أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
المجلد الثاني - السنة 27 - صـ 1594

جلسة 17 من نوفمبر سنة 1976

برياسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمد أسعد محمود وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد المهدي، الدكتور عبد الرحمن عياد، ومحمد الباجوري، وإبراهيم هاشم.

(297)
الطعن رقم 103 لسنة 40 القضائية

(1) حكم "الأحكام التي تقبل الطعن المباشر".
عدم جواز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا ينتهي بها الخصومة كلها.
مادة 212 مرافعات. جواز الطعن في الحكم الصادر بعدم الاختصاص الولائي على استقلال ولو صدر أثناء سير الدعوى بغير فصل في باقي الطلبات متى كانت الجهة المقول باختصاصها قد ألغيت. مثال بشأن تحديد الأجرة.
(2) قانون "تفويض تشريعي". إيجار "إيجار أماكن".
القرار التفسيري رقم 8 لسنة 1965. مواجهته حالة عدم وجود أجرة اتفاقية من المؤجر والمستأجر وتركها لتقدير لجنة تقدير الإيجارات التي أغفلها القانون رقم 7 لسنة 1965. بقاء هذه الحالة خاضعة لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962. مؤداه. اعتبار القرار المذكور صادراً في حدود التفويض التشريعي الوارد بالقانون رقم 46 لسنة 1962.
(3) إيجار "إيجار أماكن". دفوع. قانون.
عدم بيان الطاعن مواطن التفسير التي جاوزت حدود التفويض التشريعي، دلالة ذلك. عدم جدية الدفع. مثال في دفع بعدم دستورية القرار التفسيري رقم 8 لسنة 1965 بشأن إيجار الأماكن.
(4) إيجار "إيجار أماكن". قانون.
مجال تطبيق القرار التفسيري رقم 8 لسنة 1965. عدم وجود أجرة اتفاقية بين المؤجر والمستأجر عن العين المؤجرة وقت صدور القانون 7 لسنة 1965. اتفاق الطرفين على تحديد أجرة. وجوب إعمال القانون 7 لسنة 1965.
(5) إيجار "إيجار أماكن".
الأجرة التعاقدية في معنى المادة 2 ق 7 لسنة 1965. الأجرة الحقيقية التي انصرفت إليها إرادة المتعاقدين منذ بدء تنفيذ عقد الإيجار.
(6) إيجار "إيجار أماكن" "تقدير الأجرة". نظام عام. إثبات.
تحديد أجرة الأماكن الخاضعة للتشريعات الاستثنائية. أمر متعلق بالنظام العام. إخفاء حقيقة الأجرة. جواز إثباته بكافة الطرق.
(7) إيجار "إيجار أماكن". قانون. نظام عام إثبات.
أحكام القانون 46 لسنة 1962 بشأن إيجار الأماكن. قواعد آمرة. جواز إثبات مخالفة أحكامه بكافة الطرق.
(8) إيجار "إيجار أماكن". قانون "نفاذ القانون". اختصاص.
إلغاء القانون لمحكمة أو جهة اختصاص. أثره. حصول الإلغاء بمجرد نفاذ القانون ما لم ينص على غير ذلك.
(9) إيجار "إيجار أماكن". قانون "نفاذ القانون". اختصاص. دعوى "دعوى تحديد الأجرة".
القانون 52 لسنة 1969 بشأن إيجار الأماكن. إلغاؤه مجالس المراجعة. القضاء في ظل ذلك القانون في دعوى مرفوعة قبل صدوره بعدم اختصاص القضاء العادي وباختصاص مجالس المراجعة بتحديد الأجرة إعمالاً للقرار التفسيري 8 لسنة 1965. خطأ في القانون.
