أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الحادية والأربعون - صـ 640

جلسة 19 من ابريل سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف أبو النيل وعمار ابراهيم وأحمد جمال عبد اللطيف ومحمد حسين مصطفى.

(110)
الطعن رقم 11971 لسنة 59 القضائية

(1) حكم "بيانات حكم الإدانة" "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
خلو حكم الإدانة من مادة تعريفية لا شأن لها بالعقوبة. لا يعيبه.
(2) محكمة استئنافية. استئناف. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
احالة المحكمة الاستئنافية فى ذكر وقائع الدعوى أو بعضها إلى ما ورد بالحكم الابتدائى. صحيح. ولو خالفته الرأى ما دام التنافر منتفيا.
(3) دفاع "الاخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
نفى التهمة. دفاع موضوعى. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم.
(4) اثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع الاعراض عن قالة شهود النفى وأدلة النفى. ما دامت لا تثق فيها.
(5) استدلالات. مأمورو الضبط القضائى.
لرجل الضبط الاستعانة بمعاونيه فيما يجريه من تحريات. أساس ذلك ؟
(6) اثبات "بوجه عام". حكم "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل".
قيام عقيدة المحكمة على المقاصد والمعانى. لا على الألفاظ والمبانى.
الخطأ فى الاسناد الذى لا يعيب الحكم. ماهيته ؟
مثال.
(7) استنئاف "نظره والحكم فيه". قانون "تفسيره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استفاد محكمة أول درجة ولايتها فى نظر الدعوى. يمتنع معه اعادتها إليها. أساس ذلك ؟
(8) مأمورو الضبط القضائى "اختصاصهم". تفتيش "التفتيش بغير إذن". تلبس.
لمأمورى الضبط القضائى فى أحوال التلبس بالجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر القبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه. أو إصدار أمر بضبطه واحضاره عند عدم تواجده. كما يجوز تفتيشه كلما كان القبض عليه جائزا. أساس ذلك ؟
(9) تلبس. قبض. تفتيش "التفتيش بغير إذن". مأمورو الضبط القضائى "سلطاتهم".
التلبس صفة تلازم الجريمة. لا شخص مرتكبها. توافره يبيح لمأمور الضبط القبض على المتهم الحاضر وتفتيشه.
(10) مأمورو الضبط القضائى "اختصاصهم". استدلالات.
الكشف عن الجريمة والتوصل إلى مرتكبها. من مهمة مأمور الضبط. المادة 21 إجراءات.
صحة ما يقوم به مأمور الضبط فى الكشف عن الجريمة. رهينة بعدم تدخله فى خلقها وطالما بقيت إرادة الجانى حرة غير معدومة.
(11) تفتيش "التفتيش بغير إذن". دفاع "الاخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
التفتيش الذى يقطع على الأشخاص والمساكن بغير مبرر من القانون. محظور.
حرمة محل التجارة. مستمدة من اتصاله بشخص صاحبه. إجازة تفتيش الشخص يشمل بالضرورة محل تجارته.
التفات المحكمة عن دفاع قانونى ظاهر البطلان. لا عيب.
(12) عقوبة "تطبيقها". مصادرة. نقد. قانون "تفسيره". حيازة. نقض "حالات الطعن. مخالفة القانون".
مصادرة النقد الأجنبى المتعامل فيه على خلاف القانون. واجب. أساس ذلك ؟
مجرد حيازة النقد الأجنبى. غير مؤثمة. المادة 1/ 1 من القانون 97 لسنة 1976.
(13) نقض "نظر الطعن والحكم فيه" "الطعن للمرة الثانية" "حالات الطعن. الخطأ فى القانون".
اقتصار العيب الذى شاب الحكم على مخالفة القانون. وجوب تصحيحه دون تحديد جلسة لنظر الموضوع.
