أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 33 - صـ 330

جلسة 25 من مارس سنة 1982

برياسة السيد المستشار سليم عبد الله سليم نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: رابح لطفي، وعبد المنعم رشدي عبد الحميد، ومصطفى زعزوع، وعبد المنعم جابر.

(61)
الطعنين رقمي 295 و311 لسنة 51 القضائية

(1) الاتفاقيات الدولية الجماعية.
الاتفاقيات الدولية الجماعية لا تلزم إلا الدول أطرافها في علاقاتهم المتبادلة. الدول التي لم تنضم إليها. خضوعها في علاقاتها المتبادلة وفي علاقاتها مع الدولة المنضمة لتلك الاتفاقيات القواعد المقررة في القانون الدولي. علة ذلك.
(2) انضمام دولة أجنبية للاتفاقية جماعية. إثبات. نقض.
انضمام دولة أجنبية إلى اتفاقية جماعية معينة. واقعة مادية. عدم تقديم الدليل عليها. أثره. لا محل للتمسك بأعمال أحكامها.
(3) قانون دولي. قانون داخلي.
قواعد القانون الدولي. تعد مندمجة في القانون الداخلي دون حاجة لإجراء تشريعي. أثره وجوب تطبيق قواعد القانون الدولي فيما يعرض من مسائل تناولتها تلك القواعد ولم يتعرض لها القانون الداخلي. شرطه. ألا يترتب على هذا التطبيق إخلال بنصوص القانون الداخلي.
(4) أجانب. قانون دولي. الخضوع للقضاء الإقليمي.
المبعوثون الدبلوماسيون للدول الأجنبية ومنهم المستشارين. إعفاؤهم - طبقاً للقانون الدولي - من الخضوع للقضاء الإقليمي في المسائل المدنية مطلقاً عدا المنازعات المتعلقة بنشاط المبعوث المهني أو التجاري أو بأمواله العقارية في الدولة الموفد إليها. شمول الإعفاء المنازعات المتعلقة بإيجارة مساكنهم.
(5) أجانب. الحصانة الدبلوماسية. التنازل عنها.
الحصانة التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي مقررة لصالح دولته. الأصل عدم جواز تنازله عنها إلا بموافقة دولته أو إذا كانت قوانينها تبيح له ذلك. تنازل المبعوث الدبلوماسي عن حصانته بعد اعتماده في الدولة الموفد إليها. أثره. خضوعه لقضائها الوطني وصحة إعلانه بغير الطريق الدبلوماسي. علة ذلك.
(6) إيجار "إيجار الأماكن". قانون "سريان القانون من حيث الزمان".
حق المالك في تأجير مسكنه خالياً لفترة موقوتة. م 39/ 1 ق 49 لسنة 1977، حكم مستحدث. عدم سريانه على وقائع التأجير السابقة على صدوره. أثر ذلك.
1 - من المقرر أن الاتفاقيات الدولية الجماعية لا تلزم إلا الدول أطرافها في علاقاتهم المتبادلة وهي الدول التي صدقت عليها على النحو الذي يحدده تشريعها الداخلي وقامت بإيداع هذا التصديق بالطريقة التي توجبها كل اتفاقية بما مؤداه أن الدول التي لم تنضم إلى اتفاقية جماعية معينة تخضع في علاقاتها المتبادلة وفي علاقاتها مع الدول التي انضمت إليها للقواعد المقررة في القانون الدولي دون تلك التي نصت عليها الاتفاقية.
2 - إذ كان أمر انضمام دولة أجنبية إلى اتفاقية جماعية معينة لا يعدو أن يكون واقعة مادية يتعين إقامة الدليل عليها، وكان الطاعن لم يقدم دليل انضمام دولته - المملكة العربية السعودية - إلى اتفاقية مزايا وحصانات جامعة الدول العربية التي أقرها المجلس في 10/ 5/ 1953 أو إلى اتفاقية "فيينا" الصادرة في 18/ 4/ 1961 بشأن الاتفاقيات الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية فإن تمسكه بإعمال هاتين الاتفاقيتين على واقعة الدعوى يفتقر إلى سنده.
3 - من المقرر أن قواعد القانون الدولي - ومصر عضو في المجتمع الدولي تعترف بقيامه - تعد مندمجة في القانون الداخلي دون حاجة إلى إجراء تشريعي فيلزم القاضي المصري بإعمالها فيما يعرض عليه من مسائل تتناولها تلك القواعد ولم يتعرض لها القانون الداخلي طالما أنه لا يترتب على هذا التطبيق إخلال بنصوصه.
4 - استقرت قواعد القانون الدولي المتمثلة في العرف الدولي على إعفاء المبعوثين الدبلوماسيين ومنهم المستشارين من الخضوع للقضاء الإقليمي للدولة المعتمدين لديها في المسائل المدنية مطلقاً عدا المنازعات المتعلقة بنشاط المبعوث المهني أو التجاري أو بأمواله العقارية في الدولة الموفد إليها. وكان الثابت من مستندات الطاعن ومن بينها قائمة بأسماء المبعوثين الدبلوماسيين وبطاقة شخصية له صادرتين من وزارة الخارجية المصرية أنه عين من قبل دولته مستشاراً ثقافياً بسفارتها بالقاهرة، وكانت إجارة المسكن تخرج من الحالات المستثناة من الإعفاء فإن ذلك يكفي لإثبات تمتعه بالحصانة.
5 - لئن كانت الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي مقررة أصلاً لصالح دولته لا لصالحه الشخصي فلا يملك - كأصل - التنازل عنها والخضوع للقضاء الوطني إلا بموافقة دولته أو إذا كانت قوانينها تبيح له ذلك إلا أنه إذا تنازل المبعوث الدبلوماسي بالفعل عن تلك الحصانة صراحة أو أمكن استخلاص ذلك ضمناً من الظروف دون لبس أو إبهام، فإنه يتعين الاعتداد بهذا التنازل بالنسبة للتصرف الذي تم بشأنه وما قد يؤول إليه أمر المنازعة فيه متى تم التنازل في تاريخ لاحق لتمتع المبعوث بالحصانة، أي بعد اعتماده في الدولة الموفد إليها، باعتبار أن الأصل ألا يصدر هذا التنازل إلا موافقاً لقانون دولته أو في القليل بإذن منها فتكون إرادة المبعوث المعلنة في هذا الشأن قد توافقت وإرادة دولته، إذ لا يتصور أن يخالف تشريعاتها فيما يمس سيادتها وهو رمز لها وممثلها في دولة أخرى، وإذ كان مؤدى ما تقدم انتفاء الحصانة عن المبعوث بصدد التصرف الذي تم بشأنه التنازل فإن لازم ذلك خضوعه للقضاء الوطني في الدولة الموفد لديها وجواز إعلانه ولو بغير الطريق الدبلوماسي، باعتبار أن وجوب التزام طريق معين في الإعلان نابع من تمتعه بالحصانة وقد تنازل عنها.
