أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 3 - صـ 93

جلسة 22 من نوفمبر سنة 1951
(18)
القضية رقم 199 سنة 19 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطي خيال بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك وأحمد العمروسي بك المستشارين.
أهلية التعاقد:
( أ ) إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات قيام حالة العته وقت صدور العقد المطعون فيه.
لا مخالفة في ذلك القانون. التحدي في هذا المقام بحكم المادتين 886 من القانون رقم 94 لسنة 1937 و64 من القانون رقم 99 لسنة 1947 لا محل له.
(ب) علم المشترى بعته البائع وقت البيع. القانون القديم لم يشترط ذلك لإبطال التصرف.
(ج) تصرف سابق على توقيع الحجز. حكم المادة 114 من القانون المدني الجديد في هذا الصدد. هو حكم جديد لم يكن في القانون السابق. القضاء في ظل القانون القديم بإبطال عقد تأسيساً على انعدام الإرادة. الطعن فيه بأنه خالف القانون لإجرائه قرار الحجر على العته السابق عليه. لا أساس له.
1 - لا مخالفة للقانون في أن تحيل المحكمة الدعوى على التحقيق لإثبات قيام حالة العته بالمتصرف وقت صدور العقد المطعون فيه، فإنه لا نص يوجب عليها أن تلتزم في هذه الحالة طريقاً معينة للإثبات ولا محل في هذا المقام للتحدي بالمادتين 866 من القانون رقم 94 سنة 1937 و64 من القانون رقم 99 سنة 1947، فإن حكمها إنما ينطبق على الإجراءات الواجب إتباعها قبل توقيع الحجر فلا يسرى على إثبات قيام حالة العته في تاريخ سابق على صدور قرار الحجر.
2 - إن القانون المدني القديم لم يكن يشترط لإبطال التصرف علم المشترى بعته البائع وقت البيع، بل كان يكفى في ظله أن تستدل المحكمة على قيام حالة العته وقت التصرف بأدلة سائغة وذلك اعتباراً بأن العته متى ثبت قيامه فإنه يعدم رضاء من يصاب به.
أن المادة 114 من القانون المدني الجديد قد جاءت بحكم جديد لم يكن مقرراً في القانون السابق إذ أوجبت لبطلان التصرف السابق على تسجيل قرار الحجر أن تكون حالة العته شائعة أو أن يكون المتصرف إليه على بينة منها. وإذن فإذا كان الحكم الصادر في ظل القانون القديم قد قضى ببطلان العقد المطعون فيه تأسيساً على انعدام إرادة المتصرف وقت التعاقد فلا يصح النعي عليه أنه قد خالف القانون بمقولة أنه أجرى أثر قرار الحجر الموقع فيما بعد على العقد السابق عليه إذ أنه متى كانت الإرادة منعدمة فإن التصرف يقع باطلاً سواء أكان قد حجر على المتصرف أم لم يحجر عليه.


الوقائع

في يوم 7 من ديسمبر سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في أول مايو سنة 1949 في الاستئناف رقم 413 سنة 65 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإلغاء حكم محكمة أول درجة والقضاء بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 14 يناير سنة 1946 وإلزام المطعون عليه الأول بصفته في مواجهته الثاني بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن جميع درجات التقاضي. وفي 13، 17 من ديسمبر سنة 1949 أعلن المطعون عليهما بتقرير الطعن. وفي 26 منه أودع الطاعنون أصل ورقة إعلان المطعون عليهما بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهم وفي 15 من يناير سنة 1950 أودع المطعون عليه الأول مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 31 منه أودع المطعون عليه الأول مذكرة بالرد ولم يقدم المطعون عليه الثاني دفاعاً. وفي 16 من سبتمبر سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً و إلزام الطاعنين بالمصروفات. وفي 8 من نوفمبر سنة 1951 سمعت الدعوى على هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

... من حيث إن وقائع الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه حسبما يستفاد منها ومن سائر الأوراق المقدمة في الطعن، تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 1691 سنة 1946 ك مصر على المطعون عليهما يطلبون فيها صحة ونفاذ العقد المؤرخ في 14 من يناير سنة 1946 والصادر لهم من المطعون عليها الأولى ببيعها فدانين مبينين في العريضة. دفع القيم على المحجوز عليها الدعوى ببطلان العقد لأن البائعة كانت وقت التصرف في حالة عته. وقد حجر عليها بقرار من المجلس الحسبي في 30 من يونيه سنة 1946 فقضت المحكمة تمهيدياً بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت القيم بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة أن البائعة كانت في حالة عته وقت التصرف ولينفى الطاعنون ذلك بنفس الطرق وفي 14 من فبراير سنة 1948 قضت برفض الدعوى. فاستأنف الطاعنون هذا الحكم وقيد برقم 413 سنة 65 ق. وفي أول مايو سنة 1949 قضى بتأييده. فقرر الطاعنون الطعن فيه بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على خمسة أسباب وينعى الطاعنون بالسبب الأول منها على الحكم مخالفته للقانون، إذ قضى بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات حالة العته ونفيها في حين أن هذه الحالة لا تقبل فيها البينة إذ هي تدرك بالحس والدليل على قيامها هو ما يشاهده القاضي بنفسه أو بوساطة خبير فني. ولذلك فإن المشرع أوجب على المحكمة في المادة 866 من القانون رقم 94 سنة 1937 أن تستوجب المطلوب الحجر عليه قبل أن تقضي في طلب الحجر. كما أوجبت المادة 64 من القانون رقم 99 سنة 1947 على الأطباء المعالجين وعلى مديري المستشفيات أن يبلغوا النيابة عن حالات فقد الأهلية الناشئة عن عاهة عقلية بمجرد ثبوت ذلك (لديهم).
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن المحكمة قد أحالت الدعوى على التحقيق لإثبات قيام حالة العته وقت صدور العقد المطعون فيه. وليس في هذا مخالفة للقانون إذ لا نص يوجب عليها أن تلتزم في هذه الحالة طريقاً معينة - للإثبات. وأما التحدي بالمادتين 86 من القانون رقم 94 سنة 1937 وت 64 من القانون رقم 99 سنة 1947 فلا محل له، ذلك لأن حكم هاتين المادتين إنما ينطبق على الإجراءات الواجب إتباعها قبل توقيع الحجر. ومن ثم فلا يسرى حكمها على إثبات قيام حالة العته في تاريخ سابق على صدور قرار الحجر.
ومن حيث إن حاصل السبب الثاني هو أن الحكم مشوب بالبطلان إذ جاء قاصراً في التسبيب، ذلك أنه، أولاً وهو في سبيل الاستدلال على قيام حالة عته المتصرفة لم يتعرض لما نعاه الطاعنون على إجراءات الحجر التي تمت في عيبهم وفي عجلة ظاهرة وثانياً لم يرد على ما دفع به الطاعنون من أنهم كانوا لا يعلمون بعته البائعة لهم وقت البيع.
ومن حيث إن هذا النعي بوجهيه مردود أولاً بأن الطاعنين لم يقدموا إلى هذه المحكمة ما يفيد تمسكهم لدى محكمة الموضوع بدفعهم الذي أثاره في الوجه الأول من هذا السبب فيكون نعيهم على الحكم بالقصور لعدم تعرضه له على غير أساس ومردود ثانياً بأنه لا يشترط لبطلان التصرف - في ظل القانون الذي كان سارياً وقت التعاقد - علم المشتري بعته البائع وقت البيع. بل كان يكفى أن تستدل المحكمة، على قيام حالة العته وقت التصرف بأدلة سائغة كما هي الحال في الدعوى ذلك لأن العته متى ثبت قيامه فإنه يعدم رضاء من يصاب به.
ومن حيث إن حاصل السبب الثالث مخالفة الحكم للقانون إذ أجرى أثر قرار الحجر على التصرف الصادر للطاعنين في تاريخ سابق على تاريخ الحجر مع أن قرارات الحجر لا تكون حجة على الغير ما لم تشهر بالتسجيل. وقد نصت المادة 43 من المرسوم بقانون الصادر في 13/ 10/ 1925 على تسجيل نص ومضمون القرارات الصادرة بتوقيع الحجر أو برفضه كما نصت على ذلك المادة 108 من القانون رقم 99 سنة 1947. وجاء التشريع المدني الجديد في المادة 114 مؤيداً للتشريعات السابقة إذ نص على أنه: 1 - "يقع باطلاً تصرف المجنون والمعتوه إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار الحجر 2 -" أما إذا صدر التصرف قبل تسجيل قرار الحجر فلا يكون باطلاً إلا إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد أو كان الطرف الآخر على بينة منها".
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم لم يجر أثر قرار الحجر على العقد موضوع الدعوى، وإنما قضى ببطلانه تأسيساً على انعدام إرادة المتصرفة وقت التعاقد ومتى كانت الإرادة منعدمة فإن التصرف يقع باطلاً سواء أكان قد حجر على المعتوه أم لم يحجر عليه: وأما المادة 114 من القانون المدني الجديد فقد سنت حكماً جديداً لم يكن مقرراً في القانون الذي كان معمولاً به وقت حصول التصرف إذ أوجبت لبطلان التصرف السابق على تسجيل قرار الحجر أن تكون حالة العته شائعة أو يكون المتصرف إليه على بينة منها. وهو ما لم يوجبه القانون السابق.
ومن حيث إن حاصل السببين الرابع والخامس هو أن الحكم جاء قاصراً في التسبيب إذ قال بترجيح أقوال شاهدي الإثبات على أقوال شهود النفي دون أن يبرر هذا الترجيح بأسباب مقبولة كما أغفل الرد على ما طلب الطاعنون في مرافعتهم الشفوية ومذكراتهم من مناقشة البائعة لهم حتى يستبين أنها كانت ولا تزال كاملة الأهلية رغم قرار الحجر.
ومن حيث إن هذا الذي ينعاه الطاعنون بوجهيه مردود، ذلك أولاً لأن اطمئنان المحكمة إلى أقوال الشهود أو اطراحها إياها مرده إلى وجدان القاضي وفي خصوص هذه الدعوى فقد استندت المحكمة في ترجيح أقوال شاهدي الإثبات على أقوال شهود النفي إلى قرائن مقبولة فصلتها في حكمها ومناقشة هذه القرائن لا تعدو كونها جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته لدى هذه المحكمة. ومردود ثانياً بأن الطاعنين لم يقدموا إلى هذه المحكمة ما يثبت أنهم تمسكوا أمام محكمة الموضوع بطلب مناقشة المحجور عليها.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن على غير أساس ومن ثم يتعين رفضه.