كما أنه لا يجدي في هذا الخصوص اعتماد المحكمة على شهادة الأشعة إذ ليس في مقدورها أن تقرأها قراءة منتجة وأن تقدر خطورة الدرن التكهفي دون الاستعانة بأهل الفن إذ قد تتعدد التكهفات بل قد يصل الأمر إلى حد انتزاع إحدى الرئتين ومع ذلك يشفى المريض ويبقى سليماً معافى (والثاني) إذ قررت المحكمة أن مرض السل قد اشتد على المورث ابتداء من شهر يوليه سنة 1943 حتى انتهى بوفاته ورتبت على ذلك أن العقدين المطعون فيهما، وقد حررا في شهر أغسطس سنة 1943 أي خلال هذه الفترة من اشتداد المرض، يكونان قد صدرا منه في مرض موته وذلك استناداً إلى ما سبق ذكره في (ثانياً) من حاصل أسباب الحكم - مع أنه ينقض شهادة شاهد الإثبات الأول ما قرره الطبيب المعالج من أن المورث كان في فترة العلاج التي زادت على ستة شهور تسافر إلى الإسكندرية بقصد الاستشفاء، وهو قول يقطع في أنه لم يلزم فراشه بل ينفى عنه العجز عن العمل والشعور بدنو الأجل إذ لم يفعل سوى ما يفعله الأصحاء الذين يمضون ويسعون وراء البرء من الأرض ولاسيما أنه لم يشهد حد بأن المورث كان محتاجاً إلى معاونة شخص آخر أثناء سفره للعلاج: وأنه ليس في شهادة شاهد الإثبات الثاني ما يؤيد فترة اشتداد المرض كما حددتها المحكمة إذ لم يشهد إلا بمرض المورث من وقت تحرير العقدين حتى وقت الوفاة: وأن شهادة شاهد الإثبات الثالث اقتصرت على القول بمرض المورث من الخمسة عشر يوماً الأخيرة من حياته دون أن يرد فيها ما يفيد اشتداده من شهر يوليه سنة 1943: وأن شهادة شاهد الإثبات الرابع جاءت متناقضة إذ بينما قرن أقواله بتاريخ ونتيجة شهادة الأشعة إذ به قال إن فترة اشتداد المرض كانت لمدة شهرين فقط قبل الوفاة: وأن شهادتي الطبيب المعالج والأشعة لا تتضمنان شيئا عن اشتداد المرض من شهر يوليه سنة 1943 حتى تاريخ الوفاة، أما استدلال المحكمة على هذا الاشتداد بالتجاء المورث إلى الطبيب المعالج بعد الكشف عليه بالأشعة فهو استدلال غير صحيح إذ المألوف أن يلجأ المريض أولاً إلى الطبيب في بلده ثم يشير عليه بعمل الأشعة إن رأى لها موجباً، وفضلاً عن ذلك فقد قرر الطبيب أن المورث كان يسافر إلى الإسكندرية للعلاج فلو كانت حالته قد بلغت الخطورة التي يخشى منها الهلاك لبقى يعالج بها خصوصاً وأن حالته المالية كانت تسمح له بذلك، كما أنه لو كانت هناك علاقة بين اشتداد المرض والالتجاء إلى الطبيب لما تردد حضرته في ذكرها صراحة في شهادته: وأنه يبين من شهادة شاهد النفي الأول أنه قال إن المورث حضر إليه في شهر يوليه سنة 1943 بمكتبه بكفر الدوار كما أكد مرتين أنه كان بصحة طيبة ولم يقل بمرضه إلا في عشرة الأيام الأخيرة من حياته، أما كون جسمه ضعيفاً ويشكو المرض فهذا أمر طبيعي لمجاورته الستين من عمره كما أن ضعف الجسم ليس معناه أن المرض قد اشتد أو أنه مرض موت، وبذلك تكون المحكمة قد أولت شهادة هذا الشاهد تأويلاً لا يتفق ومدلولها وأخذت بجزء منها وتغافلت عن بقيتها: وأنه لم يرد في شهادة شاهد النفي الثاني شيء عن اشتداد المرض من شهر يوليه سنة 1943 إذ كل ما قرره هو أن المورث لزم داره في الشهر الأخير من حياته بل إنه لما سئل عن صحته أجاب بأنه كان يباشر أعماله بنفسه (والثالث) إذ قالت المحكمة، استناداً إلى ما سبق ذكره في (ثالثاً) من أسباب الحكم، بعجز المورث عن أعماله وقت مرضه، مع أنه يبين من شهادة شهود الإثبات أنهم لم يجمعوا على عجز المورث عن العمل وخاصة أن ثانيهم قرر أنه وقت تحرير العقدين كان يقوم بعمله بنفسه ويخرج من منزله ويسافر: وأن شاهد النفي الأول شهد بأن المورث في يوم 15 يوليه سنة 1943 تعامل معه في شئون القطن وقبض منه خمسة وخمسين جنيهاً وقدم الطاعن الأوراق المثبتة لذلك: وأن شاهد النفي الثاني قال إن المورث ظل يباشر أعماله إلى ما قبل وفاته بشهر: وأنه يتضح من ذلك أن أقوال شاهدي النفي ليس فيها ما يؤيد أقوال شهود الإثبات تأييداً جزئياً كما قررت المحكمة: وأن الطاعن استدل على أن المورث كان يقوم بأعماله حتى قبيل وفاته بتعامله مع دائنيه وفكه رهناً حيازياً في 18 من أكتوبر سنة 1943 وقدم المستند المثبت لهذا التعامل، هذا في حين أنه لم يكن مكلفاً قانوناً بهذا الإثبات إذ يقع على المطعون عليها عبء إثبات عجز المورث عن العمل وقت مرضه، وبذلك تكون المحكمة إذ قررت أن الطاعن لم يقدم دليلاً على قيام المورث بأي عمل بعد شهر يوليه سنة 1943 قد أخطأت في الإسناد (والرابع) إذ استدلت المحكمة أخيراً على صدور العقدين المطعون فيهما في مرض موت المورث بما سبق ذكره في (رابعاً) من حاصل أسباب الحكم مع أنه ثابت أن الطاعن ووالدته وضعا اليد على العقارات المبيعة عقب صدور العقدين مباشرة وأعلنا ذلك إلى عبد القوي المصري في 24 من أكتوبر سنة 1943 ولم تحصل منازعة في وضع اليد المذكور لا من المطعون عليها ولا من غيرها من الورثة مما يفيد تسليمهم بصحة العقدين ولم يكن باقياً إلا استيفاء إجراءات التسجيل التي لم تر الوصية بأساً من تأخيرها بعض الوقت: أما قيام والدة الطاعن بإدراج دينها بمحضر حصر التركة ثم تقريرها في المذكرة بنزولها عنه مقابل ثمن الصفقة فإنه لا يفيد صدور العقدين في مرض موت المورث إذ لا تعدو دلالة هاتين الواقعتين أن والدة الطاعن أرادت من باب الأخذ بالأحوط إثبات دينها مع انتوائها النزول عنه مقابل الشراء الذي صدر لابنها، هذا فضلاً عن مخالفة المحكمة للواقع في هذا الخصوص إذ تصورت أن النزول عن الدين حصل أولاً ثم تلاه إدراجه بمحضر حضر التركة: ومع أنه ليس في رفع الدعوى الحالية رد على دعوى المطعون عليها بريع نصيبها في التركة أي دلالة على أن العقدين صدرا في مرض الموت، ذلك أن المطعون عليها هي التي آثرت طريق التقاضي فكان لزاماً أن يطالب الطاعن بصحة ونفاذ العقدين محافظة على حقوقه.
