أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 33 - صـ 254

جلسة 17 من فبراير سنة 1982

برئاسة السيد المستشار/ محمد كمال عباس نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد إبراهيم الدسوقي، محمد علي هاشم، فهمي عوض مسعد ومحمد شوقي أحمد.

(46)
الطعن رقم 754 لسنة 46 القضائية

(1) نقض "سلطة محكمة النقض". نظام عام.
المسائل المتعلقة بالنظام العام. حق محكمة النقض في إثارتها من تلقاء نفسها. شرطه.
(2، 3) إيجار "إيجار الأماكن". قانون "سريان القانون". نظام عام.
(2) المراكز القانونية التي نشأت في ظل القانون القديم. خضوعها له في أثارها وانقضائها. القواعد الآمرة في القانون الجديد. وجوب إعمالها بأثر فوري على ما لم يكن قد اكتمل من هذه المراكز من حيث أثارها وانقضائها.
(3) خضوع العقد كأصل للقانون الذي أبرم في ظله. الاستثناء. صدور قانون جديد يتضمن أحكاماً متعلقة بالنظام العام. وجوب إعمالها على العقود السارية وقت العمل به بأثر فوري. مثال في إيجار.
(4) إيجار "الإخلاء لعدم الوفاء بالأجرة". قانون. نظام عام.
دعوى إخلاء المستأجر لعدم الوفاء بالأجرة. جواز توقيه الحكم عليه بالإخلاء بسداده الأجرة والمصاريف والنفقات دون الفوائد. ق 49 لسنة 1977.
(5) إيجار "الإخلاء". شريعة إسلامية. دستور.
عدم جواز الحكم بالإخلاء استناداً إلى عدم سداد الفوائد على الأجرة المتأخرة ق 49 لسنة 1977 وإعمالاً لأحكام الشريعة الإسلامية والدستور. علة ذلك. سريان هذا الحكم بأثر فوري على المراكز القانونية وقت نفاذه ولو كانت ناشئة قبله طالما لم تستقر بحكم نهائي لتعلقه بالنظام العام.
(6) حكم "الإخلاء لعدم سداد المصاريف" "قصور".
الحكم بإخلاء المستأجر لعدم سداد المصاريف الرسمية دون بيان جملة المبالغ المستحقة عليه والمبالغ التي أوفاها. قصور.
1 - لمحكمة النقض أن تثير من تلقاء نفسها في الطعن مسألة متعلقة بالنظام العام تكون واردة على ما دفع عنه الطعن شريطة توفر جميع العناصر التي تبيح الإلمام بها لدى محكمة الموضوع [(1)].
2 - المقرر في قضاء محكمة النقض [(2)] أن الأصل أن القانون يسري بأثر فوري على المراكز القانونية التي تتكون بعد نفاذه سواء في نشأتها أو في إنتاجها آثارها، أو في انقضائها، وهو لا يسري على الماضي، فالمراكز القانونية التي نشأت واكتملت فور تحقق سببهاً قبل نفاذ القانون الجديد تخضع للقانون القديم الذي حصلت في ظله، أما المراكز القانونية التي تنشأ وتكتمل خلال فترة تمتد في الزمان فإن القانون القديم يحكم العناصر والآثار التي تتحقق في ظله في حين يحكم القانون الجديد العناصر والآثار التي تتم بعد نفاذه، ولئن كانت المراكز القانونية الاتفاقية تظل خاضعة للقانون القديم التي نشأت في ظله. باعتبار أنه تعبير عن إرادة ذوي الشأن. في نشوئها أو في آثارها، أو في انقضائها، إلا أن هذا مشروط بألا يكون القانون الجديد قد أخضع المراكز القانونية سالفة البيان لقواعد آمرة، فحينئذ يطبق القانون الجديد فوراً على ما لم يكن قد اكتمل من هذه المراكز، وعلى آثار هذه المراكز الحاضرة والمستقبلة كما يحكم انقضاءها.
3 - إذ كان عقد الإيجار موضوع التداعي مبرماً في ظل القانون 52 لسنة 1969 فإن هذا القانون يكون - بحسب الأصل - هو الواجب التطبيق على العقد من تاريخ إبرامه وطوال مدة سريانه حتى إذا ما استجدت بعده أحكام متعلقة بالنظام العام فإنها تسري من تاريخ العمل بالقانون التي استحدثها.
4 - إذ كانت المادة 23 من القانون 52 لسنة 1969 قد نصت في الفقرة الثانية منها على أنه "....... ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر بأداء الأجرة وفوائدها بواقع 7% عن تاريخ الاستحقاق وحتى تاريخ السداد والمصاريف الرسمية وذلك قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى....... "إلا أنه وقد صدر القانون 49 لسنة 1977 متضمناً في الفقرة الثانية من المادة 31 منه والتي حلت محل المادة 23/ 2 سالفة الذكر على أنه "..... ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية......." فإن مؤدى ذلك أن المشرع قد استحدث بالنص الجديد تعديلاً مفاده أن المشرع يجعل من أداء الفوائد شرطاً لتوقي الإخلاء بحيث لم يعد التخلف عن سدادها في هذه الحالة سبباً من أسباب الإخلاء [(3)].
