أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 1507

جلسة 28 من يونيه 1983

برئاسة السيد المستشار محمد محمود الباجوري نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: جلال الدين أنسي، هاشم قراعة، مرزوق فكري، وواصل علاء الدين.

(294)
الطعن رقم 44 لسنة 49 القضائية "أحوال شخصية"

1 - أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية". حكم "بطلان الحكم".
الدعاوى المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية وجوب نظرها في جلسة سرية. مخالفة ذلك. أثره. بطلان الحكم.
2 - نقض "نعي عار عن الدليل".
عدم تقديم الطاعن دليلاً على ما تمسك به من أوجه الطعن. نعي عار عن الدليل.
3 - أحكام "حجية الحكم". جنسية.
الأحكام الصادرة في مسائل الجنسية حجة على الكافة. م 33 قانون الجنسية رقم 82 لسنة 1958.
4 - إرث. تركة. وصية.
أيلولة التركة نهائياً للورثة. شرطها. أداء مصاريف التجهيز وديون المورث وما ينفذ من وصاياه.
1 - مفاد المادتين 871، 878 من قانون المرافعات السابق الواردتين في الفصل الثاني من الباب الأول من الكتاب الرابع منه - والذي أبقى عليه قانون المرافعات الحالي - أن المشرع أوجب نظر الدعاوى المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية في غرفة المشورة أي في جلسة سرية على أن يصدر الحكم علناً، ومخالفة هذه القاعدة الأساسية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يترتب عليه البطلان.
2 - لما كان الشارع بما نص عليه في المادة 255 من قانون المرافعات قبل تعديلها بالقانون رقم 218 لسنة 1980 قد عد من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون، وإذ لم تقدم الطاعنتان رفق طعنها صورة رسمية من محاضر جلسات محكمة الاستئناف التي نظرت فيها الدعوى فإن قولها في هذا الخصوص يكون عارياً عن دليله.
3 - الأحكام التي تصدر في مسائل الجنسية تعتبر حجة على الكافة طبقاً لنص المادة 33 من قانون الجنسية رقم 82 لسنة 1958.
4 - النص في المادة الرابعة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 على أن "يؤدي من التركة بحسب الآتي أولاً ما يكفي لتجهيز الميت ومن تلزمه نفقته من المورث إلى الدفن ثانياً ديون الميت ثالثاً ما أوصى به في الحد الذي تنفذ فيه الوصية ويوزع ما بقى بعد ذلك على الورثة". يدل على أن التركة تنفصل عن المورث بوفاته ولا تؤول بصفة نهائية إلى الورثة إلا بعد أداء مصاريف تجهيزه من تلزمه نفقته وما عليه من ديون للعباد وما ينفذ من وصاياه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه الأول ومورث الطاعنين من الثانية إلى الأخير أقاما الدعوى رقم 123 لسنة 1965 أحوال شخصية أجانب القاهرة التي قيدت فيما بعد برقم 3 لسنة 1971 أحوال شخصية أجانب جنوب القاهرة ضد الطاعنة الأولى والأستاذ.... المحامي عن نفسه وبصفته ولياً شرعياً على ابنه القاصر..... بطلب الحكم بثبوت وفاة المرحومة.... المصرية الجنسية بالقاهرة في 6/ 1/ 1958 وانحصار إرثها في ابنتها الطاعنة الأولى بحق النصف وفيهما باعتبارهما من أولاد عمومتها وأقرب العصبات ولهما الباقي تعصيباً، وقالا بياناً لها أن المدعى عليهم كانوا نازعوهما في ميراث وأقاموا ضدهما الدعوى رقم 10 لسنة 1958 أحوال شخصية أجانب القاهرة طالبين الحكم باستحقاقهم جميع تركتها أثلاثاً بينهم وفقاً لوصية شفوية قالوا أنها صدرت منها لهم صحيحة طبقاً للقانون اليوناني الواجب التطبيق باعتبار أنها كانت يونانية الجنسية عند وفاتها وقضي في هذه الدعوى ابتدائياً برفضها وألغت محكمة الاستئناف هذا الحكم في الاستئناف رقم 843 للسنة 79 ق القاهرة وحكمت باعتبار المورثة يونانية الجنسية وبأن القانون الواجب التطبيق على واقعة النزاع هو القانون اليوناني فطعن المطعون ضده الأول وحده في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 30 للسنة 30 ق ونقض الحكم لما شابه من خطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر المورثة يونانية في حين أنها كانت مصرية عند وفاتها وبعد إعادة الدعوى إلى محكمة الاستئناف حكمت في 10/ 3/ 1964 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، وإذ تعين وفقاً لذلك تطبيق القانون المصري في شأن الوراثة وكان الإرث طبقاً لهذا القانون محصوراً فيهما والطاعنة الأولى على النحو السالف البيان فقد أقاما الدعوى. وبتاريخ 16/ 4/ 1968 حكمت محكمة أول درجة بإثبات ترك المدعيين للخصومة بالنسبة إلى...... وبوقف الدعوى حتى يفصل في الطعن بالنقض رقم 17 للسنة 34 ق المرفوع من الطاعنة الأولى طعناً على الحكم الاستئنافي الصادر في 10/ 3/ 1964 وبعد القضاء برفض هذا الطعن عجل المدعيان الدعوى، ودفعت المدعى عليها الأولى (الطاعنة الأولى) ببطلان صحيفة الدعوى وبعدم اختصاص المحكمة ولائياً بالفصل في شأن جنسية المورثة وبعدم جواز نظر الدعوى بالنسبة إلى المدعي الثاني (مورث المطعون ضدهم من الثانية إلى الأخير) لقبوله الحكم الاستئنافي المنقوض السالف الذكر. كما أقامت الطاعنة الثانية الدعوى رقم 129 لسنة 1969 أحوال شخصية أجانب القاهرة التي قيدت فيما بعد برقم 2 لسنة 1971 أحوال شخصية أجانب جنوب القاهرة ضد الطاعنة الأولى بطلب الحكم بانحصار إرث المتوفاة فيها بحق الثلث وفي الطاعنة الأولى بحق الثلثين تأسيساً على أن المورثة كانت يونانية الجنسية عند وفاتها وأنها أوصت شفوياً في 1/ 1/ 1958 بقسمة جميع أموالها بينهما على هذا النحو وعلى أن هذه الوصية صحيحة وجائزة طبقاً لأحكام القانون اليوناني الواجب التطبيق باعتباره قانون جنسية المورثة، ثم أدخلت في الدعوى كلاً من المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم بناء على تكليف المحكمة لها بذلك. أمرت المحكمة بضم هذه الدعوى إلى الدعوى الأولى التي كانت قد أحالتها إلى التحقيق وسمعت شهود الطرفين فيها. وفي 25/ 12/ 1973 حكمت برفض الدفوع المبداة في الدعوى الأولى وبإجابة الطلبات فيها وبرفض الدعوى الثانية. استأنفت الطاعنتان هذا الحكم بالاستئناف رقم 5 للسنة 91 ق أحوال شخصية أجانب القاهرة وفي 10/ 4/ 1979 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنتان في هذا الحكم بطريق النقض وأبدت النيابة العامة الرأي بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للطاعنة الأولى. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت لنظره جلسة التزمت فيها النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب تنعي الطاعنتان بالوجهين الأول والثاني من السبب الرابع منها على الحكم المطعون فيه البطلان، وفي بيان ذلك تقولان أن محكمة الاستئناف نظرت الدعوى في جلسات علنية خلافاً لما توجبه المادة 878 من قانون المرافعات من نظر دعاوى الأحوال الشخصية في غرفة المشورة، وأن أحد أعضاء الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه كان يمتنع عليه نظر الدعوى لأنه كان محامياً عنها في دعوى أخرى، مما يشوب الحكم بالبطلان.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك بأنه وإن كان مفاد المادتين 871-، 878 من قانون المرافعات السابق الواردتين في الفصل الثاني من الباب الأول من الكتاب الرابع منه - والذي أبقى عليه قانون المرافعات الحالي - أن المشرع أوجب نظر الدعاوى المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية في غرفة المشورة أي في جلسة سرية على أن يصدر الحكم علناً، وكانت مخالفة هذه القاعدة الأساسية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يترتب عليه البطلان، إلا أنه لما كان الشارع بما نص عليه في المادة 255 من قانون المرافعات قبل تعديلها بالقانون رقم 218 لسنة 1980 قد عد من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون، وإذ لم تقدم الطاعنتان رفق طعنهما صورة رسمية من محاضر جلسات محكمة الاستئناف التي نظرت فيها الدعوى فإن قولهما في هذا الخصوص يكون عارياً عن دليله. ولا يجزئ عن ذلك تقديمها صورة تلك المحاضر بعد فوات ميعاد الطعن ولا أن يكونا قد طلبا بعد انقضاء هذا الميعاد ضم الملفين الابتدائي والاستئنافي لأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يسمح للخصوم في الطعن بالنقض بتأييد وجهات نظرهم استناداً إلى ما حواه ملف الدعوى من مستندات وأوراق إلا إذا كان أمر رئيس المحكمة بضم الملف استعمالاً للرخصة المخولة له بمقتضى المادة 882 من قانون المرافعات قد صدر قبل فوات ميعاد الطعن وهو الأمر المفتقد في الطعن المعروض. كما لا يجزئ عن ذلك أيضاً أن المادة 255 من قانون المرافعات قد عدلت بالقانون رقم 218 لسنة 1980 على نحو يجعل الطاعن بطريق النقض غير ملزم بإيداع المستندات التي تؤيد طعنه إذا كانت مودعة في ملف القضية، ذلك بأن القانون المشار إليه صدر تالياً لانقضاء ميعاد الطعن فلا ينطبق عليه. لما كان ذلك وكانت الطاعنتان لم تتقدما بما يدل على صحة ما تثيرانه من أن أحد أعضاء الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه قام به مانع يحول بينه وبين نظر الدعوى والحكم فيها فإن قولهما في هذا الصدد يضحى أيضاً عارياً عن الدليل، ويكون نعيهما على الحكم بالبطلان غير مقبول.
وحيث إن حاصل ما تنعاه الطاعنة الثانية بأسباب الطعن الأخرى هو الخطأ في تطبيق القانون، وتقول في بيانه أن الحكم المطعون فيه التزم حجية الحكم الصادر في الطعن رقم 30 للسنة 30 ق من أن المورثة كانت مصرية الجنسية، رغم انعدام هذا الحكم لفصله في مسألة الجنسية التي تخرج عن ولاية القضاء العادي مما كان يتعين معه على المحكمة أن تلتفت إليه، هذا إلى أنه لم يصدر في مواجهتها فلا تحاج به وأن مورث المطعون عليهم من الثانية إلى الأخير لم يطعن في الحكم الاستئنافي رقم 834 للسنة 79 القضائية القاهرة فلا يجوز له أن يتمسك بحجية حكم النقض.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان المقرر أن القضاء العادي هو المختص بالفصل في مسائل الجنسية قبل صدور القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة الذي جعل الاختصاص بها للقضاء الإداري، وكانت الدعوى رقم 10 لسنة 1958 أحوال شخصية - أجانب القاهرة - التي ثار النزاع فيها حول جنسية المورثة. وانتهى بحكم محكمة النقض المشار إليه - قد رفضت قبل صدور قانون مجلس الدولة السالف الإشارة والذي تضمنت المادة الثانية من قانون إصداره النص على أن تستمر الجهات القضائية الأخرى في نظر الدعاوى التي كانت منظورة أمامها وأصبحت بمقتضى أحكامه من اختصاص مجلس الدولة وتظل أمام تلك الجهات حتى يتم الفصل فيها نهائياً فإن النعي على الحكم المطعون فيه التزامه حجية الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن رقم 30 للسنة 30 ق يكون على غير أساس. لما كان ذلك وكانت الأحكام التي تصدر في مسائل الجنسية تعتبر حجة على الكافة طبقاً لنص المادة 33 من قانون الجنسية رقم 82 لسنة 1958 والذي صدر في ظله حكم محكمة النقض المشار إليه، فإن التزام الحكم المطعون فيه حجية ذلك الحكم يكون صحيحاً ويكون النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون في غير محله.
وحيث إن الطاعنة الأولى تنعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول أنها تمسكت أمام المحكمة بصدور وصية رسمية لها من المورثة في 16/ 5/ 1949 بكل أموالها فلم تعرض لها بالبحث رغم تقديم صورة رسمية منها ولو أنها بحثتها لتغير وجه الرأي في الدعوى مما يعيب الحكم بالقصور.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في المادة الرابعة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 على أن "يؤدي من التركة بحسب الآتي: أولاً: ما يكفي لتجهيز الميت ومن تلزمه نفقته من المورث إلى الدفن. ثانياً: ديون الميت. ثالثاً ما أوصى به في الحد الذي تنفذ فيه الوصية ويوزع ما بقى بعد ذلك على الورثة". يدل على أن التركة تنفصل عن المورث بوفاته ولا تؤول بصفة نهائية إلى الورثة إلا بعد أداء مصاريف تجهيزه وتجهيز من تلزمه نفقته وما عليه من ديون للعباد وما ينفذ من وصاياه، وإذ كان الثابت بالأوراق أن الطاعنة تقدمت إلى محكمة الموضوع بدرجتيها بصورة رسمية طبق الأصل من الوصية الموثقة برقم 4000 توثيق القاهرة في 16/ 5/ 1949 وتتضمن إيصاء المورثة لابنتها الطاعنة الأولى بكل أموالها في مصر والخارج، وكانت الوصية تصح للوارث في حدود الثلث بغير إجازة الورثة ولا تنفذ فيما يزيد على الثلث إلا بإجازتهم بعد وفاة الموصي عملاً بالمادة 37 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946، وإذ كان الحكم المطعون فيه - وكذا الحكم المستأنف - قد أغفل كلية بحث الوصية المشار إليها ومدى صحتها وتأثيرها على ما يؤول من التركة إلى الورثة مما من شأنه أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، إذ أن مقتضى صحة هذه الوصية استحقاق الطاعنة الأولى ثلث التركة بغير إجازة من الورثة بالإضافة إلى نصف ما يتبقى بعد ذلك فرضاً ويكون الباقي للعصبات، ومن ثم فإن الحكم بالنسبة إلى ما قضى به في الدعوى رقم 123 لسنة 1965 أحوال شخصية أجانب القاهرة يكون معيباً بالقصور ويتعين لذلك نقضه في هذا الخصوص دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.