أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 3 - صـ 883

جلسة 10 من إبريل سنة 1952
(128)
القضية رقم 101 سنة 19 قضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة، وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطي خيال بك وسلميان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك وأحمد العمروسي بك المستشارين.
( أ ) اختصاص المحاكم. طلب تعويض عن تجريد كاهن من رتبته الكهنوتية بدعوى صدوره من المطران وهو لا يملكه وفقاً لقانون سنة 1883. الدفع بعدم اختصاص المحاكم. على غير أساس.
(ب) مسئولية مدنية. تعويض عن تجريد كاهن من رتبته الكهنوتية. تأسيسه على أن المطران لا يملك حق التجريد. لا سند له.
(1) متى كان المطعون عليه حدد أساس دعواه بأنه صدور فعل من الطاعن مخالفة للقانون، هو تجريده من رتبته الكهنوتية، مع أنه لا يملك قانوناً هذا الحق، إذ الذي يملكه وفقاً لقانون سنة 1883 هو المجلس الملي العام والمجلس الروحي فإن الفصل في الدعوى لا يقتضي إلا مراجعة أحكام هذا القانون لتحديد ما إذا كان تجريد الطعون عليه قد صدر ممن يملكه أم غير ذلك. ولما كانت هذه الدعوى بموضوعها هي دعوى تعويض. ومثلها من اختصاص المحاكم دون غيرها ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى باختصاص المحاكم بنظرها لا يكون قد خالف القانون.
(2) أن قوانين كنيسة الأقباط الأرثوذكس تجعل من اختصاص المطران حق تجريد الكاهن من رتبته الكهنوتية. وإذن فمتى كان الطاعن وهو الرئيس الديني للمطعون عليه قد جرده من رتبته الكهنوتية لخروجه عن طاعته وكان الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعن بالتعويض للمطعون عليه أقام قضاءه على أن حق تجريد الكاهن من رتبته الكهنوتية قد انتقل بقانون 1883 من الرئيس الديني إلى المجلس الروحي المنصوص عليه في المادة 17 منه مع أنه لا سند لهذا القول في القانون المذكور فإن هذا الحكم يكون قد خالف القانون ويتعين نقضه في هذا الخصوص.


الوقائع

في يوم 18 من يونيه سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 12 من مايو سنة 1949 في الاستئناف رقم 518 سنة 65 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بعدم اختصاص المحاكم الوطنية بنظر الدعوى واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه في الحالتين المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 21 من يونيه سنة 1949 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن. وفي 5 من يوليه سنة 1949 أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 20 منه أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة - بمستنداته طلب فيها أصلياً عدم قبول الطعن واحتياطياً رفضه وإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون عليه مبلغ 100 ج على سبيل التعويض ولم يسدد الرسم عن هذا الطلب وإلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وفي 4 من أغسطس سنة 1949 أودع الطاعن مذكرة بالرد. وفي 31 من أكتوبر سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفض الدفع بعدم قبوله ورفضه موضوعاً ورفض طلب التعويض المؤسس على كيدية الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات. وفي 27 من مارس سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة إلخ.