5 - الغاية التي دعت المشرع إلى هذا التعديل - (المادة 31 من ق 49 لسنة 1977) ليس مجرد التيسير على المستأجر الذي وضع حكم توقي الإخلاء في الأصل بقصد حمايته - بل اتجاهاً من المشرع إلى مناهضة الفوائد والنزوع إلى استنكار الربا أخذاً بما تمليه مبادئ الشريعة الإسلامية في هذا الصدد واتساقاً مع ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور المعدلة الصادر في سنة 1981 من اعتبار هذه المبادئ المصدر الرئيسي للتشريع، لما كان ذلك. فإن هذا النص المستحدث يكون متعلقاً بالنظام العام ويسري بأثر فوري على المراكز القانونية وقت نفاذه ولو كانت ناشئة قبله طالما لم تستقر بعد بصدور حكم نهائي فيها، وإذ كانت أثار المركز القانوني الذي يتمتع به المطعون ضده الأول طبقاً لنص المادة 23/ 2 من القانون رقم 52 لسنة 1969 ويخول حق إخلاء الطاعن لعدم سداده الفوائد قد أدركها القانون الجديد 49 لسنة 1977 قبل أن تتحقق تلك الآثار وتستقر فعلاً بصدور حكم نهائي في النزاع بما مؤداه عدم جواز الحكم بالإخلاء استناداً إلى عدم سداد الفوائد.
6 - إذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اقتصر على الإشارة إجمالاً إلى المستندات التي قدمها الطاعن وعلى مجرد القول أن المبالغ التي سددها الطاعن لمصلحة العوايد والمبالغ التي عرضها غير مبرئة لذمته لأن العرض ناقص لعدم اشتماله على فوائد الأجرة المتأخرة في ذمته بواقع 7% من تاريخ استحقاقها حتى تاريخ السداد والمصاريف الرسمية دون أن يبين جملة المبالغ المستحقة عليه والمبالغ التي أوفاها الطاعن بهذه المستندات وكيف أفادت أنها توفي الأجرة فحسب دون المصاريف الرسمية فإنه يكون معيباً بالقصور.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 4541 لسنة 1973 شمال القاهرة الابتدائية على الطاعن بطلب الحكم بإخلائه من الشقة المبينة بصحيفة الدعوى وقال بياناً لها أن الطاعن يستأجر هذه الشقة بإيجار شهري قدره 6 جنيه و720 مليم وذلك ثابت من الحكم الصادر في الدعوى رقم 3079 لسنة 1957 القاهرة الابتدائية وقد امتنع عن سداد الإيجار المستحق عليه ابتداء من نوفمبر سنة 1971 حتى مايو سنة 1973 رغم تكليفه بالوفاء لذلك أقام الدعوى. أدخل الطاعن المطعون ضده الثاني بنك ناصر الاجتماعي باعتباره ممثلاً لبيت المال خصماً في الدعوى لينضم إليه في طلب رفض الدعوى استناداً إلى أن ملكية العقار آلت لبيت المال بعد وفاة مالكته - وبتاريخ 20/ 11/ 1974 حكمت المحكمة بالإخلاء. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 5296 سنة 91 ق القاهرة. وبتاريخ 26/ 5/ 1976 حكمت المحكمة بالتأييد. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أقام قضاءه بالإخلاء استناداً إلى تراخي الطاعن عن وفاء الفوائد والمصاريف الرسمية عملاً بالفقرة الثانية من المادة الثالثة والعشرين من القانون رقم 52 لسنة 1969 في حين أن هذا النص رخص للمستأجر أن يتوقى الحكم بالإخلاء إذا قام بالوفاء بالأجرة وفوائدها بواقع 7% من تاريخ الاستحقاق حتى تاريخ السداد والمصاريف الرسمية وذلك قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى، ولما كانت الإدارة العامة للإيرادات بمحافظة القاهرة قد أوقعت حجزاً تحت يده وفاء للضريبة المستحقة على العقار الذي به شقة النزاع فقام بسداد مبالغ لها كما قام بالوفاء بمبالغ أخرى للمطعون ضده الأول بموجب إنذارات عرض وإيداع وقدم المستندات الدالة على ذلك، وهذه المبالغ التي أوفاها تزيد عما هو مستحق عليه، وإذ قضى الحكم المطعون فيه رغم ذلك بالإخلاء فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه لما كان يحق لمحكمة النقض أن تثير من تلقاء نفسها في الطعن مسألة متعلقة بالنظام العام تكون واردة على ما رفع عنه الطعن شريطة توافر جميع العناصر التي تبيح الإلمام بها لدى محكمة الموضوع. لما كان ذلك وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن الأصل أن القانون يسري بأثر فوري مباشر على المراكز القانونية التي تتكون بعد نفاذه، سواء في نشأتها أو في إنتاجها آثارها أو في انقضائها، وهو لا يسري على الماضي، فالمراكز القانونية التي نشأت واكتملت فور تحقق سببهاً قبل نفاذ القانون الجديد تخضع للقانون القديم الذي حصلت في ظله أما المراكز القانونية التي تنشأ وتكتمل خلال فترة تمتد في الزمان، فإن القانون القديم يحكم العناصر والآثار التي تتحقق في ظله في حين يحكم القانون الجديد العناصر والآثار التي تتم بعد نفاذه، ولئن كانت المراكز القانونية الاتفاقية تظل خاضعة للقانون القديم التي نشأت في ظله باعتبار أنه تعبير عن إرادة ذوي الشأن في نشوئها أو في آثارها أو في انقضائها، إلا أن هذا مشروط بألا يكون القانون الجديد قد أخضع المراكز القانونية سالفة البيان لقواعد آمرة فحينئذ يطبق القانون الجديد فوراً على ما لم يكن قد اكتمل من هذه المراكز، وعلى آثار هذه المراكز الحاضرة والمستقبلة كما يحكم انقضاءها، ولما كان عقد الإيجار موضوع التداعي مبرماً في ظل القانون رقم 52 لسنة 1969 فإن هذا القانون يكون - بحسب الأصل - هو الواجب التطبيق على العقد من تاريخ إبرامه وطوال مدة سريانه حتى إذا ما استجدت بعده أحكام متعلقة بالنظام العام فإنها تسري من تاريخ العمل بالقانون التي استحدثها ولئن كانت المادة 23 من القانون المذكور قد نصت في الفقرة الثانية منها على أنه "..... ولا يحكم بالإخلاء إذا أقام المستأجر بأداء الأجرة وفوائدها بواقع 7% من تاريخ الاستحقاق وحتى تاريخ السداد والمصاريف الرسمية وذلك قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى إلا أنه وقد صدر القانون رقم 49 لسنة 1977 متضمناً في الفقرة الثانية من المادة 31 منه والتي حلت محل المادة 23/ 2 سالفة الذكر النص على أنه "..... ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية......" فإن مؤدى ذلك أن المشرع قد استحدث بالنص الجديد تعديلاً مفاده أن المشرع لم يجعل من أداء الفوائد شرطاً لتوقي الإخلاء بحيث لم يعد التخلف عن سدادها في هذه الحالة سبباً من أسباب الإخلاء، ولما كانت الغاية التي دعت إلى هذا التعديل ليس مجرد التيسير على المستأجر الذي وضع حكم توقي الإخلاء في الأصل بقصد حمايته - بل اتجاهاً من المشرع إلى مناهضة الفوائد والنزوع إلى استنكار الربا أخذاً بما تمليه مبادئ الشريعة الإسلامية في هذا الصدد واتساقاً مع ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور المعدلة الصادر في سنة 1981 من اعتبار هذه المبادئ المصدر الرئيسي للتشريع، لما كان ذلك فإن هذا النص المستحدث يكون متعلقاً بالنظام العام ويسري بأثر فوري على المراكز القانونية وقت نفاذه ولو كانت ناشئة قبله طالما لم تستقر بعد بصدور حكم نهائي فيها وإذ كانت آثار المركز القانوني الذي يتمتع به المطعون ضده الأول طبقاً لنص المادة 23/ 2 من القانون رقم 52 لسنة 1969 ويخوله حق إخلاء الطاعن لعدم سداده الفوائد قد أدركها القانون الجديد 49 لسنة 1977 قبل أن تتحقق تلك الآثار وتستقر فعلاً بصدور حكم نهائي في النزاع بما مؤداه عدم جواز الحكم بالإخلاء استناداً إلى عدم سداد الفوائد، لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بالإخلاء إلى عدم سداد الطاعن الفوائد بواقع 7% من تاريخ الاستحقاق حتى تاريخ السداد والمصاريف الرسمية، فإنه يكون في استناده إلى عدم سداد الطاعن للفوائد قد غدا وبعد صدور القانون 49 لسنة 1977 ولا سند له من القانون أما استناده إلى عدم سداد الطاعن المصاريف الرسمية فإنه لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اقتصر على الإشارة إجمالاً إلى المستندات التي قدمها الطاعن وعلى مجرد القول أن المبالغ التي سددها الطاعن لمصلحة العوايد والمبالغ التي عرضها غير مبرئة لذمته لأن العرض ناقص لعدم اشتماله على فوائد الأجرة المتأخرة في ذمته بواقع 7% من تاريخ استحقاقها حتى تاريخ السداد والمصاريف الرسمية دون أن يبين جملة المبالغ المستحقة عليه والمبالغ التي أوفاها الطاعن بهذه المستندات وكيف أفادت أنها توفي الأجرة فحسب دون المصاريف الرسمية فإنه يكون معيباً بالقصور بما يستوجب نقضه.


[(1)] نقض 29/ 1/ 1975 مجموعة المكتب الفني السنة 26 ص 284. ونقض 22/ 1/ 1976 مجموعة المكتب الفني السنة 20 ص 284.
[(2)] نقض 20/ 12/ 1980 الطعن رقم 297 لسنة 50 ق لم ينشر.
[(3)] نقض 12/ 4/ 1980 الطعن رقم 141 لسنة 49 ق لم ينشر.