أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 3 - صـ 1214

جلسة 12 يونيه سنة 1952
(193)
القضية رقم 1 سنة 22 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطي خيال بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك وأحمد العمروسي بك المستشارين.
( أ ) نقض. طعن. حجر. القرارات الصادرة برفض طلب توقيع الحجز. الطعن فيها بطريق النقض. جائز.
(ب) حجر. قرار برفض توقيعه. تأسيسه على اعتبارين. الأول أن تصرفات المطلوب الحجر عليه صورية مطلقة فلم يترتب عليها خروج ماله من ملكه. والثاني أن هذه التصرفات بفرض أنها ليست صورية مطلقة فإنها تعتبر هبة في صورة عقد بيع إلى الزوجة الأولى للمطلوب الحجر عليه وأولاده منها. عدم صلاحية الاعتبار الأول لتقريره الصورية في غير مواجهة المتصرف إليها ولعدم صدور إقرار منها بصورية هذه التصرفات صورية مطلقة بحيث ينعدم كل أثر لها. عدم صلاحية الاعتبار الثاني لابتنائه على تصور خاطئ. تأثر المحكمة بالاعتبارين السالف ذكرهما في وصف تصرفات المطلوب الحجز عليه وبالتالي في تكييف حالته. خطأ في القانون موجب النقض القرار.
(1) إن المادة 1025 من قانون المرافعات أجازت الطعن بطريق النقض في القرارات الصادرة "في الحجر" ولم تقل القرارات الصادرة. "بالحجر" على نحو ما جاء بها في خصوص القرارات الصادرة باستمرار الولاية أو الوصاية على القاصر. وهذه المغايرة في التعبير تقتضي المغايرة في المعنى المقصود. ولما كان المقصود بصريح لفظ هذه المادة هو قصر الحق في الطعن بالنقض على القرارات الصادرة باستمرار الولاية أو الوصاية على القاصر دون القرارات الصادر برفض طلب استمرارها. فإن النعي المقصود في شأن القرارات الصادرة "في الحجر" هو لزوماً جواز الطعن بالنقض فيها جميعاً أي سواء أكانت صادرة بتوقيع الحجر أم برفض طلب توقيعه. وهذا المعنى هو وحده الذي يستقيم مع تخويل النيابة العامة حق الطعن بالنقض في القرارات الصادرة "في الحجر" ذلك بأنه إذا كان المقصود من هذه العبارة القرارات الصادرة بتوقيع الحجر دون القرارات الصادرة برفض توقيعه لما جاز للنيابة العامة أيضاً أن تطعن بالنقض في قرار صدر برفض طلب توقيع حجر قدمته هي مباشرة إلى المحكمة وفقاً لنص المادة 998 مرافعات. وفي هذا تعطيل لحق النيابة في الطعن بالنقض من غير سند أو علة ظاهرة وعلى الرغم من كون حقها في الطعن مقرراً بصفة مطلقة، كما أن "من صدر ضده القرار" هو كل من يعتبر محكوماً عليه به. ويعتبر كذلك من رفض القرار طلبه وإلزامه بمصروفاته فله بهذا الوصف حق الطعن فيه وفقاً للأصل العام المقرر بالمادة 377 مرافعات والذي أشارت المادة 1017 مرافعات وجوب تطبيقه على طرق الطعن في القرارات الصادرة في الولاية على المال. وبذلك يكون القرار المطعون فيه والصادر برفض طلب توقيع الحجر على المطعون عليه من القرارات الصادرة "في الحجر" والتي يصح الطعن فيها بالنقض من الطاعنة باعتبار أن مدلول عبارة "من صدر ضده القرار" يشملها - أما ما جاء بالمذكرة الإيضاحية في خصوص قصر الطعن بالنقض على القرارات الصادرة بتوقيع الحجر فإنه لا يتفق وعبارة المادة 1025 مرافعات ومن شأنه أن يعطل في بعض الصور بعض الأحكام الواردة بها وكذلك لا يصح التعويل على ما ورد فيها من القول بقصر الطعن بطريق النقض على من صدر ضده القرار كما هو الحال في المعارضة إذ يبين عدم جواز هذا التشبيه من مقارنة