أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 1156

جلسة 12 من مايو سنة 1983

برئاسة السيد المستشار محمود حسن رمضان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد ضياء عبد الرازق، محمد رأفت خفاجي، محمد سعيد عبد القادر وماهر قلادة واصف.

(232)
الطعن رقم 597 لسنة 48 القضائية

1 - إيجارات "إيجار الأماكن". تسجيل. التزام "حوالة"
لمشتري العقار بعقد غير مسجل. مطالبة المستأجر بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار. شرطه. حوالة عقد الإيجار له من البائع وقبول المستأجر للحوالة أو إعلانه بها. قبول الحوالة. أثره. للمشتري مقاضاة المستأجر المحال عليه في شأن الحقوق المحال بها. علة ذلك.
2 - التزام: حوالة "نفاذ الحوالة". إيجار "حوالة عقد الإيجار"
نفاذ الحوالة في حق المستأجر وإلزامه بدفع الأجرة للمشتري المؤجر منوط من بعلمه بأن هذا العقار بيع إلى مشتر سجل عقد شرائه.
3، 4، 5 - قانون. نظام عام. إيجار "إيجار الأماكن" "الإخلاء لعدم الوفاء بالأجرة".
3 - خضوع العقد كأصل للقانون الذي أبرم في ظله. الاستثناء. صدور قانون جديد يتضمن أحكاماً متعلقة بالنظام العام. وجوب إعمالها على العقود السارية وقت العمل به بأثر فوري.
4 - دعوى إخلاء المستأجر لعدم الوفاء بالأجرة. جواز توقيه الحكم عليه بالإخلاء بسداده الأجرة والنفقات الفعلية دون الفوائد م 31/ أ قانون 49 لسنة 1977. لا محل لإعمال أحكام القانون 121 لسنة 1947 الذي أبرم عقد الإيجار في ظله. علة ذلك.
5 - دعوى إخلاء المستأجر لعدم الوفاء بالأجرة. جواز توقيه الحكم عليه بأداء الأجرة وملحقاتها إلى ما قبل قفل باب المرافعة أمام محكمة الاستئناف. علة ذلك.
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يجوز لمشتري العقار المؤجر ولو لم يكن عقده مسجلاً أن يطالب المستأجر بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار ومنها الأجرة إذا ما قام البائع بتحويل العقد إليه وقبل المستأجر هذه الحوالة أو أعلن بها لأنها بهذا القبول أو الإعلان تكون نافذة في حقه طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 305 من القانون المدني ويحق للمشتري - المحال إليه - تبعاً لذلك أن يقاضي المستأجر - المحال عليه - في شأن الحقوق المحال بها دون حاجة إلى اختصام المؤجر لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التي تؤكده ومنها دعوى الفسخ.
2 - مناط نفاذ حوالة عقد الإيجار في حق المستأجر والتزامه بدفع الأجرة لمشتري العقار المؤجر (المحال إليه) هو علمه بأن العقار المؤجر إليه بيع إلى مشتري سجل عقد شرائه وانتقلت إليه الملكية فإذا توافر هذا العلم لدى المستأجر فإن ذمته لا تبرأ من أجرة العين المؤجرة إلا بالوفاء بها إلى هذا المشتري.
3 - وإن كان الأصل أن العقود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تخضع للقانون الذي أبرمت في ظله، إلا أنه إذا صدر بعد ذلك قانون يتضمن أحكاماً تتعلق بالنظام العام فإنها تطبق على العقود السارية وقت العمل به ولو كانت مبرمة قبل ذلك. مما مفاده أنه إذا استحدث القانون الجديد أحكاماً من هذا القبيل فإنها تسري بأثر فوري على الآثار والنتائج التي ترتبت بعد نفاذه ولو كانت ناشئة عن مراكز ووقائع تمت قبل نفاذه.