6 - ما استحدثه القانون 49 لسنة 1977 في المادة 4/ 39 ق من الترخيص للمالك في أن يؤجر مسكنه خالياً أو مفروشاً لمدة موقوتة بفترة إقامته المؤقتة بالخارج يكون له من بعدها إخلاء المستأجر منه وفقاً لشروط وأوضاع معينة وأياً كان مدة الإيجار المتفق عليها، قد جاء على خلاف الأصل المقرر في جميع قوانين الإيجار الاستثنائية المتعاقبة وهو الامتداد القانوني لإجارة الأماكن خالية والذي تنظمه قاعدة آمرة متعلقة بالنظام العام باعتباره الركيزة الأساسية التي تكفل حماية المستأجر، ومن ثم يتعين إعمال هذا النص المستحدث في نطاق الغاية التي استهدفها المشرع وهي التيسير على الملاك إلى جانب مراعاة صالح المستأجرين بتوفير مزيد من فرص السكنى أمامهم ولو كانت لمدد مؤقتة بما لازمه سريان النص بأثر مباشر على وقائع التأخير التي تجد بعد العمل به حتى لا يمس قاعدة الامتداد القانوني لإجارة الأماكن الخالية المتعلقة بالنظام العام [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى 3873 لسنة 1978 مدني كلي شمال القاهرة، جاء بها أنه بمناسبة إقامته بالخارج لفترة مؤقتة آجر بموجب عقد مؤرخ 26/ 5/ 1969 مسكنه إلى الطاعن الذي التزم بإخلائه بعد عودته إلى مصر، وإذ عاد ونبه عليه بالإخلاء التزاماً بشروط التعاقد وإعمالاً للمادة 39/ 4 من القانون 49 لسنة 1977 ولم يذعن فقد أقام الدعوى بطلب الحكم بالإخلاء والتسليم، دفع الطاعن بعدم قبول الدعوى لتمتعه بالحصانة الدبلوماسية التي تعفيه من الخضوع للقضاء المصري وببطلان الإعلانات التي وجهت إليه بغير الطريق الدبلوماسي، وفي 21/ 12/ 1978 أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي إقامة المطعون ضده في الخارج بصفة مؤقتة وعودته إلى مصر، وبعد إجرائه، قضت في 9/ 12/ 1979 برفض الدفع بعدم القبول وبالإخلاء والتسليم، استأنف الطاعن بالاستئناف 157 لسنة 97 ق القاهرة، وبتاريخ 11/ 12/ 1981 حكمت المحكمة برفضه. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين الماثلين، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عرض الطعنان على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظرهما، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى نعي الطاعن بالسبب الأول في الطعنين، أنه تمسك بتمتعه بالحصانة الدبلوماسية - وقدم الدليل على أنه عين من قبل دولته - المملكة العربية السعودية - مستشاراً ثقافياً لسفارتها بالقاهرة وممثلاً دائماً لها لدى إحدى منظمات جامعة الدول العربية، ورتب على ذلك دفعاً بعدم قبول الدعوى لعدم اختصاص القضاء المصري بنظرها، ودفعاً آخر ببطلان الإعلانات التي وجهت إليه بغير الطريق الدبلوماسي، وإذ أغفل الحكم المطعون فيه الرد على الدفع الثاني ورفض الدفع الأول على سند من أنه لا يتمتع بالحصانة القضائية - وأنه بافتراض تمتعه بها فقد تنازل عنها بعقد استئجاره مسكنه الذي لا يعد من المسائل المتعلقة بوظيفته فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور والإخلال بحق الدفاع من عدة أوجه حاصلها أنه بوصفه ممثلاً لدولته لدى إحدى منظمات جامعة الدول العربية يتمتع بالحصانة القضائية طبقاً للمادة 17 من اتفاقية مزايا وحصانات جامعة الدول العربية التي انضمت إليها مصر فأضحت جزءاً من تشريعها الداخلي يتعين أعماله كما هو الشأن بالنسبة لاتفاقية "فيينا" بصدد الاتفاقيات الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية، والتي جعلت الأصل تمتع المبعوث بالحصانة القضائية في المسائل المدنية كافة عدا حالات معينة أوردتها المادة 31 منها حصراً ليس من بينها إجارة المبعوث لمسكنه الذي أسبغت عليه نفس الاتفاقية ذات - الحصانة المقررة لمقر البعثة وإذ كانت حكمة الحصانة هي توفير الطمأنينة والاستقرار للمبعوث مما يجعل مسكنه مرتبطاً بعمله، فإن لازمه أن تكون إجارة المبعوث لمسكنه أمراً متعلقاً بعمله هذا إلى أنه لما كانت الحصانة الدبلوماسية مقررة لصالح الدولة الموفدة للمبعوث لا لصالحه الشخصي وهو ما قررته صراحة اتفاقية "فيينا" في المادة 32 منها بحيث لا يجوز للمبعوث التنازل عنها بغير موافقة دولته، فإنه يتعين الالتفات عما تضمنه عقد الإيجار من قبوله الخضوع للمحاكم المصرية خاصة وأنه لا يعد ممثلاً لدولته في هذا الشأن ولأن التنازل الذي يعتد به يجب أن يكون تالياً لرفع الدعوى، إذ لا يجوز التنازل عن الحق قبل نشوئه، وإذ كان قبول المبعوث اختصاص القضاء المصري بنظر الدعوى لا يعني التحلل من الإجراءات الواجب إتباعها في شأن إعلانه الذي يتعين إجراؤه دون مساس بحصانة مسكنه، ومقتضاها أنه لا يجوز لرجال السلطة ومنهم المحضر دخول المسكن، فإن مؤدى ذلك بطلان الإعلانات التي وجهت إليه بغير الطريق الدبلوماسي.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن الاتفاقيات الدولية الجماعية لا تلزم إلا الدول أطرافها في علاقاتها المتبادلة، وهي الدول التي صدقت عليها على النحو الذي يحدده تشريعها الداخل وقامت بإيداع هذا التصديق بالطريقة التي توجبها كل اتفاقية بما مؤداه أن الدول التي لم تنضم إلى اتفاقية جماعية معينة تخضع في علاقاتها المتبادلة وفي علاقاتها مع الدول التي انضمت إليها القواعد المقررة في القانون الدولي دون تلك التي نصت عليها الاتفاقية، إذ لا يتصور أن تنشئ الاتفاقية التزامات أو حقوقاً للدول غير الأطراف بدون موافقتها احتراماً لسيادة تلك الدول، كما أنه من غير المقبول أن تستفيد دولة من أحكام اتفاقية ليست طرفاً فيها، ولما كان أمر انضمام دولة أجنبية إلى اتفاقية جماعية معينة لا يعدو أن يكون واقعة مادية يتعين إقامة الدليل عليها، وكان الطاعن لم يقدم دليل انضمام دولته - المملكة العربية السعودية - إلى اتفاقية مزايا وحصانات جامعة الدول العربية التي أقرها المجلس في 10/ 5/ 1953 أو إلى اتفاقية "فيينا" الصادرة في 18/ 4/ 1961 بشأن الاتفاقيات الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية، فإن تمسكه بإعمال هاتين الاتفاقيتين على واقعة الدعوى يفتقر إلى سنده، ولا ينال من ذلك أن مصر قد انضمت إلى الاتفاقية الأولى بالقانون 89 لسنة 1954 وإلى الثانية بالقانون 469 لسنة 1964، وصيرورتهما بذلك جزءاً من تشريعها الداخلي، إذ أن ذلك ليس من شأنه سوى التزام مصر بأعمال أحكام كل اتفاقية قبل مبعوثي الدولة التي انضمت إليها فأضحت مع مصر طرفاً فيها، وهو ما نصت عليه صراحة المادة 35 من اتفاقية جامعة الدول العربية من أنه "تصبح هذه الاتفاقية نافذة بالنسبة لكل دولة اعتباراً من تاريخ إيداع الدولة الأمانة العامة وثيقة انضمامها إليها". وما نصت عليه المادة 51/ 2 من اتفاقية فيينا من أنه "تنفذ هذه الاتفاقية بالنسبة إلى كل دولة تصدق عليها أو تنضم إليها"، غير أنه لما كان من المقرر أن قواعد القانون الدولي - ومصر عضو في المجتمع الدولي معترف بقيامه - تعد مندمجة في القانون الداخلي دون حاجة