أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 39 - صـ 335

جلسة 29 من فبراير سنة 1988

برئاسة السيد المستشار/ محمد فؤاد بدر - نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فهمي الخياط، كمال نافع، محمد مصباح ويحيى عارف.

(68)
الطعن رقم 1321 لسنة 57 القضائية

1- إيجار "إيجار الأماكن" "المساكنة".
(1) الإقامة مع المستأجر على سبيل الإيواء المبني على التسامح. لا تعد مساكنة. أثر ذلك. انتفاء الحق في احتفاظه بالسكن.
2 - محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الأدلة".
(2) تقدير الأدلة والمستندات المتقدمة في الدعوى وأقوال الشهود والموازنة بينها من سلطة محكمة الموضوع. لها الأخذ بأقوال شاهد دون آخر. شرطه. عدم الخروج بأقوالهم إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها. حسب محكمة الموضوع أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة. عدم التزامها بتتبع حجج الخصوم وطلباتهم والرد عليها استقلالاً. علة ذلك.
3 - حكم "التناقض".
(3) التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته.
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن الإيواء بطريق الاستضافة يقوم على انتفاء العلاقة التعاقدية بين المستأجر وبين ضيفه أو بين الأخير وبين المؤجر، فلا يعتبر الضيف مستأجراً مع المستأجر الذي أبرم العقد باسمه وليس له حق في الانتفاع بالعين المؤجرة يجابه به المستأجر إذ أن إقامته لديه على سبيل التسامح منه إن شاء أبقى عليها وإن شاء أنهاها بغير التزام عليه، فهي متفرعة عن انتفاع المستأجر الأصلي ومرتبطة باستمراره في هذا الانتفاع بنفسه ولا تنقلب هذه الإقامة مهما طال أمدها إلى مساكنة تعطيه الحق في الاحتفاظ بالمسكن.
2 - من المقر أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير الأدلة والمستندات التي تقدم إليها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه وإطراح ما عداه وتقرير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدانها، فلها أن تأخذ بأقوال شاهد دون أخر حسبما ترتاح إليه وتثق به، ولا سلطان لأحد عليها إلا أن تخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها، وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله ولا عليها من بعد أن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وترد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات.
3 - تناقض الأسباب المبطل للحكم هو ذلك الذي تتماحى به ولا يبقى من بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه بحيث لا يمكن أن يفهم منه على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به، أما إذا اشتمل الحكم على أسباب تكفي لحمله وتبرر قضاءه فلا محل للنعي عليه بالتناقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 210 سنة 1983 مدني كلي السويس على المطعون ضده بطلب الحكم بكف منازعته له في حيازته للشقة المبينة بالصحيفة، وقال بياناً لذلك أنه يضع يده على تلك الشقة منذ أكثر من تسع سنوات بموافقة المطعون ضده إلا أن الأخير تعرض له في حيازته لها. وأقام المطعون ضده الدعوى رقم 215 سنة 1983 مدني كلي السويس على الطاعن بطلب الحكم بإخلائه من عين النزاع وتسليمها له، وقال في بيان ذلك، أنه استأجر تلك العين من حي عتاقة وعلى أثر إخلاء الطاعن من مسكنه استضافه بعين التداعي ريثما يجد مأوى آخر، ولما طال مقامه طلب منه إخلاءها إلا أنه أبى، فأقام دعواه. بعد أن ضمت المحكمة الدعوى الثانية للأولى، حكمت بتاريخ 15/ 5/ 1984 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي ما دون بالمنطوق، وبعد أن سمعت أقوال شهود الطرفين قضت بتاريخ 31/ 1/ 1985 أولاً: في الدعوى رقم 210 سنة 1983 مدني كلي السويس بإخلاء الطاعن من الشقة المبينة بالصحيفة وتسليمها للمطعون ضده، استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 35 لسنة 8 ق الإسماعيلية (مأمورية السويس) وبتاريخ 5/ 3/ 1987 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والتناقض في الأسباب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على سند من أقوال الشهود بينما تطلب الحكم المطعون فيه بالإضافة لذلك أن يكون تنازل المطعون ضده للطاعن عن عين النزاع ثابتاً بالكتابة وهو تناقض تتماحى به أسبابه، والتنازل واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة الطرق، كما اعتبر الحكم إقامته بالعين على سبيل الاستضافة ويشترط في الاستضافة أن يستمر المستأجر الأصلي في شغل العين طيلة وجود الضيف بها، بيد أن الثابت من أقوال شاهدي الطاعن والشاهد الأول من شاهدي المطعون ضده أن المطعون ضده ترك عين النزاع نهائياً وتنازل عنها للطاعن الذي أقام بها وحده، ومن ثم فإن إقامته لا تكون على سبيل الاستضافة، ولذلك يكون الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن الإيواء بطريق الاستضافة يقوم على انتفاء العلاقة التعاقدية بين المستأجر وبين ضيفه أو بين الأخير وبين المؤجر، فلا يعتبر الضيف مستأجراً مع المستأجر الذي أبرم العقد باسمه وليس له حق في الانتفاع بالعين المؤجرة يجابه به المستأجر إذ أن إقامته لديه على سبيل التسامح منه إن شاء أبقى عليها وإن شاء أنهاها بغير التزام عليه فهي متفرعة عن انتفاع المستأجر الأصلي ومرتبطة باستمراره في الانتفاع بنفسه ولا تنقلب هذه الإقامة مهما طال أمدها إلى مساكنة تعطيه الحق في الاحتفاظ بالمسكن، ومن المقر أيضاً أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير الأدلة والمستندات التي تقدم إليها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه وإطراح ما عداه وتقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدانها، فلها أن تأخذ بأقوال شاهد دون أخر حسبما ترتاح إليه وتثق به ولا سلطان لأحد عليها إلا أن تخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها، وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله ولا عليها من بعد أن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وترد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات، كما أن تناقض الأسباب المبطل للحكم هو ذلك الذي تتماحي به، ولا يبقى من بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه بحيث لا يمكن أن يفهم منه على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به، أما إذا اشتمل الحكم على أسباب تكفي لحمله وتبرر قضاءه فلا محل للنعي عليه بالتناقض، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه أحال إلى أسباب الحكم الابتدائي الذي بنى قضاءه على ما استنبطه من أقوال شاهدي المطعون ضده - التي اطمأنت إليها محكمة الدرجة الأولى - من أن الطاعن أقام بعين النزاع - التي يستأجرها المطعون ضده - على سبيل الاستضافة ريثما يجد له مسكناً وما تمسك به الطاعن من أن المطعون ضده ترك الإقامة بعين التداعي بصفة نهائية وتنازل له عنها ليس له سند من أقوال الشاهدين المذكورين، وما أقراه المطعون ضده مع والدته بسبب مرضها لا يستفاد منه تخليه نهائياً عن الإقامة بعين النزاع، إذ لا يشترط أن تكون إقامة المستأجر الأصلي بالعين المؤجرة له متصلة وكان الحكم الابتدائي - الذي أيده الحكم المطعون فيه لأسبابه - قد أقيم على أسباب سائغة لها معينها الثابت بالأوراق وتتضمن الرد الضمني المسقط لما يخالفها، بما يجعلها تكفي وحدها لحمل قضاء الحكم المطعون فيه أياً كان وجه الرأي فيما تزيد فيه من أنه لا يتصور التنازل بغير ورقة مكتوبة تدل عليه، بما يندفع معه القول بالتناقض بين أسباب ذلك الحكم وأسباب الحكم الابتدائي، ويكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.