أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 3 - صـ 483

جلسة 14 من فبراير سنة 1952
(82)
القضية رقم 211 سنة 19 قضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك وعبد العزيز سليمان بك وأحمد العمروسي بك المستشارين.
موظفون:
بوليس. إحالة ضباط البوليس إلى الاستيداع. جواز إحالتهم إلى المعاش أثناء وجودهم بالاستيداع إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك. المقصود من تحديد أقصى مدة للاستيداع. الأمر العالي الصادر في 24 من ديسمبر سنة 1884 والقانون رقم 16 سنة 1912.
أنه وإن كان القانون رقم 16 لسنة 1912 الذي أجاز في مادته الأولى إحالة ضباط البوليس إلى الاستيداع بقرار من وزير الداخلية نص في مادته الثانية على أن المدة التي يسوغ فيها إبقاء ضباط البوليس في الاستيداع لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وسكت عن النص على جواز إحالة ضباط البوليس إلى المعاش أثناء وجودهم في الاستيداع أو عند انقضاء أقصى مدته إلا أن هذا السكوت لا يمكن أن يقيد أو يلغى حق الحكومة في إحالة ضباط البوليس إلى المعاش بقرار يصدر من مجلس الوزراء سواء أكانوا في الخدمة العاملة أم في الاستيداع أسوة بباقي الموظفين ووفقاً للأمر العالي الصادر في 24 من ديسمبر سنة 1884 كما أن المقصود من تحديد أقصى مدة يبقى فيها ضباط البوليس في الاستيداع إنما هو عدم تركهم في الاستيداع إلى ما لا نهاية بل يجب البت في أمرهم عند نهاية المدة المحددة ولا يكون ذلك إلا بإعادتهم إلى الخدمة العاملة أو بإحالتهم إلى المعاش إذا كان لها مقتض من المصلحة العامة.


الوقائع

في يوم 29 من ديسمبر سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 29 من مايو سنة 1949 في الاستئنافين رقمي 893 سنة 64 ق، و55 سنة 66 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بطلباته المبينة بصحيفتي الدعوى والاستئناف وهي إلزام المطعون عليها بأن تدفع إليه مبلغ 5000 ج واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي 5 من يناير سنة 1950 أعلنت المطعون عليها بتقرير الطعن، وفي 17 منه أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليها بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 4 من فبراير سنة 1950 أودعت المطعون عليها مذكرة بدفاعها مشفوعة بمستنداتها طلبت فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات وفي 21 منه أودع الطاعن مذكرة بالرد.
وفي 16 من سبتمبر سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وفي 31 من يناير سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محامياً الطرفين والنيابة العامة على ما جاء بمذكراتهم. والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

... من حيث إن وقائع الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه تتحصل، حسبما يستفاد منه ومن سائر الأوراق المقدمة في الطعن، في أن الطاعن أقام على المطعون عليها (وزارة الداخلية) الدعوى رقم 284 كلي مصر سنة 1946 وقال بياناً لها أنه التحق بخدمة الحكومة في سنة 1919 معلماً للموسيقى ثم عين ملاحظ بوليس ببلوكات النظام، وأثناء قيامه بعمله على وجه مرضى أحيل إلى الاستيداع ابتداء من أول مارس سنة 1939 بقرار من وزير الداخلية ذكرت فيه أسبابه وهى أنه سبق أن حوكم تأديبياً وجوزي بوقفه عن العمل مدة ثلاثة شهور عن تهم منها ما يمس الأخلاق وأن محافظة الإسكندرية رأت أن سلوكه لا يزال معيباً، وأنه رغم تظلماته العديدة ظل في الاستيداع حتى فوجئ بصدور قرار من مجلس الوزراء يقضي بإحالته إلى المعاش ابتداء من أول مارس سنة 1944 بناء على مذكرة مرفوعة من وزارة الداخلية جاء فيها أن إحالته إلى الاستيداع كانت من أجل تهمة أخلاقية وأنه لا فائدة تعود على المصلحة العامة من إعادته إلى الخدمة: وأنه نظراً لأن لأسباب التي اتخذت أساساً لقرار الإحالة إلى الاستيداع ثم قرار الإحالة إلى المعاش لا تتفق والحقيقة ذلك أنه لم يكن من بين التهم التي حوكم من أجلها تأديبياً ما يمس الأخلاق، وأن ما جاء في قرار الإحالة إلى الاستيداع من أن محافظة الإسكندرية رأت أن سلوكه لا يزال معيباً ينقضه كتابها المحرر في أول مارس سنة 1938 الذي أثنت عليه فيه وأوصت بمنحه علاوة، وأن المحاكمة التأديبية قد انتهى أمرها بتوقيع عقوبتها عليه واستمراره في الوظيفة بعدها وما كان يصح للوزارة أن تتخذها مرة أخرى عماداً للإحالة إلى الاستيداع، وأنه حتى إذا جاز لها ذلك فإنه - بعد بقائه في الاستيداع خمس سنوات وهي أقصى مدة مقررة له - كان يتعين عليها أن تعيده إلى الخدمة لأنه بعد إحالة ضابط البوليس إلى الاستيداع لا يجوز عند انتهاء مدته إحالته إلى المعاش إلا إذا توافرت الشروط التي يقتضيها قانون المعاشات وهى غير متوافرة في حالته، وأن كلتا الإحالة إلى الاستيداع والإحالة إلى المعاش جاءت مخالفة للقانون والمصلحة العامة إذ لم يكن هناك ما يبررهما، وأن هذا التصرف قد أساء إلى الطاعن إساءة بالغة وحرمه من البقاء في وظيفته حتى بلوغ سن التقاعد مع قدرته على العمل، ونظراً لذلك كله فإنه يطلب الحكم بإلزام المطعون عليها بأن تدفع إليه مبلغ خمسة آلاف جنيه تعويضاً عما أصابه من ضرر أدبي ومادي. وفي 24 من إبريل سنة 1947 قضت محكمة مصر الابتدائية برفض الدعوى. فاستأنف الطاعن هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 893 سنة 64 قضائية محكمة استئناف مصر. وفي 29 من مايو سنة 1949 قضت المحكمة برفضه وتأييد الحكم المستأنف. وتتحصل الأسباب التي أقيم عليها الحكمان الابتدائي والاستئنافي في أنه وإن كان للحكومة (مجلس الوزراء) وفقاً للأمر العالي الصادر في 24 من ديسمبر سنة 1884 الحق المطلق في إحالة الموظف إلى المعاش قبل بلوغه سن التقاعد المقررة بقانون المعاشات إلا أنها لا تملك هذا الحق إلا لدواعي المصلحة العامة أو لأسباب جدية تكون قائمة بذات الموظف. وأنه وإن كانت الحكومة غير ملزمة ببيان هذه الأسباب إلا أنه إذا ذكرت في القرار الصادر بالإحالة إلى المعاش فإنها تكون خاضعة لتقدير المحكمة، كما هو الشأن في القرار الصادر من مجلس الوزراء بإحالة الطاعن إلى المعاش اعتباراً من أول مارس سنة 1944، وكذلك القرار السابق عليه والصادر من وزير الداخلية بإحالته إلى الاستيداع اعتباراً من أول مارس سنة 1939، وبني هذا القرار على أن الطاعن سبق أن جوزي تأديبياً بالوقف عن العمل لمدة ثلاثة شهور عن تهم منها ما يمس الأخلاق وأن محافظة الإسكندرية رأت أن سلوكه لا يزال معيباً، أما قرار الإحالة إلى المعاش فقد بني على مذكرة رفعت من وزارة الداخلية جاء فيها أن الطاعن سبق أن جوزي تأديبياً عن تهم منها ما يمس الشرف فضلاًًً عن الجزاءات الأخرى التي وقعت عليه وأنه يتم في آخر فبراير سنة 1944 أقصى مدة للاستيداع ولا فائدة تعود على المصلحة العامة من إعادته إلى الخدمة العاملة وأنه يبين من ملف خدمته أنه جوزي في سبتمبر سنة 1932 وهو رئيس فرقة الموسيقى والمطافئ بمجلس محلي أسيوط يخصم ما يعادل سبعة أيام من مرتبه عن عمل يدعو إلى الشك في نزاهته وهو استيلاؤه على مرتبات أنفار الموسيقى الذين تحت رياسته - كما جوزي في يوليه سنة 1935 وهو بمجلس بلدي المنصورة بخصم ما يعادل ثلاثة أيام من مرتبة لتدخله تدخلاً معيباً مثيراً للريبة في شراء آلتين موسيقيتين لمصلحة من رست عليه مناقصتهما بأن أخذ منه ثمنهما واشتراهما لحسابه مع أنه كان المختص بإبداء الرأي في قيمتهما ومدى صلاحيتهما لدى لجنة المشتريات - ثم حكم عليه من مجلس التأديب بمحافظة الإسكندرية في سبتمبر سنة 1937 بوقفه عن العمل لمدة ثلاثة شهور عن عدة تهم منها إهانته مساعد حكمدار الدقهلية ورؤسائه الآخرين، وتأخير الأوراق لديه بدون مبرر، وسلوكه مع إبراهيم السرجاني في شأن تعيينه بفرقة المطافئ والموسيقى بالمنصورة سلوكاً مثيراً للشبهة إذ سمح له قبل تعيينه بالتردد على منزله ومقابلته في الطريق والمكتب، كما تولى بنفسه وبوساطة رجاله إجراءات التعيين المختلفة الأمر الذي لا يحصل من موظف نزيه يحرص على سمعته، وقيام علاقات مالية وصلات أخرى بينه وبين مرءوسيه الأمر الذي لا يتفق وواجبات الوظيفة، واستغلاله سلطة وظيفته وإفادته منها بأن انتهز فرصة رسو مزاد إصلاح موتوسيكل بلدية المنصورة على آخر وأجرى تصليح سيارته عنده دون أن يدفع إليه أجراً: وأن هذه الجزاءات في محلها، ومنها ما يمس نزاهته ويثير الشك حول سمعته، أما ما أثاره الطاعن من أنه لم يقترف أية مخالفة من تاريخ تعيينه في سنة 1919 حتى تاريخ توقيع أول جزاء عليه في سنة 1932 فلا أهمية له إذ كان أحرى به وقد رقي إلى رتبة ملازم ثان في أغسطس سنة 1932 أنه تكون هذه الترقية حافزاً له على مداومة حسن السير والسلوك والابتعاد عن مواطن الشبهات لا أن يأتي ذلك العمل الذي وقع من أجله أول جزاء عليه بعد توقيعه بأقل من شهر واحد: وأنه في محله كذلك ما جاء في قرار إحالة الطاعن إلى الاستيداع من أن محافظة الإسكندرية رأت أن سلوكه لا يزال معيباً، إذ ثابت بملفه أنه أجري معه تحقيق إداري عن واقعتين من شأنهما المساس بالشرف، أولاهما حصلت في ليلة 9 من يوليه سنة 1938 والثانية في يوم 12 من يوليه سنة 1938 - وقد تحدثت عنهما المحكمة تفصيلاً - هذا فضلاً عن أن ملف الطاعن عامر بشكاوى تنم عن محاولة الاتصال بأقارب أنفار الموسيقى اتصالاً غير شريف وقدمت ضده في أزمنة مختلفة وفي بلاد متعددة من أشخاص لا صلة بينهم: وأنه لذلك كله يكون قرار إحالة الطاعن إلى الاستيداع قد بني على أسباب صحيحة، إما عن قوله بأن هذا القرار هو عقوبة ثانية عن نفس التهم التي حوكم من أجلها بالجزاءات السابق بيانها ففي غير محله ذلك أنه إنما أقيم على ما رأته محافظة الإسكندرية من أن سلوكه لا يزال معيباً وهو ما تبينت صحته مما تقدم وأن قرار إحالة الطاعن إلى المعاش لا يعد كذلك عقوبة جديدة، ذلك أنه بعد أن قضي في الاستيداع أقصى مدة مقررة وهي خمس سنوات لم يكن أمام الحكومة إلا أن تتصرف معه على أحد وجهين إما أن تعيده إلى الخدمة العاملة وإما أن تحيله إلى المعاش، وقد رأت وزارة الداخلية بحق لماضيه السابق بيانه أنه لا فائدة ترجى للمصلحة العامة من إعادته إلى الخدمة، وقد وافق مجلس الوزراء على ما جاء في هذه المذكرة وقرر إحالة الطاعن إلى المعاش وفقاً للأمر العالي الصادر في 24 من ديسمبر سنة 1884 الذي يخول الحكومة الحق في فصل أي موظف لدواعي المصلحة العامة، يستوي في ذلك أن يكون الموظف في الاستيداع أو الخدمة العاملة، أما ما يقوله الطاعن في دفاعه من أن الإحالة إلى المعاش في مثل حالته تستلزم وقوع مخالفات جديدة فغير معقول لأن الموظف الذي يكون في الاستيداع لا يرتكب مخالفة تتصل بعمل الوظيفة، وأما ما ارتكن إليه من أن محافظة الإسكندرية أوصت في كتابها المحرر في أول مارس سنة 1938 بمنحه علاوة نظراً لاستعداده وكفاءته ونزاهته فلا قيمة له إذ كان هذا الكتاب سابقاً على حصول الواقعتين اللتين نسبتا إليه في 9 و12 من يوليه سنة 1938 كما سلف ذكره، وأما كتاب مديرية القليوبية المحرر في 17 من يناير سنة 1941 والذي اقترحت فيه على وزارة الداخلية إعادته من الاستيداع إلى الخدمة لكفايته وحاجة العمل إليه فلا ينهض شفيعاً له لماضيه الأنف بيانه، وكذلك الشهادات الأخرى التي تمسك بها في دفاعه فإنها لا تفيده إزاء الوقائع الثابتة التي يعمر بها ملفه، وأنه لجميع ما تقدم يكون قرار الإحالة إلى المعاش قد صدر هو الآخر لدواعي المصلحة العامة بناء على أسباب صحيحة ووقائع جدية قائمة بذات الطاعن أثبتت بوضوح أنه لا خير يرجى من استمراره في وظيفته كما أنه ليس فيه إساءة من جانب الحكومة في استعمال حقها. وقد قرر الطاعن الطعن بطريق النقض في الحكم المذكور.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب حاصل أولها أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون من وجهين (أولهما) إذ قالت المحكمة تبريراً لقرار إحالة الطاعن إلى المعاش أن هذا القرار "إنما هو تصرف على أحد وجهين لا ثالث لهما في هذه الحالة - حالة قضاء الموظف في الاستيداع أقصى مدة حددتها المادة 12 من قانون المعاشات العسكرية رقم 28 لسنة 1913 الذي عومل حسن أفندي أبو العلا (الطاعن) على مقتضاه وهى خمس سنوات وهذان الوجهان هما إما إعادته إلى الخدمة العاملة وإما إحالته إلى المعاش" مع أن هذا القانون الذي طبقته المحكمة على ما يبين من اسمه خاص برجال الجيش لا بضباط البوليس الذين لا يعاملون إلا بقانون المعاشات الملكية رقم 37 لسنة 1929 وهو ما عومل به الطاعن فعلاً بوصفه ضابط بوليس - هذا فضلاً عن أن القانون المذكور خاص فقط بتحديد وتنظيم المدة التي تحسب لرجال الجيش في المعاش سواء أكانوا أمضوها في الخدمة العاملة أم في الاستيداع، كما أن الفقرة الأخيرة من مادته الثانية عشرة التي طبقتها المحكمة تقطع في عدم جواز الإحالة إلى المعاش من الاستيداع لا أثناء مدته ولا بعد انقضائها (والوجه الثاني) إذ قررت المحكمة صحة قرار إحالة الطاعن إلى المعاش - مع أن القانون رقم 16 لسنة 1912 الخاص بجواز إحالة ضباط البوليس إلى الاستيداع وهو القانون الواجب التطبيق في حالة الطاعن لا يجيز الإحالة إلى المعاش من الاستيداع، ذلك أن مادته الثانية نصت على أن المدة التي يسوغ فيها إبقاء ضابط البوليس في الاستيداع لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، وأن التفسير الصحيح لهذا النص هو أنه وإن كان لا يجوز إعادة الضابط من الاستيداع إلى الخدمة العاملة قبل مضى سنة إلا أنه يتحتم إعادته إليها عند انتهاء خمس السنوات التي حددت كأقصى مدة للاستيداع - ومع أن الطاعن أحيل إلى المعاش قبل بلوغه سن التقاعد بما يزيد على اثنتين وعشرين سنة خلافاً لما يقضى به قانون المعاشات الملكية.
ومن حيث إنه لما كان ثابتاً بالحكم بناء على ما ورد في الأوراق أن قرار إحالة الطاعن إلى المعاش قد صدر من مجلس الوزراء وفقاً للأمر العالي الصادر في 24 من ديسمبر سنة 1884 - وكان صحيحاً في القانون ما قررته المحكمة من أن هذا الأمر يخول المحكمة الحق المطلق في فصل أي موظف لدواعي المصلحة العامة وأنه يستوي في ذلك أن يكون الموظف المحال إلى المعاش في الخدمة العاملة أو في الاستيداع وأنه بعد أن أمضى الطاعن في الاستيداع أقصى مدة مقررة له وهي خمس سنوات لم يكن أمام الحكومة إلا أن تتصرف معه على أحد وجهين إما أن تعيده إلى الخدمة العاملة وإما أن تحيله إلى المعاش، ذلك أنه وإن كان القانون رقم 16 لسنة 1912، الذي أجاز في مادته الأولى إحالة ضباط البوليس إلى الاستيداع بقرار من وزير الداخلية، نص في مادته الثانية على أن المدة التي يسوغ فيها إبقاء ضباط البوليس في الاستيداع لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، وسكت عن النص على جواز إحالة ضباط البوليس إلى المعاش أثناء وجودهم في الاستيداع أو عند انقضاء أقصى مدته، إلا أن هذا السكوت لا يمكن أن يقيد أو أن يلغى حق الحكومة في إحالة ضباط البوليس إلى المعاش بقرار يصدر من مجلس الوزراء سواء أكانوا في الخدمة العاملة أم في الاستيداع أسوة بباقي الموظفين وفقاً للأمر العالي الصادر في سنة 1884 كما أن المقصود من تحديد أقصى مدة يبقى فيها ضباط البوليس في الاستيداع إنما هو عدم تركهم في الاستيداع إلى ما لا نهاية بل يجب البت في أمرهم عند نهاية المدة المحددة ولا يكون ذلك إلا بإعادتهم إلى الخدمة العاملة أو بإحالتهم إلى المعاش إذا كان لها مقتض من المصلحة العامة - ولما كانت العبارة التي وردت في الحكم في خصوص معاملة الطاعن بالمادة 12 من قانون المعاشات العسكرية رقم 28 لسنة 1913 وهى التي جعلها عماد نعيه في الوجه الأول من هذا السبب - لما كانت هذه العبارة لا تخرج عن كونها تزيداً استطردت إليه المحكمة دون أن تكون في حاجة إليه ودون أن يؤثر على سلامة النتائج التي انتهت إليها، تأسيساً على أن إقرار إحالة الطاعن إلى المعاش قد صدر وفقاً للأمر العالي الصادر في 24 من ديسمبر سنة 1884 - لما كان ذلك كذلك يكون هذا السبب بوجهيه في غير محله.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم مشوب بالقصور - ذلك أنه على الرغم من أن الطاعن أسس دعواه على أن القرار الصادر بإحالته إلى المعاش جاء مخالفاً للقانون رقم 16 لسنة 1912 على ما سبق تفصيله في السبب الأول فإن المحكمة لم تلق بالاً إلى هذا الدفاع.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه متى كان الحكم قد بني على أن قرار إحالة الطاعن إلى المعاش صدر صحيحاً وفقاً للأمر العالي الصادر في 24 من ديسمبر سنة 1884 وهذا أساس قانوني كاف لإقامته فلا يضيره خلوه من التحدث على الدفاع الذي يشير إليه الطاعن في سبب طعنه.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم أخطأ في الإسناد كما شابه القصور في التسبيب - ذلك أن المحكمة إذ قررت أن قرار إحالة الطاعن إلى الاستيداع وقرار إحالته إلى المعاش قد صدرا لدواعي المصلحة العامة اعتمدت على واقعتين إحداهما غير صحيحة والأخرى غير ثابتة بالأوراق، وأنه على الرغم من أن الطاعن قد نبهها إلى ذلك في دفاعه فإنها لم تلق إليه بالاً مع أنها قالت بوجوب إخضاع القرارين المذكورين لتقديرها - وآية ذلك أنهما بنيا فيما عدا الجزاءات التأديبية التي جوزي بها الطاعن على واقعتين أخريين (الأولى) أنه كان من ضمن ما حوكم من أجله أمام مجلس التأديب ما يمس الأخلاق أو الشرف (والثانية) أن محافظة الإسكندرية رأت أن سلوكه لا يزال معيباً، والواقعة الأولى غير صحيحة إذ يبين من مراجعة حكم مجلس التأديب أنه لم يكن من بين التهم التي دين بها ما يمس الأخلاق أو الشرف، أما الواقعة الثانية فلا سند لها في الأوراق بل أنها أقحمت على محافظة الإسكندرية في قرار الإحالة إلى الاستيداع إذ كل ما ورد في كتابها إلى وزارة الداخلية في هذا الشأن هو أن التحقيق وشهادة الشهود لا تكفى لمحاكمة الطاعن تأديباً ولذا نقترح إحالته إلى الاستيداع، فاعترضت عليها الوزارة وطالبتها ببيان تفصيلي عن حالته وعمله وسلوكه وأخلاقه فكان ردها متضمناً الثناء على كفايته ونشاطه وإخلاصه في العمل وعدم تقصيره في أداء واجباته أما عن سلوكه وأخلاقه فقالت إنه لم يتبين ما يلفت النظر إلى الحالة التي اتجه إليها التحقيق، وهذا كله يقطع في بطلان قرار إحالة الطاعن إلى الاستيداع وبالتالي قرار إحالة إلى المعاش لبنائهما على الواقعتين المذكورتين.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه ليس صحيحاً أن المحكمة لم تبحث أسباب إحالة الطاعن إلى الاستيداع ثم إلى المعاش إذ الثابت بالحكم أنها ناقشت هذه الأسباب تفصيلاً كما قررت أن من ضمن التهم التي دين من أجلها الطاعن أمام مجلس التأديب ما يمس نزاهته ويثير الشبهة حول سمعته فإذا كان قرار إحالة الطاعن إلى الاستيداع أو قرار إحالته إلى المعاش قد أورد عبارة مجملة تتضمن أن من بين هذه التهم ما يمس الأخلاق أو الشرف فإنه لا يكون قد استند إلى وقائع غير صحيحة، أما ما جاء في قرار الإحالة إلى الاستيداع من أن محافظة الإسكندرية رأت أن سلوكه لا يزال معيباً فقد بينت المحكمة الوقائع المؤيدة له، والمناقشة في هذه الوقائع أمام محكمة النقض لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً.
ومن حيث إنه لجميع ما تقدم يكون الطعن على غير أساس ومن ثم يتعين رفضه.