أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 47 - صـ 26

جلسة 14 من مايو سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح على أحمد السعيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد المنعم الشهاوي، مصطفى جمال الدين شفيق نائبي رئيس المحكمة، د/ فتحي المصري ومحمد برهام عجيز.

(5)
الطلب رقم 49 لسنة 65 القضائية (رجال القضاء)

استقالة. إكراه.
الاستقالة باعتبارها مظهراً من مظاهر إرادة الموظف. اعتزال الخدمة. وجوب صدورها عن رضاء صحيح. صدورها عن غير إرادة حرة تحت تأثير الإكراه المفسد للرضا والاختيار. أثره. البطلان.
إن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إذا توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس، بأن كانت ظروف الحال تصور له خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه الإكراه وحالته الصحية والاجتماعية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته. ومن حيث إن المحكمة ترى من الظروف والملابسات التي أحاطت توقيت طلب الاستقالة والعجلة التي لابست قبولها في ذات يوم تقديمها أنها كانت مطلوبة أساساً بغرض التحلل من الضمانات التي أحاط بها القانون الطالب باعتباره من أعضاء الهيئة القضائية غير القابلين للعزل طبقاً للمادة 67 من قانون السلطة القضائية، وأن الطالب لم يتقدم بهذه الاستقالة عن رغبة صحيحة ورضاء طليق من الإكراه، وتستمد المحكمة اقتناعها هذا بما ثبت من الأوراق من أن الطالب كان يتردد على مستشفى هليوبوليس للعلاج من ارتفاع في ضغط الدم وارتفاع نسبة الكلسترول بالدم وآلام حادة بالصدر "الشريان التاجي" وكان يجري فحوصاً طبية بالمستشفى في.....، ونصح له بالراحة التامة مع العلاج لمدة شهر، وأن الطالب استدعى إلى مكتب وزير العدل لشئون التفتيش القضائي في......، وهو يعاني من مرضه الثابت بالتقارير الطبية حيث واجهه شفهياً بما هو منسوب إليه بمحضر تحريات الرقابة الإدارية - وهو مجرد أقوال مرسلة لا دليل عليها لم يجد فيها السيد النائب العام ما يدين الطالب جنائياً بل وربما تأديبياً فأرسله للتفتيش القضائي للنظر - فقدم الطالب استقالته مكتوبة دون أن يجرى معه تحقيق فيما ورد بهذه التحريات مجهولة المصدر في أغلبها، وقد أصدر وزير العدل قراره الرقيم.....، بقبول استقالته في ذات يوم تقديمها.....، ولا يتفق والمجرى العادي للأمور أن يسعى الطالب وهو من رجال القضاء الذين يدركون ما لهم من حقوق وضمانات إلى التقدم بطلب استقالته مختاراً في الظروف التي قدمت فيها ما لم يكن ذلك نتيجة رهبة حقيقية عاناها ولم يقو على تحملها أو مقاومتها وهى تهديده بأن استقالته بديل عن القبض عليه وحبسه وقد دفعه إلى تقديم طلب الاستقالة خشيته على حياته بسب حالته المرضية التي أثر عليها انفعاله بسبب منعه من الخروج من إدارة التفتيش القضائي قبل تقديمها ويؤكد هذا النظر أن المحكمة لم تستشف من الأوراق ثمة مصلحة للطالب تبرر التقدم بطلب الاستقالة خاصة وأن ملفه السري لا ينبئ عن سلوك منحرف بل الثابت من الأوراق أن الطالب أبرق إلى السيد وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى وقدم مذكرة يشكو فيها ما تعرض له من إكراه على طلب الاستقالة طالباً سحبها والتحقيق معه ومساءلته قانوناً إن كان هناك موجب للمسئولية، فضلاًً عن أن حالته الصحية تدهورت في.....، وثبت من التقارير الطبية أنه ما زال يعاني من ارتفاع ضغط الدم وارتفاع حاد بنسبة الكلسترول بالدم والشريان التاجي مع تصلب في الشرايين ونصح له بالراحة التامة بالمستشفى ودخلها اعتباراً من......