نص المادة 1021 بنص المادة 1025 من قانون المرافعات. فالمادة الأولى لم تقتصر على بيان القرارات الغيابية الصادرة في مسائل الولاية على المال التي تجوز فيها المعارضة بل حددت أيضاً الأشخاص الذين تقبل منهم فقصرت هذا الحق في مادة الحجر على المطلوب الحجر عليه في القرارات الصادرة بإجراء من الإجراءات المنصوص عليها في المادة 985 مرافعات أو بتوقيع الحجر في حين أن المادة 1025 وهي تحدد القرارات التي يجوز الطعن فيها بطريق النقض ذكرت القرارات الصادرة في الحجر وأجازت الطعن فيها للنيابة العامة ولمن صدر ضده القرار. وهو ما يفيد المغايرة بين أحكام المادتين ويمتنع معه قياس الأحوال التي يصح فيها الطعن بطريق النقض والأشخاص الذين يقبل منهم على ما هو مقرر في مادة المعارضة. ولما تقدم يكون الدفع بعدم جواز الطعن بطريق النقض في غير محله ويتعين رفضه.
(2) متى كانت المحكمة إذ قضت برفض طلب توقيع الحجر على المطعون عليه أقامت قضاءها على أنها تستشف صورية التصرفات الصادرة منه من خلو العقود المحررة عنها من ذكر أي مقابل ومن تقرير زوجته المشترية في تحقيقات النيابة أنها لم تدفع ثمناً ما، وأخيراً من أقوال المطعون عليه في جلسة المرافعة بأنه لجأ إلى هذه التصرفات الصورية للمحافظة على ماله من كثرة إرهاق الطاعنة له بالطلبات ولكثرة المشاكل التي أوجدته فيها. وانتهت المحكمة من ذلك إلى أن ثروة المطعون عليه لا تزال في ملكه سليمة لم تمس ثم أضافت إلى ما تقدم أنه "مع فرض أن المطعون عليه قد أراد بهذه التصرفات أن يتبرع لزوجته المسيحية ولأولاده منها فعمل على أن يكون هذا التبرع في صورة عقود بيع. وذلك لإبعاد هذه الثروة من أن تعبث بها أطماع الطاعنة وأن هذا الإجراء لا يدل على سفه أو غفلة المطعون عليه لأنه إجراء لغرض لا يتعارض مع الشرع أو القانون - فإنه يستفاد من هذه الأسباب أن المحكمة قد تأثرت في تكييف التصرفات التي صدرت من المطعون عليه بأنها لا تخالف مقتضى العقل والشرع باعتبارين أساسيين. الأول أنها تستشف صورية هذه التصرفات من القرائن التي فصلتها. والثاني أنه مع فرض عدم صورية هذه التصرفات فأنها تكون تبرعاً في صورة عقود بيع إلى زوجته المسيحية وأولاده منها مع أن حقيقة الواقع هي أنها إنما صدرت إلى زوجته المذكورة دون أولاده منها ولما كان الاعتبار الأول الذي بني عليه القرار وهو مظنة الصورية المطلقة لا يصلح لحمله ما دامت صورية التصرفات المذكورة لم تقرر في وجه ذوي الشأن فيها على وجه يعتد به قانوناً ويزول به كل أثر لها وكان الاعتبار الثاني لا يستقيم معه الحكم بعد أن ثبت في موضع آخر منه أن التصرفات المذكورة قد صدرت من المطعون عليه إلى زوجته وحدها دون أولاده منها وهو ما يطابق الواقع مما حدا بالطاعنة إلى القول بأن المحكمة في تقريرها المخالف للواقع تصورت خطأ أن الأموال المتصرف فيها للزوجة الأولى ستؤول حتماً عند وفاتها إلى أولاده منها مع أن أغلبهم قصر يتبعون دين أبيهم ولم تلق بالاً إلى مانع الإرث بين الأولاد القصر وأمهم بسبب اختلاف الدين. لما كان ذلك - وكان للاعتبارين السابق بيانهما أثرهما في تكوين رأي المحكمة في وصف التصرفات المشار إليها بعدم مخالفتها لمقتضى العقل والشرع وبالتالي في تكييف حالة المطلوب الحجر عليه فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أقام قضاءه برفض طلب الحجر على أساس مخالف للقانون مما يستوجب نقضه.


الوقائع

في يوم 6 من مارس سنة 1952 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 18 من فبراير سنة 1952 في الاستئناف رقم 10 لسنة 1950 حسبي عالي - وذلك بتقرير طلبت فيه الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه القضاء أصلياً بتأييد الحكم المستأنف باعتبار أن الموضوع صالح للحكم واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن جميع الدرجات وفي نفس اليوم أودعت الطاعنة صورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتها. وفي 10 من مارس سنة 1952 عرضت أوراق الطعن على سعادة رئيس المحكمة فأمر بإعلان تقرير الطعن إلى المطعون عليه وحدد له خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلانه لإيداع مذكرة بدفاعه مشفوعة بالمستندات التي يرى تقديمها. وفي 13 من مارس سنة 1952 أعلن المطعون عليه في تقرير الطعن وفي 17 منه أودعت الطاعنة أصل ورقة إعلان الطعن. وفي 27 منه أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه طلب فيها أصلياً الحكم بعدم جواز الطعن واحتياطياً برفضه وإلزام الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي 29 من إبريل سنة 1952 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها أولاً - برفض الدفع بعدم جواز الطعن. وثانياً - بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنة بالمصروفات.
وفي 15 من مايو سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

من حيث إن المطعون عليه دفع بعدم جواز الطعن بالنقض في القرار المطعون فيه - استناداً إلى أن المادة 1025 من قانون المرافعات لا تجيز الطعن بطريق النقض إلا في القرارات الصادرة بتوقيع الحجر أما القرارات الصادرة برفض طلب الحجر فإنه لا يصح الطعن فيها بهذا الطريق - واستند في ذلك إلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 126 لسنة 1951 من قصر الطعن بالنقض على القرارات الصادرة بتوقيع الحجر. فقد جاء بها (أن الحق في الطعن مقصور على القرار الذي يصدر بتوقيع الحجر أو رفضه)، وتأييداً لهذا الدفع تمسك الدفاع عن المطعون عليه في جلسة المرافعة باعتبار المادة 1025 المذكورة صريحة في قصر حق الطعن بالنقض على النيابة العامة "ومن صدر ضده القرار" - أن المقصود بهذه العبارة الأخيرة هو من يتأثر بالقرار تأثراً مباشراً بحيث يعتبر أنه محكوم عليه به - ولا يعتبر كذلك من ذوي الشأن من رفض طلبه.
ومن حيث إن هذا الدفع مردود أولاً بأن المادة 1025 من قانون المرافعات أجازت الطعن بطريق النقض في القرارات الصادرة "في الحجر" ولم تقل القرارات الصادرة "بالحجر" على نحو ما جاء بها في خصوص القرارات "الصادرة باستمرار الولاية أو الوصاية على القاصر" - وهذه المغايرة في التعبير تقتضي المغايرة في المعنى المقصود، ولما كان المقصود بصريح لفظ هذه المادة هو قصر الحق في الطعن بالنقض على القرارات الصادرة باستمرار الولاية أو الوصاية على القاصر دون القرارات الصادر برفض طلب استمرارها. فإن المعنى المقصود في شأن القرارات الصادرة "في الحجر" هو لزوماً جواز الطعن بالنقض فيها جميعاً أي سواء أكانت صادرة بتوقيع الحجر أم برفض طلب توقيعه. وهذا المعنى هو وحده الذي يستقيم مع تخويل النيابة العامة حق الطعن بالنقض في القرارات الصادرة "في الحجر" ذلك بأنه إذا كان المقصود من هذه العبارة القرارات الصادرة بتوقيع الحجر دون القرارات الصادرة برفض توقيعه لما جاز للنيابة العامة أيضاً أن تطعن بالنقض في قرار صدر برفض طلب توقيع حجر قيمته هي مباشرة إلى المحكمة وفقاً لنص المادة 998 مرافعات - وفي هذا تعطيل لحق النيابة في الطعن بالنقض من غير سبب أو علة ظاهرة. وعلى الرغم من كون حقها في الطعن مقرراً بصفة مطلقة - ومردود. ثانياً - بأن "من صدر ضده القرار" هو كل من يعتبر محكوماً عليه به - ويعتبر كذلك من رفض القرار طلبه وألزمه بمصروفاته فله بهذا الوصف حق الطعن فيه وفقاً للأصل العام المقرر بالمادة 377 مرافعات والذي أشارت المادة 1017 مرافعات وجوب تطبيقه على طرق الطعن في القرارات الصادرة في الولاية على المال - وبذلك يكون القرار المطعون فيه والصادر برفض طلب توقيع الحجر على المطعون عليه من القرارات الصادرة "في الحجر" والتي يصح الطعن فيها بالنقض من الطاعنة. باعتبار أن مدلول عبارة "من صدر ضده القرار" يشملها - أما ما جاء بالمذكرة الإيضاحية في خصوص قصر الطعن بالنقض على القرارات الصادرة بتوقيع الحجر فإنه لا يتفق وعبارة المادة 1025 مرافعات ومن شأنه أن يعطل في بعض الصور بعض الأحكام الواردة بها وكذلك لا يصح التعويل على ما ورد فيها من القول بقصر الطعن بطريق النقض على من صدر ضده القرار كما هو الحال في المعارضة إذ يبين عدم جواز هذا التشبيه من مقارنة نص المادة 1021 بنص المادة 1025 من قانون المرافعات. فالمادة الأولى. لم تقتصر على بيان القرارات الغيابية الصادرة في مسائل الولاية على المال التي تجوز فيها المعارضة بل حددت أيضاً الأشخاص الذين تقبل منهم. فقصرت هذا الحق في مادة الحجر على المطلوب الحجر عليه في القرارات الصادرة بإجراء من الإجراءات المنصوص عليها في المادة 985 مرافعات أو بتوقيع الحجر في حين أن المادة 1025 وهي تحدد القرارات التي يجوز الطعن فيها بطريق النقض ذكرت القرارات الصادرة في الحجر وأجازت الطعن فيها للنيابة العامة ولمن صدر ضده القرار. وهو ما يفيد المغايرة بين أحكام المادتين ويمتنع معه قياس الأحوال التي يصح فيها الطعن بطريق النقض والأشخاص الذين يقبل منهم على ما هو مقرر في مادة المعارضة - ولما تقدم يكون الدفع بعدم جواز الطعن في غير محله ويتعين رفضه.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن الطاعنة طلبت في 22/ 9/ 1949 من محكمة القاهرة الابتدائية بالدعوى رقم 207 سنة 1950 الأزبكية كلي توقيع الحجر على المطعون عليه للسفه والغفلة بوصف أنها قد تزوجت منه في سنة 1943 بعد إسلامه ورزقت منه بولدين فأصبحت لها بذلك مصلحة في المحافظة على أمواله وطلب الحجر عليه وقالت في مبررات طلب الحجر أنه تصرف إلى زوجته الأولى السيدة سيسيليا يعقوب في كل ما يملك وبذلك تجرد من كل ثروته فقد باع إليها حصته في شركة بشارة حبش ومقدارها الثلث بعقد ثابت التاريخ في 19/ 4/ 1949 وبعد ثان مسجل في 31/ 8/ 1949 باع إليها حصته وهي الثلث كذلك في المنزل الكائن بشارع الخليفة المأمون بمضر الجديدة - وأخيراً طلب إلى مأمورية الشهر العقاري اتخاذ إجراءات شهر بيعه إلى زوجته المذكورة 53 ف و6 ط و3 س بناحيتي البركة والقلج مركز الخانكة وأضافت إلى ما تقدم أن المطلوب الحجر عليه مدمن على لعب القمار ويخسر فيه مبالغ غير قليلة - وقد حققت النيابة العامة حالة المطعون عليه والتصرفات المذكورة التي صدرت منه وانضمت إلى الطالبة في طلب الحجر وفي 26 مارس سنة 1950 قضت المحكمة بتوقيع الحجر عليه للسفه والغفلة وذلك على أساس أن التصرفات التي صدرت منه إلى زوجته الأولى خلال الثلاثة الأشهر المبتدئة من النصف الثاني من شهر إبريل سنة 1949 قد صدرت منه بدون مسوغ ظاهر. فهي إما أن تكون قد صدرت منه بدون مقابل بقصد أن يتجرد بها عن ملكه وإما أن يكون قد صور صدورها منه على خلاف الواقع ليحرم الطاعنة وولديها من حقوق ثابتة لهم عليه حال حياته وبعد مماته فاستأنف المطعون عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة - وقيد استئنافه بالجدول الحسبي العالي برقم 10 سنة 1950 وقد بناه على سببين الأول انعدام صفة الطاعنة في طلب الحجر عليه والثاني انعدام مبررات الحجر. وقد خلصت المحكمة من مناقشة السبب الأول إلى أن صفة الطاعنة في طلب الحجر هي صفة صحيحة وثابتة. وقالت في خصوص السبب الثاني أنها تستشف صورية التصرفات الصادرة من المطعون عليه من خلو العقود المحررة عنها من ذكر أي مقابل ومن تقرير المشترية السيدة سيسيليا يعقوب في تحقيقات النيابة أنها لم تدفع ثمناً ما وأخيراً من أقوال المطعون عليه في جلسة المرافعة بأنه لجأ إلى هذه التصرفات الصورية للمحافظة على ماله من كثرة إرهاق الطاعنة له بالطلبات ولكثرة المشاكل التي أوجدته فيها. وانتهت المحكمة من ذلك إلى أن ثروة المطعون عليه لا تزال في ملكه سليمة لم تمس. ثم أضافت إلى ما تقدم أنه "مع فرض أن المطعون عليه قد أراد بهذه التصرفات أن يتبرع لزوجته السيدة سيسليا ولأولاده منها فعمل على أن يكون هذا التبرع في صورة عقود بيع. وذلك لإبعاد هذه الثروة من أن تعبث بها أطماع الطاعنة فإن هذا الإجراء لا يدل على سفه أو غفلة المطعون عليه لأنه إجراء لغرض لا يتعارض مع الشرع أو القانون" - وقالت عن لعبه الميسر أنه نوع من التسلية الاجتماعية التي يمارسها أمثاله من الأغنياء في حدود العقل والحيطة وأن ما خسره فيه لا يجاوز خمسمائة جنيه وهو مبلغ بالنسبة إلى ثراء المطعون عليه وحالته الاجتماعية لا يدل إطلاقا على أنه قد بدد جزءاً محسوساً من ثروته أو أنه يخشى على تبديده هذه الثروة في هذا الطريق. وانتهت المحكمة بناء على ما تقدم إلى إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الحجر فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه في موضعين: الأول: أنه إذ أقام قضاءه برفض طلب الحجر على افتراض صورية التصرفات التي صدرت من المطعون عليه وأنها لم تخرج ماله من ملكه قد بني على مظنة الصورية مع أن السيدة سيسيليا يعقوب التي صدرت إليها هذه التصرفات لم تكن خصماً في دعوى الحجر وليس في أوراق الدعوى إقراراً منها بصوريتها - ولما كان التقرير بصورية هذه التصرفات لا يكون أساساً سليماً للحكم برفض طلب الحجر إلا إذا كان هذا التقرير قد صدر به حكم من المحكمة المختصة في وجه ذوي الشأن فيه أو تكون المتصرف إليها قد أقرت بهذه الصورية وهو ما لم يحصل في واقعة الدعوى فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون والثاني، إذا أقام قضاءه على أن التصرفات المشار إليها بفرض أنها ليست صورية فإنها لا تعدو أن تكون تبرعاً منه إلى زوجته السيدة سيسيليا وأولاده منها في صورة عقود بيع مع أن هذه التصرفات قد صدرت إلى السيدة سيسيليا وحدها دون أولادها منه على ما قرره الحكم في موضوع آخر منه - ولما كان الحكم لم يفصح عن سنده في تقرير أن هذه التصرفات تتضمن تبرعاً لمصلحة أولاد المطعون عليه من السيدة سيسيليا مع أنها لم تصدر إليهم فإنه لا تعليل لهذا التقرير إلا أن تكون المحكمة قد تصورت خطأ أن الأولاد المشار إليهم يرثون أمهم عند وفاتها وبذلك تؤول إليهم الأموال المتصرف فيها - مع أن من هؤلاء الأولاد قصر يتبعون دين أبيهم بعد إسلامه ومن ثم فلا يرثون أمهم بسبب اختلاف الدين. وبذلك تكون المحكمة إذ وصفت هذه التصرفات على اعتبار أنها تبرع بأنها لا تخالف موجب العقل والشرع قد صدرت عن فهم غير صحيح قانوناً.
ومن حيث إن هذا النعي بشقيه في محله ذلك بأن المحكمة أقامت قضاءها برفض طلب الحجر على الأسباب السابق إيرادها ولما كان المستفاد منها هو أن المحكمة قد تأثرت في تكييف التصرفات التي صدرت من المطعون عليه بأنه لا تخالف مقتضى العقل والشرع باعتبارين أساسيين. الأول أنها تستشف صورية هذه التصرفات من القرائن التي فصلتها. والثاني أنه مع فرض عدم صورية هذه التصرفات فإنها تكون تبرعاً في صورة عقود بيع إلى السيدة سيسيليا وأولاده منها. مع أن حقيقة الواقع هي أنها إنما صدرت إلى السيدة سيسيليا دون أن أولاده منها وكان الاعتبار الأول الذي بني عليه القرار وهو مظنة الصورية المطلقة لا يصلح لحمله ما دامت صورية التصرفات المذكورة لم تتقرر في وجه ذوي الشأن فيها على وجه يعتد به قانوناً ويزول به كل أثر لها وكان الاعتبار الثاني لا يستقيم معه الحكم بعد أن ثبت في موضع آخر منه أن التصرفات المذكورة قد صدرت من المطعون عليه إلى زوجته السيدة سيسيليا وحدها دون أولاده منها وهو ما يطابق الواقع مما حدا بالطاعنة إلى القول بأن المحكمة في تقريرها المخالف للواقع تصورت خطأ أن الأموال المتصرف فيها للزوجة الأولى ستؤول حتماً عند وفاتها إلى أولاده منها مع أن أغلبهم قصر يتبعون دين أبيهم ولم تلق بالاً إلى مانع الإرث بين الأولاد القصر وأمهم بسبب اختلاف - الدين لما كان ذلك - وكان للاعتبارين السابق بيانهما أثرهما في تكوين رأي المحكمة في وصف التصرفات المشار إليها بعد مخالفتها لمقتضى العقل والشرع وبالتالي في تكييف حالة المطلوب الحجر عليه فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أقام قضاءه برفض طلب الحجر على أساس مخالف للقانون مما يستوجب نقضه بغير حاجة إلى بحث بقية أسباب الطعن.