أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 1315

جلسة 26 من مايو سنة 1983

برئاسة السيد المستشار محمود حسن رمضان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين أحمد كمال سالم، محمد رأفت خفاجي، محمد سعيد عبد القادر، وماهر قلادة واصف.

(259)
الطعن رقم 691 لسنة 48 القضائية

1، 2 - إيجار "إيجار الأماكن". قانون "تفويض تشريعي".
1 - التنازل عن الإيجار. شرطه. إذن المؤجر كأصل. الاستثناء. م 594/ 1 مدني.
2 - صدور القانون 111 لسنة 1975 بإلغاء المؤسسات العامة وتفويض الوزير المختص لإصدار القرارات اللازمة بتصفية أعمالها. أثره. حق الوزير المفوض في إحلال الجهات الحكومية وشركات القطاع العام محل المؤسسات الملغاة في حق إيجار الأماكن دون إذن المؤجر. علة ذلك.
1 - لئن كانت قوانين إيجار الأماكن تحظر على المستأجر التنازل عن الإيجار إلا بإذن المؤجر، إلا أن المشرع خرج عن هذا الأصل مراعاة لاعتبارات اقتصادية واجتماعية فأجازت المادة 594 من القانون المدني لمستأجر المكان الذي أنشأ به مصنعاً أو متجراً أن يبيعه للغير في حالة الضرورة.
2 - مؤدى نص المادة الثامنة من القانون رقم 111 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 112 لسنة 1976 يدل على أن المشرع فوض السلطة التنفيذية في شخص وزير المالية في إحلال الجهات الحكومية وشركات القطاع العام والهيئات العامة محل المؤسسات الملغاة في حق إيجار الأماكن دون موافقة المالك خلافاً لما هو مقرر في القانون، ورائد المشرع في ذلك رعاية مصلحة الدولة الاقتصادية، يؤيد ذلك، ما جاء بتقرير اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب عن مشروع القانون رقم 112 لسنة 1976 من أن الهدف من هذه الإضافة هو إعطاء الدولة الحق في تأجير الأماكن التي كانت تشغلها المؤسسات العامة الملغاة للمستثمرين الأجانب الذين يرغبون في استثمار أموالهم في جمهورية مصر العربية وذلك مساهمة في دفع سياسة الانفتاح الاقتصادي التي تقتضي توفير الأماكن المناسبة مما يتطلب إعطاء الدولة حق التأجير دون موافقة المالك، خاصة وأن هناك أزمة شديدة في إيجار الأماكن لما كان ذلك وكان النص في المادة 198 من القانون المدني على أن "الالتزامات التي تنشأ مباشرة عن القانون وحده تسري عليها النصوص القانونية التي أنشأتها فإنه يتعين الرجوع لأحكام القانون رقم 111 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 112 لسنة 1976 في كل ما يتعلق بإحلال الغير محل المؤسسات الملغاة في حق إيجار الأماكن التي كانت تشغلها، وتحديد مدى الالتزامات الناشئة عن ذلك وتعيين آثارها، ولما كان النص في المادة الثامنة سالفة البيان لم يحدد ميعاداً لتصفية المؤسسات الملغاة بل جاء التحديد قاصراً على الفترة التي يتم فيها الإلغاء ومدته ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون رقم 111 لسنة 1975 ومن ثم يجوز لوزير المالية إحلال الغير في حق الإيجار للمؤسسات الملغاة باعتبار أن التصرف في حق الإيجار مصدره القانون ذاته، ولم يستلزم هذا النص القانوني للتصرف في حق الإيجار أن يعتبر المكان المؤجر متجراً في حكم القانون إذ جاء النص صريحاً في إلغاء المؤسسات التي لا تباشر نشاطاً بذاتها كما لا يشترط في الجهة التي يؤدي إليها الحق في الإيجار ممارسة الأعمال التجارية فقد جاء النص صريحاً في إجازة إحلال جهات الحكومة والهيئات العامة وشركات القطاع العام.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا على الشركة المطعون ضدها الدعوى رقم 1478 لسنة 1976 مدني كلي جنوب القاهرة للحكم بإخلاء الأعيان المبينة بالصحيفة والكائنة بالعقار رقم (6) شارع الشواربي بالقاهرة وقالوا شرحاً لدعواهم أنه بموجب عقود إيجار مؤرخة 31/ 7/ 1957، 1/ 4/ 1959، 1/ 7/ 1961 استأجرت المؤسسة المصرية العامة للأدوية أعيان النزاع كمكاتب لموظفيها وإذ ألغيت تلك المؤسسة وزالت شخصيتها الاعتبارية بموجب القانون رقم 111 لسنة 1975 لأنها لم تكن تمارس نشاطاً بذاتها، فإن عقود الإيجار سالفة الذكر تكون قد انقضت بزوال شخصيتها إذ لا يدخل حق الإجارة في تصفيتها، إلا أن الشركة المطعون ضدها شغلت أعيان النزاع دون وجه حق مستندة في ذلك إلى التنازل