أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 1217

جلسة 17 من مايو سنة 1983

برئاسة السيد المستشار عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: يحيي العموري، محمد المرسي فتح الله نائبا رئيس المحكمة، سعد بدر وجرجس إسحاق.

(245)
الطعن رقم 1886 لسنة 49 القضائية

1- دفع غير المستحق.
رد ما دفع بغير حق. حالاته. الوفاء بدين غير مستحق أصلاً أو بدين زال سببه. التزام المدفوع له بالرد بزوال سبب الوفاء. الاستثناء. نسبة تبرع أو أي تصرف قانوني أخر إلى الموفي. م 181 و182 مدني.
2- نقض "أسباب الطعن".
عدم تقديم الطاعن الدليل على ما تمسك به من أوجه الطعن في الميعاد القانوني. نعي لا دليل عليه.
3- محكمة الموضوع "سلطتها في التفسير" عقد. "تفسير العقد".
تفسير الإقرارات والمشارطات وسائر المحررات والعقود ومنها الصلح. من سلطة محكمة الموضوع بما تراه أوفى بمقصود عاقديها ما دام تفسيرها سائغاً.
1- مؤدى نص المادتين 181 و182 من القانون المدني أن المشرع أورد حالتين يجوز فيهما للموفي أن يسترد ما أوفاه، أولاهما الوفاء بدين غير مستحق أصلاً وهو وفاء غير صحيح بدين غير مستحق الأداء، وفي هذه الحالة يلتزم المدفوع له بالرد إلا إذا نسب إلى الدافع نية القيام بتبرع أو أي تصرف قانوني آخر؛ وثانيهما أن يتم الوفاء صحيحاً بدين مستحق الأداء ثم يزول السبب الذي كان مصدراً لهذا الالتزام ولا يتصور في هذه الحالة الثانية أن يكون طالب الرد عالماً وقت الوفاء بأنه قير ملزم بما أوفى لأنه كان ملتزماً به فعلاً وسواء أتم الوفاء اختياراً أو جبراً، قصد منه الموفي تحقيق مصلحة شخصية أو لم يقصد فإن الالتزام بالرد يقوم بمجرد زوال سبب الوفاء.
2- المقرر- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون حتى تستطيع المحكمة التحقق من صحة النعي الموجه إلى الحكم المطعون فيه، وكان الطاعن لم يقدم رفق طعنه الإقرار الذي تمسك به في سبب النعي أو صورة رسمية منه فإن نعيه يكون عارياً عن الدليل.
3- لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير الإقرارات والمشارطات وسائر المحررات بما تراه أوفى بمقصود العاقدين منها ما دام تفسيرها سائغاً وكان عقد الصلح شأنه شأن باقي العقود في ذلك من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من عباراته ومن الظروف التي تم فيها نية الطرفين والنتائج المبتغاة منه وأن تحدد نطاق النزاع الذي أراد الطرفان وضع حد له باتفاقهما عليه ما دامت عبارات العقد والملابسات التي تم فيها تحتمل ما استخلصته منها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 105 سنة 78 مدني كلي جنوب القاهرة على الطاعن بطلب الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 8205 جنيه، وقال بياناً لذلك أنه اشترى من ورثة المرحوم....... العقار رقم 2 شارع السخاوي قسم مصر الجديدة بمبلغ 19000 جنيه بموجب عقد مسجل برقم 519 القاهرة في 26/ 1/ 1975 وأوفى الثمن كاملاً، وإذ كان الطاعن يداين البائعين بمبلغ 6000 جنيه بموجب الحكم الصادر في الاستئنافين 2705 سنة 90 ق، 5008 سنة 29 ق فقد أقام الطاعن الدعوى رقم 767 سنة 74 تنفيذ بيوع مصر الجديدة لبيع العقار الذي اشتراه هو جبراً والتي تدخل فيها معترضاً على الإجراءات إلا أنه قضي برفض اعتراضه والاستمرار في التنفيذ فلجأ إلى إقامة دعوى الاستحقاق رقم 488 سنة 79 مصر الجديدة، إلا أنه تفادياً لنزع ملكية العقار الذي اشتراه أبرم مع الطاعن صلحاً الحق بمحضر جلسة دعوى الاستحقاق دفع بموجبه للطاعن مبلغ 6205 جنيه قيمة الدين المنفذ به، وحرر الطاعن إقراراً مؤرخاً 21/ 3/ 1976 يفيد قبضه ذلك المبلغ نظير تنازله عن دعوى البيوع ونزع الملكية وما يتبع ذلك، ثم أقام المطعون ضده الدعوى رقم 2408 سنة 75 مدني كلي جنوب القاهرة مختصماً فيها البائعين له بطلب إلزامهم بمبلغ 6205 جنيه الذي أوفاه إلى الطاعن عنهم إلا أنه قضي برفضها تأسيساً على أن محكمة النقض قضت في الطعن رقم 844 سنة 42 ق بنقض الحكم في الاستئنافين رقمي 2705 سنة 90 ق، 5008 سنة 89 ق المقضي فيهما للطاعن بالمبلغ الذي نفذ به على العقار، ومن ثم فإنه يكون قد أوفى للطاعن ما ليس مستحقاً له على الورثة (البائعين له) ويحق له مطالبته برده فضلاً عن مبلغ 2000 جنيه تعويضاً له عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء إقحام الطاعن له في منازعات قضائية، وإذ قضت محكمة الدرجة الأولى للمطعون ضده بمبلغ 6205 جنيه استأنفه الطاعن بالاستئناف رقم 577 سنة 96 ق القاهرة وبجلسة 28/ 6/ 1979 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاث أسباب ينعي الطاعن بأولها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك بأن المطعون ضده أوفى بالدين المستحق على الورثة البائعين له وهو عالم أنه غير ملتزم بما دفعه، ومن ثم فلا يلتزم برد ما استوفاه من المطعون ضده برضائه وفقاً للفقرة الثانية من المادة 181 من القانون