أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 1578

جلسة 10 من نوفمبر سنة 1983

برئاسة السيد المستشار عاصم المراغي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: مصطفى صالح سليم نائب رئيس المحكمة، أحمد كمال سالم، إبراهيم زغو ومحمد العفيفي.

(309)
الطعن رقم 589 لسنة 50 القضائية

1 - مسئولية "المسئولية التقصيرية".
مسئولية المتبوع. تحققها كلما كان فعل التابع قد وقع أثناء تأدية وظيفته أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته على ذلك سواء كان الفعل لمصلحة المتبوع أو عن باعث شخصي بعلم المتبوع أو بغير علمه.
2 - قوة الأمر المقضي. حكم "حجية الحكم الجنائي".
حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية. نطاقها. عدم تعرض الحكم الجنائي لنفي علاقة التبعية بين التابع والمتبوع وعدم لزوم ذلك للفصل في الدعوى الجنائية. أثره. عدم ثبوت حجية لهذا القضاء تحول بين القضاء المدني وإثبات تلك العلاقة.
3 - استئناف "الأثر الناقل للاستئناف".
استئناف الحكم الصادر في موضوع الدعوى. أثره. اعتبار الأحكام السابق صدورها في القضية سواء الفرعية أو المتعلقة بإجراءات الإثبات مستأنفة.
4 - حكم "تسبيبه". إثبات "الإحالة للتحقيق".
إقامة الحكم قضاءه على أدلة كافية لحمله. التفاته عن الرد على طلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات عكس ما خلص إليه. لا خطأ.
من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع إذ حدد نطاق مسئولية المتبوع طبقاً للمادة 174 من القانون المدني، بأن يكون العمل الضار غير المشروع واقعاً من التابع "حال تأدية الوظيفة أو بسببها" لم يقصد أن تكون المسئولية مقتصرة على خطأ التابع وهو يؤدي عملاً من أعمال وظيفته، أو أن تكون الوظيفة هي السبب المباشر لهذا الخطأ، أو أن تكون ضرورية لإمكان وقوعه، بل تتحقق المسئولية أيضاً كلما كان فعل التابع قد وقع منه أثناء تأدية الوظيفة، أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على إتيان فعله غير المشروع أو هيأت له بأية طريقة كانت فرصة ارتكابه، سواء ارتكبه التابع لمصلحة المتبوع أو عن باعث شخصي، وسواء أكان الباعث الذي دفعه إليه متصلاً بالوظيفة أو لا علاقة له بها، وسواء وقع الخطأ بعلم المتبوع أو بغير علمه.
2 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحكم الصادر في المواد الجنائية لا تكون له حجية أمام المحاكم المدنية إلا إذا كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية، وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله. وإذ كان الثابت بالحكم الصادر في قضية الجناية المشار إليها أنه قضى بإدانة تابع الطاعن فيما أسند إليه من قتل مورث المطعون ضدهم عمداً وإحرازه سلاحاً نارياً وذخيرة بغير ترخيص، وبراءة الطاعن مما نسب إليه من تسليم سلاحه لآخر - هو تابعه المذكور - بغير ترخيص ولم يتعرض في أسبابه لنفي علاقة التبعية بين هذا الأخير والطاعن، ولم يكن ذلك لازماً للفصل في الدعوى الجنائية فإنه لا يكون لقضائه حجية تحول بين القضاء المدني وإثبات تلك العلاقة.
3 - الأحكام غير المنهية للخصومة سواء منها الفرعية أو المتعلقة بإجراءات الإثبات تعتبر مستأنفة حتماً مع الحكم الصادر في موضوع الدعوى، ولا تكون لها حجية أمام محكمة الاستئناف تحول دون إعادة النظر فيما تكون قد فصلت فيه بشأن الأدلة المطروحة عليها.