1 - إنه وإن كانت المادة 212 من قانون المرافعات لا تجيز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها وذلك فيما عدا الأحكام التي عددتها على سبيل الحصر وهي الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى والأحكام التي تصدر في شق من الموضوع متى كانت قابلة للتنفيذ الجبري، وذلك على ما أوردته المذكرة الإيضاحية تبسيطاً للأوضاع ومنعاً من تقطيع أوصال القضية وتفادياً لجميع ما أثارته المادة 378 من قانون المرافعات السابق من تفرقة دقيقة بين الأحكام الموضوعية والفرعية وبين الأحكام التي تقبل الطعن المباشر وتلك التي لا تقبله، إلا أن الحكم الصادر بعدم اختصاص المحكمة يجوز الطعن فيه على استقلال ولو صدر أثناء سير الدعوى بغير فصل في باقي الطلبات المطروحة فيها والتي استبقتها المحكمة للقضاء في موضوعها اعتباراً بأنه حكم مهيء للخصومة ومنه لها فيما فصل فيه وحسمه بصدد عدم الاختصاص طالما أنه لن يعقبه حكم في موضوعه. لما كان ذلك وكان البين أن الدعوى الماثلة قد انتهت فيها محكمة الموضوع إلى القضاء بعدم اختصاصها الولائي في شأن طلب تحديد الأجرة وناطت بها مجالس المراجعة رغم سبق إلغائها بالقانون رقم 52 لسنة 1969 فإنها تكون قد أنهت الخصومة في هذا الشق من الدعوى إذ لن يتلوه حكم في موضوع تحديد الأجرة بالذات، لا يغير من ذلك أن تكون محكمة الموضوع قد ندبت خبيراً لتحقيق فروق الأجرة السابقة، إذ أنه لا ينفي في هذه الصورة أن المنازعة في تحديد الأجرة قد بت فيها بالقضاء بعدم الاختصاص وانتهت الخصومة في خصوصه.
2 - النص في المادة السادسة مكرر (ب) من القانون رقم 46 لسنة 1962 المضافة بالقانون 133 لسنة 1963 على تشكيل لجنة عليا فوضها المشرع في إصدار تفسيرات ملزمة لأحكامه جعل لها قوة القانون ونص على نشرها في الجريدة الرسمية أسوة به، مفاده وجوب أن تقتصر هذه التفسيرات التي تصدرها اللجنة على نطاق هذا القانون وحده ولا تتعداه إلى سواه، إذ كان ذلك وكانت المادة الثانية من القانون رقم 7 لسنة 1965 واجهت نوعين من الحالات السابقة على صدوره هي الحالات التي سميت فيها أجرة تعاقدية ولم يصدر بشأنها من اللجان تقدير للأجرة حتى صدور ذلك القانون، وكذلك الحالات التي سميت فيها أجرة تعاقدية وقدرت اللجان أجرتها تقديراً نهائياً، وبينت الحكم الذي يطبق في شأن كل منهما، ولم تتناول حالة الأماكن التي أُجرت وأخطرت عنها اللجان أو شغلت قبل صدوره ولم تكن لها أجرة تعاقدية تصلح أساساً للتقدير الحكمي، ومن بينها الأماكن المؤجرة بعقود اتفق فيها على تحديد أجرتها طبقاً لما تقره لجنة التقدير، اعتباراً بأنه لا يعد تعييناً لأجرة تعاقدية حرة وكان القرار التفسيري التشريعي رقم 8 لسنة 1965 إنما ينصب على هذه الحالة الأخيرة التي بقيت خاضعة لأحكام القانون 46 لسنة 1962 دون القانون رقم 7 لسنة 1965، فإن القرار المشار إليه يكون قد صدر في حدود التفويض التشريعي المخول للجنة العليا دون أن يجاوزه إلى أحكام القانون رقم 7 لسنة 1965.
3 - إذ كان الطاعن لم يبين المواطن التي بنى عليها ما أثاره - من دفع بعدم دستورية القرار التفسيري رقم 8 لسنة 1965 - استناداً إلى أن القرار المذكور تضمن تفسيراً لنصوص القانون رقم 7 لسنة 1965، فإن ذلك يدل على عدم جدية دفعه.
