أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 3 - صـ 496

جلسة 14 من فبراير سنة 1952
(84)
القضية رقم 72 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك وعبد العزيز سليمان بك وأحمد العمروسى بك المستشارين.
دعوى:
( أ ) الدعوى البوليصية. جواز التمسك بها كدفع في دعوى نفاذ التصرف.
(ب) الدعوى البوليصية. شرط إضرار التصرف بالدائن. تقرير توافره موضوعي.
(ج) دعوى الاستحقاق. مناط البحث فيها. حكم. تسبيبه. الدفع ببطلان إجراءات نزع الملكية لعدم إنذار الحائز بالدفع أو التخلية. إبداؤه في دعوى الاستحقاق. لا محل له. عدم الرد عليه لا يعتبر قصوراً.
(1) إن قضاء محكمة النقض قد جرى على جواز التمسك بالدعوى البوليصية كدفع في الدعوى التي يطلب فيها نفاذ التصرف.
(2) التقرير بأن التصرف المطعون فيه بالدعوى البوليصية يترتب عليه ضرر بالدائن أو لا يترتب هو تقرير موضوعي. وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم نفاذ التصرف موضوع الدعوى في حق المطعون عليهم الثلاثة الأولين أقام قضاءه على أن لهم فضلاً عن الدين المتخذة إجراءات التنفيذ بسببه ديناً آخر مستحق الأداء وصدر به حكم ابتدائي مشمول بالنفاذ المؤقت وأن القدر الذي بقى للمدين بعد تصرفه للطاعنات لا يكفى لوفاء جميع ديونه. إذ قرر الحكم ذلك واستخلص منه إعسار المدين فقد استند إلى أسباب مسوغة لقضائه ولم يخطئ في تطبيق القانون ما دام قد تبين للمحكمة أن الدين الذي أدخلته في تقديرها لإعسار المدين هو دين جدي مستحق الأداء.
(3) الدفع ببطلان إجراءات نزع الملكية لعدم إنذار الحائز بالدفع أو التخلية وفقاً للمادة 626 مرافعات لا محل له في دعوى الاستحقاق التي ينحصر البحث فيها في سند ملكية مدعى الاستحقاق وفيما إذا كان نافذاً أو غير نافذ في حق الدائنين ومن ثم فلا يكون الحكم الصادر في دعوى الاستحقاق مشوباً بالقصور إن هو أغفل الرد على هذا الدفع.


الوقائع

في يوم 16 من مارس سنة 1950 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 24 من يناير سنة 1950 في الاستئناف رقم 353 سنة 66 ق - وذلك بتقرير طلبت فيه الطاعنات الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً باستحقاق الطاعنات إلى 7 أفدنة و14 قيراطاً و17 سهماً الموضحة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى الابتدائية وتثبيت ملكيتهن إليها وإلغاء كافة إجراءات نزع الملكية ومحو التسجيلات التي اتخذها المطعون عليهم الثلاثة الأولون عليها واعتبارها كأنها لم تكن. واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليهم الثلاثة الأولين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 18 و19 من مارس سنة 1950 أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن. وفي أول إبريل سنة 1950 أودعت الطاعنات أصل ورقة إعلان المطعون عليهم بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهن - وفي 24 منه أودع المطعون عليهم الثلاثة الأولون مذكرة بدفاعهم مشفوعة بمستنداتهم طلبوا فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنات بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - ولم يقدم المطعون عليه الرابع دفاعاً - وفي أول مايو سنة 1950 أودعت الطاعنات مذكرة بالرد. وفي 10 من ديسمبر سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنات بالمصروفات. وفي 31 من يناير سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محاميا الطرفين والنيابة العامة على ما جاء بمذكراتهم. والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