1 - لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه - أنه بعد أن سرد واقعة الدعوى، وأورد - فى معرض اطراح دفع الطاعن ببطلان إجراءات القبض والتفتيش - أن الجريمة المسند إلى الطاعن ارتكابها مؤثمة بالمادتين 1، 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976، ثم خلص إلى معاقبة الطاعن عملا بالمادة 14 من القانون سالف الذكر ، مما مفاده أنه قد أفصح - بما لا يدع مجالا للشك - عن معاملة الطاعن بمادة العقاب وهى المادة 14 من القانون المذكور، وهو ما يتحقق معه مراد الشارع من الإشارة - إلى نص القانون الذى حكم بموجبه، ولا يعيبه خلوه من الإشارة فيما خلص إليه - إلى نص المادة الأولى من القانون سالف الذكر لأنها من المواد التعريفية التى لا شأن لها بالعقوبة المقررة للجريمة، أو خلوه من الإشارة إلى نصوص اللائحة التنفيذية للقانون لأنها أيضا لا شأن لها بالعقوبة المقررة للجريمة، ومن ثم يكون منعى الطاعن فى هذا الصدد غير سديد.
2 - من المقرر أنه لا جناح على المحكمة الإستئنافية إذا هى احالت فى ذكر وقائع الدعوى كلها أو بعضها إلى ما ورد بالحكم الإبتدائى حتى فى حالة مخالفتها فى النهاية لوجهة نظر محكمة أول درجة ما دام التنافر منتفيا بين ما عولت هى عليه من الحكم الابتدائى من الوقائع الثابتة به وبين ما استخلصه من هذه الوقائع مخالفا لما استخلصته منها محكمة أول درجة، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد احال فى بيان الواقعة إلى الابتدائى الذى أحاط بها وكان قضاء الحكم المستأنف بالبراءة تأسيسا على بطلان إجراءات القبض والتفتيش، لا يتنافر مع ما خلصت إليه المحكمة الاستئنافية من عدم صحة القضاء ولا مع ما انتهت إليه من إدانة الطاعن استنادا إلى ما ساقته من أدلة سائعة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون له محل.
3 - إن نفى التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستأهل ردا طالما كان الرد عليها مستفادا من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم والتى من شأنها أن تؤدى إلى صحة ما رتبه عليها من إدانة.
4 - لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفى وأدلة النفى ما دامت لم تثق بها.
5 - إن القانون لا يوجب حتما أن يتولى رجل الضبط القضائى بنفسه التحريات التى يستند إليها كمسوغ لتفتيش الشخص، بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون ابلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام أنه قد اقتنع شخصيا بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه عنهم من معلومات.
6 - من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعانى لا على الالفاظ والمبانى وأن الخطأ فى الاسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر فى عقيدة المحكمة. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم من أقوال على لسان ضابط الواقعة بشأن إجرائه تحريات عن الواقعة له أصله الثابت فى الأوراق، مما أبلغه به مصدره السرى الذى وثق فيه، وما ورد على لسانه بشأن المبالغ التى عرضها الطاعن عليه لشرائها هى مبلغ عشرين ألف دولار من الأوراق النقدية وثلاثة آلاف دولار من الشيكات دون باقى المبالغ التى ضبطها الضابط بمتجر الطاعن على النحو الذى أورده الحكم بمدوناته عند تحصيله لوقائع الدعوى، فإن ما أورده الحكم فيما بعد من أن الطاعن عرض على الضابط المبالغ المضبوطة لا يعدو أن يكون خطأ ماديا وزلة قلم لا تؤثر فى سلامته.
7 - لما كان الطاعن قد دفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش وما ترتب عليها أمام محكمة أول درجة التى قبلت هذا الدفع وبرأته، وإذ استأنفت النيابة العامة قضت المحكمة الاستئنافية - باجماع آراء قضائها - بالغاء الحكم المستأنف وبرفض الدفع ذاك وفى موضوع الدعوى بالإدانة، فإن محكمة أول درجة تكون بذلك قد استنفدت ولايتها فى نظر الدعوى بحيث لا يجوز لها اعادة نظرها، اذا ما رأت المحكمة الاستئنافية عدم صحة رأيها فى صدد التفتيش، ذلك أن الشارع لم يوجب على المحكمة الاستئنافية أن تعيد القضية إلى محكمة أول درجة إلا إذا قضت هذه الأخيرة بعدم الاختصاص أو بقبول دفع فرعى يترتب عليه منع السير فى الدعوى. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد اقترن بالصواب بما يضحى معه النعى عليه بتصديه للفصل فى موضوع الدعوى غير سديد.