4 - النص في المادة الأولى من القرار التفسيري التشريعي رقم 8 لسنة 1965 على أنه "إذا اتفق المالك والمستأجر على تحديد أجرة الوحدة المؤجرة طبقاً لما تقرره لجنة التقدير فلا تكون هناك أجرة اتفاقية متعاقد عليها وتستمر لجان التقدير في تقدير الأجرة طبقاً لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 المشار إليه، وإذا كان المكان قد حددت أجرته لجنة التقدير ولم يصبح قرارها نهائياً فتستمر مجالس المراجعة في نظر الطعون...... وذلك كله مع مراعاة أحكام القانون رقم 7 لسنة 1965 المشار إليه" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن هذا القرار إنما يواجه الحالة التي لم يتفق فيها المالك والمستأجر أصلاً على تحديد أجرة للعين بل تركا أمر تحديدها إلى لجنة التقدير، إذ لا يكون هناك أجرة متفق عليها وقت صدور القانون رقم 7 لسنة 1965 حتى يمكن تخفيضها بنسبة 35% بالتطبيق لما تقضي به المادة الثانية منه، وفي هذه الحالة تستمر اللجنة في تقدير الأجرة طبقاً لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962، فإذا كانت اللجنة قد حددت الأجرة ولم يصبح قرارها نهائياً بسبب التظلم منه فتستمر مجالس المراجعة في نظر الطعن، بمعنى أنه لا مجال للأخذ بالقرار التفسيري سالف الإشارة إلا إذا لم تكن هناك أجرة اتفاقية متعاقد عليها بين المؤجر والمستأجر فإذا اتضح وجودها كان لا مناص من إعمال أحكام القانون رقم 7 لسنة 1965.
5 - العقود بالأجرة التعاقدية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - في معنى المادة الثانية من القانون رقم 7 لسنة 1965 هي الأجرة الحقيقية التي انصرفت إليها إرادة المتعاقدين منذ بدء تنفيذ عقد الإيجار.
6 - المقرر أن تحديد أجرة الأماكن هي من مسائل النظام العام التي نص المشرع على تأثيم مخالفة القواعد الواردة بشأنها، والتحايل على زيادتها أو إخفاء حقيقة قدرها للتهرب من حكم القانون يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات بما في ذلك البينة والقرائن.
7 - القرار التفسيري التشريعي رقم 4 لسنة 1965 الصادر من اللجنة العليا لتفسير أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 اعتبر قواعد القانون المذكور جميعاً آمرة ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها بحيث لا يسوغ التحايل على أحكامه بمحاولة نفي وجود أجرة تعاقدية ويكون من حق من يدعي حصول الاتفاق عليها إثبات ذلك بكافة الطرق.
8 - المقصود بالقوانين المعدلة للاختصاص في معنى المادة الأولى من قانون المرافعات هي تلك التي تغير الولاية القضائية أو الاختصاص النوعي أو القيمي أو المحلي دون القوانين التي تلغي محكمة أو تزيل جهة قضاء فإن هذا الإلغاء يحدث أثره حتماً بمجرد نفاذ القانون ما لم ينص على غير ذلك.
9 - إذا نصت المادة 47 من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين والمعمول به في 18/ 8/ 1969 على إلغاء القانون رقم 46 لسنة 1962 بما تضمنته المادة الخامسة منه من تشكيل مجالس المراجعة للتظلم أمامها في قرارات لجان التقدير، وكانت المادة 42 من ذات القانون قضت بإحالة التظلمات المعروضة على مجالس المراجعة عند العمل بأحكامه إلى المحاكم الابتدائية الكائن في دائرتها العقار بالحالة التي يكون عليها، وكان الحكم المطعون فيه قد صدر في 14/ 12/ 1969 أي في تاريخ لاحق للعمل بأحكام القانون رقم 52 لسنة 1969 قاضياً باختصاص مجالس المراجعة - بنظر دعوى تحديد الأجرة طبقاً للقرار التفسيري رقم 8 لسنة 1965 - والتي لم يعد لها وجود مع أن الولاية قد أصبحت معقودة للقضاء العادي، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام ضد المطعون عليه الدعوى رقم 1264 لسنة 1965 مدني أمام محكمة الجيزة الابتدائية بطلب الحكم (أولاً) بتحديد أجرة الشقة موضوع الدعوى بمبلغ 13 جنيهاً شهرياً، شاملة "الجراج" وكافة ما يعتبر ملحقاً بالعين المؤجرة (ثانياً) بإلزامه بأن يرد إليه مبلغ 119 جنيهاً، وما يستجد بواقع 3 جنيهات و500 مليم شهرياً اعتباراً من 1/ 10/ 1965، وقال شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 21/ 7/ 1962 اتفق مع المطعون عليه على أن يستأجر منه الدور الرابع من العمارة رقم 67 بشارع الإمبراطور بهلوي بأجرة شهرية قدرها 20 جنيهاً، يدفع له مقدماً مبلغ 240 جنيهاً قيمة الأجرة المستحقة عن سنة ثم حرر عقد الإيجار في 22/ 10/ 1962 لمدة سنة اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1962 وحددت الأجرة فيه طبقاً لتقدير اللجنة، وإذ تخضع العين المؤجرة للقانون رقم 46 لسنة 1962 وحددت لجنة التقدير المختصة في 1/ 2/ 1964 أجرتها بمبلغ 16 جنيهاً و500 مليم شهرياً، وصدر القانون رقم 7 لسنة 1965 قبل أن يفصل مجلس المراجعة في التظلم المرفوع من الطرفين فأصبحت الأجرة مبلغ 13 جنيهاً بعد تخفيضها بواقع 35% طبقاً للقانون، وأصر المطعون عليه على اقتضاء الأجرة وفق تقدير اللجنة، فقد أقام الدعوى بالطلبات سالفة البيان. حكمت المحكمة في 23/ 1/ 1969 بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 343 سنة 86 ق القاهرة طالباً إلغاءه والقضاء له بطلباته، وبتاريخ 4/ 12/ 1969 قضت المحكمة في موضوع الاستئناف (أولاً) بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة لما قضى به من عدم اختصاص المحكمة بنظر طلب تحديد الأجرة (ثانياً) بإلغائه فيما قضى به من عدم اختصاص محكمة أول درجة برد فروق الأجرة وبإعادتها إليها للفصل فيها. طعن الطاعن في الشق الأول من هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إنه وإن كانت المادة 212 من قانون المرافعات القائم لا تجيز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها وذلك فيما عدا الأحكام التي عددتها على سبيل الحصر وهي الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى والأحكام التي تصدر في شق من الموضوع متى كانت قابلة للتنفيذ الجبري، وذلك - وعلى ما أوردته المذكرة الإيضاحية - تبسيطاً للأوضاع ومنعاً من تقطيع أوصال القضية وتفادياً لجميع ما أثارته المادة 378 من قانون المرافعات السابق من تفرقة دقيقة بين الأحكام الموضوعية والفرعية وبين الأحكام التي تقبل الطعن المباشر وتلك التي لا تقبله، إلا أن الحكم الصادر بعدم اختصاص المحكمة ولائياً، يجوز الطعن فيه على استقلال ولو صدر أثناء سير الدعوى