... من حيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن المطعون عليهم الثلاثة الأولين أقاموا على المطعون عليه الرابع الدعوى رقم 240 سنة 1935 كلي مصر بمطالبته بإيجار 16 فداناً و12 قيراطاً عن المدة من سنة 1930 إلى سنة 1935 بمقتضى عقد إيجار مؤرخ في 17 من مايو سنة 1924 فادعى المستأجر ملكية الأطيان المؤجرة فقررت المحكمة وقف الدعوى حتى يفصل في نزاع الملكية، فأقام المطعون عليهم الثلاثة الأولون على المطعون عليه الرابع دعوى الملكية رقم 234 سنة 1937 كلي مصر فقضى لهم ابتدائياً في 6 من يونيه سنة 1940 واستئنافياً في أول نوفمبر سنة 1942 وبعد الحكم في الملكية باع المطعون عليه الرابع إلى زوجته الطاعنة الأولى وبناته باقي الطاعنات 7 أفدنة و14 قيراطاً و17 سهماًًًًً بعقد بيع رسمي سجل في 13 من مارس سنة 1943، وفي 8 من مارس سنة 1943 عجل المطعون عليهم الثلاثة الأولون دعوى الإيجار وعدلوا طلباتهم فيها إلى طلب إيجار 16 فداناً و12 قيراطاً من سنة 1930 إلى سنة 1941 فقضى لهم بمبلغ 889 جنيهاً و959 مليماً بخلاف المصاريف بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. فاستأنف المطعون عليه الرابع هذا الحكم. وفي 15 من سبتمبر سنة 1947 نبه المطعون عليهم الثلاثة الأولون على المطعون عليه الرابع باتخاذ إجراءات نزع الملكية وفاء لمبلغ 116 جنيهاً و955 مليماً قيمة ما بلغته مصروفات دعوى الملكية، وفي 26 من فبراير سنة 1948 قضى للمطعون عليهم الثلاثة الأولين في دعوى البيع رقم 396 سنة 1947 كلي الجيزة بنزع ملكية المطعون عليه الرابع من أل 7 أفدنة 14 قيراطاً و17 سهماً التي باعها للطاعنات فأقمن في 11 من أكتوبر سنة 1948 على المطعون عليهم الثلاثة الأولين والمطعون عليه الرابع الدعوى رقم 359 سنة 1948 كلي الجيزة باستحقاقهن للأطيان المذكورة واستندن في إثبات ملكيتهن إلى عقد البيع الرسمي المسجل والصادر لهن من المطعون عليه الرابع وإلى وضع يدهن على الأطيان موضوع النزاع أكثر من خمس سنوات بسبب صحيح وبحسن نية فدفع الدائنون بجلسة 13 من يناير سنة 1949 بإبطال هذا التصرف عملاً بالمادة 143 مدني (قديم) لحصوله بطريق الغش والتواطؤ بين البائع والمشتريات وهن زوجته وبناته. وفي 17 من فبراير سنة 1949 قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت الطاعنات وقيد استئنافهن برقم 353 سنة 66 ق استئناف مصر، وفي 24 من يناير سنة 1950 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. فقررت الطاعنات الطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنات في أولها على الحكم المطعون فيه قصوره في التسبيب إذا لم يرد على أسباب الاستئناف الجديدة التي تمسكن بها لدى محكمة الاستئناف أما قول المحكمة أن ما أثير أمامها من أوجه الاستئناف لا يحتاج عما أثير لدى محكمة أول درجة من أوجه فإنه لا يطابق الواقع.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه لا تثريب على محكمة الاستئناف إذا هي أيدت الحكم الابتدائي أن تحيل على أسبابه متى كانت كافية لحمله كما هو الحال في الدعوى ولما كانت الطاعنات لم يبين في تقرير طعنهن ما هي الأسباب الجديدة التي تمسكن بها لدى محكمة الاستئناف ولم يسبق لهن إثارتها لدى محكمة الدرجة الأولى ولم تتضمن أسباب الحكم الابتدائي الرد عليها فإن ما يعينه على الحكم من قصور في هذا الخصوص يكون غير مقبول.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم خالف القانون من ثلاثة أوجه أولها إذا قضى بإبطال البيع الصادر للطاعنات ولم تلق المحكمة بالاً إلى أن الملكية انتقلت إليهن بسب صحيح وبوضع اليد على الأطيان المبيعة أكثر من خمس سنوات من سنة 1942 بدون انقطاع وبغير نزاع وبحسن نية إذ لم يعلمن بالنزاع الحاصل بين المدين ونازعي الملكية إلا في سنة 1948 وقت تحديد يوم لبيع تلك الأطيان.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأنه فضلاً عن أن البائع للطاعنات مالك للمبيع فلا يجوز التحدي في هذا الحالة بالتقادم الخمسي فإن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه نفى حسن نية الطاعنات في قوله بأن النزاع بدأ بين المطعون عليه الرابع والمطعون عليهم الثلاثة الأولين في دعوى الإيجار من سنة 1934. ولما رأى المطعون عليه الرابع أن النزاع وشيك الانتهاء جرد نفسه من الأطيان موضوع التقاضي ببيعها في سنة 1942 للمدعيات وهن زوجته وبناته وكن على علم تام لصلة القربى بظروف وملابسات تصرف الأب ولذلك يكون العقد قد انعقد غشاً وتدليساً بقصد الإضرار بالدائنين.
ومن حيث إن حاصل الوجه الثاني من السبب الثاني هو أن الحكم خالف القانون إذ قال بجواز الطعن في عقد البيع بالدعوى البوليصية بدفع في الدعوى دون حاجة إلى رفع دعوى مستقلة.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بما قرره الحكم من "أنه من المبادئ العامة أن كل حق يصح أن يكون محل دعوى أو دفع وقد يردى الدفع إلى ما تؤدي إليه الدعوى"، وهذا صحيح في القانون من ثم فإنه يجوز على ما جرى به قضاء هذه المحكمة التمسك بالدعوى البوليصية كدفع في الدعوى التي يطلب فيها نفاذ التصرف.
ومن حيث إن الوجه الثالث بني على أن المحكمة أخطأت في القانون في اعتبار أن التصرف المطعون فيه ترتب عليه إعسار المدين مع أنه يملك فداناً وكسور يكفى للوفاء بالدين المتخذة إجراءات نزع الملكية بسببه وهو مبلغ 116 جنيهاً و955 مليماً ووجه الخطأ هو أن المحكمة أقحمت في تقديرها لإعسار المدين مبلغ ال 928 جنيهاً و957 مليماً المحكوم به ابتدائياً في دعوى الإيجار في 30 من إبريل سنة 1946 في حين أنه لم يطلب التنفيذ به ورفع استئناف عن الحكم الابتدائي القاضي به ولم يفصل فيه بعد.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأن التقرير بأن التصرف المطعون فيه بالدعوى البوليصية يترتب عليه ضرر بالدائن أو لا يترتب هو تقرير موضوعي ولما كان الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم نفاذ التصرف موضوع الدعوى في حق المطعون عليهم الثلاثة الأولين أقام قضاءه على أن لهم فضلاً عن الدين المتخذة إجراءات التفنيد بسببه وهو مبلغ 116 جنيهاً و955 مليماً ديناً آخر مقداره 928 جنيهاً و927 مليماً مستحق الأداء وصدر به حكم ابتدائي مشمول بالنفاذ المؤقت وأن الفدان وكسور الذي بقي للمدين بعد تصرفه للطاعنات لا يكفى لوفاء جميع ديونه - إذ قرر الحكم بذلك واستخلص منه إعسار المدين فقد استند إلى أسباب مسوغة لقضائه ولم يخطئ في تطبيق القانون ما دام قد تبين للمحكمة أن الدين الآخر الذي أدخلته في تقديرها هو دين جدي مستحق الأداء.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم قد شابه البطلان لقصور في التسبيب لأنه لم يرد على ما تمسك به الطاعنات من بطلان إجراءات نزع الملكية لعدم إنذارهن بالدفع أو التخلية وفقاً للمادة 626 مرافعات.
من حيث إن هذا النعي مردود بأن محل هذا الدفع ليس في دعوى الاستحقاق التي ينحصر البحث فيها في سند تملك الطاعنات وفيما إذا كان نافذاً أو غير نافذ في حق الدائنين وإنما محله في دعوى أخرى فلا يكون الحكم مشوباً بالقصور إن هو أغفل الرد على هذا الدفاع.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن على غير أساس فيتعين رفضه.