ومن حيث إنه لما كانت الأسباب التي بني عليها الحكم المطعون فيه تطابق الثابت بمحضر التحقيق الذي أجري في الدعوى والأوراق التي قدمت فيها ومن شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها وكان ما ينعاه الطاعن عليها لا يخرج عن كونه مجادلة في تقدير شهادة الشهود والأوراق بغية الوصول إلى نتيجة أخرى بمقولة إن المحكمة قد تغاضت عما استند إليه الطاعن في دفاعه من حجج وبراهين - وكان لمحكمة الموضوع وهى تباشر سلطتها في هذا التقدير أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة متى أقامت قضاءها على أدلة سائغة تكفى لحمله كما هو الحال في الدعوى. وكان لا تثريب على المحكمة إن هي اطمأنت إلى ما ورد في شهادة الطبيب المعالج المكتوبة وشهادة كشف الأشعة واتخذته دليلاً مضافاً إلى الأدلة والقرائن الأخرى التي أوردتها على مرض المورث بالسل من شهر مارس سنة 1943 تاريخ الكشف عليه بالأشعة واشتداد هذا المرض عليه من شهر يوليه سنة 1943 ووفاته بسببه في نوفمبر سنة 1943، وهو ما أدى بها إلى اعتباره مرض موت ومن ثم تقريرها ببطلان العقدين المطعون فيهما لتحريرهما خلال هذه الفترة من اشتداده، وذلك لما لها من سلطة التقدير في هذا الشأن دون أن تكون في حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر مما أشار إليه الطاعن - وكان كذلك غير منتج ما استدل به الطاعن على أن المورث لم يكن عاجزاً عن مباشرة أعماله وبالتالي لم يكن مريضاً مرض موت من سفره إلى أبي حمص والإسكندرية للعلاج وتعامله مع شاهد النفي الأول في شهر يوليه سنة 1943 وقبضه منه خمسة وخمسين جنيهاً وفكه رهناً حيازياً في شهر أكتوبر سنة 1943 أي قبل وبعد تحرير العقدين، ذلك لأن أداء هذه الأعمال في فترات متقطعة ليس من شأنه أن ينفى ما قررته المحكمة أخذاً بشهادة شهود الإثبات من أن المورث كان في فترة اشتداد مرضه عاجزاً عن أعماله العادية حتى إنه أناب عنه عبد القوي المصري في مباشرتها، ولأن قيام المورث بالأعمال أنفة الذكر لا يمنع والحالة هذه من اعتبار مرضه مرض موت متى كان شديداً يغلب فيه الهلاك وانتهى بموته وفقاً لما قررته المحكمة استناداً إلى أسباب سائغة، لما كان ذلك وكان غير صحيح ما نعاه الطاعن من أن المحكمة، إذ تصورت أن نزول والدته عن دينها في ذمة المورث حصل أولاً ثم تلاه إدراجه كاملاً بمحضر حضر تركة المورث واتخذت من ذلك قرينة على أن والدة الطاعن كانت تشعر بما يشوب العقدين من بطلان، إذ فعلت ذلك تكون قد خالفت الواقع، وذلك لأن المعنى المستفاد من العبارة التي أوردتها المحكمة في هذا الخصوص هو أن نزول والدة الطاعن عن دينها مقابل ثمن الصفقة موضوع العقدين كان معاصراً لتحريرهما وهو ما يطابق قولها في المذكرة المقدمة منها إلى محكمة الدرجة الأولى بصفتها وصية على الطاعن "ثم وفي سنة 1943 أي في تاريخ تحرير العقدين حصل استنزال لهذا الدين بدلاً من أن يكون ديناً أصبح ثمناً للصفقة موضوع العقدين سالفي الذكر وثمناً من مال والدة القاصر" الأمر الذي يفيد أن نزول والدة الطاعن عن دينها مقابل ثمن الصفقة كان سابقاً على قيامها بإدراجه كاملاً بمحضر حصر التركة كما قالت المحكمة - لما كان ذلك كذلك يكون الطعن بجميع أوجهه على غير أساس ومن ثم يتعين رفضه