4 - إذ كانت محكمة الموضوع قد رأت بما لها من سلطة تقدير الأدلة كفاية أقوال الشهود الذين سمعوا في تحقيقات الجناية في إثبات وقوع الفعل الضار من تابع الطاعن حال تأدية وظيفته، فإنها لا تكون قد خالفت القانون، ولا يكون عليها إن هي التفتت عن طلب الطاعن إثبات عكس ما خلصت إليه بالبينة ما دام قضاؤها محمولاً على أدلة كافية لحمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم 2408 سنة 1977 مدني كلي طنطا على الطاعن للحكم بإلزامه بأن يدفع لهم مبلغ عشرة آلاف جنيه، وقالوا في بيانها أن عبد الحليم عبد الجواد عطيوه الذي يعمل خفيراً لزراعة الطاعن انتهز فرصة مرور مورثهم المرحوم شكري عبد الحليم أبو إسماعيل ليلاً أمام زراعة قطن يملكها مخدومه المذكور وأطلق عليه عياراً نارياً من البندقية التي يحملها والمملوكة لهذا الأخير فقتله، وقضي بمعاقبة الخفير عن جريمة القتل العمد بالسجن خمس سنوات في القضية رقم 6473 سنة 1974 أمن دولة عليا مركز طنطا وتصدق على الحكم، ولما كان الطاعن مسئولاً عن الضرر الذي أصابهم من جراء قتل مورثهم، والذي يقدرون التعويض الملائم له بالمبلغ المذكور، فقد أقاموا الدعوى، قضت محكمة الدرجة الأولى بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضدهم علاقة التبعية وأن الفعل الخاطئ أرتكب أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها ومقدار التعويض، ثم عدلت المحكمة عن إجراء التحقيق، وقضت بتاريخ 1/ 6/ 1969 بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدهم مبلغ خمسة آلاف جنيه، استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 506 سنة 29 قضائية طنطا، كما استأنفه المطعون ضدهم بالاستئناف رقم 587 سنة 29 قضائية، وبعد ضم الاستئنافين قضت المحكمة بتاريخ 8/ 1/ 1980 برفضهما وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، ينعي الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق، ويقول في بيانه أنه يشترط لتقرير مسئولية المتبوع عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع طبقاً للمادة 174 من القانون المدني أن يكون هذا العمل قد وقع من التابع أثناء تأدية وظيفته، أما إذا وقع منه في غير أوقات عمله فإنه يشترط لتوافر مسئولية المتبوع أن يكون الفعل الخاطئ قد وقع بسبب الوظيفة، بأن تكون الوظيفة ضرورية لإمكان ارتكابه، بحيث لم يكن التابع يستطيع مقارفته لولا الوظيفة، ولما كان الثابت بتحقيقات النيابة التي أدين فيها خفير زراعة الطاعن، أنه يعمل نهاراً مستعيناً بعصا، وغير مرخص له بحمل سلاح ناري، وكان قد ارتكب الحادث ليلاً وفي غير زراعة الطاعن وإنما في الطريق الموازي لها، بعد أن اختلس السلاح المستعمل في الحادث من مخازن هذا الأخير، والذي كان يحفظه بها خالياً من الذخيرة للاحتياط، واشترى الخفير الذخيرة، وأثبت الحكم الجنائي في حقه أنه ما أن رأى مورث المطعون عليهم حتى أطلق عليه النار وقتله، فإن الفعل الخاطئ لا يكون قد وقع من التابع أثناء تأدية عمله، ولا بسببه، وإنما كان سيقع لا محالة ولو لم تكن علاقة التبعية قائمة، ويكون الحكم إذ قضى بمسئولية الطاعن عن ذلك الفعل معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع إذ حدد نطاق مسئولية المتبوع، طبقاً للمادة 174 من القانون المدني، بأن يكون الفعل الضار غير المشروع واقعاً من التابع "حال تأدية الوظيفة أو بسببها" لم يقصد أن تكون المسئولية مقتصرة على خطأ التابع وهو يؤدي عملاً من أعمال وظيفته، أو أن تكون الوظيفة هي السبب المباشر لهذا الخطأ، أو أن تكون ضرورية لإمكان وقوعه، بل تتحقق المسئولية أيضاً كلما كان فعل التابع قد وقع منه أثناء تأدية الوظيفة، أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على إتيان فعله غير المشروع أو هيأت له بأية طريقة كانت فرصة ارتكابه، سواء ارتكبه التابع لمصلحة المتبوع أو عن باعث شخصي، وسواء أكان الباعث الذي دفعه إليه متصلاً بالوظيفة أو لا علاقة له بها، وسواء وقع الخطأ بعلم المتبوع أو بغير علمه، لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه لأسبابه قد أقام قضاءه على قوله أنه "من حق هذه المحكمة أن تأخذ من تحقيقات الجناية رقم 6473 سنة 1974 مركز طنطا ورقم 482 سنة 1974 كلي طنطا أمن دولة ما يكون عقيدتها، ولا غبار عليها في ذلك، فقد شهد كل من عبد الرحيم مصطفى زويل وعوض عوض إبراهيم أبو