4 - مؤدى نص المادة 31/ أ من القانون رقم 49 لسنة 1977 والتي حلت محل المادة 23/ 2 من القانون رقم 52 لسنة 1969، أن المشرع قد استحدث بالنص الجديد تعديلاً يقضي بقصر ما يلتزم المستأجر بأدائه - توقياً للحكم عليه بالإخلاء - على الأجرة والمصاريف والنفقات وذلك دون الفوائد التي كان يشملها القانون السابق مما مفاده أن المشرع لم يجعل من أداء الفوائد شرطاً لعدم الإخلاء، ولم يعد التخلف عن سدادها في هذه الحالة سبباً من أسباب الإخلاء، ولما كانت الغاية التي دعت إلى هذا التعديل ليس مجرد التيسير على المستأجر الذي وضع حكم توقي الإخلاء في الأصل بقصد حمايته بل اتجاهاً من المشرع إلى مناهضة الفوائد والنزوح إلى استنكار الربا والاستغناء عن تعاطيه أخذاً بما تمليه مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء في هذا الصدد واتساقاً مع ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور الصادر في سنة 1971 من اعتبار هذه المبادئ المصدر الرئيسي للتشريع، لما كان ذلك فإن هذا النص المستحدث يكون متعلقاً بالنظام العام ويسري لذلك بأثر فوري على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه ولو كانت ناشئة قبله، وإذ كانت آثار المركز القانوني الذي كانت تتمتع به الطاعنتان طبقاً للقانون رقم 52 لسنة 1969 ويخولهما الحق في الإخلاء للتخلف عن سداد الفوائد قد أدركها القانون الجديد رقم 49 لسنة 1977 قبل أن تتحقق تلك الآثار وتستقر بصدور حكم نهائي فيه فإنه ينطبق عليها مما مؤداه عدم جواز الحكم بالإخلاء لهذا السبب.
5 - نص المادة 31/ 2 من القانون رقم 49 لسنة 1977 ومن قبلها المادة 23/ 2 من القانون رقم 52 لسنة 1969 يدل على - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن المشرع وإن رتب للمؤجر الحق في إخلاء المستأجر بمجرد انقضاء خمسة عشر يوماً من تاريخ تكليفه بسداد الأجرة المستحقة دون الوفاء بها، إلا أنه رغبة في التيسير على المستأجرين أفسح لهم مجال الوفاء بالأجرة المتأخرة حتى تاريخ إقفال باب المرافعة في الدعوى بحيث أصبح قيام المستأجر بوفاء الأجرة وملحقاتها قبل إقفال باب المرافعة مسقطاً لحق المؤجر في الإخلاء ويمنع المحكمة من الحكم به وإذ جاء نص المادة المشار إليها عاماً ومطلقاً فإنه لا يجوز قصر نطاقها على إقفال باب المرافعة أمام محكمة أول درجة دون محكمة الاستئناف إذ يعتبر ذلك تقييداً لمطلق النص وتخصيصاً بغير مخصص وهو ما لا يجوز.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنتين أقامتا الدعوى رقم 2952 لسنة 1975 مدني كلي شبين الكوم على المطعون ضدهم الحكم بإخلاء المحلات الثلاثة المؤجرة لهم والتسليم، وقالتا بياناً لدعواهما - إنه بمقتضى عقود إيجار مؤرخة 1/ 8/ 1968 و15/ 12/ 1967 و1/ 8/ 1968 ومحولة للطاعنتين - استأجر المطعون ضدهم الثلاثة - على التوالي - تلك المحلات لقاء أجرة شهرية قدرها 200 قرش للأول، 222 قرش للثاني، 120 قرش للثالث، وأنهم لم يوفوا بالأجرة عن المدة من 1/ 12/ 1968 حتى 1/ 10/ 1975 بواقع 164 جنيه للأول, 180.400 جنيه للثاني، 99.220 جنيه للثالث رغم تكليفهم بالوفاء في 3/ 11/ 1975. وبتاريخ 11/ 1/ 1977 قضت محكمة أول درجة بالإخلاء والتسليم استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 16 س 10 قضائية شبين الكوم، كما استأنفه المطعون ضدهما الثاني والثالث بالاستئناف رقم 37 س 10 قضائية شبين الكوم، وبعد أن ضمت محكمة الاستئناف الاستئنافين، وبتاريخ 8/ 2/ 1978 قضت بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعنين. طعنت الطاعنتان في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة، حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعي الطاعنتان بالسبب الأول والثالث منها الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقولان أن الحكم أقام قضاءه على قيام المطعون ضدهم بعرض وإيداع الأجرة المتأخرة وملحقاتهما محتسباً بداية التأخير من 3/ 11/ 1975 - تاريخ إنذار الطاعنتين للمطعون ضدهم بالسداد - وهو تقرير يخالف الثابت بالأوراق إذ أن علم المطعون ضدهم بحق الطاعنتين في اقتضاء الأجرة قد تحقق في تاريخ سابق على 3/ 11/ 1975، فقد أعلنتهم الطاعنتان بصحيفة دعواهما برقم 960 سنة 1974 مدني كلي شبين الكوم الموقعة منهما طعناً على قرار لجنة تحديد الأجرة، بتاريخ 9، 13/ 5/ 1972، مما كان يتعين معه على المطعون ضدهم الوفاء بكامل الأجرة مع الفوائد بواقع 7% سنوياً فضلاً عن المصاريف الرسمية، وإذ كان الحكم قد حصل وفاءهم بالأجرة في عبارة مبهمة لم تحدد الفوائد ولا المصاريف الرسمية مكتفياً بإثبات محاضر العرض والإيداع، وهي قاصرة عن تحقيق ذلك، وأغفل عدم حصول عرض أو إيداع عن الفترة السابقة على 3/ 11/ 1975، وهو ما كان يحتمل معه تغيير وجه الرأي في الدعوى - لو عرض له - فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون فضلاً عن القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الخاص بعدم اشتمال الوفاء الحاصل من المطعون ضدهم على الأجرة المستحقة عن المدة السابقة على 3/ 11/ 1975 - بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة - أنه يجوز لمشتري العقار المؤجر ولو لم يكن عقده مسجلاً أن يطالب المستأجر بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار ومنها الأجرة إذا ما قام البائع بتحويل العقد إليه وقبل المستأجر هذه الحوالة أو أعلن بها، لأنها بهذا القبول أو الإعلان تكون نافذة في حقه طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 305 من القانون المدني ويحق للمشتري - المحال إليه - تبعاً لذلك أن يقاضي المستأجر - المحال عليه - في شأن الحقوق المحال بها، دون حاجة إلى اختصام المؤجر، لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التي تؤكده، ومنها دعوى الفسخ، ولما كان مناط نفاذ حوالة عقد الإيجار في حق المستأجر والتزامه بدفع الأجرة لمشتري العقار المؤجر "المحال إليه" هو علمه بأن العقار المؤجر إليه بيع إلى مشتر سجل عقد شرائه وانتقلت إليه الملكية، فإذا توافر هذا العلم لدى المستأجر، فإن ذمته لا تبرأ من أجرة العين المؤجرة إلا بالوفاء بها إلى هذا المشتري، لما كان ذلك، وكان عقد شراء الطاعنة لمحلات النزاع لم يسجل، وكان العلم بانتقال ملكية هذه المحلات المؤجرة بالعقد آنف البيان لا يتوافر بمجرد اختصام المطعون ضدهم في الدعوى المرفوعة من الطاعنتين طعنا في قرار لجنة تحديد الأجرة إذ جاءت صحيفة هذه الدعوى خلواً من ثمة إشارة إلى مصدر ملكيتهما التي لم تقدما دليلاً على انتقالها إليهما، وهو ما دعا الحكم إلى اعتبار الإنذار الموجه من الطاعنتين إلى المطعون ضدهم في 3/ 11/ 1975 - المتضمن تكليفهم بالوفاء بالأجرة المتأخرة فضلاً عن بيانات الحوالة، ومن إقرار المطعون ضدهم بذلك إعلاناً لهم بهما، وكان مؤدى ذلك أن الحوالة الصادرة إلى الطاعنتين لم تنفذ في حق المطعون ضدهم إلا من تاريخ ذلك الإنذار، وهو ما اعتنقه صحيحاً - الحكم المطعون فيه، فإن دفاع الطاعنتين في هذا الصدد يكون غير مستند إلى أساس قانوني سديد، ولا يعد دفاعاً جوهرياً يعيب الحكم إغفال الرد عليه. والنعي مردود في شقه الخاص بعدم اشتمال الوفاء للفوائد والمصاريف الرسمية بأنه وإن كان الأصل أن العقود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تخضع للقانون الذي أبرمت في ظله، إلا أنه إذا صدر بعد ذلك قانون يتضمن أحكاماً تتعلق بالنظام العام، فإنها تطبق على العقود السارية وقت العمل به، ولو كانت مبرمة قبل ذلك، مما مفاده أنه إذا استحدث القانون الجديد أحكاماً من هذا القبيل، فإنها تسري بأثر فوري على الآثار والنتائج التي ترتب بعد نفاذه، ولو كانت ناشئة عن مراكز ووقائع قانونية تمت قبل ذلك، ولما كانت عقود الإيجار - موضوع التداعي - مبرمة في 15/ 12/ 1967، 1/ 8/ 1968، أي في ظل القانون رقم 121 سنة 1947، فإن هذا القانون يكون - بحسب الأصل - هو الواجب التطبيق على العقود من تاريخ إبرامها، ويكون هو والقانون رقم 52 لسنة 1969 - بعد صدوره - واجب التطبيق عليها، كل في نطاقه، حتى إذا ما استجدت بعده أحكام متعلقة بالنظام العام، فإنها تسري من تاريخ العمل بالقانون الذي استمدت منه، ولئن كانت المادة 23 من القانون 52 لسنة 1969 نصت في الفقرة الثانية منها على أنه "لا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر بأداء الأجرة وفوائدها بواقع 7% من تاريخ الاستحقاق وحتى تاريخ السداد والمصاريف الرسمية وذلك قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى.." إلا أنه وقد صدر القانون رقم 49 سنة 1977 الذي عمل به من 9/ 9/ 1977 متضمناً في المادة 31/ أ منه، والتي حلت محل المادة 23/ 2 - سالفة البيان - النص على أنه "ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية" فإن مؤدي ذلك أن المشرع قد استحدث بالنص الجديد تعديلاً يقضي بقصر ما يلتزم المستأجر بأدائه - توقياً للحكم عليه بالإخلاء - على الأجرة والمصاريف والنفقات وذلك دون الفوائد التي كان يشملها القانون السابق مما مفاده أن المشرع لم يجعل من أداء الفوائد شرطاً لعدم الإخلاء لم يعد التخلف عن سدادها في هذه الحالة سبب من أسباب الإخلاء، ولما كانت الغاية التي دعت إلى هذا التعديل، ليس مجرد التيسير على المستأجر الذي وضع حكم توقي الإخلاء في الأصل بقصد حمايته، بل اتجاهاً من المشرع إلى مناهضته الفوائد والنزوع إلى استنكار الربا والاستغناء عن تعاطيه أخذاً بما تمليه مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء في هذا الصدد، واتساقاً مع ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور الصادر في سنة 1971 من اعتبار تلك المبادئ المصدر الرئيسي للتشريع، لما كان ذلك، فإن هذا النص المستحدث يكون متعلقاً بالنظام العام، ويسري لذلك بأثر فوري على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه، ولو كانت ناشئة قبله، وإذ كانت آثار المركز القانوني الذي كانت تتمتع به الطاعنتان طبقاً للقانون رقم 52 سنة 1969 ويخولهما الحق في الإخلاء للتخلف عن سداد الفوائد، قد أدركها القانون الجديد رقم 49 سنة 1977، قبل أن تتحقق تلك الآثار وتستقر بصدور حكم نهائي فيه، فإنه ينطبق عليهما، مما مؤداه عدم جواز الحكم بالإخلاء لهذا السبب. هذا إلى أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون ضدهم قد قاموا - قبل إقفال باب المرافعة أمام محكمة الاستئناف - بعرض وإيداع مبالغ تفوق قيمة الأجرة المستحقة عن المدة من 3/ 11/ 1975 حتى ذلك التاريخ، وأنه فضلاً عن أن الحكم الابتدائي الصادر ضدهم قد ألزمهم مصاريف الدعوى، فإن