المؤرخ 15/ 10/ 1957 الصادر لها من المؤسسة الملغاة، وقرار وزير الصحة رقم 32 لسنة 1976 الصادر في 17/ 1/ 1976 والذي تجاوز به حدود اختصاصه فقد أقاموا الدعوى. بتاريخ 26/ 2/ 1977 حكمت المحكمة برفض الدعوى استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 1792 سنة 94 ق القاهرة، وبتاريخ 16/ 2/ 1978 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعي الطاعنون بهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون أن المادة الثامنة من القانون رقم 111 لسنة 1975 نصت على إلغاء المؤسسات العامة التي لا تمارس نشاطًا بذاتها خلال ستة أشهر من 8/ 9/ 1975 تاريخ العمل بأحكام هذا القانون، على أن يكون للوزير المختص بالاتفاق مع وزير المالية سلطة إصدار القرارات اللازمة للتصفية، ثم عدل المشرع هذه المادة بالقانون رقم 112 لسنة 1976 وجعل لوزير المالية الحق في إحلال الجهات الحكومية وشركات القطاع العام محل المؤسسات الملغاة في حق إيجار الأماكن التي تشغلها على أن يعمل به بأثر رجعي من تاريخ العمل بالقانون رقم 111 لسنة 1975 سالف الذكر، مما يدل على أن التصرف في حق إيجار الأماكن التي تشغلها المؤسسات الملغاة من تاريخ إلغائها في 18/ 9/ 1975 وحتى صدور القانون رقم 112 لسنة 1976 لم يكن من أعمال التصفية التي أسندها المشرع للوزير المختص ووزير المالية، فيكون للمؤسسة التي تبقى شخصيتها الاعتبارية حتى تتم التصفية - الحق في التصرف في حق الإيجار، وإذ تنازلت عنه للشركة المطعون ضدها في 15/ 10/ 1975 فإنها تكون قد استنفدت ولايتها في استعمال هذا الحق، ولا يعتبر ذلك بيعاً لمتجر في حكم المادة 594 من القانون المدني إذ أن عمل المؤسسة وفقاً لأحكام القانون رقم 60 لسنة 1971 الخاص بالمؤسسات العامة قاصر على الإشراف وتوجيه الوحدات الاقتصادية التابعة لها دون مباشرة أي نشاط تجاري، وإنما يعتبر إخلالاً بشرط الحظر عن التنازل عن الإيجار المنصوص عليه في قوانين إيجار الأماكن، ويوجب الإخلاء، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى برفض دعوى الإخلاء المرفوعة من الطاعنين، على سند من أن التنازل الصادر من المؤسسة صدر ممن لا يملكه، واعتد بقرار وزير المالية الصادر في 26/ 1/ 1977 بإحلال الشركة المطعون ضدها محل المؤسسة الملغاة في شغل الأعيان المؤجرة، وأرجعه إلى تاريخ العمل بالقانون رقم 111 لسنة 1975 إعمالاً للأثر الرجعي الذي نص عليه القانون رقم 112 لسنة 1976، في حين أن المؤسسة لم تكن شاغله لتلك الأعيان لتخليها عنها للغير وقت صدور قراره، ولم يكن الحق المحال قائماً وقت الحوالة، فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. هذا إلى أن الأثر الرجعي للقوانين لا يلحق الوقائع المادية السابقة على صدورها، وقد أغفل الحكم الرد على دفاعهم وبيان أثر قرار إحلال الشركة المطعون ضدها على الوضع المادي الذي ترتب على عقد التنازل وحلول الشركة المطعون ضدها محل المؤسسة الملغاة - أياً كان وجه الرأي في هذا التنازل مما يعيب الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أنه ولئن كانت قوانين إيجار الأماكن تحظر على المستأجر التنازل عن الإيجار إلا بإذن من المؤجر إلا أن المشرع خرج عن هذا الأصل مراعاة لاعتبارات اقتصادية أو اجتماعية فأجازت المادة 594/ 2 من القانون المدني لمستأجر المكان الذي أنشئ به مصنعاً أو متجراً أن يبيعه للغير في حالة الضرورة كما أصدر المشرع القانون رقم 76 لسنة 1969 أجاز فيه التنازل عن الإيجار والتأجير من الباطن لمهجري مدن القنال وسيناء مواجهة لحالة الهجرة الملحة في الحصول على مساكن لهم يستقرون فيها بعد عدوان سنة 1967، وأصدر القانون رقم 111 لسنة 1975 ببعض الأحكام الخاصة بشركات القطاع العام والمعدل بالقانون رقم 112 لسنة 1976 ونصت المادة الثامنة منه على أن "تلغى المؤسسات العامة التي لا تمارس نشاطها بذاتها وذلك تدريجياً خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون، ويصدر الوزير المختص بالاتفاق مع وزير المالية القرارات اللازمة لتصفية أعمالها وتحديد الجهات التي تؤول إليها ما لها من حقوق، وما عليها من التزامات. ولوزير المالية أن يحل إحدى الجهات الحكومية أو الهيئات