، وحتى....... لما كان ذلك وكان طلب الاستقالة وقد صدر على ما سلف بيانه عن غير إرادة حرة تحت تأثير الإكراه المفسد للرضا والاختيار، فإنه يعتبر باطلاً ويبطل معه تبعاً لذلك قرار وزير العدل بقبول الاستقالة المبنى عليه ومن ثم يتعين الحكم بإلغائه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطلب استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن الأستاذ/ ..... رئيس المحكمة السابق بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية تقدم في 5/ 4/ 1995 بهذا الطلب للحكم بإلغاء قرار وزير العدل رقم 1291 لسنة 1995 الصادر في 15/ 3/ 1995 بقبول استقالته من وظيفته وما ترتب على ذلك من آثار. وقال بياناً لطلبه أنه استدعى لمقابلة مساعد وزير العدل لشئون التفتيش القضائي بتاريخ 15/ 3/ 1995، وأن سيادته أمر بغلق باب مكتبه ولاحقه وعدد من المفتشين القضائيين بأسئلة واتهامات في شأن مسلكه المعيب في العمل وهددوه إذا لم يقدم استقالته بالقبض عليه وحبسه والتشهير به في الصحف، وأخذ يقاوم هذا التهديد لأكثر من ثلاث ساعات وهو في حالة اضطراب نفسي وعصبي خاصة وأنه يعانى من ارتفاع في ضغط الدم وتصلب الشرايين حتى شعر بالاختناق واضطر إلى تقديم استقالته. ولما كانت هذه الاستقالة وليدة إكراه مبطل للرضا ولم تصدر عن إرادة حرة مختارة فقد تقدم بطلبه. طلب الحاضر عن الحكومة رفض الطلب وأبدت النيابة الرأي برفضه كذلك.
ومن حيث إن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضاء من عيوب، ومنها الإكراه إذا توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس، بأن كانت ظروف الحال تصور له خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه الإكراه وسنه وحالته الصحية والاجتماعية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته.
ومن حيث إن المحكمة ترى من الظروف والملابسات التي أحاطت توقيت طلب الاستقالة والعجلة التي لابست قبولها في ذات يوم تقديمها أنها كانت مطلوبة أساساً بغرض التحلل من الضمانات التي أحاط بها القانون الطالب باعتباره من أعضاء الهيئة القضائية غير القابلين للعزل طبقاً للمادة 67 من قانون السلطة القضائية وأن الطالب لم يتقدم بهذه الاستقالة عن رغبة صحيحة ورضاء طليق من الإكراه، وتستمد المحكمة اقتناعها هذا بما ثبت من الأوراق من أن الطالب كان يتردد على مستشفى هليوبوليس للعلاج من ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكلسترول بالدم وآلام حادة بالصدر "الشريان التاجي" وكان يجري فحوصاً طبية بالمستشفى في 11/ 3/ 1995 ونُصح له بالراحة التامة مع العلاج لمدة شهر، وأن الطالب استدعى إلى مكتب مساعد وزير العدل لشئون التفتيش القضائي في 15/ 3/ 1995 وهو يعاني من مرضه الثابت بالتقارير الطبية حيث واجهه شفهياً بما هو منسوب إليه بمحضر تحريات الرقابة الإدارية وهو مجرد أقوال مرسلة لا دليل عليها لم يجد فيها السيد النائب العام ما يدين الطالب جنائياً بل وربما تأديبياً فأرسله للتفتيش القضائي للنظر - فقدم الطالب استقالته مكتوبة دون أن يجرى معه تحقيق فيما ورد بهذه التحريات مجهولة المصدر في أغلبها وقد أصدر وزير العدل قراره الرقيم 1291 لسنة 1995 بقبول استقالته في ذات يوم تقديمها 15/ 3/ 1995، ولا يتفق والمجرى العادي للأمور أن يسعى الطالب وهو من رجال القضاء الذين يدركون ما لهم من حقوق وضمانات إلى التقدم بطلب استقالته مختاراً في الظروف التي قدمت فيها ما لم يكن ذلك نتيجة رهبة حقيقية عاناها ولم يقو على تحملها أو مقاومتها وهى تهديده بأن استقالته بديل عن القبض عليه وحبسه وقد دفعه إلى تقديم طلب الاستقالة خشيته على حياته بسب حالته المرضية التي أثر عليها انفعاله بسب منعه من الخروج من إدارة التفتيش القضائي قبل تقديمها، ويؤكد هذا النظر أن المحكمة لم تستشف من الأوراق أية مصلحة للطالب تبرر التقدم بطلب الاستقالة خاصة وأن ملفه السري لا ينبئ عن سلوك منحرف بل الثابت من الأوراق أن الطالب أبرق إلى السيد وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى وقدم مذكرة يشكو فيها ما تعرض له من إكراه على طلب الاستقالة طالباً سحبها والتحقيق معه ومساءلته قانوناً إن كان هناك موجب للمسئولية، فضلاً عن أن حالته الصحية تدهورت في 18/ 3/ 1995 وثبت من التقارير الطبية أنه ما زال يعاني من ارتفاع ضغط الدم وارتفاع حاد بنسبة الكلسترول بالدم والشريان التاجي مع تصلب الشرايين ونُصح له بالراحة التامة بالمستشفى ودخلها اعتباراً من 27/ 3/ 1995 وحتى 4/ 4/ 1995. لما كان ذلك.... وكان طلب الاستقالة قد صدر على ما سلف بيانه عن غير إرادة حرة تحت تأثير الإكراه المفسد للرضا والاختيار، فإنه يعتبر باطلاً ويبطل تبعاً لذلك قرار وزير العدل بقبول الاستقالة المبنى عليه، ومن ثم يتعين الحكم بإلغائه.