أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 3 - صـ 992

جلسة أول مايو سنة 1952
(147)
القضية رقم 145 سنة 20 قضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك ومصطفى فاضل بك وعبد العزيز سليمان بك المستشارين.
( أ ) موظف. ضابط بالجيش. حكم. تسبيبه. قضاؤه برفض دعوى تعويض عن فصل ضابط جيش من الخدمة. إقامته على أن الفصل لا ينطوي على مخالفة القانون أو تعسف في استعمال السلطة وإنما كان لداعي المصلحة العامة. لا خطأ ولا قصور. تحدث الحكم بعد ذلك عن واقعة سرقة نسبت إلى الضابط. تزيد لا أثر له في نتيجته.
(ب) موظف. ضابط بالجيش. فحص ما ينسب إليه. يكون إما بالتحقيق بصفة سرية بواسطة رؤسائه وإما بصفة قانونية أمام مجلس تحقيق. إتباع إحدى الطريقتين يغني عن الأخرى.
(ج) موظف. ضابط بالجيش. فصله من الخدمة بنطق ملكي من القائد الأعلى للجيش بناء على اقتراح لجنة الضباط وفقاً للمرسوم الصادر سنة 1925 وتحقيقاً لمصلحة عامة. لا مخالفة في ذلك للقانون.
(د) لجنة ضباط الجيش المشكلة بالمرسوم الصادر في 21 يناير سنة 1925. عدم إلغائها بالقانون رقم 72 الصادر في 31 يوليو سنة 1937 الخاص بإنشاء مجلس الدفاع وهيئة أركان الحرب. المرسوم الصادر في 23 مايو سنة 1946 لم يعد لجنة الضباط إلى الوجود بعد زوالها وإنما نظم تشكيلها فقط.
(هـ) موظف. ضابط بالجيش. فصله من الخدمة بنطق ملكي من القائد الأعلى بناء على اقتراح لجنة الضباط المشكلة وفقاً للمرسوم الصادر في سنة 1925. صحيح قانوناً. لا يغير من هذا النظر عدم موافقة وزير الحربية على اقتراح لجنة الضباط.
1 - متى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى التي أقامها الطاعن بطلب التعويض عن فصله من وظيفته قد استند إلى أن فصله لا ينطوي على مخالفة للقانون أو تعسف في استعمال السلطة وإنما كان نتيجة لما شاب سلوكه من عوج عقب إعادته من الاستيداع إلى الخدمة العاملة. فإنه يكون في غير محله ما ينعاه الطاعن على هذا الحكم من قصور وخطأ في القانون لاعتباره قرار مجلس التحقيق الذي شكل لتحقيق حادث سرقة نسب إليه بمثابة حكم بالإدانة ذلك بأن ما ورد في الحكم بشأن السرقة إنما جاء تزيداً لا أثر له في النتيجة التي انتهى إليها.
2 - إن قانون الأحكام العسكرية قد أوجد طريقتين لفحص ما ينسب إلى الضابط بالجيش إحداهما "التحقيق بصفة سرية بمعرفة ذوي الأهلية من رجال العسكرية" والثانية "التحقيق بصفة قانونية بواسطة قومندان وأمام مجلس تحقيق" وإذن فمتى كان فحص ما نسب إلى الطاعن قد جرى بالطريقة الأولى وفقاً للمادة 17 من مجموعة الأحكام العسكرية فإنه يكون في غير محله ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من الخطأ والقصور لاعتماده على القرائن والأدلة المقدمة في الحادث الشائن الذي نسب إليه بحجة أن تحقيق هذا الحادث لم يتم وفقاً للطريقة الثانية.
3 - متى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى الطاعن قد استند إلى أن فصله من الخدمة إنما حصل بنطق ملكي من القائد الأعلى للجيش بناء على اقتراح لجنة الضابط وفقاً للمرسوم الصادر في 21 من يناير سنة 1925 وتحقيقاً لمصلحة عامة للأسباب السائغة التي أوردها فإن يكون في غير محله تحدي الطاعن بأن فصله كان مخالفاً للقانون.
4 - متى كان الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه مشوب بالبطلان لإغفاله ما دفع به من أن لجنة الضباط التي عرض عليها أمره واقترحت فصله في سنة 1944 لم يكن لها وجود في ذلك الحين تأسيساً على أن المرسوم الصادر في 23 من مايو سنة 1946 لم يعدل مرسوم 21 يناير سنة 1925 الخاص بتشكيل لجنة الضباط بل أعاد تشكيلها بعد أن كانت قد زالت من الوجود منذ إنشاء مجلس الدفاع الأعلى بالقانون رقم 72 الصادر في 31 من يوليو سنة 1937 ولذلك يكون قرارها باطلاً ويكون باطلاً تبعاً كل ما ترتب عليه. فإن هذا النعي غير صحيح ذلك أن ما ورد في ديباجة مرسوم 23 من مايو سنة 1946 من أنه (بعد الاطلاع على المرسوم الصادر في 21 من يناير سنة 1925 بإنشاء مجلس للجيش ولجنة الضباط المعدل بالمرسوم الصادر في 12 من إبريل سنة 1926 وعلى القانون رقم 72 لسنة 1937 الخاص بإنشاء مجلس الدفاع الأعلى وهيئة أركان حرب الجيش ونظراً لإنشاء مجلس الدفاع الأعلى ولإعادة تنظيم الجيش المصري على أسس جديدة ولإلغاء وظيفة السردار وما يقتضيه ذلك من إعادة تشكيل مجلس الجيش ولجنة الضباط على الوجه الذي يلائم الأوضاع الحالية إلخ... ما ورد بهذه الديباجة لا يفيد أن المرسوم الصادر بتشكيل لجنة الضباط كان ملغي في الفترة من 31 يوليه سنة 1937 حتى مايو سنة 1946 كما أنه ليس في القانون رقم 72 سنة 1937 ما يفيد إلغاءه صراحة أو ضمناً بل أنه مما يؤكد قيامه حتى صدور مرسوم مايو سنة 1946 الإشارة إليه في ديباجة هذا المرسوم والنص فيها على إعادة تشكيل لجنة الضابط.
5 - أن عدم موافقة وزير الحربية على رأي لجنة الضباط لا يحول دون أن يستعمل الملك سلطته الدستورية بوصفه القائد الأعلى للجيش وفقاً للمادة 46 من الأمر الملكي رقم 118 بشأن النظام الدستوري للدولة المصرية، بناء على اقتراح لجنة الضباط المشكلة وفقاً للمرسوم الصادر في سنة 1925 وليس في ذلك إخلال بأحكام الدستور ولا مساس بالمسئولية الوزارية ولا عبرة بمخالفة الوزير لرأي اللجنة متى كانت قد اقترحت الاستغناء عن خدمات الطاعن وصدق الملك على اقتراحها وفقاً للمرسوم المشار إليه.


الوقائع

في يوم 18 من مايو سنة 1950 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 15 من مايو سنة 1949 في الاستئناف رقم 414 سنة 65 ق - وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بإلزام وزارة الدفاع بأن تدفع إليه مبلغ 40038 جنيهاً المبينة مفرداته في صحيفتي 24 و25 من صحيفة استئنافه واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن جميع الدرجات. وفي 21 من مايو سنة 1950 أعلنت المطعون عليها بتقرير الطعن وفي 6 من يونيه سنة 1950 أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليها بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته وفي 26 منه أودعت المطعون عليها مذكرة بدفاعها مشفوعة بمستنداتها طلبت فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 20 من مارس سنة 1952 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات. وفي 17 من إبريل سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

من حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وباقي أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1184 سنة 1945 كلي مصر بصحيفة أعلنها إلى المطعون عليها في 17 من مايو سنة 1945 قال فيها إنه تخرج من الكلية الحربية الملكية سنة 1936 والتحق بسلاح الطيران برتبة ملازم ثان ثم رقي في سنة 1939 إلى رتبة طيار أول وأرسل في بعثة إلى انجلترا للتخصص في هندسة الطيران ولما عاد في سنة 1940 عين قائداً ثانياً لعموم ورش سلاح الطيران وقائداً بقسم إصلاح الطائرات فوقعت سرقة في هذا القسم - اتهم فيها بالإهمال وإلزام بدفع ثمن المسروقات التي قدرت بمبلغ 20 جنيهاً و472 مليماً مع إحالته في 15 من نوفمبر سنة 1942 إلى الاستيداع ولبث فيه خمسة عشر شهراً فقد أثناءها أقدميته بأن تخطاه خمسة ممن كانوا يلونه في الترتيب ولما أعيد إلى الخدمة العاملة عين بسلاح البالونات بمنطقة القنال ولاستحكام الخلاف بينه وبين أحد الضباط من رؤسائه نقل إلى السرب السادس بألماظة وفي 10 من سبتمبر سنة 1944 أبلغ بالاستغناء عن خدماته بالجيش لتهمة شائنة نسبت إليه ولم يجر معه تحقيق في شأنها وأن ذلك أساء إليه مادياً وأدبياً وطلب الحكم على المدعى عليها بتعويض مقداره 40038 جنيهاً. وفي 12 من إبريل سنة 1947 حكمت محكمة مصر الابتدائية. برفض الدعوى، فاستأنف الحكم المذكور وقيد استئنافه برقم 414 سنة 65 ق مصر. وفي 15 من مايو سنة 1949 حكمت محكمة الاستئناف مصر بالتأييد فطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على عشرة أسباب حاصل السببين الأولين منها هو أن الحكم مشوب بالبطلان للقصور من وجهين. الأول إذ اعتبر قرار مجلس التحقيق الذي شكل لتحقيق حادث سرقة الأخشاب بمثابة حكم بالإدانة مع أن الطاعن دفع بأنه مجرد تقرير اتهام انتهى بإلزامه بأداء ثمن الخشب المسروق ومقداره 20 جنيهاً و472 مليماً وبإحالته على الاستيداع من 15 نوفمبر سنة 1942 حتى تتبين نتيجة التحقيق ويظهر ما إذا كانت له أو ليست له يد في السرقة وقد أسفر التحقيق عن أن الطاعن بصفته قائداً لورشة الهياكل يعتبر مسئولاً عن أي عمل غير عادي يقع في حدود دائرة قيادته ولو كان هذا حكماً بالإدانة في سرقة لطبقت عليه المادة 146 من مجموعة الأحكام العسكرية الخاصة بهذه الجريمة والتي تنص على عقوبة مرتكبها بالليمان فضلاً عن الطرد وفقاً للمادة 170 - 2 من مجموعة الأحكام العسكرية اعتبر الحكم هذا القرار بمثابة حكم بالإدانة ولم يعن بالرد على دفاع الطاعن في هذا الشأن والوجه الثاني للقصور إذ أغفل التحدث عن مستندين هامين تمسك بهما الطاعن هما أولاً - إقرار كتابي من المجني عليه في الحادث الشائن حرر في 3 من أكتوبر سنة 1944 يتضمن عدم حصول الحادث وثانياً - إقرار كتابي من مختار عفيفي أحد المبلغين عن الحادث بالعدول عن بلاغه ولو تنبهت المحكمة لهذين المستندين لتغير وجه الحكم في الدعوى كما أغفل دلالة ما انتهى إليه مجلس التحقيق في حادث سرقة الأخشاب من عدم اعتبار الطاعن فاعلاً أو شريكاً في الجريمة بل مسئولاً إدارياً عما يقع في قيادته مما كان يقتضي أن لا يجازى عن نفس الفعل بجزاء آخر وفقاً للمادتين 36 و46 من مجموعة الأحكام العسكرية - وحاصل السبب الثالث هو أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ اعتمد تقرير مجلس التحقيق باعتبار الطاعن مسئولاً عن الأخشاب مع أن القانون الأحكام العسكرية يقضي: بأن التقرير الذي يقدمه مجلس التحقيق وكذا أقوال الشهود تعد امتيازات خصوصية ولا يجوز أن يترتب عليها رفع دعوى مدنية.
ومن حيث إن هذا النعي بجميع وجوهه مردود أولاً بأن ما ورد في الحكم بشأن سرقة الأخشاب إنما جاء تزيداً لا أثر له في نتيجته إذ قضى برفض الدعوى استناداً إلى أن فصل الطاعن لا ينطوي على مخالفة للقانون أو تعسف في استعمال السلطة إذ كان نتيجة لما شاب سلوكه من عوج عقب إعادته من الاستيداع إلى الخدمة العاملة ومردود ثانياً بأن ما يثيره الطاعن بخصوص إنكار المجني عليه لوقوع الحادث الشائن وعدول أحد المبلغين عن بلاغه إنما هو جدل موضوعي لم تر فيه محكمة الموضوع بناء على الأسباب السائغة التي أوردتها ما يغير ما استخلصه من الأوراق من أن فصل الطاعن وقع صحيحاً وكان الباعث له المصلحة العامة ولم يكن إجراء تعسفياً أو تحقيقاً لغرض غير مشروع على ما سيبين بعد.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور إذ اعتبر القرائن والأدلة المقدمة في الحادث الشائن كافية لثبوته مع أن هذا الحادث لم يحصل فيه تحقيق ومع أن المادة 288 من مجموعة الأحكام العسكرية تقضي بأنه متى كان التحقيق مؤثراً في أخلاق الضابط فمن الواجب أن يسمح له بالحضور في أثناء التحقيق ويرخص له بإلقاء الأقوال التي يرغب في إلقائها على المجلس ويسمح له بمناقشة الشهود وتقديم شهود للمرافعة عن أخلاقه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن هناك طريقتين لفحص ما ينسب إلى الضابط بالجيش إحداهما التحقيق بصفة سرية بمعرفة ذوي الأهلية من رجال العسكرية والثانية التحقيق بصفه قانونية بواسطة قومندان وأمام مجلس تحقيق وقد جرى فحص ما نسب إلى الطاعن بالطريقة الأولى وفقاً للمادة 17 من مجموعة الأحكام العسكرية ولذلك يكون في غير محله ما يتحدى به الطاعن في هذا الخصوص.
ومن حيث إن السبب الخامس يتحصل في أن الحكم خالف القانون وشابه البطلان إذ قام قضاءه برفض دعوى الطاعن على أساس ثبوت ما استند إليه مع أن المطعون عليها أقرت في مذكرتها المقدمة إلى محكمة الموضوع بما ينفيه وبعدم إتباعها ما رسمته القوانين لتحقيقه وإثباته.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن العبارة التي أوردها الطاعن في تقرير طعنه والتي اقتبسها من مذكرة الحكومة هي "أن المستأنف (الطاعن الآن) محال إلى المعاش للاستغناء عن خدماته وقد يحتاج فيما بعد إلى خدماته في سلاح الطيران أو في سلاح آخر من أسلحة الجيش فليس ما يمنع قانوناً من ذلك أما الطرد الذي يحكم به مجلس التأديب فعقوبة مانعه من مثل هذه العودة فضلاً عن أنها تستتبع الحرمان من المعاش إلا إذا نص في القرار على غير ذلك" وهذه العبارة لا تؤدي المعنى الذي يعتبره الطاعن تسليماً بصحة دعواه.
ومن حيث إن السبب السادس يتحصل في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور إذ قضى بأن فصل الموظف كما يجوز أن يكون لسبب التقاعد يصح كذلك بسبب الاستغناء عن خدماته مع أن الاستغناء عن الخدمات ورد في قانون المعاشات العسكرية بالتبعية لقانون آخر هو قانون القواعد الأساسية في النظامات العسكرية الصادر في 22 من سبتمبر سنة 1881 وهذا القانون الأساسي هو الواجب التطبيق وهو لم يشر إلى حالات الاستغناء تأديبياً فإذا كان هذا القانون قد ألغي ولم يحل غيره محله فلا يكون ثمة فصل للاستغناء وما دام هذا الفصل للاستغناء لم يصدر به قرار من مجلس عسكري مبني على أنه استمر في الاستيداع ثلاث سنوات لم تتهذب فيها أحواله وفقاً للمادة 14 من القانون المذكور فإنه يكون مخالفاً للقانون. أما وجه بالقصور فهو أن المحكمة لم تلق بالاً إلى دفاع الطاعن في هذا الشأن وإلى ما استند إليه من نصوص قانون معاشات الجهادية البرية والبحرية وفروعها وقانون القواعد الأساسية في النظامات العسكرية.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن قانون المعاشات الجهادية البرية والبحرية وقانون القواعد الأساسية في النظامات العسكرية قد ألغيا بالأمر العالي الصادر في 11 من أكتوبر سنة 1882 وترك أمر الاستيداع والفصل والترقية والتعيين إلى رأي وزير الحربية ولجنة الضباط المؤلفة بالمرسوم الصادر في 21 من يناير سنة 1925 وقد تمت إجراءات فصل الطاعن من الخدمة وفقاً لهذا المرسوم كما أشار إلى ذلك الحكم المطعون فيه أما ما جاء فيه عدا ذلك من إشارة إلى قانون المعاشات العسكرية فإنه كان تزيداً يقوم الحكم بدونه. ومن حيث إن السبب السابع يتحصل في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور إذ قرر أن للسلطة الإدارية الحق في الاستغناء عن خدمة أي موظف أو فصله إذا دعت لذلك مصلحة عامة كما إذا تجمع لديها من الأسباب ما يشين سمعته أو يشكك في نزاهته ولا معقب عليها في هذا الفصل إلا إذا أساءت استعمال هذا الحق أو كان تصرفها مبنياً على شهوة حزبية مع أنه لم يعن ببيان المصلحة العامة التي دعت إلى فصل الطاعن ومع أن ما أثير حول سمعة الطاعن لم تتبع في شأنه سائر القوانين من تحقيق مما يقطع في أن اعتماد المطعون عليها على هذا السبب في فصل الطاعن من الخدمة هو سوء استعمال لسلطتها كما لم تعن المحكمة بتحقيق ما دفع به الطاعن من أن زميله الضابط الطيار ما قصد من التبليغ ضده إلا إعادته إلى الاستيداع حتى يفقد أقدميته فيتخطاه وكان لزاماً على المحكمة أن تحقق سبب فصل الطاعن ما دام أن المطعون عليها قد أفصحت عنه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما ورد في الحكم من أنه "حدث بعد ذلك (أي بعد إعادة الطاعن من الاستيداع إلى الخدمة العاملة) أن وصل إلى مدير سلاح الطيران الملكي بتاريخ 22 يونيه سنة 1941 بلاغ من أحد الضباط الطيارين يتضمن أنه بينما كان ليلاً في منزله بإحدى ضواحي القاهرة إذ سمع قرب منتصف الليل صوت استغاثة صادرة من فيلا مجاورة له يقطنها أحد ضباط البوليس فبادر إلى نجدة المستغيث ولما دخل الڤيلا وجد ضابط البوليس ملقي على أرض الردهة والدم يسيل من فمه ورأى المدعي مع زوجة الضابط المصاب في إحدى الغرف ويقول أنه لم يكد ينتهي من إنهاض صاحب المنزل بمساعدة طبيب مجاور حضر على صوت الاستغاثة حتى طلب إليهما المدعي الانصراف فلما انصرفا سمعا الاستغاثة مرة أخرى فتجمع المارة أمام الباب فخرج إليهم المدعي ونهرهم على تجمعهم بألفاظ نابية فانهالوا عليه ضرباً حتى صار في حالة تزري بكرامة رجال