أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 33 - صـ 387

جلسة 8 من أبريل سنة 1982

برئاسة السيد المستشار/ سليم عبد الله سليم نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: رابح لطفي جمعة، وعبد المنعم رشدي عبد الحميد، نبيل البناوي ومصطفى زعزوع.

(70)
الطعن رقم 1779 لسنة 50 القضائية

(1) إيجار "إيجار الأماكن". إثبات "الإحالة للتحقيق".
حق المستأجر في إثبات واقعة التأجير وجميع شروط العقد بكافة الطرق. شرطه. ألا يكون هناك عقد مكتوب أو أن ينطوي العقد على تحايل على قواعد النظام العام وأن يتمسك المستأجر بذلك صراحة. م 24/ 3 ق 49 لسنة 1977، م 16/ 2 ق 52 لسنة 1969.
(2) إثبات "إجراءات الإثبات" "الدفع بالجهالة".
دفع الورثة بجهالة التوقيع المنسوب لمورثهم. وجوب قصر التحقيق على الواقعة المادية المتعلقة بحصول التوقيع دون الالتزام في ذاته. م 42. إثبات. التزام المحكمة بالفصل في أمر الدفع قبل نظر الموضوع. م 44 إثبات.
(3) إثبات "الدفع بالجهالة" "المحررات العرفية".
الدفع بالجهالة. تعلقه بالتوقيع الذي يرد على المحرر دون التصرف المثبت به. مؤدى ذلك.
(4) حكم "تسبيب" "ما يعد قصوراً".
العقد العرفي. الدفع بجهالة التوقيع الوارد به. شمول التحقيق واقعة التوقيع المادية وموضوع الالتزام. خطأ م 45 إثبات. فصل المحكمة في موضوع النزاع دون أن تقول كلمتها أولاً في صحة العقد أو بطلانه. خطأ وقصور. م 44 إثبات.
(5) محكمة الموضوع "تقدير الدليل". الحكم "تسبيب" "ما يعد قصوراً". نقض "سلطة محكمة النقض".
استقلال محكمة الموضوع بتقدير أدلة الدعوى واستخلاص الواقع منها دون رقابة من محكمة النقض. شرطه. إفصاح المحكمة عن مصدر الأدلة وفحواها. وأن يكون لها مأخذها الصحيح من الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها.
1 - لئن كان المشرع قد أجاز في المادة 24/ 3 من القانون 49 لسنة 1977 المقابلة للمادة 16/ 2 من القانون 52 لسنة 1969 للمستأجر إثبات واقعة التأجير وجميع شروط العقد بكافة طرق الإثبات، إلا أن مجال ذلك ألا يكون هناك عقد مكتوب أو أن تنطوي شروط التعاقد المكتوب على تحايل على القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام وأن يتمسك المستأجر بذلك بطلب صريح جازم.
2 - إذا قدم المؤجر عقداً يفيد تأجيره المكان مفروشاً على خلاف إدعاء ورثة المستأجر باستئجاره خالياً، واقتصر الورثة على الدفع بجهالة التوقيع المنسوب لمورثهم دون أن يستطيل دفاعهم إلى التمسك بانطواء العقد على تحايل على أحكام القانون الآمرة فإنه يتعين على المحكمة أن تمضي في تحقيق الدفع بالجهالة والفصل في أمره قبل نظر الموضوع والحكم فيه، وهي في ذلك مقيدة بما تقضي به المادة 42 من قانون الإثبات بأن يكون تحقيقها - إذا ارتأت - بالمضاهاة أو البينة قاصراً على الواقعة المادية المتعلقة بإثبات حصول التوقيع ممن نسب إليه أو نفيه، دون تحقيق موضوع الالتزام في ذاته الذي يجب أن يكون تالياً لقضائها في شأن صحة المحرر أو بطلانه التزاماً بنص المادة 44 من قانون الإثبات.