المحكمة

من حيث إن الوقائع تتحصل، حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن، في أن المطعون عليه رسم في سنة 1932 راعياً للكنيسة القبطية بشبين الكوم، خالفاً لجده القمص سيداروس اسحق. ثم قام بينه وبين الطاعن خلاف، خرج به عن واجب الطاعة لرئيسه الديني، وانتهى به إلى الاعتداء عليه ليلة العيد الميلاد في 6 من يناير سنة 1945، وهو يقوم بأداء الشعائر الدينية، وعلى مرأى من المصلين. فجرده الطاعن من رتبته الكهنوتية وقطع صلته بالكنيسة. فأقام عليه المطعون عليه أمام محكمة شبين الكوم الابتدائية الدعوى رقم 319 سنة 1946 يطلب الحكم بإلزامه بأن يدفع إليه مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض، وذلك على أساس أن المطران ممنوع من التصرف في شأن القسيس وأنه إذ شلحه وقطع صلته بالكنيسة يكون قد خالف القانون، ووجبت في ذمته التعويضات. وفي 2 من أغسطس سنة 1947 عدل المدعي طلباته، فأدخل غبطة بطريرك الأقباط الأرثوذكس في الدعوى بصفته رئيساً للمجلس الملي العام على أساس أن المجلس المذكور مسئول عن المتخاصمين وقد علم بالنزاع القائم بينهما ولم يتخذ من الإجراءات ما يدفع عن المدعى عليه عدوان المدعى عليه، وطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا إليه مبلغ ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض. فدفع الطاعن بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى على أساس أن الفصل في طلب التعويض يستلزم حتماً التعرض لمسائل دينية وتطبيق قوانين الكنيسة في شأنها، وهو أمر خارج عن ولاية المحاكم. وقد تناولت المحكمة بالبحث الأمر العالي الصادر في 14/ 5/ 1883 والمعدل بالقانون رقم 19 لسنة 1927 والخاص بترتيب واختصاصات مجلس الأقباط الأرثوذكس والقوانين الكنيسة المتعلقة برسم القسس وشلحهم، وانتهت إلى تقرير أنه يبين من هذه القوانين أن للأسقف وحده السلطة في تجريد الكاهن من رتبته الكهنوتية بمجرد توقيع الحرمان عليه. غير أنها لم ترتب على هذا التقرير أثره في الدعوى، بل تشعب بها النظر حتى انتهت إلى القول بأن الفصل في الدعوى بحالتها يستلزم الفصل في أمور دينية وينطوي على رقابة تنفيذ قوانين الكنيسة وتطبيق هذه القوانين، وهي جميعاً أمور خارجة عن ولاية المحاكم الوطنية. ومن ثم قضت في 31 من مايو سنة 1948 بقبول الدفع بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى. فاستأنف المطعون عليه هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر، وقيد استئنافه برقم 518 سنة 65 ق وأسسه على أن موضوع دعواه ليس إساءة المطران استعمال حق مقرر له، بل أن موضوعها هو تعرضه لأمر هو ممنوع من التعرض له، ذلك أن المطران ممنوع من التصرف في حق القسس ومراقبتهم، إذ انتقل هذا الحق بمقتضى الأمر العالي الصادر بترتيب واختصاص المجلس الملي العام إلى المجلس الملي والمجلس الروحي. وعلى هذا الأساس فإن دعواه ليست إلا دعوى تعويض عن أمر صدر مخالفاً للقانون، وهي بهذا الوضع من صميم اختصاص المحاكم المدنية. وفي 12 من مايو سنة 1949 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدفع وباختصاص المحاكم بنظر الدعوى، وألزمت المستأنف عليهما بصفتهما بأن يدفعا إلى المستأنف مبلغ 500 ج على سبيل التعويض. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأعلن التقرير به إلى (حضرة سيداروس رزق القسيس سابقاً). فدفع المطعون عليه بعدم قبول الطعن شكلاً لأنه مقام على شخص لم تنعقد بينه وبين الطاعن خصومة، وليس هو المطعون عليه، ذلك أن اسم المطعون عليه قبل أن يرسم قسيساً كان سعيد رزق، وبرسمه كاهناً أصبح اسمه القمص سيداروس رزق. وإن صح شلحه فإنه يكون قد استعاد اسمه الأول. ولما كان الطعن قد أقيم على سيداروس رزق القسيس سابقاً فإنه يكون قد وقع باطلاً. ولا يرفع هذا البطلان استلام المطعون عليه ورقة التقرير بالنقض.
ومن حيث إن هذا الدفع في غير محله، ذلك أنه لا حرج على الطاعن، وقد جرد المطعون عليه من رتبته الكهنوتية، في أن يخاطبه باسمه الذي عرف به منذ سنوات بمدينة شبين الكوم مضافاً إليه صفته السابقة، ومن ثم يكون الطعن قد أقيم على خصم في الدعوى وأعلن صحيحاً.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية. ومن حيث إنه بني على سببين، حاصل أولهما خطأ الحكم في تطبيق القانون إذ قضى باختصاص المحاكم بنظر الدعوى مع أنها غير مختصة بذلك، ذلك أن مبنى التعويض المطلوب مسائل دينية روحية بحته، والقانون الصادر في سنة 1883 بترتيب وتحديد اختصاصات المجلس الملي العام لم يمس قوانين الكنيسة، بل أنه وكد وجوب احترامها، وقد جاء بالمادة 14 فقرة رابعة منه أن المجلس "يختص بالمحافظة على تنفيذ قوانين الكنيسة المتعلقة بقبول الرهبان بالأديرة ورسامة القسس وترقيتهم للرتب الكنيسية ومراقبة سيرهم" وما دام أن الشارع قد خول المجلس الملي العام هذا الاختصاص بتشريع خاص، فإنه بذلك يكون قد أخرجه من اختصاص المحاكم. ولما كان الفصل في الدعوى يقتضي الرقابة على تطبيق وتنفيذ قوانين الكنيسة فإن المحاكم لا تكون مختصة بنظرها.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن المطعون عليه حدد أساس دعواه بأنه صدور فعل من الطاعن مخالف للقانون، هو تجريده من رتبته الكهنوتية، مع أنه لا يملك قانوناً هذا الحق، إذ الذي يملكه وفقاً لقانون سنة 1883 هو المجلس الملي العام والمجلس الروحي. ولما كان ذلك فإن الفصل في الدعوى لا يقتضي إلا مراجعة أحكام هذا القانون لتحديد ما إذا كان تجريد المطعون عليه قد صدر ممن يملكه أم لا - وبعد فإن دعوى المطعون عليه بموضوعها هي دعوى تعويض، ومثلها من اختصاص المحاكم دون غيرها.
ومن حيث إن الطاعن ينعي على الحكم بالسبب الثاني الخطأ في تطبيق القانون إذ ذهب إلى أنه لم يعد للرؤساء الدينيين حق توقيع الجزاءات الدينية على رجال الكهنوت، وإذ رتب على ذلك مسئولية الطاعن المدنية عن جزاء وقعه على مرءوس له - ذلك أنه لا يتصور أن يوجب قانون سنة 1883 على المجلس الملي العام المحافظة على تنفيذ قوانين الكنيسة المتعلقة برسامة القسس وترقيتهم للرتب الكنيسة ومراقبة سيرهم دون أن يكون داخلاً في اختصاصه كذلك تنفيذ قوانين الكنيسة في خصوص توقيع الجزاءات الدينية. إذ من شأن مثل هذا القول أن يمس العقائد المسيحية.
ومن حيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن الأصل هو أن من يختصر بالتعيين يختص كذلك بمراقبة سير من يعينهم وتوقيع الجزاء عليهم الاقتضاء وليس في قوانين الكنيسة ما يخالف هذا الأصل. بل إنها، على ما قررته محكمة أول درجة، تجعل من اختصاص المطران حق تجريد الكاهن من رتبته الكهنوتية ومتى كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون إذ قال "إن هذا الحق قد انتقل بقانون سنة 1883 من الرئيس الديني إلى المجلس الروحي المنصوص عليه في المادة 17 منه" مع أنه لا سند لهذا القول في القانون المذكور، ومن ثم يتعين نقضه في هذا الخصوص.
ومن حيث إنه لما كان موضوع الدعوى صالحاً للحكم فيه، وكان ما ورد بأسباب حكم محكمة أول درجة من اختصاص الطاعن بفصل المطعون عليه صحيحاً في القانون وينبني عليه الحكم برفض الدعوى موضوعاً، لا الحكم بعدم اختصاص المحاكم بنظرها - لما كان ذلك فإنه يتعين الحكم برفض دعوى المطعون عليه.