8 - إن المادتين34، 35 من قانون الاجراءات الجنائية المعدلتين بالقانون رقم 37 لسنة 1972، قد أجازتا لمأمور الضبط القضائى فى أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه، فاذا لم يكن حاضرا جاز لمأمور الضبط القضائى أن يصدر أمرا بضبطه واحضاره، وكانت المادة 46 من القانون ذاته تجيز تفتيش المتهم فى الحالات التى يجوز فيها القبض عليه قانونا.
9 - إن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها مما يبيح لمأمور الضبط القضائى الذى شاهد وقوعها أن يقبض على المتهم الذى تقوم دلائل كافية على ارتكابه لها وأن يجرى تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة.
10 - إن مهمة مأمور الضبط القضائى بمقتضى المادة الحادية والعشرين من قانون الاجراءات الجنائية الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها، فكل إجراء يقوم به فى هذا السبيل يعتبر صحيحا منتجا لأثره، ما دام لم يتدخل فى خلق الجريمة بطريق الغش أو الخداع أو التحريض على مقارفتها وطالما بقيت إرادة الجانى حرة غير معدومة، ولا تثريب على مأمور الضبط القضائى فى أن يصطنع فى تلك الحدود من الوسائل البارعة مما يسلس لمقصوده فى الكشف عن الجريمة، ولا يتصادم مع اخلاق الجماعة.
11 - من المقرر أن التفتيش المحظور هو الذى يقع على الأشخاص والمساكن بغير مبرر من القانون، أما حرمة المتجر فمستمدة من اتصاله بشخص صاحبه، ومن ثم فإن اجازة تفتيش الشخص يشمل بالضرورة تفتيش محل تجارته، ويكون النعى على الحكم فى هذا الصدد غير سديد، طالما أن تفتيش شخص الطاعن كان عملا مشروعا، ويصبح الدفع بهذه المثابة دفاعا قانونيا ظاهر البطلان، ولا جناح على المحكمة إن هى التفتت عن الرد عليه.
12 - لما كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة التعامل فى النقد الأجنبى عن غير طريق المصارف المعتمدة للتعامل فيه أو الجهات المرخص لها فى ذلك قانونا. وعقابه بمقتضى المادتين 1، 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبى، وكانت المادة 14 من القانون المذكور المعدلة بالقانون رقم 67 لسنة 1980 قد نصت على أنه "... وفى جميع الأحوال تضبط المبالغ والأشياء محل الدعوى ويحكم بمصادرتها، فإن لم تضبط حكم بغرامة إضافية تعادل قيمتها". لما كان ذلك، وكان المفهوم من صريح هذا النص أن المصادرة تنصب على النقد الأجنبى المضبوط الذى كان محلا للجريمة التى دين الطاعن بها، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن النقد الأجنبى الذى كان محلا للتعامل هو مبلغ عشرين ألف دولار أورقا نقدية وثلاثة آلاف دولار عبارة عن شيكات تم ضبطها. كما أسفر تفتيش متجر الطاعن عن ضبط مبالغ من العملة المصرية والعملات الأجنبية المختلفة لم يكن لها صلة بالجريمة التى آخذ الطاعن بها، لما كان ذلك، وكانت مجرد حيازة النقد الاجنبى قد أضحت بموجب الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 97 لسنة 1976 أنفى الذكر غير معاقب عليها، فإن الحكم المطعون فيه إذ أطلق عقوبة المصادرة لتشمل جميع النقد المضبوط، فإنه يكون قد خالف القانون من هذه الناحية.
13 - لئن كان الطعن بالنقض للمرة الثانية، إلا أنه لما كان العيب الذى شاب الحكم مقصورا على مخالفة القانون، فإنه يتعين وفقا للقاعدة الأصلية المنصوص عليها فى المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تصحح المحكمة الخطأ، وتحكم بمقتضى القانون دون حاجة إلى تحديد جلسة لنظر الموضوع ما دام العوار لم يرد على بطلان فى الحكم أو بطلان فى الاجراءات أثر فى الحكم، مما كان يقتضى التعرض لموضوع الدعوى الجنائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: تعامل فى النقد الأجنبى المبين بالمحضر على غير الشروط والأوضاع المقرر قانونا وعن غير طريق المصارف المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك. وطلبت عقابه بالمادتين 1، 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976 المعدل. والمادة 18 من اللائحة التنفيذية. ومحكمة الجرائم المالية بالقاهرة قضت حضورياً ببراءة المتهم مما أسند إليه. استأنفت النيابة العامة ومحكمة جنوب القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدول محكمة النقض برقم...... لسنة....... القضائية). وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه واعادة القضية الى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية للفصل فيها مجددا من هيئة استئنافية أخرى. ومحكمة الاعادة - بهيئة استئنافية أخرى - قضت حضوريا عملا بمادتى الاتهام فى موضوع الاستئناف وباجماع الآراء بالغاء الحكم المستأنف وبتغريم المتهم مائتى جنيه ومصادرة النقد المضبوط.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)... الخ.


المحكمة

من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة التعامل فى النقد الأجنبى على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانونا، قد شابه البطلان والقصور فى التسبيب والخطأ فى الاسناد والفساد فى الاستدلال كما انطوى على خطأ فى تطبيق القانون، ذلك أنه خلا من تاريخ اصداره، وصدر من غير الهيئة التى سمعت المرافعة فى الدعوى، كما اكتفى فى بيان مواد العقاب على الإشارة إلى المادة 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبى دون أن يشير الى المادة الأولى منه التى تبين أركان الجريمة، والى مواد اللائحة التنفيذية للقانون سالف الذكر, واقتصر فى بيان واقعة الدعوى على الاحالة فى الحكم المستأنف الذى قضى ببراءة الطاعن رغم أنه ألغاه، وأعرض الحكم عن دفاع الطاعن - المؤيد بالمستندات وباقوال شهود النفى - بأنه يجوز النقد الأجنبى بصفته مستوردا وأن له العديد من الحسابات بالعملات الأجنبية بالبنوك، كما أسند الحكم إلى ضابط الواقعة القول بأن تحرياته أسفرت عن أن الطاعن يتعامل فى النقد الأجنبى وأنه عرض عليه المبالغ المضبوطة وهو ما لا أصل له فى الأوراق، إذ قرر الضابط بأنه لم يجر تحريات وأن الطاعن عرض عليه جزءا من المبلغ المضبوط بينما ضبط الجزء الآخر بمتجر الطاعن اثناء تفتيشه، كما أن المحكمة قد فوتت على الطاعن إحدى درجتى التقاضى إذ فصلت فى موضوع الدعوى رغم أن الحكم استأنف قد أقام قضاءه على قبول الدفع ببطلان اجراءات القبض والتفتيش دون أن يفصل فى الموضوع، وقد دفع الطاعن ببطلان إجراءات القبض والتفتيش وما ترتب عليها لحصولها فى غير حالة من حالات التلبس ولوقوع الجريمة بتحريض من ضابط الواقعة، غير أن الحكم المطعون فيه اطرح دفعه بما لا يسوغ اطراحه، والتفت عن الدفع ببطلان تفتيش متجره لحصوله دون إذن من النيابة العامة رغم أنه عول فى الادانة على الدليل المستمد من ذلك التفتيش، وقضى بمصادرة النقد المضبوط دون تمييز النقد الأجنبى محل التعامل فى الجريمة التى دان الطاعن بها، وبين النقد الأجنبى والمصرى الذى ضبط بمتجره ولم يكن محلا لتلك الجريمة. كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن البين من الحكم المطعون فيه أن ديباجته تضمنت تاريخ إصداره، كما أن البين من الحكم ومحاضر جلسات المحاكمة أمام محكمة ثانى