يوسف الشهير بالشبورة ومحيي الدين الصاوي والنقيب محمد فوزي أن التابع عبد الرحيم عبد الجواد عطيوة ارتكب فعل الخطأ مع مورث المدعى عليهم أثناء تأدية وظيفته وهي حراسة زراعة المتبوع المدعى عليه وأثناء هذه الحراسة" وبما مفاده أنه استخلص من أقوال شهود الجناية التي اطمأن إليها أن فعل التابع غير المشروع وقع منه حال تأدية أعمال وظيفته، وهي حراسة زراعة الطاعن، فإن ما استخلصه من ذلك يكون كافياً لتقرير مسئولية هذا الأخير، ويكون من غير المنتج النعي عليه بأنه قرر قيام هذه المسئولية رغم ما ثبت بتحقيقات الجناية من أن التابع اختلس البندقية المستعملة في الحادث من مخازن الطاعن، أو أنه ارتكب الحادث لباعث شخصي، لأنه بحسب الحكم أنه أقام قضاءه، وعلى ما سلف بيانه، على أن الفعل الضار وقع من التابع حال تأدية وظيفته، فلا تلتزم المحكمة بعد ذلك بأن تعرض لوجوه الدفاع الأخرى التي يستهدف بها الطاعن نفي رابطة السببية بين الوظيفة وذلك الفعل، لكفاية أن يكون الفعل قد وقع حال تأدية الوظيفة أو بسببها، وأما النعي على الحكم بأن تحقيقات الجناية أسفرت خلافاً لما استخلصه منها، عن أن الحادث لم يقع حال تأدية وظيفته لأنه يعمل نهاراً. ولأن الحادث لم يقع بأرض الطاعن فهو عار عن الدليل ومن ثم غير مقبول لعدم تقديم الطاعن صورة من هذه التحقيقات، ويكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، ويقول في بيان ذلك أن المحكمة الجنائية أقامت قضاءها في الجناية رقم 6473 سنة 1974 أمن دولة عليا مركز طنطا على أساس انتفاء علاقة التبعية بين الطاعن والخفير الذي أدانته في جناية قتل مورث المطعون ضدهم، ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بمسئولية الطاعن عن التعويض على أساس ثبوت هذه العلاقة، فإنه يكون قد صدر على خلاف الحكم الجنائي، وهو ما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحكم الصادر في المواد الجنائية لا تكون له حجية أمام المحاكم المدنية إلا إذا كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية، وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله, وكان الثابت بالحكم الصادر في قضية الجناية سالفة الذكر أنه قضى بإدانة تابع الطاعن فيما أسند إليه من قتل مورث المطعون ضدهم عمداً وإحرازه سلاحاً نارياً وذخيرة، بغير ترخيص، وبراءة الطاعن مما نسب إليه من تسليم سلاحه لآخر - هو تابعه المذكور - بغير ترخيص، ولم يتعرض في أسبابه لنفي علاقة التبعية بين هذا الأخير والطاعن، ولم يكن ذلك لازماً للفصل في الدعوى الجنائية، فإنه لا يكون لقضائه حجية تحول بين القضاء المدني وإثبات تلك العلاقة، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب غير صحيح.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والإخلال بحق الدفاع، ويقول في بيان ذلك أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن الحكم المستأنف أخذ بأقوال الشهود في تحقيقات الجناية مع أنها كانت مطروحة على المحكمة قبل إحالة الدعوى إلى التحقيق، ولم تر فيها ما يكفي لتكوين عقيدتها، وبأن عدول المحكمة المذكورة عن تنفيذ حكم التحقيق أهدر حقه في نفي علاقة التبعية بينه وبين مرتكب الفعل الضار، وفي نفي وقوع هذا الفعل حال تأدية الوظيفة أو بسببها، ولما كان الحكم المطعون فيه لم يأخذ بدفاعه في هذا الخصوص، واعتمد في قضائه على أقوال شهود الجناية، ولم يجبه إلى طلب الإحالة إلى التحقيق لتمكينه من نفي ما يثبته المطعون ضدهم، فإنه يكون مشوباً بمخالفة القانون والإخلال بحق الدفاع، وهو ما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الأحكام غير المنهية للخصومة سواء منها الفرعية أو المتعلقة بإجراءات الإثبات تعتبر مستأنفة حتماً مع الحكم الصادر في موضوع الدعوى، ولا تكون لها حجية أمام محكمة الاستئناف تحول دون إعادة النظر فيما تكون قد فصلت فيه بشأن الأدلة المطروحة عليها، ولما كانت المحكمة المذكورة قد رأت بما لها من سلطة تقدير الأدلة كفاية أقوال الشهود الذين سمعوا في تحقيقات الجناية في إثبات وقوع الفعل الضار من تابع الطاعن حال تأدية وظيفته، فإنها لا تكون قد خالفت القانون، ولا يكون عليها إن هي التفتت عن طلب الطاعن إثبات عكس ما خلصت إليه بالبينة، ما دام قضاؤها محمولاً على أدلة كافية لحمله، فيه الغناء عن التحقيق، ويكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.