المدني التي تقضي بأنه لا محل للرد إذا كان من قام بالوفاء يعلم أنه غير ملزم بما دفعه، فضلاً عن أن المطعون ضده قد ابتغى بالوفاء سبباً يحقق به لنفسه مصلحة شخصية هي تنازل الطاعن عن إجراءات نزع الملكية التي كانت ستحقق له خسارة كبرى بعد أن ارتفعت أسعار العقارات، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعمل حكم تلك المادة مما يشوبه بمخالفة القانون ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه لما كانت المادة 181 من القانون المدني تنص على أنه "كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقاً له وجب عليه رده. على أنه لا محل للرد إذا كان من قام بالوفاء يعلم أنه غير ملزم بما دفعه، إلا أن يكون ناقص الأهلية أو يكون قد أكره على هذا الوفاء" وتنص المادة 182 من القانون المدني على أنه "يصح استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لالتزام لم يتحقق سببه أو لالتزام زال سببه بعد أن تحقق" وكان مؤدى هذين النصين أن المشرع أورد حالتين يجوز فيهما للموفي أن يسترد ما أوفاه، أولاهما الوفاء بدين غير مستحق أصلاً وهو وفاء غير صحيح بدين غير مستحق الأداء، وفي هذه الحالة يلتزم المدفوع له بالرد إلا إذا نسب إلى الدافع نية القيام بتبرع أو أي تصرف قانوني آخر، وثانيهما أن يتم الوفاء صحيحاً بدين مستحق الأداء ثم يزول السبب الذي كان مصدراً لهذا الالتزام، ولا يتصور في هذه الحالة الثانية أن يكون طالب الرد عالماً وقت الوفاء بأنه غير ملتزم بما أوفى لأنه كان ملتزماً به فعلاً، وسواء أتم الوفاء اختياراً أو جبراً، قصد منه الموفي تحقيق مصلحة شخصية أو لم يقصد فإن الالتزام بالرد يقوم بمجرد زوال سبب الوفاء، لما كان ذلك وكان الثابت في الدعوى أن المطعون ضده أوفى للطاعن بما وجب في ذمة البائعين له بالحكم الصادر في الاستئنافين رقمي 5008 سنة 89 ق و3705 سنة 90 ق درءاً لإجراءات نزع ملكية العقار الذي اشتراه والتي كانت قد اتخذت فعلاً، فإن الحكم المطعون فيه إذ ألزم الطاعن برده بعد حصول إلغاء الحكم المنفذ بموجبه فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب في غير محله.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول الطاعن أن الإقرار الصادر منه والموثق في 21/ 2/ 1976 باستلامه المبلغ من المطعون ضده قد نص فيه على أنه لا رجوع لهذا الأخير على الطاعن لأي سبب من الأسباب إلا أن الحكم المطعون فيه قد أغفل هذا الشرط وجزأ الإقرار على الطاعن متناسياً أنه لم يقبل الوفاء في تلك الظروف التي تم فيها إلا باشتراط عدم المساءلة في المستقبل عن رد ما قبض لأي سبب، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه لما كان من المقرر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون حتى تستطيع المحكمة التحقق من صحة النعي الموجه إلى الحكم المطعون فيه، وكان الطاعن لم يقدم رفق طعنه ذلك الإقرار الذي تمسك به في سبب النعي أو صورة رسمية منه فإن نعيه يكون عارياً عن الدليل وبالتالي غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق وفي بيان ذلك يقول أن المطعون ضده قد قبل الوفاء بدين الورثة البائعين له على ألا يرجع عليه (على الطاعن) لأي سبب من الأسباب لعلمه أن قيمة العقار الذي اشتراه قد تجاوزت ثمنه، وأنه إذا تم البيع بالمزاد فقد يصل الثمن إلى أضعاف الثمن المتعاقد عليه ومن ثم فقد تم الصلح بينهما في 20/ 3/ 1976 واتفق فيه على التنازل عن جميع ما يتفرع عن النزاع بين الطرفين ويتحتم لذلك على كل من طرفي الصلح أن ينفذ ما التزم به فيه دون غيره طبقاً للمادة 147 من القانون المدني، وإذ لا يجوز وفق القانون تجزئة الصلح فإن دعوى المطعون ضده تكون غير مقبولة ويكون الحكم المطعون فيه إذ خالف ما ورد بعقد الصلح من شروط مشوباً بمخالفة الثابت بالأوراق بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير الإقرارات والمشارطات وسائر المحررات بما تراه أوفى بمقصود العاقدين منها ما دام تفسيرها سائغاً، وكان عقد الصلح شأنه شأن باقي العقود في ذلك من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من عباراته ومن الظروف التي تم فيها نية الطرفين والنتائج المبتغاة منه، وأن تحدد نطاق النزاع الذي أراد الطرفان وضع حد له باتفاقهما عليه ما دامت عبارات العقد والملابسات التي تم فيها تحتمل ما استخلصته منها، لما كان ذلك وكانت محكمة الموضوع قد استخلصت من عبارات عقد الصلح أن الطرفين قد اتفقا على حسم النزاع القائم بينهما في شأن قضيتي البيوع والاستحقاق دون غيرهما من الدعاوى التي تثور بينهما مستقبلاً بسبب غير ما أقيمت عليه الدعويان كما هو الحال في النزاع القائم مستدلة على ذلك بما ورد في ذات عقد الصلح من النص صراحة على هاتين الدعويين، وكان هذا الاستخلاص سائغاً وقائماً على ما يحمله من الأوراق فإن النعي بهذا السبب يكون قائماً علي غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.