درجة أن الهيئة التى سمعت المرافعة فى الدعوى وحجزتها للحكم هى الهيئة ذاتها التى أصدرت الحكم المطعون فيه - خلافا لما يذهب اليه الطاعن بوجهى الطعن، ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن فى هذا الخصوص على غير سند. لما كان ذلك، وكان البين أيضاً من مدونات الحكم المطعون فيه - أنه بعد أن سرد واقعة الدعوى، وأورد - فى معرض اطراح دفع الطاعن ببطلان إجراءات القبض والتفتيش - أن الجريمة المسند إلى الطاعن ارتكابها مؤثمة بالمادتين 1، 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976، ثم خلص إلى معاقبة الطاعن عملا بالمادة 14 من القانون سالف الذكر ، مما مفاده أنه قد أفصح - بما لا يدع مجالا للشك - عن معاملة الطاعن بمادة العقاب وهى المادة 14 من القانون المذكور، وهو ما يتحقق معه مراد الشارع من الإشارة إلى نص القانون الذى حكم بموجبه، ولا يعيبه خلوه من الإشارة فيما خلص إليه - إلى نص المادة الأولى من القانون سالف الذكر لأنها من المواد التعريفية التى لا شأن لها بالعقوبة المقررة للجريمة، أو خلوه من الإشارة إلى نصوص اللائحة التنفيذية للقانون لأنها أيضا لا شأن لها بالعقوبة المقررة للجريمة، ومن ثم يكون منعى الطاعن فى هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا جناح على المحكمة الإستئنافية إذا هى احالت فى ذكر وقائع الدعوى كلها أو بعضها إلى ما ورد بالحكم الابتدائى حتى فى حالة مخالفتها فى النهاية لوجهة نظر محكمة أول درجة ما دام التنافر منتفيا بين ما عولت هى عليه من الحكم الابتدائى من الوقائع الثابتة به وبين ما استخلصه من هذه الوقائع مخالفا لما استخلصته منها محكمة أول درجة، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أحال فى بيان الواقعة إلى الابتدائى الذى أحاط بها وكان قضاء الحكم المستأنف بالبراءة تأسيسا على بطلان إجراءات القبض والتفتيش، لا يتنافر مع ما خلصت إليه المحكمة الاستئنافية من عدم صحة القضاء ولا مع ما انتهت إليه من إدانة الطاعن استنادا إلى ما ساقته من أدلة سائعة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح دفاع الطاعن القائم على أنه يحوز النقد الأجنبى بصفته مستوردا وأن له حسابا في البنوك بالعملات الأجنبية في قوله: " ولا ينال من ذلك أن المتهم مستورد وأن له حسابات بالعملة الحرة فى عدة بنوك أو أنه لم يسبق له أن اتهم من قبل أو أنه لو أراد التعامل لتعامل من خلال الحسابات الحرة فى البنوك، إذ لا علاقة بين كل ذلك والتهمة المنسوبة له والثابتة فى حقه وهو تعامله بالنقد الأجنبى فى غير طريق المصارف المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك"، وهو ما يستقيم به الرد على دفاع الطاعن، فضلا عما هو مقرر من أن نفى التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستأهل ردا طالما كان الرد عليها مستفادا من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم والتى من شأنها أن تؤدى إلى صحة ما رتبه عليها من إدانة، وكان لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفى وأدلة النفى ما دامت لم تثق بها، ومن ثم يكون منعى الطاعن فى هذا الصدد غير قويم. لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائى الذى أحال اليه الحكم المطعون فيه فى شأن بيان واقعة الدعوى قد حصلها بما مفاده أن ضابط الواقعة اثبت بمحضر الضبط أنه علم من أحد مصادره السرية - أن الطاعن يعرض مبلغا من النقد الاجنبى للبيع فانتقل إلى متجر المتهم حيث تظاهر له برغبته فى شراء نقد اجنبى فعرض عليه الطاعن مبلغ عشرين الف دولار أمريكى أوراقا نقدية وثلاثة آلاف من العملة ذاتها فى هيئة شيكات وعقب أن سلمه الطاعن تلك المبالغ أفصح له الضابط عن شخصيته وقام بضبطه، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد فى مدونات قوله "وكان الثابت أن محرر المحضر توجه لمتجر المتهم بناء على تحريات مسبقة تفيد أن المتهم يتعامل فى النقد الأجنبى وتظاهر بطلب الشراء فعرض عليه المتهم المبالغ المضبوطة ثم قام محرر المحضر بناء على توافر حالة التلبس بضبط المتهم وتفتيشه" . وإذ كان القانون لا يوجب حتما أن يتولى رجل الضبط القضائى بنفسه التحريات التى يستند إليها كمسوغ لتفتيش الشخص، بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون ابلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام أنه قد اقتنع شخصيا بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه عنهم من معلومات، وكان من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعانى لا على الألفاظ والمبانى, وأن الخطأ فى الاسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر فى عقيدة المحكمة. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم من أقوال على لسان ضابط الواقعة بشأن إجرائه تحريات عن الواقعة له أصله الثابت فى الأوراق، مما أبلغه به مصدره السرى الذى وثق فيه، وما ورد على لسانه بشأن المبالغ التى عرضها الطاعن عليه لشرائها هى مبلغ عشرين ألف دولار من الأوراق النقدية وثلاثة آلاف دولار من الشيكات دون باقى المبالغ التى ضبطها الضابط بمتجر الطاعن على النحو الذى أورده الحكم بمدوناته عند تحصيله لوقائع الدعوى، فإن ما أورده الحكم فيما بعد من أن الطاعن عرض على الضابط المبالغ المضبوطة لا يعدو أن يكون خطأ ماديا وزلة قلم لا تؤثر فى سلامته. ومن ثم يكون منعى الطاعن بخطأ الحكم فى الاسناد والفساد فى الاستدلال فى غير محله. لما كان ذلك، وكان الطاعن قد دفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش وما ترتب عليها أمام محكمة أول درجة التى قبلت هذا الدفع وبرأته، وإذ استأنفت النيابة العامة قضت المحكمة الاستئنافية - باجماع آراء قضائها - بالغاء الحكم المستأنف وبرفض الدفع ذاك وفى موضوع الدعوى بالإدانة، فإن محكمة أول درجة تكون بذلك قد استنفدت ولايتها فى نظر الدعوى بحيث لا يجوز لها اعادة نظرها، اذا ما رأت المحكمة الاستئنافية عدم صحة رأيها فى صدد التفتيش، ذلك أن الشارع لم يوجب على المحكمة الاستئنافية أن تعيد القضية إلى محكمة أول درجة إلا إذا قضت هذه الأخيرة بعدم الاختصاص أو بقبول دفع فرعى يترتب عليه منع السير فى الدعوى. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد اقترن بالصواب بما يضحى معه النعى عليه بتصديه للفصل فى موضوع الدعوى غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المادتين34، 35 من قانون الاجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة 1972، قد أجازتا لمأمور الضبط القضائى فى أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه، فاذا لم يكن حاضراً جاز لمأمور الضبط القضائى أن يصدر أمراً بضبطه واحضاره، وكانت المادة 46 من القانون ذاته تجيز تفتيش المتهم فى الحالات التى يجوز فيها القبض عليه قانونا، وكان التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها مما يبيح لمأمور الضبط القضائى الذى شاهد وقوعها أن يقبض على المتهم الذى تقوم دلائل كافية على ارتكابه لها وأن يجرى تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة، وكان الحال فى الدعوى المطروحة - كما ورد بمدونات الحكم المطعون فيه على النحو السابق ايراده - أن الطاعن هو الذى قبل بيع النقد الأجنبى للضابط وقدمه له بارادته واختياره ليشتريه بالسعر الذى حدده، فإنه تكون قد تحققت حالة التلبس بجنحة التعامل فى النقد الأجنبى عن غير طريق المصارف المعتمدة للتعامل فيه أو الجهات المرخص لها فى ذلك قانونا، والمؤثمة بالمادتين 1، 14 من القانون رقم 97 لسنة 1971 بتنظيم التعامل بالنقض الأجنبى والمعاقب عليها بعقوبة الحبس الذى لا تقل مدته عن شهر بغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد عن ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما توافرت الدلائل الكافية على ارتكاب الطاعن لها، وتكون إجراءات القبض على الطاعن وتفتيشه التى باشرها مأمور الضبط القضائى - من بعد - قد اتسمت بالمشروعية ويصح لذلك أخذ الطاعن بنتيجتها، ولا ينال من ذلك تظاهر الضابط للطاعن برغبته فى شراء النقد الأجنبى، إذ لم يكن ذلك، من الضابط إلا بعد أن علم أن الطاعن يتعامل فى النقد الأجنبى فى السوق السوداء، بما مفاده أن الجريمة كانت واقعة وأن الضابط لم يخلق فكرتها فى وجدان الطاعن ولم يحرضه عليها، فلا يستنتج أن يعاقب عليه ذلك التظاهر ما دامت غايته لم تتعد الكشف عن الجريمة المذكورة والتوصل إلى معاقبة مرتكبها، وذلك لما هو مقرر من أن مهمة مأمور الضبط القضائى بمقتضى المادة الحادية والعشرين من قانون الإجراءات الجنائية الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها، فكل إجراء يقوم به فى هذا السبيل يعتبر صحيحا منتجا لأثره، ما دام لم يتدخل فى خلق الجريمة بطريق الغش أو الخداع أو التحريض على مقارفتها وطالما بقيت إرادة الجانى حرة غير معدومة ولا تثريب على مأمور الضبط القضائى فى أن يصطنع فى تلك الحدود من الوسائل البارعة مما يسلس لمقصوده فى الكشف عن الجريمة، ولا يتصادم مع اخلاق الجماعة، وهو الحال فى الدعوى الراهنة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر عند رده على دفع ببطلان إجراءات القبض عليه وتفتيشه، فمن ثم يكون منعى الطاعن فى هذا الشأن فى غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التفتيش المحظور هو الذى يقع على الأشخاص والمساكن بغير مبرر من القانون أما حرمة المتجر فمستمدة من إتصاله بشخص صاحبه، ومن ثم فإن إجازة تفتيش الشخص يشمل بالضرورة تفتيش محل تجارته، ويكون النعى على الحكم فى هذا الصدد غير سديد، طالما أن تفتيش شخص الطاعن كان عملا مشروعا، ويصبح الدفع بهذه المثابة دفاعا قانونيا ظاهر البطلان، ولا جناح على المحكمة أن هى التفتت عن الرد عليه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة التعامل فى النقذد الأجنبى عن غير طريق المصارف المعتمدة للتعامل فيه أو الجهات اذلمرخص لها فى ذلك قانونا، وعقابه بمقتضى المادتين 1، 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبى، وكانت المادة 14 من القانون المذكور المعدلة بالقانون رقم 67 لسنة 1980 قد نصت على أنه "... وفى جميع الأحوال تضبط المبالغ والأشياء محل الدعوى ويحكم بمصادرتها، فإن لم تضبط حكم بغرامة إضافية تعادل قيمتها". لما كان ذلك، وكان المفهوم من صريح هذا النص أن المصادرة تنصب على النقد الأجنبى المضبوط الذى كان محلا للجريمة التى دين الطاعن بها، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن النقد الأجنبى الذى كان محلا للتعامل هو مبلغ عشرين ألف دولار أورقا نقدية وثلاثة آلاف دولار عبارة عن شيكات تم ضبطها، كما أسفر تفتيش متجر الطاعن عن ضبط مبالغ من العملة المصرية والعملات الأجنبية المختلفة لم يكن لها صلة بالجريمة التى آخذ الطاعن بها، لما كان ذلك، وكانت مجرد حيازة النقد الأجنبى قد أضحت بموجب الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 97 لسنة 1976 أنف الذكر غير معاقب عليها، فإن الحكم المطعون فيه إذ أطلق عقوبة المصادرة لتشمل جميع النقد المضبوط، فإنه يكون قد خالف القانون من هذه الناحية، وإنه ولئن كان الطعن بالنقض للمرة الثانية، إلا أنه لما كان العيب الذى شاب العيب الذى شاب الحكم مقصورا على مخالفة القانون، فإنه يتعين وفقا للقاعدة الأصلية المنصوص عليها فى المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57لسنة 1959 أن تصحح المحكمة الخطأ، وتحكم بمقتضى القانون دون حاجة إلى تحديد جلسة لنظر الموضوع ما دام العوار لم يرد على بطلان فى الحكم أو بطلان فى الإجراءات أثر فى الحكم، مما كان يقتضى التعرض لموضوع الدعوى الجنائية. لما كان ما تقدم، فإن يتعين تصحيح الحكم المطعون يه بقصر عقوبة المصادرة المقضى بها على أوراق النقد الأجنبى البالغة عشرين ألف دولار والشيكات البالغ قيمتها ثلاثة آلاف دولار ورفض الطعن فيما عدا ذلك.