الجيش فأحال مدير السلاح هذا البلاغ تواً إلى حكمدار العاصمة لتحري ما ورد فيه على وجه الدقة فأوضح الحكمدار في تقريره الرقيم 1 من يونيه سنة 1944 إلى مدير الأمن العام الذي أرسله بدوره إلى قيادة السلاح أن كل ما ورد في بلاغ الضابط الطيار صحيح وأن الحادث يتلخص في أن المدعي صديق لضابط البوليس وأنه ارتكاناً على هذه الصداقة يتردد على منزله في أوقات غيابه عنه ويبقى فيه إلى وقت متأخر من الليل بل كان يبيت فيه أحياناً دون علم من صاحب المنزل وأنه في ليلة الحادث حضر صاحب المنزل من الخارج فوجد المدعي مع زوجته في حجرة النوم فذهب إلى حجرة أخرى وأحضر بكر أنجاله وعمره أثنا عشر عاماً ليريه حالة أمه فانهال عليه المدعي ضرباً على النحو السالف الذكر على مرأى من أولاده الأربعة الذين كانوا يبكون ويصرخون وفي حضور زوجته التي فرت من المنزل عقب الحادث بولديها الصغيرين إلى مكان غير معلوم وأن الزوج كان يخشى أن يعود إليه المدعي بعد انصرافه ليعاود الاعتداء عليه فاستعان بأحد بائعي الصحف على حراسته وأبقاه معه في المنزل بقية الليل لهذا الغرض وأن هذا البلاغ أحيل من قيادة سلاح الطيران مشفوعاً بتقرير حكمدارية البوليس إلى وزارة الدفاع التي كان قد وصل إليها في نفس الوقت بلاغ آخر من شخص يقطن بجواز محل الحادث وشاهده بنفسه فعرضت الأوراق على لجنة الضباط التي رأت بتاريخ 23 يوليه سنة 1944 أن خير علاج هو فصل المدعي من الخدمة إلا أن وزير الدفاع رأى الاكتفاء بإعادته إلى الاستيداع ورفع الأمر بهذا الرأي إلى الديوان الملكي لعرضه على المسامع الملكية فصدر نطق ملكي بفصل المدعي من الخدمة بتاريخ 9 من سبتمبر سنة 1944" ومن هذا الذي أورده الحكم يبين أنه ليس صحيحاً ما قاله الطاعن بأن فصله كان مخالفاً للقانون لأن الفصل إنما حصل بنطق ملكي من القائد الأعلى للجيش بناء على اقتراح لجنة الضباط وفقاً للمرسوم الصادر سنة 1925 وتحقيقاً لمصلحة عامة للأسباب السائغة السابق بيانها.
ومن حيث إن السبب الثامن يتحصل في أن الحكم مشوب بالبطلان إذ أغفل ما دفع به الطاعن من أن لجنة الضباط التي عرض عليها أمره واقترحت فصله في سنة 1944 لم يكن لها وجود في ذلك الحين لأن المرسوم الصادر في 22 من مايو سنة 1946 لم يعدل مرسوم 21 يناير سنة 1925 الخاص بتشكيل لجنة الضباط بل أعاد تشكيلها بعد أن كانت قد زالت من الوجود منذ إنشاء مجلس الدفاع الأعلى بالقانون رقم 72 الصادر في 31 من يوليه سنة 1937 ولذلك يكون قرارها باطلاً ويكون باطلاً تبعاً كل ما ترتب عليه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه غير صحيح ذلك أن ما أورده في ديباجة مرسوم 23 من مايو سنة 1946 من "أنه بعد الاطلاع على المرسوم الصادر في 21 من يناير سنة 1925 بإنشاء مجلس للجيش ولجنة الضباط المعدل بالمرسوم الصادر في 12 من إبريل سنة 1926 وعلى القانون رقم 72 سنة 1937 الخاص بإنشاء مجلس الدفاع الأعلى وهيئة أركان حرب الجيش ونظراً لإنشاء مجلس الدفاع الأعلى لإعادة تنظيم الجيش المصري على أسس جديدة ولإلغاء وظيفة السردار وما يقتضيه ذلك من إعادة تشكيل مجلس الجيش ولجنة الضباط على الوجه الذي يلائم الأوضاع الحالية.... إلخ". ما ورد بهذه الديباجة لا يفيد أن المرسوم الصادر بتشكيل لجنة الضباط كان ملغي في الفترة من 31 يوليه سنة 1937 حتى مايو سنة 1946 كما أنه ليس في القانون رقم 72 سنة 1937 ما يفيد إلغاءه صراحة أو ضمناً بل إنه مما يؤكد قيامه حتى صدور مرسوم مايو سنة 1946 الإشارة إليه في ديباجة هذا المرسوم والنص فيها على إعادة تشكيل لجنة الضباط.
ومن حيث إن السببين التاسع والعاشر يتحصلان في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ قرر رداً على ما دفع به الطاعن لدى محكمة الاستئناف من أن الحكم المستأنف أهدر المسئولية الوزارية لأن لجنة الضباط لما أشارت بالاستغناء عن خدماته عرض قرارها على وزير الحربية فخالف رأيها ورفع الأمر للمسامع الملكية فصدر الأمر الملكي بالاستغناء عنه - إذ قرر الحكم رداً على ذلك أن كل ما يطلب في هذه الحالة هو أن يعرض أمر هذا الضابط على لجنة الضباط المشكلة بالمرسوم الصادر في 21 من يناير سنة 1925 وهو مختصة بالنظر في اقتراح تعيين الضباط وترقيتهم وإحالتهم على المعاش ويرفع وزير الدفاع إلى الملك هذه المسائل للتصديق عليها وأنه قد تمت الإجراءات في شأن المدعي وفقا للقواعد القانونية المتقدمة - إذ قرر الحكم ذلك خالف القانون لأنه فضلاً عن أن لجنة الضباط لم يكن لها وجود قانوني في ذلك الوقت فإنه إذا صح فرضاً أنها كانت موجودة فإنه لم يكن من اختصاصها اقتراح الاستغناء عن خدمات الطاعن كما أخطأ الحكم في تطبيق القانون إذ قرر أن الملك بنص الدستور هو الذي يولي ويعزل الضباط وأن المادة 46 منه لم تضع قيداً لهذه السلطة بعكس ما ورد في المادة 44 منه بشأن موظفي الدولة مع أن الملك إنما يتولى السلطة في جميع الأحوال بواسطة وزرائه ولا يخلي ذلك الوزراء من المسئولية - أما وجه القصور فهو أن الحكم أغفل دفاع الطاعن في هذا الشأن المستمد من المواد 48 و60 و62 من الدستور.
ومن حيث إن هذا النعي مردود أولاً بأن المادة السابعة من مرسوم 21 من يناير سنة 1925 صريحة في النص على أنه من اختصاص لجنة الضباط أن تقترح على الوزير تعيين الضباط أية كانت درجتهم وترقيتهم وإحالتهم في الاستيداع أو المعاش أو رفتهم على أن يصدق الملك على قرار اللجنة. وقد كانت هذه اللجنة موجودة قانوناً كما سبق القول عندما أبدت رأيها في شأن الطاعن واقتراح الاستغناء عن خدماته ومردود ثانياً بأن عدم موافقة الوزير على رأي اللجنة لا يحول دون أن يستعمل الملك سلطته الدستورية بوصفه القائد الأعلى للجيش وفقاً للمادة 46 من الأمر الملكي رقم 118 بشأن النظام الدستوري للدولة المصرية بناء على اقتراح لجنة الضباط المشكلة وفقاً للمرسوم الصادر في سنة 1925 وليس في ذلك إخلال بأحكام الدستور ولا مساس بالمسئولية الوزارية. ولا عبرة بمخالفة الوزير لرأي اللجنة متى كانت قد اقترحت الاستغناء عن خدمات الطاعن وصدق الملك على اقتراحها وفقاً للمرسوم المشار إليه.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن بجميع أسبابه على غير أساس ومن ثم يتعين رفضه.