أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 39 - صـ 301

جلسة 24 من فبراير سنة 1988

برئاسة السيد المستشار/ عبد المنصف هاشم - نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ جرجس إسحق - نائب رئيس المحكمة، محمد فتحي الجمهودي، إبراهيم الطويلة ومحمد شوقي السيد الحديدي.

(62)
الطعن رقم 2057 لسنة 52 القضائية

(1) وصية. محكمة الموضوع "سلطتها في تفسير المحررات". نقض. عقد "تفسير العقود والمحررات".
تعلق الوصية بشرط. أثره. ثبوت ما أوصى به للموصى له متى كان الشرط صحيحاً تتحقق به مصلحة للموصي أو الموصى له أو لغيرهما ولم يكن منهياً عنه ولا منافياً لمقاصد الشريعة. اعتبار الموت شرطاً. مناطه. اقترانه بملابسات تجعله غير محقق الوقوع في نطاق هذه الملابسات. المادتان 915 مدني و4 من قانون الوصية. التزام الحكم المدلول الظاهر لعبارة الوصية أن الموصية علقتها على شرط وفاتها أثناء تأديتها فريضة الحج بعيدة عن أرض الوطن. صحيح وتتحقق به مصلحة - الموصية.
(2) حكم "عيوب التدليل: التناقض".
التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته.
(3) حكم. وصية.
الوصية المعلقة على شرط. لا ترد عليها الإجازة إذا لم يتحقق الشرط. علة ذلك.
1 - النص في المادة 915 من القانون المدني على أن "تسري على الوصية أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها" وفي المادة الرابعة من القانون رقم 71 لسنة 1946 في شأن الوصية على أنه "مع مراعاة أحكام المادة الثالثة تصح الوصية المضافة أو المعلقة بالشرط أو المقترنة به، وإن كان الشرط صحيحاً وجبت مراعاته ما دامت المصلحة فيه قائمة ولا يراعى الشرط إن كان غير صحيح أو زالت المصلحة المقصودة منه. والشرط الصحيح هو ما كان فيه مصلحة للموصي أو الموصى له أو لغيرهما ولم يكن منهياً عنه ولا منافياً لمقاصد الشريعة" يدل - وعلى ما جرى به الرأي الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة - أنه تجوز الوصية المعلقة بشرط يتوقف معه ثبوتها على تحققه، فإذا وجد الشرط كان للموصى له ما أوصى به وإلا فلا شيء، طالما كان الشرط صحيحاً تتحقق به مصلحة للموصي أو الموصى له أو لغيرهما، ولم يكن منهياً عنه ولا منافياً لمقاصد الشريعة، لما كان ذلك وكان المراد بالشرط هو الأمر المستقبل غير محقق الوقوع، فإذا كان الأمر مستقبلاً ولكنه محقق الوقوع كالموت فإنه لا يكون شرطاً بل يكون آجلاً، غير أن الموت قد يكون شرطاً إذا اقترن بملابسات تجعله غير محقق الوقوع في نطاق هذه الملابسات كاشتراط أن يتم في وقت أو مناسبة معينة، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير صيغ المحررات والشروط المختلف عليها بما تراه أوفى بمقصود المتعاقدين مستعينة في ذلك بجميع ظروف الدعوى وملابساتها، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كان تفسيرها تحتمله عبارة هذه الشروط ولا خروج فيها على المعنى الظاهر لها، وكان الثابت من الوصية المؤرخة 25/ 1/ 1964 أنه نص فيها على "لقد عزمت أنا........ بإذن الله ومشيئة الرحمن أن أكمل فريضة الله تعالي بحج بيت الله وزيارة الرسول عليه الصلاة والسلام فإذا قضى أمر الله وأنا غائبة عن الوطن استحلفكم بالله يا أولادي أن تقوموا بتنفيذ وصيتي وهي......" فإن الحكم المطعون فيه إذ التزم المدلول الظاهر لعبارات هذه الوصية التي جاءت صريحة في أن الموصية جعلت وصيتها معلقة على شرط موتها بعيدة عن أرض الوطن أثناء تأديتها فريضة الحج عام 1964 - لا يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ولا عليه إن هو لم يرد على القرائن غير القانونية التي ساقها الطاعن استدلالاً على دعواه عن طريق الاستنباط ابتغاء الوصول إلى نتيجة أخرى غير تلك التي انتهى إليها الحكم، إذ في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها التعليل الضمني لإطراح هذه القرائن، لما كان ما تقدم وكانت مصلحة الموصية في الشرط الذي علقت عليه وصيتها ظاهرة من عباراتها فإنها تكون صحيحة وفق ما نصت عليه المادة الرابعة سالفة البيان.
2 - التناقض الذي يعيب الحكم هو - وعلى ما جرى به قضاء المحكمة - ما تتماحى به أسبابه بحيث لا يبقى بعدها ما يحمل الحكم عليه وأن يكون التناقض واقعاً في أساس الحكم بحيث لا يمكن أن يفهم معه على أي أساس أقيم.
3 - تعليق الوصية مرجئ لسببيتها، فإذا ما تخلف الشرط تصبح الوصية كأن لم تكن ومن ثم فلا تلحقها الإجازة باعتبار أنها لا ترد على معدوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1763 سنة 1975 مدني شمال القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليهن بطلب الحكم بصحة ونفاذ الوصية المؤرخة 25/ 1/ 1964 والتسليم، وقال بياناً لذلك أن والدة المرحومة....... وهي مورثة المطعون عليهن - أوصت له بتاريخ 25/ 1/ 1964 بموجب ورقة محررة بخط يدها صلباً وتوقيعاً بمباني العزبة والأرض المحيطة بها المبينة بالأوراق والماشية وأدوات الزراعة الموجودة بها، وبعد وفاة المورثة بتاريخ 23/ 8/ 1974 امتنع المطعون عليهن عن تنفيذ الوصية فأقام الدعوى بطلبيه سالفي البيان، وبتاريخ 12/ 11/ 1975 حكمت المحكمة بصحة ونفاذ الوصية استأنف المطعون عليهما الأولى والثانية هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 3479 سنة 92 ق، وبتاريخ 15/ 5/ 1982 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعن بالأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن الموصية قصدت أن تكون وصيتها مطلقة غير مشروطة بموتها أثناء تأديتها فريضة الحج عام 1964 واستدل على ذلك باحتفاظها بها حتى وفاتها سنة 1974 وأن القول بغير ذلك يؤدي إلى عدم صرف المبلغ الموصى به إليه قبل إتمام تعليمه وحرمان المطعون عليها الرابعة من المبلغ الموصى به لها لنفقات جهازها وعدم تعيين المطعون عليها الثالثة مديرة للأموال المنصوص عليها في الوصية، غير أن الحكم المطعون فيه أغفل الرد على هذا الدفاع الجوهري وأقام قضاءه على أن عبارة الوصية صريحة في أنها معلقة على شرط وفاة الوصية خارج البلاد أثناء قيامها بأداء فريضة الحج عام 1964 وأن هذا الشرط تخلف بعودتها سالمة إلى أرض الوطن من حجها هذا مما يعدم الوصية ويجعلها لا أثر لها، في حين أن ما ورد بالوصية في هذا الشأن لا يعد شرطاً لنفاذها، وإنما هو بيان للظروف التي حددت بالموصية إلى الإيصاء، وأن إرادتها انصرفت إلى الإيصاء بما أوصت به سواء حدثت الوفاة أثناء تأدية فريضة الحج أو بعدها، لأن الوفاة شرط عام لنفاذ جميع الوصايا، فتعليق الوصية على الموت ليس شرطاً، ثم أنه بفرض التسليم بأن ما ورد بالوصية يعتبر شرطاً فإنه ليس شرطاً صحيحاً لأن الشرط الصحيح الواجب إعماله هو ما كانت فيه مصلحة الموصي أو الموصى له أو لغيرهما، وقد خلا الحكم من بيان وجه هذه المصلحة.
وحيث إن هذا النعي برمته غير سديد، ذلك أن النص في المادة 615 من القانون المدني على أن "تسري على الوصية أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين السارية في شأنها" وفي المادة الرابعة من القانون رقم 71 لسنة 1946 في شأن الوصية على أنه "مع مراعاة أحكام المادة الثالثة تصح الوصية المضافة أو المعلقة بالشرط أو المقترنة به، وإن كان الشرط صحيحاً وجبت مراعاته ما دامت المصلحة فيه قائمة ولا يراعى الشرط إن كان غير صحيح أو زالت المصلحة المقصودة منه. والشرط الصحيح هو ما كان فيه مصلحة للموصي أو الموصى له أو لغيرهما ولم يكن منهياً عنه ولا منافياً لمقاصد الشريعة" يدل على ما جرى به الرأي الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة - وأنه تجوز الوصية المعلقة بشرط يتوقف معه ثبوتها على تحققه، فإذا وجد الشرط كان للموصى له ما أوصي به وإلا فلا شيء، طالما كان الشرط صحيحاً تتحقق به مصلحة الموصي أو الموصى له أو لغيرهما. ولم يكن منهياً عنه ولا منافياً لمقاصد الشريعة، لما كان ذلك وكان المراد بالشرط هو الأمر المستقبل غير محقق الوقوع، فإذا كان الأمر مستقبلاً ولكنه محقق الوقوع كالموت فإنه لا يكون شرطاً بل يكون أجلاً، غير أن الموت قد يكون شرطاً إذا اقترن بملابسات تجعله غير محقق الوقوع في نطاق هذه الملابسات كاشتراط أن يتم في وقت أو مناسبة معينة، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير صيغ المحررات والشروط المختلف عليها، بما تراه أوفى بمقصود المتعاقدين مستعينة في ذلك بجميع ظروف الدعوى وملابساتها، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كان تفسيرها تحتمله عبارة هذه الشروط ولا خروج فيها على المعنى الظاهر لها، وكان الثابت من الوصية المؤرخة 25/ 1/ 1964 أنه نص فيها على "لقد عزمت أنا........ بإذن الله ومشيئة الرحمن أن أكمل فريضة الله تعالي بحج بيت الله وزيارة الرسول عليه الصلاة والسلام فإذا قضى أمر الله وأنا غائبة عن الوطن استحلفكم بالله يا أولادي أن تقوموا بتنفيذ وصيتي وهي........" فإن الحكم المطعون فيه إذ التزم المدلول الظاهر لعبارات هذه الوصية التي جاءت صريحة في أن الموصية جعلت وصيتها معلقة على شرط موتها بعيدة عن أرض الوطن أثناء تأديتها فريضة الحج عام 1964 - لا يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ولا عليه إن هو لم يرد على القرائن غير القانونية التي ساقها الطاعن استدلالاً على دعواه عن طريق الاستنباط ابتغاء الوصول إلى نتيجة أخرى غير تلك التي انتهى إليها الحكم، إذ في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها التعليل الضمني لإطراح هذه القرائن، لما كان ما تقدم وكانت مصلحة الموصية في الشرط الذي علقت عليه وصيتهما ظاهرة من عباراتها فإنها تكون صحيحة وفق ما نصت عليه المادة الرابعة سالفة البيان ومن ثم يكون هذا النعي برمته في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثالث والرابع على الحكم المطعون فيه التناقض والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أن الحكم ذهب إلى عدم نفاذ الوصية لتخلف الشرط الذي علقت عليه ثم عاد وقرر برجوع الموصية عن الوصية بتنفيذ بعض ما أوصت به وهو ما يعني نفاذ الوصية ولم يبين ماهية التصرفات التي قامت بها الموصية للدلالة على هذا الرجوع وهو ما يعيبه بالتناقض والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن التناقض الذي يعيب الحكم هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ما تتماحى به أسبابه بحيث لا يبقى بعدها ما يحمل الحكم عليه وأن يكون التناقض واقعاً في أساس الحكم بحيث لا يمكن أن يفهم معه على أي أساس أقيم، لما كان ذلك ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من عدم قيام الوصية لتخلف الشرط الذي علقت عليه لا يتناقض مع القول برجوع الموصية عنها بفرض قيامها وذلك لاختلاف الأساس الذي أقيمت عليه كل من الدعامتين، وكانت الدعامة الأولى - على ما يبين من الرد على السببين الأول والثاني من أسباب هذا الطعن - كافية وحدها ليستقيم بها قضاء هذا الحكم فإن هذا النعي - أياً كان وجه الرأي فيه - يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون إذ قضى برفض الدعوى بالنسبة لجميع المطعون عليهن، رغم أن المطعون عليهما الثالثة والرابعة أقرتا بصحة الوصية مما كان يتعين معه قبول دعواه بالنسبة لهما.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن إجازة المطعون عليهما الثالثة والرابعة للوصية المعلقة على شرط واقف لم يتحقق لا يعتد بها لأن تعليق الوصية مرجئ لسببيتها فإذا ما تخلف الشرط تصبح الوصية كأن لم تكن ومن ثم فلا تلحقها الإجازة باعتبار أنها لا ترد على معدوم، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعي عليه بهذا السبب يكون في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.