العامة أو شركات القطاع العام محل المؤسسات الملغاة في حق إيجار الأماكن التي تشغلها. كما يكون لوزير المالية الحق في بيع هذه الأماكن بالجدك للهيئات أو الشركات الخاضعة لقوانين استثمار المال العربي والأجنبي". مما يدل على أن المشرع فوض السلطة التنفيذية ممثلة في شخص وزير المالية - في إحلال الجهات الحكومية وشركات القطاع العام والهيئات العامة محل المؤسسات الملغاة في حق إيجار الأماكن دون موافقة المالك خلافاً لما هو مقرر في القانون - ورائد المشرع في ذلك رعاية مصلحة الدولة الاقتصادية، يؤيد ذلك ما جاء بتقرير اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب عن مشروع القانون رقم 112 لسنة 1976 من أن "الهدف من هذه الإضافة هو إعطاء الدولة الحق في تأجير الأماكن التي كانت تشغلها المؤسسات العامة الملغاة للمستثمرين الأجانب الذين يرغبون في استثمار أموالهم في جمهورية مصر العربية، وشركات القطاع العام، وذلك مساهمة في دفع سياسة الانفتاح الاقتصادي..... التي تقتضي توفير الأماكن المناسبة.... مما يتطلب إعطاء الدولة حق التأجير دون موافقة المالك.. خاصة وأن هناك أزمة شديدة في إيجار الأماكن" لما كان ذلك، وكان النص في المادة 198 من القانون المدني على أن "الالتزامات التي تنشأ مباشرة عن القانون وحده تسري عليها النصوص القانونية التي أنشأتها" فإنه يتعين الرجوع لأحكام القانون رقم 111 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 112 لسنة 1976 في كل ما يتعلق بإحلال الغير محل المؤسسات الملغاة في حق إيجار الأماكن التي كانت تشغلها، وتحديد مدى الالتزامات الناشئة عن ذلك وتعيين آثارها. ولما كان النص في المادة الثامنة من هذا القانون سالفة البيان لم يحدد ميعاداً لتصفية المؤسسات الملغاة، بل جاء التحديد قاصراً على الفترة التي يتم فيها الإلغاء ومدتها ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون رقم 111 لسنة 1975 ومن ثم فإنه يجوز لوزير المالية إحلال الغير في حق إيجار الأماكن المؤجرة للمؤسسات الملغاة باعتبار أن التصرف في حق الإيجار مصدره القانون ذاته، ولم يستلزم هذا النص القانوني للتصرف في حق الإيجار أن يعتبر المكان المؤجر متجراً في حكم القانون، إذ جاء النص صريحاً في إلغاء المؤسسات التي لا تباشر نشاطاً بذاتها، كما لا يشترط في الجهة التي يؤول إليها الحق في الإيجار ممارسة الأعمال التجارية، فقد جاء النص صريحاً في إجازة إحلال جهات الحكومة والهيئات العامة وشركات القطاع العام وبعض هذه الجهات بطبيعتها لا تمارس هذه الأعمال كالمصالح الحكومية. لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن وزير المالية أصدر القرار الوزاري رقم 17 لسنة 1977 في 26/ 12/ 1977 بإحلال الشركة المطعون ضدها - وهي من شركات القطاع العام - محل المؤسسة المصرية العامة للأدوية بأعيان النزاع، وذلك بناء على التفويض المنصوص عليه في المادة الثامنة من القانون رقم 111 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 112 لسنة 1976، فإن التنازل للشركة المطعون ضدها يكون قد تم بأداة تشريعية اعتباراً من 18/ 9/ 1975 تاريخ العمل بالقانون رقم 111 لسنة 1975 إعمالاً لنص المادة الثانية من القانون رقم 112 لسنة 1976 التي نصت على العمل به من تاريخ العمل بالقانون رقم 111 لسنة 1975 وتطبيقاً لنص المادة 187 من الدستور الدائم التي تجيز النص بصراحة في القانون على سريانه على الماضي ولا يغير من ذلك صدور تنازل سابق لها من المؤسسة عن أعيان النزاع إذ أن هذا التصرف صدر لاحقاً لتاريخ 18/ 9/ 1975، تاريخ العمل بالقانون رقم 111 لسنة 1975 الذي ألغى المؤسسات التي تمارس نشاطاً بذاتها ومنها المؤسسة مصدرة التنازل، وكان المشرع قد أعطى هذا الحق لوزير المالية وحده اعتباراً من 18/ 9/ 1975 ومن ثم لا يعتد بهذا التنازل وواقعته المادية لصدوره ممن لا يملكه، ولا يكون له أي أثر قانوني، ويضحى قرار وزير المالية رقم 17 لسنة 1977 بإحلال الشركة المطعون ضدها قد صدر في حدود التفويض التشريعي متفقاً وصحيح القانون، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وغير مشوب بالقصور.
ولما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه.