أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الحادية والأربعون - صـ 892

جلسة 9 من أكتوبر سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ حسن غلاب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد أحمد حسن ومحمود رضوان نائبى رئيس المحكمة وصلاح عطية ورضوان عبد العليم.

(156)
الطعن رقم 29273 لسنة 59 القضائية

(1) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائى. اثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل أمر خفى. ادراكه بالآمارات والمظاهر التى تنبئ عنه. استخلاص توافره. موضوعى.
مثال لتسبيب سائغ على توافر نية القتل فى جريمة قتل عمد.
(2) حكم "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله. ماهيته ؟
(3) قصد جنائى. سبق اصرار. ظروف مشددة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لا تلازم بين قيام القصد الجنائى وتوافر سبق الاصرار.
سبق الاصرار ظرف مشدد فى جرائم الاعتداء على الأشخاص.
(4) اثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". اكراه. مأمورو الضبط القضائى. دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته فى الاثبات. موضوعى.
تقدير محكمة الموضوع عدم صحة ما اداعاه المتهم من أن اعترافه كان وليد اكراه. لا معقب عليه. ما دامت تقيمه على أسباب سائغة.
الجدل الموضوعى فى تقدير الدليل غير جائز أمام النقض.
سلطان الوظيفة فى حد ذاته بما يسبغة على صاحبة من اختصاصات. لا يعدو اكراها. ما دام لم يستطل الى المتهم باذى ماديا كان أو معنويا. مجرد الخشية منه لا يعد قرين الاكراه المبطل للاعتراف.
(5) أسباب الاباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعى". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
انتفاء موجب الدفاع الشرعى. بتوافر سبق الاصرار أو انعقاد الاتفاق على ايقاع الجريمة أو التحيل لارتكابها.
(6) اثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". دفاع "الاخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. موضوعى.
عدم التزام المحكمة باستدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته. ما دام أن الواقعة وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه. غير منتج.
1 - لما كان قصد القتل أمر خفيا لا يدرك بالحس الظاهر وانما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والامارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول الى قاضى الموضوع فى حدود سلطة التقديرية، وكان المطعون فيه قد استظهر نية القتل فى قوله "وحيث إن نية القتل قد توافرت فى حق المتهمين من اتفاقهما على نحو ما سلف بيانه على قذف المجنى عليه بالموقد المشتعل ثم غلق الباب عليه حتى تلهمه النيران قبل أن يتمكن من الخروج والاستنجاد بالاهالى وحتى لا يتمكن هؤلاء من الدخول إليه لانفاذه فضلا عن أن الواضح من الاعتراف التفصيلى للمتهة الثانية أن مقصدها مع المتهم الأول هو التخلص من زوجها المجنى عليه حتى تتمكن من الزواج من المتهم الأول وهو أمر لا يتأتى إلا بالتخلص نهائيا من المجنى عليه"، وإذ كان هذا الذى استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكاف فى التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعنين فانه لا محل للنعى عليه فى هذا الصدد.
2 - التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله هو الذى بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما اثبته البعض الأخرى ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة.
3 - لا تلازم بين قيام القصد الجنائى وسبق الاصرار فلكل مقوماته فقد يتوافر القصد الجنائى وينتفى فى الوقت ذاته سبق الاصرار الذى هو مجرد ظرف مشدد فى جرائم الاعتداء على الأشخاص.
4 - من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الاثبات فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة اكراه بغير معقب عليه ما دامت تقيمه على أسباب سائغة وكانت المحكمة قد عرضت لما اثاره الدفاع حول اعتراف الطاعنة واطرحت ما أثير للأسباب السائغة التى أوردتها وابانت انها اقتنعت بصدق ذلك الاعتراف وأنه يمثل الحقيقة فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الشأن ينحل فى واقعة إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض. ولا يقدح فى هذا ما اثاره الدفاع عن الطاعنة فى جلسة المرافعة من وجود أحد ضباط الشرطة لدى سؤال الطاعنة بتحقيقات النيابة، ذلك أنه من المقرر أنه ليس فى حضور ضابط الشرطة التحقيق ما يعيب اجراءاته، لأن سلطان الوظيفة فى ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وسلطات لا يعد اكراها ما دام لم يستطل الى المتهم بالأذى ماديا كان أو معنويا إذ مجرد الخشية منه لا يعدو من الاكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكما ما لم تستخلص المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها تأثر ارادة المتهم من ذلك السلطان حين أدلى باعترافه ولما كانت المحكمة استخلصت سلامة اعتراف الطاعنة بتحقيق النيابة فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم فى هذا الخصوص يكون غير سديد.
5 - من المقرر فى صحيح القانون أنه متى اثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الاصرار أو انعقاد الاتفاق على ايقاعها أو التحيل لارتكابها ينتفى حتما موجب الدفاع الشرعى الذى يفترض ردا حالا لعدوان حال دون الاسلاس له واعمال الخطه فى انقاذه، وكان الحكم قد اثبت اتفاق الطاعنين على قتل المجنى عليه وقيامهما بتنفيذ هذا الاتفاق، فلا محل لما اثارته الطاعنه بهذا الصدد.
6 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم اليها والفصل فيما يوجه اليه من اعتراضات وانها لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الاجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج، وطالما ان استنادها إلى الرأى الذى انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: قتلا المجنى عليه........ عمدا ومع سبق الاصرار بأن النية وعقدا العزم على قتله وما أن ظفرا به حتى قام الأول بمقابلته بينما قامت الثانية بمباغته بأن ألقت عليه موقد كيروسين مشتعل قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الاصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. واحالتهما إلى محكمة جنايات المنيا لمعاقبتهما طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الاحالة والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة....... بالأشغال الشاقة المؤبدة وبمعاقبة...... بالأشغال الشاقة لمدة خسمة عشر عاما عما أسند إليهما. باعتبار أن جريمة القتل مجردة من سبق الاصرار.
فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة القتل العمد قد شابه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور والتناقض فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والاخلال بحق الدفاع ذلك بأنه قال بتوافر القتل فى حق الطاعنين مع أنه نفى عنهما ظرف سبق الاصرار ودلل على توافر تلك النية بما لا يكفى. كما عول على اعتراف الطاعنة مغفلاً الرد على الدفع ببطلانه لصدوره تحت تأثير الاكراه الواقع عليهما من جراء حضور الضابط معها أثناء مباشرة التحقيق. هذا إلى أن الطاعنة قد تمسكت بقيام حالة الدفاع الشرعى لديها إلا أن الحكم إلتفت عن الرد على هذا الدفاع ويضاف إلى ذلك أن المحكمة لم تستجب إلى طلب الدفاع مناقشة الطبيب الشرعى فيما ورد بتقريره من خلو الطاعنة من أية آثار تدل على وقوع تعذيب عليها كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على مدونات الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة القتل العمد الذى دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها فى حقهما أدلة مستقاة من اعترافهما بتحقيقات النيابة. ومن تقرير الصفة التشريحية وتحريات الشرطة وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان لما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وانما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطة التقديرية، وكان المطعون فيه قد استظهر نية القتل فى قوله "وحيث إن نية القتل قد توافرت فى حق المتهمين من اتفاقهما على نحو ما سلف بيانه على قذف المجنى عليه بالموقد المشتعل ثم غلق الباب عليه حتى تلتهمه النيران قبل أن يتمكن من الخروج والاستنجاد بالأهالى وحتى لا يتمكن هؤلاء من الدخول إليه لانفاذه فضلاً عن أن الواضح من الاعتراف التفصيلى للمتهة الثانية أن مقصدها مع المتهم الأول هو التخلص من زوجها المجنى عليه حتى تتمكن من الزواج من المتهم الأول وهو أمر لا يتأتى إلا بالتخلص نهائيا من المجنى عليه. " وإذ كان هذا الذى استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكاف فى التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعنين فإنه لا محل للنعى عليه فى هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله هو الذى بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما اثبته البعض الأخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، وكان مفاد ما أورده الحكم أن المحكمة وإن اطمأنت إلى توافر نية القتل فى الواقعة إلا أنها من وجه آخر قد ايقنت بابتعاد عنصر سبق الاصرار لما يبين من أن الحادث لم يكن مسبوقا بفترة من الزمن تسمح للجانى بإعمال الفكر فى هدوء وروية - وهو استخلاص سائغ لا تناقض فيه. ذلك بأنه لا تلازم بين قيام القصد الجنائى وسبق الاصرار فلكل مقوماته فقد يتوافر القصد الجنائى وينتفى فى الوقت ذاته سبق الاصرار الذى هو مجرد ظرف مشدد فى جرائم الاعتداء على الأشخاص. وإذ كان ماقاله الحكم المطعون فيه فى نفى سبق الاصرار لا ينفى نية القتل فإن قالة التناقض والتخاذل تنحسر عن الحكم المطعون فيه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الاثبات فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة اكراه بغير معقب عليه ما دامت تقيمه على أسباب سائغة وكانت المحكمة قد عرضت لما اثاره الدفاع حول اعتراف الطاعنة واطرحت ما أثير للأسباب السائغة التى أوردتها وأبانت انها اقتنعت بصدق ذلك الاعتراف وأنه يمثل الحقيقة فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الشأن ينحل فى واقعة إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض. ولا يقدح فى هذا ما أثاره الدفاع عن الطاعنة فى جلسة المرافعة من وجود أحد ضباط الشرطة لدى سؤال الطاعنة بتحقيقات النيابة، ذلك أنه من المقرر أنه ليس فى حضور ضابط الشرطة التحقيق ما يعيب إجراءاته، لأن سلطان الوظيفة فى ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وسلطات لا يعد اكراها ما دام لم يستطل إلى المتهم بالأذى ماديا كان أو معنويا إذ مجرد الخشية منه لا يعدو من الاكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكما ما لم تستخلص المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها تأثر إرادة المتهم من ذلك السلطان حين أدلى باعترافه ولما كانت المحكمة استخلصت سلامة اعتراف الطاعنة بتحقيق النيابة فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم فى هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان من المقرر فى صحيح القانون أنه متى اثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الاصرار أو انعقاد الاتفاق على ايقاعها أو التحيل لارتكابها ينتفى حتما موجب الدفاع الشرعى الذى يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الاسلاس له وإعمال الخطه فى انقاذه، وكان الحكم قد أثبت اتفاق الطاعنين على قتل المجنى عليه وقيامهما بتنفيذ هذا الاتفاق، فلا محل لما أثارته الطاعنة بهذا الصدد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات وأنها لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحة لديها ولم تر هى من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الاجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج، وطالما أن استنادها إلى الرأى الذى انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون، وإذ كانت المحكمة - فى الدعوى الماثلة قد استخلصت من التقرير الطبى الموقع على الطاعنة خلوها من أية آثار تدل على وقوع تعذيب عليها, وكان ما أوردته في مدونات حكمها وفى ردها على دفاع الطاعنة ما يبرر رفض طلبها استدعاء الطبيب الشرعى، ومن ثم فلا تثريب عليها إذا هى لم تستجب إلى هذا الطلب ويكون النعى على الحكم فى هذا الصدد غير سديد. لما كان ما تقدم فإن الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا..