أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 39 - صـ 242

جلسة 14 من فبراير سنة 1988

برئاسة السيد المستشار/ وليم رزق بدوي - نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد لطفي السيد - نائب رئيس المحكمة، طه الشريف، عبد الحميد الشافعي وشكري العميري.

(52)
الطعن رقم 1640 لسنة 54 القضائية

(1 - 3) تحكيم. حكم. نقض "السبب الجديد".
(1) التحكيم. ماهيته. طريق استثنائي لفض الخصومات. اقتصاره على ما تنصرف إليه إرادة المحتكمين. لازم ذلك. تحديد نطاق التحكيم. الخروج عنه سبب قانوني يخالطه واقع. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(2) الميعاد المحدد قانوناً لإصدار حكم المحكمين. م 505 مرافعات. الاتفاق على مخالفته. سبب قانوني يخالطه واقع - عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(3) المحكم. تعريفه وسلطاته. جواز تكليف آخرين لمعاونة المحكمين. لا أهمية لما يطرأ على صفاتهم أو عددهم شفعاً كان أو وتراً. العبرة بعدد المحكمين. وجوب أن يكون وتراً.
(4) دعوى "دعوى بطلان حكم المحكمين". بطلان. نظام عام. تحكيم.
دعوى بطلان حكم المحكمين. ماهيتها. م 512 مرافعات. الالتجاء إليها. جوازي. البطلان الذي شرعت من أجله. عدم تعلقه بالنظام العام.
(5) تحكيم. حكم "بياناته". بطلان.
حكم المحكمين - بياناته. ليس من بينها صدوره باسم الشعب. علة ذلك.
1 - المقرر أن التحكيم - إذ هو طريق استثنائي لفض الخصومات - قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية - وما تكلفه من ضمانات ومن ثم فهو مقصور على ما تنصرف إليه إرادة المحتكمين في عرضه على هيئة التحكيم يستوي في ذلك أن يكون الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة خاصة أو انصرف إلى جميع المنازعات التي تنشأ من تنفيذ عقد معين، ولازم ذلك ألا يمتد نطاق التحكيم إلى عقد آخر لم تنصرف إرادة الطرفين إلى فضه عن طريق التحكيم أو إلى اتفاق لاحق ما لم يكن بينهما رباط لا ينفصم بحيث لا يستكمل دون الجمع بينهما اتفاق أو يفض مع الفصل بينهما خلاف - وكان خروج المحكمين عن مشارطة التحكيم أو امتداد نطاق التحكيم إلى غير ما اتفق عليه الطرفان أو الحكم في نزاع معين دون قيام مشارطة تحكيم خاصة هو من الأسباب القانونية التي يخالطها واقع وكان الطاعن لم يتمسك بسبب النعي أمام محكمة الاستئناف ومن ثم لا يجوز له أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - النص في المادة 505 من قانون المرافعات بأن "على المحكمين أن يحكموا في الميعاد المشروط ما لم يرفض الخصوم امتداده، ويجب عليهم عند عدم اشتراط أجل للحكم أن يحكموا خلال شهرين من تاريخ قبولهم للتحكيم وإلا جاز لمن شاء من الخصوم رفع النزاع إلى المحكمة"، يدل على أن الأصل أن يكون تحديد ميعاد حكم المحكمين أو مد أجله المشروط باتفاق الطرفين، فإن خلا اتفاقهم من تحديد هذا الأجل وجب على المحكمين إصدار حكمهم خلال شهرين من تاريخ قبولهم مهمة التحكيم، إلا أن سريان حكم القانون في تحديد الميعاد لا يحجب إرادة الطرفين في مده، سواء بأنفسهم أو بتفويض وكلائهم أو محكميهم في ذلك، وكما يكون الاتفاق على مد الأجل صريحاً فإنه يستفاد ضمناً من حضور الطرفين أمام هيئة التحكيم والمناقشة في القضية بعد الميعاد، لما كان ذلك وكان استخلاص إرادة الطرفين في تحديد الميعاد أو في الاتفاق على مده أو في تفويض الوكلاء والمحكمين في شأن ذلك كله هي أسباب يخالطها واقع لم يسبق الطاعن التمسك بها أمام محكمة الاستئناف ومن ثم لا يجوز له إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - المحكم هو الشخص الذي يعهد إليه - بمقتضى الاتفاق على التحكيم أو في اتفاق مستقل بفض نزاع بين طرفين أو أكثر ويكون له نظر النزاع والاشتراك في المداولة بصوت معدود وفي إصدار الحكم والتوقيع عليه. ومؤدى ذلك أن من يكلف بمعاونة المحكمين لا يعتبر محكماً، فإن تعددوا فلا أهمية أن يكون عددهم وتراً أو شفعاً كما لا أهمية لما يطرأ على صفاتهم أو ما يطرأ على عددهم من النقض أو الزيادة، فلا يؤثر في صحة تشكيل هيئة التحكيم وفاة أحدهم أثناء نظر النزاع وعدم إحلال آخر محله، لما كان ذلك وكان تشكيل الهيئة وتراً فإن هذا التشكيل يكون متفقاً وصحيح القانون وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر فإن النعي عليه بمخالفة القانون يكون على غير أساس.
4 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن دعوى بطلان حكم المحكمين وعلى ما جرى به نص المادة 512 من قانون المرافعات دعوى خاصة حدد المشرع أسبابها وجعل الالتجاء إليها جوازياً مما مؤداه أن البطلان التي شرعت تلك الدعوى في نطاق أسبابها هو بطلان نسبي لا يتعلق بالنظام العام، لما كان ذلك وكان خروج حكم المحكمين عن نطاق ما قصده المتعاقدان في الاتفاق على التحكيم أو مشارطته هو من الأسباب القانونية التي يخالطها واقع وكان الطاعن لم يتمسك بهذا السبب أمام محكمة الاستئناف ومن ثم لا يجوز له أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض.
5 - لما كان حكم المحكمين هو قضاء خاص يستند إلى إرادة الأفراد فإن المشرع لم يوجب تضمينه كافة البيانات التي نص عليها القانون بالنسبة لأحكام المحاكم وإنما اكتفى ببيانات أوردها على سبيل الحصر وليس من بينها صدوره باسم الشعب ومن ثم لا يكون الحكم معيباً بالبطلان لخلو ورقة هذا الحكم من هذه البيانات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 3195 سنة 1982 مدني جنوب القاهرة ضد الطاعنة بطلب الحكم ببطلان حكم التحكيم رقم 21 لسنة 1982 الجيزة الصادر بتاريخ 28/ 2/ 1982، وقال بياناً لدعواه أنه قد صدر لصالح المطعون ضدها - الحكم المشار إليه آنفاً - من هيئة المحكمين المنعقدة بمقر نقابة المهندسين بالقاهرة والذي قضى بإلزامه بأن يدفع للمطعون ضدها مبلغ 104247.940 جنيهاً ونظراً لمخالفة الحكم للقواعد القانونية بما يبطله فقد أقام دعواه بطلباته سالفة البيان، حكمت المحكمة برفض الدعوى، استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 3730 لسنة 100 ق القاهرة وبتاريخ 10/ 4/ 1984 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب ينعى الطاعن بالسببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول أن العلاقة بينه وبين المطعون ضدها أفرغت في عقدين أولهما بتاريخ 2/ 12/ 1979 تضمن الاتفاق على شرط التحكيم، بينما خلا العقد الثاني المؤرخ 12/ 3/ 1981 من هذا النص، أو من مشارطة خاصة بالتحكيم وقد اقتصر الطلب المقدم منه إلى نقابة المهندسين بتعيين حكم مرجح بالنسبة للعقد الأول إلا أن هيئة التحكيم بسطت قضاءها فتناولت العقدين رغم اختلافهما موضوعاً وآثاراً، وهو ما يعد خروجاً عن ولايتها يبطل قضاءها ولما كان هذا البطلان يتعلق بالنظام العام بما يتعين على محكمة الموضوع أن تقضي به من تلقاء نفسها وإذ هي لم تلزم ذلك فإن حكمها يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن المقرر أن التحكيم - إذ هو طريق استثنائي لفض الخصومات - قوامه الخروج على طريق التقاضي العادية - وما تكفله من ضمانات ومن ثم فهو مقصور على ما تنصرف إليه إرادة المحتكمين في عرضه على هيئة التحكيم يستوي في ذلك أن يكون الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة خاصة أو انصرف إلى جميع المنازعات التي تنشأ من تنفيذ عقد معين، ولازم ذلك ألا يمتد نطاق التحكيم إلى عقد آخر لم تنصرف إرادة الطرفين إلى فضه عن طريق التحكيم أو إلى اتفاق لاحق ما لم يكن بينهما رباط لا ينفصم بحيث لا يستكمل - دون الجمع بينهما اتفاق أو يفض مع الفصل بينهما خلاف - لما كان ذلك وكان خروج المحكمين - عن مشارطة التحكيم أو امتداد نطاق التحكيم إلى غير ما اتفق عليه الطرفان أو الحكم في نزاع معين دون قيام مشارطة تحكيم خاصة هو من الأسباب القانونية التي يخالطها واقع وكان الطاعن لم يتمسك بسبب النعي أمام محكمة الاستئناف ومن ثم لا يجوز أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض ويكون النعي على الحكم المطعون فيه غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول أن هيئة التحكيم اكتمل تشكيلها بجلسة 27/ 12/ 1981 واستمرت تنظر الدعوى حتى جلسة 23/ 2/ 1982 ثم قررت تأجيل نظرها إلى يوم 28/ 2/ 1982 بناء على طلب أحد المحكمين وإذ لم يحضر الطاعن ولم يفوض غيره في مد أجل الحكم وكان أجل التحكيم المحدد في القانون لإصدار الحكم خلاله وهو شهرين - قد انقضى فإنه يكون باطلاً، وقد التفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع بتأييده لحكم محكمة أول درجة ومن ثم يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن النص في المادة 505 من قانون المرافعات بأن "على المحكمين أن يحكموا في الميعاد المشروط ما لم يرفض الخصوم امتداده، ويجب عليهم عند عدم اشتراط أجل للحكم أن يحكموا خلال شهرين من تاريخ قبولهم للتحكيم وإلا جاز لمن شاء من الخصوم رفع النزاع إلى المحكمة، يدل على أن الأصل أن يكون تحديد ميعاد حكم المحكمين أو مد أجله المشروط باتفاق الطرفين، فإن خلا اتفاقهما من تحديد هذا الأجل وجب على المحكمين إصدار حكمهم خلال شهرين من تاريخ قبولهم مهمة التحكيم، إلا أن سريان حكم القانون في تحديد الميعاد لا يحجب إرادة الطرفين في مدة، سواء بأنفسهم أو بتفويض وكلائهم أو محكميهم في ذلك، وكما يكون الاتفاق على مد الأجل صريحاً فإنه قد يستفاد ضمناً من حضور الطرفين أمام هيئة التحكيم والمناقشة في القضية بعد الميعاد، لما كان ذلك وكان استخلاص إرادة الطرفين في تحديد الميعاد أو في الاتفاق على مده أو في تفويض الوكلاء والمحكمين في شأن ذلك كله هي أسباب يخالطها واقع لم يسبق للطاعن التمسك بها أمام محكمة الاستئناف ومن ثم لا يجوز له إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الموضوع ببطلان حكم التحكيم لعدم سلامة تشكيل هيئة المحكمين لوفاة أحد أعضائها هو المرحوم........ الذي رشح وآخر مساعدين للمهندس....... إذ يمثل ثلاثتهم العضو الثالث المرجح والذي يكون الرأي بما يتفق عليه أغلبيتهم دون أن يكون لأحدهم الإنفراد به وإذ ترتب على وفاته وعدم إحلال آخر محله الإخلال بشرط اختيار المحكم المرجح وكان الحكم المطعون فيه قد التفت عن هذا الدفاع فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن المحكم هو الشخص الذي يعهد إليه - بمقتضى الاتفاق على التحكيم أو في اتفاق مستقل - بفض نزاع بين طرفين أو أكثر ويكون له نظر النزاع والاشتراك في المداولة بصوت معدود وفي إصدار الحكم وفي التوقيع عليه، ومؤدى ذلك أن من يكلف بمعاونة المحكمين لا يعتبر محكماً فإن تعددوا فلا أهمية أن يكون عددهم وتراً أو شفعاً كما لا أهمية لما يطرأ على صفاتهم أو ما يطرأ على عددهم من النقص أو الزيادة، لما كان ذلك وكان العقد المؤرخ 25/ 12/ 1979 قد حدد تشكيل هيئة التحكيم بثلاثة محكمين أحدهم عن الطاعن وآخر عن المطعون ضدها وثالث تختاره نقابة المهندسين أو مديرية الإسكان وكانت نقابة المهندسين قد اختارت الدكتور........ حكماً مرجحاً على أن يختار مساعدين له، فإن مفاد ذلك أنه هو الذي ثبتت له صفة المحكم دون من اختارهم لمعاونته، ومن ثم لا يؤثر في صحة تشكيل الهيئة وفاة أحدهم أثناء نظر النزاع وعدم إحلال آخر محله، لما كان ذلك وكان تشكيل الهيئة وتراً فإن التشكيل يكون متفقاً وصحيح القانون، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه - بهذا النظر فإن النعي عليه مخالفة القانون يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول، أن هيئة التحكيم إذ قضت بإلزامه بالمبلغ الموضح بالحكم تكون قد تجاوزت طلبات المطعون ضدها في مشارطة التحكيم، باعتبارها مفوضة بالصلح دون القضاء وهو ما يعيب الحكم بالانعدام، وإذ لم يقض الحكم المطعون فيه ببطلان حكم التحكيم فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن دعوى بطلان حكم المحكمين وعلى ما جرى به نص المادة 512 من قانون المرافعات دعوى خاصة حدد المشرع أسبابها وجعل الالتجاء إليها جوازياً مما مؤداه أن البطلان الذي شرعت تلك الدعوى في نطاق أسبابها هو بطلان نسبي، لا يتعلق بالنظام العام، لما كان ذلك وكان خروج حكم المحكمين عن نطاق ما قصده المتعاقدان في الاتفاق على التحكيم أو مشارطته هو من الأسباب القانونية التي يخالطها واقع وكان الطاعن لم يتمسك بهذا السبب أمام محكمة الاستئناف ومن ثم لا يجوز له أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض ويكون النعي على الحكم المطعون فيه غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب السادس على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيانه يقول أن حكم المحكمين صد بغير اسم السلطة العليا في البلاد ومن ثم يكون باطلاً وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن هذا النظر يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان حكم المحكمين هو قضاء خاص يستند إلى إرادة الأفراد فإن المشرع لم يوجب تضمينه كافة البيانات التي نص عليها القانون بالنسبة لأحكام المحاكم وإنما اكتفى ببيانات أوردها على سبيل الحصر وليس من بينها صدوره باسم الشعب، ومن ثم لا يكون الحكم معيباً بالبطلان لخلو ورقة الحكم من هذا البيان، - ويضحى النعي على الحكم المطعون فيه - لعدم قضائه ببطلان حكم التحكيم - على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.