الحكم المطعون فيه قد ألزمهم مصاريف الاستئناف - إعمالاً لنص المادة 185 مرافعات، وكانت الأوراق خلواً مما يدل على أن الطاعنتين قد تمسكتا أمام محكمة الموضوع بأن ما أوفى به المطعون ضدهم قبل إقفال باب المرافعة لا يعتبر وفاء مبرئاً للذمة من المصاريف والنفقات الفعلية، كما لم تقدما إلى تلك المحكمة أي بيان بشأن ما تكونا قد تكبدتاه في الدعوى حتى ذلك التاريخ من مصاريف أخرى أو نفقات فعلية، مما يلتزم المطعون ضدهم بأدائه لهما عندئذ، فضلاً عن عدم تقديمهما الدليل المثبت لذلك، حتى ينسب للأخيرين التخلف عن الوفاء بها قبل إقفال باب المرافعة في الاستئناف، وإذ كان مؤدي ما تقدم أن المطعون ضدهم قد أوفوا بما أوجبه القانون في هذا الصدد، وعلى النحو الذي يمتنع معه الحكم عليهم بالإخلاء، فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون، ويكون النعي عليه بهذين السببين على غير أساس.
وحيث إن الطاعنتين ينعيان بالسبب الثاني من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه، الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقولان أن الحكم أقام قضاءه على أن قيام المطعون ضدهم بالوفاء بالأجرة المتأخرة بعد صدور حكم محكمة أول درجة يحول دون الحكم بالإخلاء وفقاً للمادة 23 من القانون رقم 52 سنة 1969، في حين أن المقصود بهذا النص هو إقفال باب المرافعة من جانب المحكمة الابتدائية فقط دون محكمة الاستئناف، إذ لا يتصور أن المشرع هدف إلى منح المستأجر حق المماطلة في سداد الأجرة إلى أجل غير محدد، لما يعترض سير الخصومة في مرحلة الاستئناف من حوار قد يطول معها أمده.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن النص في المادة 31/ أ من القانون رقم 49 سنة 1977، ومن قبلها المادة 23/ 2 من القانون رقم 52 سنة 1969 على أنه "في غير الأماكن المؤجرة مفروشة، لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية: ( أ ) "إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصي عليه مصحوب بعلم الوصول أو بإعلان على يد محضر، على أنه لا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية.." يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن المشرع وإن رتب للمؤجر الحق في إخلاء المستأجر بمجرد انقضاء خمسة عشر يوماً من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول أو بإعلان على يد محضر دون الوفاء بها، إلا أنه - رغبة في التيسير على المستأجرين - أفسح لهم مجال الوفاء بالأجرة المتأخرة حتى تاريخ إقفال باب المرافعة في الدعوى، بحيث أصبح قيام المستأجر بوفاء الأجرة وملحقاتها قبل إقفال باب المرافعة مسقطاً لحق المؤجر في الإخلاء، ويمنع المحكمة من الحكم به، وإذ جاء نص المادة المشار إليها عاماً ومطلقاً، فإنه لا يجوز قصر نطاقها على إقفال باب المرافعة أمام محكمة أول درجة دون محكمة الاستئناف، إذ يعتبر ذلك تقييداً لمطلق النص وتخصيصاً بغير مخصص، وهو ما لا يجوز، ومتى كان النص صريحاً جلياً قاطعاً في الدلالة على المراد منه، فلا محل للخروج عليه أو تأويله بدعوى الاستهداء بالحكمة التي أملته وقصد الشارع منه، إذ أن محل هذا البحث إنما يكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، لما كان ذلك، فإنه يجوز توقي طلب الإخلاء بأداء الأجرة والمصاريف والنفقات الفعلية قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى، ولو أمام محكمة الاستئناف، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم، يتعين رفض الطعن برمته.