3 - يجب التفرقة بين التصرف في حد ذاته وبين الدليل المعد لإثباته ذلك أن الدفع بالجهالة ينصب على التوقيع الذي يرد على المحرر ولا شأن له بالتصرف المثبت به، فإذا ما انتهت المحكمة - على ضوء تحقيقها للواقعة المادية المتعلقة بالتوقيع - إلى رد وبطلان العقد الذي فقد المؤجر سنده - المتضمن تأجيره العين مفروشة - وأجاز للمستأجر إثبات شروط التعاقد بكافة الطرق، وإذ خلصت إلى صحة العقد كان له حجية المحرر العرفي في الإثبات قبل من وقعه وخلفه من بعده ما لم تهدر هذه الحجية لسبب آخر.
4 - إذ كان الثابت بالأوراق أن الطاعنة قد اعتصمت بعقد يفيد استئجار المورث لشقة النزاع مفروشة، فاقتصرت المطعون ضدها على الدفع بجهالة التوقيع المنسوب لمورثها وحلفت يمين عدم العلم، وبدلاً من أن تقصر محكمة أول درجة التحقيق على إثبات ونفي الواقعة المتعلقة بالتوقيع التزاماً بحكم المادة 42 من قانون الإثبات، شملت منطوق حكمها إثبات ونفي موضوع الالتزام في ذاته، وهو استئجار المورث شقة النزاع خالية، وسمعت البينة في شأنه فخالفت بذلك القانون إذ أهملت الفصل في أمر حصول التوقيع وتخلت بالتالي عن أن تقول كلمتها في شأن صحة العقد أو بطلانه قبل نظر موضوع الدعوى إعمالاً لصريح نص المادة 44 من قانون الإثبات، ثم قضت في الموضوع وأسقطت من حسابها العقد المكتوب دون تحقيق أو تسبيب مع ما له من أثر في تكوين عقيدة المحكمة بشأن ما إذا كانت شقة النزاع مؤجرة خالية أم مفروشة........ وإذ سايرتها محكمة الاستئناف والتفتت عما أثارته الطاعنة أمامها نعياً على الحكم الابتدائي وأغفلت بدورها أن تقول كلمتها في شأن صحة العقد أو بطلانه قبل نظر الموضوع ثم قضت في موضوع الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بمخالفة القانون والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب.
5 - لئن كان لمحكمة الموضوع الحق في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص الواقع منها، إلا أنه يتعين عليها أن تفصح عن مصادر الأدلة التي كونت منها عقيدتها وفحواها وأن يكون لها مأخذها الصحيح من الأوراق ثم تنزل عليها تقديرها ويكون مؤدياً إلى النتيجة التي خلصت إليها، وذلك حتى يتأتى لمحكمة النقض أن تعمل رقابتها على سداد الحكم وأن الأسباب التي أقيم عليها جاءت سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق ويتأدى مع النتيجة التي خلص إليها. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي قد اعتد بالقيمة الإيجارية الواردة بصحيفة افتتاح الدعوى دون أن يفصح عن المصدر المؤدي لبيان حقيقة تلك الأجرة، وكان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الابتدائي لذات أسبابه القاصرة، ودون أن يتعرض لما أثارته الطاعنة في هذا الخصوص نعياً على الحكم الابتدائي فإنه يكون مشوباً بالقصور [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 3015 لسنة 1978 كلي شمال القاهرة، بطلب الحكم بثبوت إجارتها لشقة النزاع، وإلزام الطاعنة بتحرير عقد إيجار لها، استناداً إلى أن زوجها كان يستأجر ذات الشقة من شقيقته الطاعنة لقاء أجرة شهرية قدرها 12 ج و880 م، وأنها أقامت وأولادها معه حتى وفاته في 15/ 1/ 1978، وفي أثرها امتنعت الطاعنة عن تقاضي الأجرة ورفضت تحرير عقد إيجار لصالحها، فأقامت دعواها، واجهت الطاعنة الدعوى بعقد مؤرخ 1/ 7/ 1975 يفيد استئجار المورث شقة النزاع مفروشة، فدفعت المطعون ضدها بجهالة التوقيع المنسوب لمورثها، وبعد أن حلفت يمين عدم العلم أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي واقعتي استئجار المورث شقة النزاع خالية، وعدم توقيعه على عقد إيجار المكان مفروشاً، وبعد سماع الشهود، قضت في 25/ 11/ 1979 بثبوت العلاقة الإيجارية بين الطرفين بالقيمة الإيجارية الموضحة بالصحيفة وألزمت الطاعنة بتحرير عقد إيجار للمطعون ضدها. استأنفت الطاعنة بالاستئناف رقم 16 لسنة 97 ق القاهرة، وبتاريخ 21/ 5/ 1980 حكمت المحكمة برفضه. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة في الأسباب الثاني والثالث والرابع والسادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع والقصور، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بأن مورث المطعون ضدها استأجر منها شقة النزاع مفروشة، وقدمت عقد الإيجار الموقع عليه منه، فدفعت المطعون ضدها بجهالة التوقيع المنسوب لمورثها ثم حلفت يمين عدم العلم، وكان لزاماً على المحكمة أن تتيح لها فرصة إثبات صحة التوقيع وأن تقول كلمتها في شأنه حتى إذا ما ثبتت صحته كان للعقد حجية قبل المطعون ضدها، إلا أن محكمة أول درجة أغفلت تحقيق واقعة حصول التوقيع على حده فخالفت بذلك نص المادة 42 من قانون الإثبات إذ أحالت موضوع الدعوى للتحقيق، كما لم تقض في أمر صحة التوقيع بل تجاوزته إلى الفصل في الموضوع فأهدرت بذلك حجية العقد وحرمتها فرصة الاحتجاج به، وإذ سايرت محكمة الاستئناف ما تردت فيه المحكمة الابتدائية من أخطاء، والتفتت بدورها عن تصحيح مسار الإثبات وأغفلت الفصل في صحة التوقيع، وقضت في الموضوع بتأييد الحكم الابتدائي لأسبابه، ولما أضافته من أسباب حاصلها أن ما ورد بالعقد من أن عين النزاع مؤجرة مفروشة كان بقصد التحايل على القانون، وهو دفاع لم تقل به المطعون ضدها التي تمسكت بالدفع بالجهالة - فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون فضلاً عن إخلاله بحق الدفع، هذا إلى أنه ورغم أن المطعون ضدها لم تقدم دليلاً على قدر الأجرة التي زعمتها بصحيفة الدعوى، فإن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد اعتد بها دون أن يبين المصدر الذي استقى منه حقيقة تلك الأجرة، فجاء مشوباً بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه ولئن كان المشرع قد أجاز في المادة 24/ 3 من القانون 49 لسنة 1977 المقابلة للمادة 16/ 2 من القانون 52 لسنة 1969 - للمستأجر إثبات واقعة التأجير وجميع شروط العقد بكافة طرق الإثبات، إلا أن مجال ذلك ألا يكون هناك عقد مكتوب أو أن تنطوي شروط التعاقد المكتوب على تحايل على القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام وأن يتمسك المستأجر بذلك بطلب صريح جازم، فإذا قدم المؤجر عقداً يفيد تأجيره المكان مفروشاً على خلاف إدعاء ورثة المستأجر باستئجاره خالياً، واقتصر الورثة على الدفع بجهالة التوقيع المنسوب لمورثهم دون أن يستطيل دفاعهم إلى التمسك بانطواء العقد على تحايل على أحكام القانون الآمرة فإنه يتعين على المحكمة أن تمضي في تحقيق الدفع بالجهالة والفصل في أمره قبل نظر الموضوع والحكم فيه، وهي في ذلك مقيدة بما تقضي به المادة 42 من قانون الإثبات بأن يكون تحقيقها - إذا ارتأت - بالمضاهاة أو البينة قاصراً على الواقعة المادية المتعلقة بإثبات حصول التوقيع ممن نسب إليه أو نفيه، دون تحقيق موضوع الالتزام في ذاته الذي يجب أن يكون تالياً لقضائها في شأن صحة المحرر أو بطلانه التزاماً بنص المادة 44 من قانون الإثبات، إذ يجب التفرقة بين التصرف في حد ذاته وبين الدليل المعد لإثباته، ذلك أن الدفع بالجهالة ينصب على التوقيع الذي يرد على المحرر ولا شأن له بالتصرف المثبت به..... فإذا ما انتهت المحكمة - على ضوء تحقيقها للواقعة المادية المتعلقة بالتوقيع - إلى رد وبطلان العقد الذي فقد المؤجر سنده وأجاز للمستأجر إثبات شروط التعاقد بكافة الطرق وإذا خلصت إلى صحة العقد كان له حجية المحرر العرفي في الإثبات قبل من وقعه وخلفه من بعده ما لم تهدر هذه الحجية لسبب آخر، لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعنة قد اعتصمت بعقد يفيد استئجار المورث لشقة النزاع مفروشة، فاقتصرت المطعون ضدها على الدفع بجهالة التوقيع المنسوب لمورثها وحلفت يمين عدم العلم، وبدلاً من أن تقصر محكمة أول درجة التحقيق على إثبات ونفي الواقعة المادية المتعلقة بالتوقيع التزاماً بحكم المادة 42 من قانون الإثبات، شملت منطوق حكمها إثبات ونفي موضوع الالتزام في ذاته، وهو استئجار المورث شقة النزاع خالية، وسمعت البينة في شأنه فخالفت بذلك القانون إذ أهملت الفصل في أمر حصول التوقيع وتخلت بالتالي عن أن تقول كلمتها في شأن صحة العقد أو بطلانه قبل نظر موضوع الدعوى إعمالاً لصريح نص المادة 44 من قانون الإثبات، ثم قضت في الموضوع وأسقطت من حسابها العقد المكتوب دون تحقيق أو تسبيب مع ما له من أثر في تكوين عقيدة المحكمة بشأن ما إذا كانت شقة النزاع مؤجرة خالية أم مفروشة.....، وإذ سايرتها محكمة الاستئناف والتفتت عما أثارته الطاعنة أمامها نعياً على الحكم الابتدائي، وأغفلت بدورها أن تقول كلمتها في شأن صحة العقد وبطلانه قبل نظر الموضوع ثم قضت في موضوع الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بمخالفة القانون والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب، ولا ينال من ذلك ما جاء بأسبابه من أنه "لما كان مقطع النزاع يتمثل فيما إذا كان المورث يستأجر عين النزاع مفروشة أو غير مفروشة، وكانت أحكام قوانين إيجار الأماكن من النظام العام، وأن التحايل على تلك القوانين يجوز إثباته بكافة الطرق...... فلا تثريب على محكمة أول درجة إن أحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي هذا التحايل. ذلك أن المطعون ضدها لم تتحد في صورة طلب صريح جازم بالتحايل على أحكام القانون الآمرة، أما ما قرره وكيلها بمحضر جلسة 15/ 10/ 1978 من أن العقد غير صحيح..... وأن المورث لم يصد منه هذا العقد..... وأنه مخالف للحقيقة". وأن المورث مستأجر للشقة خالية...... إنما جاء تأكيداً للدفع بالجهالة الذي أبداه بذات الجلسة من أن مورثها لم يوقع على العقد، إذ يستعصى أن تنتظم ذات العبارات على دفاع وتقبضه في صورة دفع بالجهالة أبدى صراحة مرماه إنكار للعقد، ودفاع بالتحايل لازمه إقرار بوجود العقد صراحة أو ضمناً أو في القليل افتراض قيامه مع التمسك بانطوائه على أمر غير مشروع، هذا إلى أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع الحق في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص الواقع منها، إلا أنه يتعين عليها أن تفصح عن مصادر الأدلة التي كونت منها عقيدتها وفحواها وأن يكون لها مأخذها الصحيح من الأوراق ثم تنزل عليها تقديرها ويكون مؤدياً إلى النتيجة التي خلصت إليها وذلك حتى يتأتى لمحكمة النقض أن تعمل رقابتها على سداد الحكم وأن الأسباب التي أقيم عليها جاءت سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتتأدى مع النتيجة التي خلص إليها. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي قد اعتد بالقيمة الإيجارية الواردة بصحيفة افتتاح الدعوى دون أن يفصح عن المصدر المؤدي لبيان حقيقة تلك الأجرة، وكان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الابتدائي لذات أسبابه القاصرة، دون أن يتعرض لما أثارته الطاعنة في هذا الخصوص نعياً على الحكم الابتدائي، فإنه يكون مشوباً بالقصور.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه، دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.


[(1)] (الطعن رقم 622 لسنة 47 ق - جلسة 22/ 2/ 1982) لم ينشر.