بغير فصل في باقي الطلبات المطروحة فيها والتي استبقتها المحكمة للقضاء في موضوعها، اعتباراً أنه حكم مهيء للخصومة ومنه لها فيما فصل فيه وحسمه بصدد عدم الاختصاص طالما أنه لن يعقبه حكم في موضوعه. لما كان ذلك وكان البين أن الدعوى الماثلة قد انتهت فيها محكمة الموضوع إلى القضاء بعدم اختصاصها الولائي في شأن طلب تحديد الأجرة وناطت بها مجالس المراجعة رغم سبق إلغائها بالقانون رقم 52 لسنة 1969 فإنها تكون قد أنهت الخصومة في هذا الشق من الدعوى إذ لن يتلوه حكم في موضوع تحديد الأجرة بالذات لا يغير من ذلك أن تكون محكمة الموضوع قد ندبت خبيراً لتحقيق فروق الأجرة السابقة، إذ أنه لا ينفي في هذه الصورة أن المنازعة في تحديد الأجرة قد بت فيها بالقضاء بعدم الاختصاص وانتهت الخصومة في خصوصه.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب، ينعى الطاعن بالوجه الثاني من السبب الأول والسبب الرابع منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك في صحيفة الاستئناف بعدم دستورية القرار رقم 8 لسنة 1965 الصادر من اللجنة العليا لتفسير أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962، تأسيساً على أنه ينطوي على تفسير للقانون رقم 7 لسنة 1965 الذي لم يتضمن نصاً يخول تلك اللجنة تفسير نصوصه مع أن إجازة التفسير هو من قبيل التفويض التشريعي الذي لا يفترض بغير نص ولا ينبغي التوسع فيه، وإذ اعتمد الحكم على هذا القرار التفسيري للقضاء بعدم الاختصاص الولائي رغم عدم دستوريته، ولم يرد على الدفاع المبدى من الطاعن في خصوصه رغم أنه جوهري فإنه يكون قاصر التسبيب علاوة على خطئه في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كانت المادة السادسة مكرر (ب) من القانون رقم 46 لسنة 1962 المضافة بالقانون رقم 133 لسنة 1963 تقضي بتشكيل لجنة عليا فوضها المشرع في إصدار تفسيرات تشريعية ملزمة لأحكامه جعل لها قوة القانون ونص على نشرها في الجريدة الرسمية أسوة به، مما مفاده وجوب أن تقتصر هذه التفسيرات التي تصدرها اللجنة على نطاق هذا القانون وحده ولا تتعداه إلى سواه، وكانت المادة الثانية من القانون رقم 7 لسنة 1965 واجهت نوعين من الحالات السابقة على صدوره هي الحالات التي سميت فيها أجرة تعاقدية ولم يصدر بشأنها من اللجان تقدير نهائي للأجرة حتى صدور ذلك القانون، وكذلك الحالات التي سميت فيها أجرة تعاقدية وقدرت اللجان أجرتها تقديراً نهائياً، وبينت الحكم الذي يطبق في شأن كل منهما، ولم تتناول حالة الأماكن التي أوجرت وأخطرت عنها اللجان أو شغلت قبل صدوره ولم تكن لها أجرة تعاقدية تصلح أساساً للتقدير الحكمي ومن بينها الأماكن المؤجرة بعقود اتفق فيها على تحديد أجرتها طبقاً لما تقره لجنة التقدير، اعتباراً بأنه لا يعد تعييناً لأجرة تعاقدية حرة، وكان القرار التفسيري التشريعي رقم 8 لسنة 1965 إنما ينصب على هذه الحالة الأخيرة التي بقيت خاضعة لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 دون القانون رقم 7 لسنة 1965، فإن القرار المشار إليه يكون قد صدر في حدود التفويض التشريعي المخول للجنة العليا دون أن يجاوزه إلى أحكام القانون رقم 7 لسنة 1965. لما كان ذلك وكان الطاعن لم يبين المواطن التي بنى عليها ما أثاره من أن القرار تضمن تفسيراً لنصوص القانون الأخير مما يدل على عدم جدية دفعه، وكان أخذ الحكم بالقرار التفسيري وحمل قضائه على أساسه لا ينطوي على خطأ في تطبيق القانون، ويتضمن الرد على دفاع الطاعن، فإن سكوته عن مناقشته لا يشكل قصوراً في التسبيب.
وحيث إن حاصل النعي بالوجهين الأول والثالث من السبب الأول وبالأسباب الثاني والثالث والخامس منها مخالفة القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه بنى قضاءه بعدم الاختصاص الولائي على سند من القول بأن طرفي التداعي لم يتفقا عند التعاقد على أجرة معينة للعين المؤجرة، وتركا تحديدها طبقاً للثابت بعقد الإيجار إلى لجنة تقدير الإيجارات، وأن الإيصال المؤرخ 21/ 7/ 1962 الذي يعتصم به الطاعن للتدليل على حصول الاتفاق على الأجرة جاء خلواً من تحديد المبلغ المدفوع فيه باعتباره أجرة سنة، كما شمل مدة سابقة على بدء العلاقة التأجيرية، وانصب على شقة تغاير العين المؤجرة، بالإضافة إلى أن الإيصال المؤرخ 4/ 2/ 1963 بدفع الطاعن مبلغ 209 جنيهات من إيجار الشقة عن عام 1963، 1964 لا ينبئ عن صدور أجرة تعاقدية متفق عليها، ولا يكشف عن انصراف نيتهما إلى تحديد الأجرة بمبلغ عشرين جنيهاً شهرياً، وعلى ذلك فلا محل لإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات مقدار هذا المبلغ المدفوع مقدماً لتجاوز النصاب الجائز إثباته بالبينة ورتب الحكم على ذلك انعقاد الاختصاص لمجلس المراجعة بالتطبيق لقرار التفسير رقم 8 لسنة 1965، في حين أن دفاع الطاعن مؤسس على وجود أجرة اتفاقية متعاقد عليها شفاهة، وأن المطعون عليه حرص على عدم ذكرها كتابة تحايلاً على قوانين الإيجارات الأمر الذي يجيز إثباتها بكافة الطرق، خاصة وأن مدار النزاع حول ما إذا كانت هناك أجرة اتفاقية أياً كانت قيمتها لا على ثبوت مقدار هذه الأجرة وعلاوة على ذلك فقد خلط الحكم بين عدم إثبات قيمة المبلغ كتابة في الإيصال وبين القول بعدم الاتفاق على مبلغ ما، مما يخول الاختصاص للقضاء العادي لا مجلس المراجعة هذا إلى أن مناط استبقاء الاختصاص للجان التقدير ومجالس المراجعة وفق القرار التفسيري المنوه عنه هو ألا تكون هناك أجرة اتفاقية متعاقد عليها، غير أن الحكم جعل المناط عدم إمكان تحديد الأجرة شهرياً وليس عدم وجود أجرة اتفاقية، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي في محله. ذلك أن النص في المادة الأولى من القرار التفسيري التشريعي رقم 8 لسنة 1965 على أنه "إذا اتفق المالك والمستأجر على تحديد أجرة الوحدة المؤجرة طبقاً لما تقرره لجنة التقدير فلا تكون هناك أجرة اتفاقية متعاقد عليها وتستمر لجان التقدير في تقدير الأجرة طبقاً لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 المشار إليه، وإذا كان المكان قد حددت أجرته لجنة التقدير ولم يصبح قرارها نهائياً فتستمر مجالس المراجعة في نظر الطعن... وذلك كله مع مراعاة أحكام القانون رقم 7 لسنة 1965 المشار إليه" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن هذا القرار إنما يواجه الحالة التي لم يتفق فيها المالك والمستأجر أصلاً على تحديد أجرة للعين بل تركا أمر تحديدها إلى لجنة التقدير، إذ لا يكون هناك أجرة متفق عليها وقت صدور القانون رقم 7 لسنة 1965 حتى يمكن تخفيضها بنسبة 35% بالتطبيق لما تقضي به المادة الثانية منه، وفي هذه الحالة تستمر اللجنة في تقدير الأجرة طبقاً لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962، فإذا كانت اللجنة قد حددت الأجرة ولم يصبح قرارها نهائياً بسبب التظلم منه فتستمر مجالس المراجعة في نظر الطعن، بمعنى أنه لا مجال للأخذ بالقرار التفسيري سالف الإشارة إلا إذا لم تكن هناك أجرة اتفاقية متعاقد عليها بين المؤجر والمستأجر، فإذا اتضح وجودها كان لا مناص من إعمال أحكام القانون رقم 7 لسنة 1965، ولما كان الطاعن يؤسس دفاعه على أنه اتفق مع المطعون عليه على أجرة معينة حددها، وأن ذلك الأخير تعمد إخفاءها تحايلاً على أحكام القانون بهدف التوصل إلى عدم رد فروق الأجرة والإفلات من أحكام