أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 3 - صـ 338

جلسة 3 يناير سنة 1952
(57)
القضية رقم 149 سنة 19 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطي خيال بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك وأحمد العمروسي بك المستشارين.
تحكيم. ولاية المحكمين. يجب قصرها على ما تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه عليهم. لا يصدق في التحكيم القول بأن قاضى الأصل هو قاضى الفرع.
التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات، فهو يكون مقصوراً حتماً على ما تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم ولا يصح تبعاً إطلاق القول في خصوصه بأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد أبطل حكم هيئة التحكيم ببطلان عقد شركة لعدم مشروعية الغرض منها، وذلك بناء على أن مشارطه التحكيم لم تكن لتجيز ذلك لأنها تقصر ولاية المحكمين على بحث المنازعات الخاصة بتنفيذ عقد الشركة. فضلاً عما اعترض به أمام هيئة التحكيم من أنها ممنوعة من النظر في الكيان القانوني لعقد الشركة، فهذا الحكم لا يكون قد خالف القانون في شيء.


الوقائع

في يوم 30 من أغسطس سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 25 من مايو سنة 1949 في الاستئناف رقم 56 س 5 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بإلغاء الحكم الابتدائي ورفض دعوى المطعون عليه واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه في كلتا الحالتين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن جميع الدرجات.
وفي 31 من أغسطس سنة 1949 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن. وفي 18 من سبتمبر سنة 1949 أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 28 منه أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 16 من أكتوبر سنة 1949 أودع الطاعن مذكرة بالرد. وفي 30 منه أودع المطعون عليه مذكرة بملاحظاته على الرد. وفي 8 من يناير سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات ومصادرة الكفالة. وفي 20 من ديسمبر سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محاموا الطرفين والنيابة العامة على ما جاء بمذكراتهم. والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعة الدعوى تتحصل، حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن، في أن طرفي النزاع كونا فيما بينهما في 6 من مارس سنة 1944 شركة تضامن لاستغلال الصيدلية المعروفة باسم أوتوفون هوبير سابقاً الكائنة بشارع شريف باشا بالإسكندرية. وفي 12 من فبراير سنة 1945 عدلا عقد الشركة - إلا أنه قامت بينهما منازعات متنوعة عرض بعضها على المحاكم - فاتفقا على عرض الأمر على هيئة من المحكمين، وفقاً لما حدداه في مشارطه التحكيم المؤرخة في 17 من يوليه سنة 1948. وفي 5 من أكتوبر سنة 1948 قضت هيئة التحكيم ببطلان عقد الشركة بطلاناً أصلياً لعدم مشروعية الغرض منها لمخالفته للنظام العام، وأمرت بتصفية الشركة وعينت مصفياً لها، فطلب المطعون عليه بطلان هذا الحكم بدعوى أقامها على الطاعن أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، قيدت برقم 1054 سنة 1948 كلي الإسكندرية، لأسباب منها أنه خرج عن ولاية المحكمين وقضى بما لم يطلبه أحد من المحتكمين، وفي 26 من يناير سنة 1949 قضت المحكمة ببطلان حكم المحكمين. فأستأنف الطاعن أمام محكمة استئناف الإسكندرية، وقيد استئنافه برقم 56 س 5 ق. وفي 25 من مايو سنة 1949 قضى بتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على أربعة أسباب: حاصل السببين الأول والثاني منها هو أن الحكم المطعون فيه، إذ قضى بتأييد حكم محكمة أول درجة لأسبابه، قد مسخ مشارطة التحكيم فيما ذهب إليه من أنها لا تجيز للمحكمين الحكم ببطلان عقد الشركة بحجة أنها تقصر ولايتهم على بحث المنازعات الخاصة بتنفيذه، مع أن البند الثاني من هذه المشارطة صريح في أن المحكمين يختصون بالفصل في جميع المنازعات أياً كان نوعها التي يثيرها أحد الطرفين بشأن أي شرط من شروط عقد الشركة, وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد تخصص ولاية المحكمين بغير مخصص.
ومن حيث إن هذين السببين مردودان بما قرره حكم محكمة أول درجة المؤيد في هذا الخصوص بالحكم المطعون فيه من أنه يستفاد بوضوح من صدر مشارطة التحكيم أن النزاع يدور حول تنفيذ عقد الشركة والاتفاق الخاص بتعديله وقد تكرر في البند الثاني من المشارطة ذكر المنازعات الخاصة بإدارة الشركة، وأجمل المحتكمان ذلك في عبارة كل أعمال التنفيذ التي تلت العقدين المذكورين، وما قرره في موضع أخر من أنه "بالرجوع إلى حكم المحكمين المطعون فيه ومحاضر جلساتهم ومذكرات المحتكمين لا نجد اتفاقاً بين طرفي الخصومة على أن يكون موضوع التحكيم التعرض لكيان عقد 6 مارس سنة 1944 صحة وبطلاناً. وقد أثبت المحكمون في حيثيات حكمهم أنه يتحتم عليه بحث هذا العقد، ولا قيمة لما جاء بأقوال بابا جالو (المطعون عليه ) من أن الهيئة ممنوعة من تفسير هذا العقد - وحيث إن تعرض المحكمين لعقد 6 مارس سنة 1944 لتقدير قيمته القانونية رغم اعتراض المعارض (المطعون عليه) في مذكرته لم يكن من حقهم فلم يكن ذلك وجهاً للمنازعة المطروحة عليهم بموجب المشارطة أو في المرافعة. فقضاؤهم ببطلان عقد 6 مارس سنة 1944 خروج عن حدود التحكيم وفصل فيما لم يعرض عليهم من منازعات" - ولما كان هذا الذي استخلصه الحكم هو تحصيل سائغ لما انصرفت إليه إرادة المحتكمين فإن النعي عليه يكون على غير أساس.
ومن حيث إن حاصل السبب الثالث خطأ الحكم في تطبيق القانون إذ قضى بأن مشارطة التحكيم لا تجيز للمحكمين الحكم في مادة النظام العام التي تتصل بنوع المنازعة المتفق على طرحها على التحكيم، مع أن قاضي الأصل هو قاصي الفرع، والتحكيم قضاء اتفاقي لا يقل سلطاناً عن القضاء العام من ناحية تكييف المحرر موضوع المنازعة تكييفاً قانونياً - ومن ثم فإن هيئة المحكمين تملك بقوة القانون ما يملكه القاضي، وتبعاً فإن لها أن تبحث من نفسها في صحة أو بطلان عقد الشركة وإن لم تطرح عليها منازعة في هذا الخصوص.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما قرره الحكم من أن التحكيم يفترق عن التقاضي العادي في أن ولاية المحكمين مقصورة على ما تنصرف إليه إرادة طرفي النزاع على أن يكون محلاً لفصلهم - فلا يملك المحكمون، من غير ما تفويض، البحث في صحة أو بطلان عقد الشركة: وأن النزاع بين الشريكين كان محلاً لخصومات متنوعة أمام القضاء المختلط والقضاء الوطني، وقد فصل في بعض تلك الخصومات دون ما حاجة إلى البحث فيما إذا كان عقد الشركة مطابقاً للقانون أو مخالفاً له: وأنه فضلاً عن ذلك فقد اعترض محامي المطعون عليه أمام هيئة التحكيم بأن الهيئة ممنوعة من النظر في الكيان القانوني لعقد الشركة - وقد كان هذا الاعتراض كافياً لمنع المحكمين من الفصل ووقف عملهم، ما دام أنه قد قامت لديهم ضرورة البحث في هذا الأمر، وذلك قياساً على حكم المادة 720 من قانون المرافعات (القديم) - وهذا الذي قرره الحكم صحيح في القانون، وذلك لأن التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات، قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات ومن ثم كان حتماً مقصوراً على ما تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم، وتبعاً فإنه لا يصح القول في خصومه بأن قاضي الأصل قاضي الفرع.
ومن أن حاصل السبب الرابع قصور الحكم في التسبيب - وفي بيان ذلك يقول الطاعن في تقريره: "تناولت صحيفة الاستئناف نقد الحكم الابتدائي فيما قضي به من بطلان حكم المحكمين للسببين اللذين أنبنى عليهما قضاؤه"، والخصومة أمام محكمة الاستئناف، في طبيعة التقاضي المتدرج، تضاف إلى عناصرها الإنشائية عناصر جديدة موضوعها الحكم الأول والأخطاء القانونية الموضوعية المحسوبة عليه - ويتعين على محكمة الاستئناف لسلامة قضائها الإحاطة بالمنازعة عند انتقالها إليها وبحث وجوه الطعن والرد عليها للإبقاء على الحكم فيما قضي به أولاً بإلغائه أو تعديله - فإذا قصرت دون هذا الواجب فإن حكمها القاضي بالتأييد مع الإحالة إلى أسباب الحكم الأول - كما هو شأن الحكم المطعون فيه بعد إسقاط الأسباب التصويرية - لا يتحقق - التسبيب المطلوب الذي هو أول الواجبات القضائية.
ومن حيث إن هذا الكلام مبهم لا يتحدد به مقصود الطاعن فيما يعين على الحكم ، ولا يبين منه مواطن القصور فيه، ومن ثم يكون هذا السبب غير مقبول.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.