أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 46 - صـ 1070

جلسة 30 من أكتوبر سنة 1995

برئاسة السيد المستشار/ أحمد محمود مكي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ الهام نجيب نوار، سيد محمود يوسف، لطف الله ياسين جزر نواب رئيس المحكمة ويوسف عبد الحليم الهته.

(207)
الطعن رقم 4239 لسنة 61 القضائية

(1) حكم "الطعن في الحكم" "القبول المانع من الطعن".
القبول المانع من الطعن. شرطه. أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن.
(2، 3) إيجار "إيجار الأماكن" "التأجير من الباطن، التنازل عن الإيجار، ترك العين المؤجرة، امتداد عقد الإيجار".
(2) التأجير من الباطن والتنازل عن الإيجار وترك العين المؤجرة. ماهية كل منهم. التمييز بينهم وروده في خصوص تحديد أسباب الإخلاء. اعتبار كل منها سبباً مغايراً للسبب الآخر. مؤداه. إقامة الدعوى بطلب الإخلاء استناداً لإحداها. غير مانع من إقامة دعوى بذات الطلب للسبب آخر.
(3) ترك المستأجر العين المؤجرة. م 29 ق 49 لسنة 1997. المقصود به. تعبيره عن إرادته في التخلي عنها. جواز أن يكون صريحاً أو ضمنياً. تنازل المستأجر عن الإيجار لأحد أقاربه يعد تعبيراً صريحاً عن التخلي ينتج أثر دون إعلان المؤجر به أو قبوله له. علة ذلك.
1 - النص في المادة 211 من قانون المرافعات صريح في أنه متى قبل الخصم الحكم الصادر في الدعوى قبولاً صريحاً أو ضمنياً يفيد تنازله عن حق الطعن فلا يقبل منه بعد ذلك إلا أنه يشترط في القبول المانع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن.
2 - إذ كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على التمييز بين التأجير من الباطن، والتنازل عن الإيجار، وترك العين المؤجرة للغير باعتبار أن التأجير من الباطن عقد يؤجر به المستأجر الأصلي حقه في الانتفاع بالعين إلى الغير ويحتفظ بحقه المقرر في عقد الإيجار الأصلي..... في حين أن التنازل عن الإيجار عقد يحيل به المستأجر الأصلي إلى الغير كافة حقوقه والتزاماته الواردة في العقد الأصلي أما الترك فهو تخل عن العين دون اتفاق أو تعاقد، إلا أن هذه التفرقة قد جاءت في خصوص تحديد أسباب الإخلاء بإبراز كل حالة من هذه الحالات باعتبار كل منها سبباً للإخلاء مغايراً للسبب الآخر ذلك أن المشرع بعد أن سلب المؤجر حقه في تحديد مقدار الأجرة ومدة عقد الإيجار رعاية لحاجة المستأجر الماسة للسكن أراد أن يجعل الأصل أن ينفرد المستأجر - ومن يتبعه بحكم القانون - بالانتفاع بالعين المؤجرة فتعقب الصور التي تنبئ عن تخلي المستأجر عن الإنفراد بالانتفاع بالعين المؤجرة وأورد المصطلح المناسب لكل حالة منها وجعل الإخلاء جزاءً لكل منها، باعتبار أن هذا التخلي بجميع صوره يعتبر خروجاً على أحكام قانون إيجار الأماكن، واتساقاً مع هذا الغاية ميزت المحكمة بين أسباب الإخلاء الثلاثة في هذا الخصوص معتبره أن رفع الدعوى بطلب الإخلاء لأحد هذه الأسباب غير مانع للخصوم من رفع الدعوى بالطلب ذاته استناداً لسبب آخر وهو ما استلزم هذه التفرقة بين الإيجار من الباطن، والتنازل، والترك باعتبارها ثلاثة أسباب مستقلة للإخلاء.
3 - إذ كان المشرع في المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 - المقابلة للمادة 21 من القانون 52 لسنة 1969 - قد استهدف بسط الحماية على بعض أقارب المستأجر المقيمين معه عند الوفاة أو الترك فإن المقصود بالترك هو هجر الإقامة في العين الدال على رغبة المستأجر الأصلي في إنهاء صلته بالعين المؤجرة وتخليه عنها لأحد تابعيه بحكم المادة سالفة البيان وتعبير المستأجر عن إرادته في هذا التخلي عن العين المؤجرة قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً والتنازل عن الإيجار لا يعدو أن يكون تعبيراً صريحاً عن التخلي وهو ما ينتج أثره دون توقف على إعلان المؤجر به أو قبوله له. ذلك أن المتنازل إليه في هذه الحالة لا يستمد حقه من حوالة المستأجر الأصلي لحقه، وإنما يستمد حقه من القانون الذي أعطاه الحق في امتداد العقد إليه وألزم المؤجر بتحرير عقد جديد باسمه متى توافرت شروط عديدة منها القرابة، والإقامة مع عدم وجود مسكن آخر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهن الثلاثة الأول مالكات العقار أقمن على المطعون ضده الأخير الدعوى 1372 لسنة 1987 إيجارات شمال القاهرة بطلب الحكم بإخلائه من الشقة المبينة بالأوراق........ ذلك أنه تنازل لهن عن عقد استئجارها بإقرار مؤرخ 1/ 11/ 1986........ تدخلت الطاعنة خصماً في الدعوى بطلب الحكم بثبوت العلاقة الإيجارية بينها وبين مالكات العقار عن الشقة ذاتها....... لتنازل مستأجرها الأصلي لها عنها وتركها قبل طلاقه لها، ومحكمة أول درجة حكمت برفض الدعوى الأصلية وقضت للطاعنة بطلباتها باعتبارها حاضنة لابنتها من المطعون ضده الأخير. استأنفت المطعون ضدهن بالبند أولاً هذا الحكم بالاستئناف 2799 لسنة 106 ق القاهرة، كما أقامت الطاعنة استئنافاً فرعياً برقم 10397 لسنة 107 ق القاهرة، وبتاريخ 5/ 6/ 1991 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وإخلاء الشقة محل النزاع وعدم جواز استئناف الطاعنة الفرعي ورفض طلباتها. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن حاصل ما تنعاه الطاعنة بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال....... ذلك أنها قضت بعدم جواز استئنافها الفرعي تأسيساً على أنها قبلت الحكم المستأنف بمذكرة وكيلها المقدمة لجلسة 10/ 1/ 1990 في حين أنها لم تقبله مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه ولئن كان النص في المادة 211 من قانون المرافعات صريح في أنه متى قبل الخصم الحكم الصادر في الدعوى قبولاً صريحاً أو ضمنياً يفيد تنازله عن حق الطعن فلا يقبل منه بعد ذلك إلا أنه يشترط في القبول المانع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن. لما كان ذلك وكان الثابت في المذكرة التي أشار إليها الحكم المطعون فيه أن الطاعنة تمسكت في طلبها بحقها في امتداد عقد الإيجار لها بصفتها الشخصية إذ كانت زوجة المستأجر الأصلي وأقامت معه منذ تحرير عقد الإيجار ثم تنازل لها عنه وانتهت إلى طلب تأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من إثبات العلاقة الإيجارية لها وهو ما لا يدل على نحو قاطع على ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الطاعنة قبلت الحكم الابتدائي فيما قضى به من استبعاد حقها في امتداد عقد الإيجار لها بصفتها الشخصية وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأقام قضاءه على أن الطاعنة قد قبلت هذا الشق من الحكم يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه الفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه...... ذلك أنها تمسكت بأن عقد الإيجار امتد إليها بترك زوجها السابق لعين النزاع قبل الطلاق وتنازله عنها لها لقاء أربعة آلاف جنيه بإقرار مؤرخ 10/ 8/ 1983 فأطرح الحكم المطعون فيه هذا الدفاع قولاً منه بأنه ليس للأقارب أن يستفيدوا بامتداد عقد الإيجار لهم إلا إذا كان الترك دون اتفاق أو تعاقد..... وأن التنازل عن الإيجار لهم لا ينتج أثره في هذا الخصوص إلا بقبول المؤجر له مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه ولئن كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على التمييز بين التأجير من الباطن، والتنازل عن الإيجار، وترك العين المؤجرة للغير باعتبار أن التأجير من الباطن عقد يؤجر به المستأجر الأصلي حقه في الانتفاع بالعين إلى الغير ويحتفظ بحقه المقرر في عقد الإيجار الأصلي...... في حين أن التنازل عن الإيجار عقد يحيل به المستأجر الأصلي إلى الغير كافة حقوقه والتزاماته الواردة في العقد الأصلي أما الترك فهو تخل عن العين دون اتفاق أو تعاقد، إلا أن هذه التفرقة قد جاءت في خصوص تحديد أسباب الإخلاء بإبراز كل حالة من هذه الحالات باعتبار كل منها سبباً للإخلاء مغايراً للسبب الآخر ذلك أن المشرع بعد أن سلب المؤجر حقه في تحديد مقدار الأجرة ومدة عقد الإيجار رعاية لحاجة المستأجر الماسة للسكن أراد أن يجعل الأصل أن ينفرد المستأجر - ومن يتبعه بحكم القانون - بالانتفاع بالعين المؤجرة فتعقب الصور التي تنبئ عن تخلي المستأجر عن الإنفراد بالانتفاع بالعين المؤجرة وأورد المصطلح المناسب لكل حالة منها وجعل الإخلاء جزاء لكل منها، باعتبار أن هذا التخلي بجميع صوره يعتبر خروجاً على أحكام قانون إيجار الأماكن، واتساقاً مع هذه الغاية ميزت المحكمة بين أسباب الإخلاء الثلاثة في هذا الخصوص معتبره أن رفع الدعوى بطلب الإخلاء لأحد هذه الأسباب غير مانع للخصوم من رفع الدعوى بالطلب ذاته استناداً لسبب آخر وهو ما استلزم هذه التفرقة بين الإيجار من الباطن، والتنازل، والترك باعتبارها ثلاثة أسباب مستقلة للإخلاء. إلا أنه لما كان المشرع في المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 - المقابلة للمادة 21 من القانون 52 لسنة 1969 - قد استهدف بسط الحماية على بعض أقارب المستأجر المقيمين معه عند الوفاة أو الترك فإن المقصود بالترك هو هجر الإقامة في العين الدال على رغبة المستأجر الأصلي في إنهاء صلته بالعين المؤجرة وتخليه عنها لأحد تابعيه بحكم المادة سالفة البيان وتعبير المستأجر عن إرادته في هذا التخلي عن العين المؤجرة قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً والتنازل عن الإيجار لا يعدو أن يكون تعبيراً صريحاً عن التخلي وهو ما ينتج أثره دون توقف على إعلان المؤجر به أو قبوله له، ذلك أن المتنازل إليه في هذه الحالة لا يستمد حقه من حوالة المستأجر الأصلي لحقه، وإنما يستمد حقه من القانون الذي أعطاه الحق في امتداد العقد إليه وألزم المؤجر بتحرير عقد جديد باسمه متى توافرت شروط عديدة منها القرابة، والإقامة مع عدم وجود مسكن آخر. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فلم يبحث أثر تنازل المطعون ضده الأخير للطاعنة عن العين محل النزاع في 10/ 8/ 1983 قبل طلاقه لها بحسبانه تعبيراً عن رغبته الصريحة في التخلي عن عين النزاع مقتصراً على بحث شروط نفاذ الحوالة..... فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وجره ذلك إلى القصور في التسبيب مما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.