القانون رقم 7 لسنة 1965 الواجب التطبيق على واقعة النزاع، ودلل على ذلك بتقاضي المؤجر منه ما يوازي أجرة سنة كاملة مقدماً، مما يبين منه أن هناك أجرة معينة المقدار سلفاً ومتفق عليها وإن لم يثبت مقدارها في عقد الإيجار أو في إيصال السداد كتابة، لما كان ذلك وكان المقصود بالأجرة التعاقدية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - في معنى المادة الثانية من القانون رقم 7 لسنة 1965 هي الأجرة الحقيقية التي انصرفت إليها إرادة المتعاقدين منذ بدء تنفيذ عقد الإيجار. وكان المقرر أن تحديد أجرة الأماكن الخاضعة للتشريعات الاستثنائية هي من مسائل النظام العام التي نص المشرع على تأثيم مخالفة القواعد الواردة بشأنها والتحايل على زيادتها أو على إخفاء حقيقة قدرها للتهرب من حكم القانون يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات بما في ذلك البينة والقرائن، وكان القرار التفسيري التشريعي رقم 14 لسنة 1965 الصادر من اللجنة العليا لتفسير أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 اعتبر قواعد القانون المذكور جميعاً آمرة ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها بحيث لا يسوغ التحايل على أحكامه بمحاولة نفي وجود أجرة تعاقدية ويكون من حق من يدعي حصول الاتفاق عليها إثبات ذلك بكافة الطرق؛ لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه لم يستجب إلى طلب الطاعن إحالة الدعوى إلى التحقيق قولاً منه بتجاوز النصاب الذي يجوز إثباته بالبينة، واتخذ من عدم ثبوت مقدار الأجرة المدفوعة في الإيصال المؤرخ 21/ 7/ 1962 دليلاً على عدم اتفاق الطرفين عليها مع أن ذلك بمجرده لا ينفي جواز الإنفاق عليها وإمكان تحديدها فيما بينهما وأن إخفاء مقدارها كان بقصد التحايل على القانون فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يتعين معه نقضه.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب السادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم صدر بتاريخ لاحق للعمل بالقانون رقم 52 لسنة 1969، والذي قضى بإلغاء القانون رقم 46 لسنة 1962 بما تضمنه من تشكيل مجالس المراجعة؛ وإذ انطوى قضاء الحكم على عقد الاختصاص لهذه المجالس رغم إلغائها وإحالة اختصاصها إلى القضاء العادي فلا يكون هنالك محل للقضاء بعدم الاختصاص الولائي.
وحيث إن النعي صحيح، ذلك أنه لما كانت المادة 47 من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين والمعمول به في 18/ 8/ 1969 قد نصت صراحة على إلغاء القانون رقم 46 لسنة 1962 بما تضمنته المادة الخامسة منه من تشكيل مجالس المراجعة للتظلم أمامها في قرارات لجان التقدير، وكانت المادة 42 من ذات القانون قضت بإحالة التظلمات المعروضة على مجالس المراجعة عند العمل بأحكامه إلى المحاكم الابتدائية الكائن في دائرتها العقار بالحالة التي يكون عليها، لما كان ذلك وكان المقصود بالقوانين المعدلة للاختصاص في معنى المادة الأولى من قانون المرافعات القائم هي تلك التي تغير الولاية القضائية أو الاختصاص النوعي أو القيمي أو المحلي، دون القوانين التي تلغي محكمة أو تزيل جهة قضاء فإن هذا الإلغاء يحدث أثره حتماً بمجرد نفاذ القانون ما لم ينص على غير ذلك، لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد صدر في 14/ 12/ 1969 أي في تاريخ لاحق للعمل بأحكام القانون رقم 52 لسنة 1969 قاضياً باختصاص مجالس المراجعة التي لم يعد لها وجود مع أن الولاية قد أصبحت معقودة للقضاء العادي، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يتعين نقضه لهذا السبب أيضاً.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم فإنه يتعين إلغاء الحكم المستأنف وإعادة الدعوى إلى المحكمة الابتدائية للفصل فيها.