إلى إجراء تشريعي فيلزم القاضي المصري بإعمالها فيما يعرض عليه من مسائل تتناولها تلك القواعد ولم يتعرض لها القانون الداخلي طالما أنه لا يترتب على هذا التطبيق إخلال بنصوصه، لما كان ذلك وكانت قواعد القانون الدولي المتمثلة في العرف الدولي قد استقرت على إعفاء الدبلوماسيين ومنهم المستشارين من الخضوع للقضاء الإقليمي للدولة المعتمدين لديها في المسائل المدنية مطلقاً عدا المنازعات المتعلقة بنشاط المبعوث المهني أو التجاري أو بأمواله العقارية في الدولة الموفد إليها. وكان الثابت من مستندات الطاعن، ومن بينها قائمة بأسماء المبعوثين الدبلوماسيين وبطاقة شخصية له صادرتين من وزارة الخارجية المصرية - أنه عين من قبل دولته مستشاراً ثقافياً بسفارتها بالقاهرة، وكانت إجارة المسكن تخرج من الحالات المستثناة من الإعفاء، فإن ذلك يكفي لإثبات تمتعه بالحصانة، ولئن كان ما تقدم، ولئن كانت الحصانة الدبلوماسية - التي يتمتع بها المبعوث مقررة أصلاً لصالح دولته لا لصالحه الشخصي فلا يملك - كأصل - التنازل عنها والخضوع للقضاء الوطني إلا بموافقة دولته أو إذا كانت قوانينها تتيح له ذلك، إلا أنه إذا تنازل المبعوث الدبلوماسي بالفعل عن تلك الحصانة صراحة أو أمكن استخلاص ذلك ضمناً من الظروف دون لبس أو إبهام، فإنه يتعين الاعتداد بهذا التنازل بالنسبة للتصرف الذي تم بشأنه وما قد يؤول إليه أمر المنازعة فيه، متى تم التنازل في تاريخ لاحق لتمتع المبعوث بالحصانة أي بعد اعتماده في الدولة الموفد إليها، باعتبار أن الأصل ألا يصدر هذا التنازل إلا موافقاً لقانون دولته أو في القليل بإذن منها، فتكون إرادة المبعوث المعلنة في هذا الشأن قد توافقت وإرادة دولته، إذ لا يتصور أن يخالف تشريعاتها فيما يمس سيادتها وهو رمز لها وممثلها في دولة أخرى، وإذ كان مؤدى ما تقدم انتفاء الحصانة عن المبعوث بصدد التصرف الذي تم بشأنه التنازل، فإن لازم ذلك خضوعه للقضاء الوطني في الدولة الموفد لديها وجواز إعلانه ولو بغير الطريق الدبلوماسي، باعتبار أن وجوب التزام طريق معين في الإعلان نابع من تمتعه بالحصانة وقد تنازل عنها، لما كان ذلك، وكان الثابت بعقد الإيجار سند الدعوى أن الطاعن قبل صراحة الخضوع للقضاء المصري في أي منازعة تثور بصدده كما التزم بعدم التمسك بأي نص مخالف لشروط التعاقد، فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتد بهذا التنازل ورتب عليه رفض الدفع بعدم القبول، لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه، هذا إلى أن ما أورده الحكم بشأن التنازل عن الحصانة يصلح رداً على الدفع ببطلان لإعلانات، ويكون النعي عليه بالقصور والإخلال بحق الدفاع على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني في الطعن الأول والسبب الرابع في الطعن الثاني، أن الطاعن تمسك ببطلان ما تضمنه عقد الإيجار من تخويل المطعون ضده الحق في فسخ التعاقد بعد عودته من الخارج لمخالفته للقانون 121 لسنة 1947 الذي أبرم العقد في ظله، وبعد انطباق المادة 39/ 4 من القانون 49 لسنة 1977 لعدم تعلقه بالنظام العام فلا يسري على العقود التي أبرمت في تاريخ سابق لنفاذه، هذا إلى أن حق المالك المؤجر في إنهاء التعاقد طبقاً لهذا النص المستحدث يستلزم أن تكون الإجارة قد عقدت نفاذاًَ له، ولا يتأتى هذا إلا أن يكون العقد قد أبرم في تاريخ لاحق للعمل به، وإذ أغفل الحكم المطعون فيه هذا الدفاع وأعمل نص المادة 39/ 4 أنفة الذكر على واقعة الدعوى، فإنه يكون مشوباً بالقصور والإخلال بحق الدفاع فضلاً عن مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن ما استحدثه القانون 49 لسنة 1977 في المادة 39/ 4 منه من الترخيص للمالك في أن يؤجر مسكنه خالياً أو مفروشاً لمدة موقوتة بفترة إقامته المؤقتة بالخارج يكون له من بعدها إخلاء المستأجر منه وفقاً لشروط وأوضاع معينة وأياً كانت مدة الإيجار المتفق عليها، قد جاء على خلاف الأصل المقرر في جميع قوانين الإيجار الاستثنائية المتعاقبة وهو الامتداد القانوني لإجارة الأماكن الخالية والذي تنظمه قاعدة آمرة متعلقة بالنظام العام باعتباره الركيزة الأساسية التي تكفل حماية المستأجر، ومن ثم يتعين إعمال هذا النص المستحدث في نطاق الغاية التي استهدفها المشرع وهي التيسير على الملاك إلى جانب مراعاة صالح المستأجرين بتوفير مزيد من فرص السكنى أمامهم ولو كانت لمدد مؤقتة، بما لازمه سريان النص بأثر مباشر على وقائع التأجير التي تجد بعد العمل به حتى لا يمس قاعدة الامتداد القانوني لإجارة الأماكن الخالية المتعلقة بالنظام العام، هذا إلى أن حق المالك المؤجر في إنهاء العقد في هذه الحالة مرده ما جاء بتلك المادة من حق تأجير مسكنه ولو خالياً لفترة موقوتة وإذ كان هذا الحق في التأجير الموقوت للمسكن خالياً غير مقرر في قوانين الإيجار الاستثنائية السابقة بل على خلاف ما كانت تنص عليه فإن حقه في طلب الإخلاء بسبب العودة من الخارج رهين بأن تكون الإجارة أبرمت عملاً بأحكامه أي في تاريخ لاحق لسريان القانون 49 لسنة 1977 حتى يكون المستأجر على بينة من أمره وأنه إنما يستأجر المكان خالياً لفترة موقوتة، ومما يؤكد هذا النظر أن المناقشات التي جرت في مجلس الشعب بشأن المادة 31/ 4 من القانون المذكور أسفرت عن رفض الاقتراح بإضافة عبارة مؤداها أن ينسحب حكم المادة على العقود السارية والتي أبرمت قبل صدور القانون"، لأن الاقتراح ينطوي على مساس بالمراكز القانونية للمستأجرين الذين استقروا في مساكنهم ويتضمن بالتالي سريان القانون بأثر رجعي، وترتيباً على ما سلف فإن الحكم المستحدث في المادة 39/ 4 من القانون 49 لسنة 1977 لا يسري على وقائع التأجير السابقة على صدوره والتي اكتسب المستأجر للمكان الخالي بموجبها حقه في الامتداد القانوني لعقد إيجاره طبقاً للقانون الذي أبرم في ظله، ولا ينال من هذا النظر ما نصت عليه المادة 46 من القانون 49 لسنة 1977 من أنه "يحق للمستأجر الذي يسكن في عين استأجرها مفروشة من مالكها لمدة خمس سنوات متصلة سابقة على تاريخ العمل بهذا القانون البقاء في العين ولو انتهت المدة المتفق عليها. ولا يجوز للمؤجر طلب إخلائه إلا إذا كان قد أجرها بسبب إقامته في الخارج وثبت عودته نهائياً. "إذ أن مجال إعمال هذا النص - وكما يبين بجلاء من صياغته - قاصر على المساكن المؤجرة مفروشة دون تلك المؤجرة خالية، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أعمل المادة 31/ 4 من القانون 49 لسنة 1977 على واقعة الدعوى، يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، وإذ كان ما تضمنه عقد الإيجار من حق المطعون ضده في فسخ التعاقد بعد عودته من الخارج قد وقع باطلاً لوروده على خلاف قاعدة الامتداد القانوني المتعلقة بالنظام العام والتي نص عليها صراحة القانون 121 لسنة 1947 الذي أبرم العقد في ظله.


[(1)] الطعن رقم 1405 ق جلسة 28/ 2/ 1981 لم ينشر.