أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 1731

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1983

برئاسة السيد المستشار عبد الحميد المنفلوطي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: فهمي عوض مسعد، محمد زغلول عبد الحميد، دكتور منصور وجيه، وفهمي الخياط.

(338)
الطعون أرقام 597، 876، 884 لسنة 52 القضائية

1 - حكم "تسبيب". إثبات.
إقامة الحكم قضاءه بشأن ثبوت توافر التنازل عن جزء من العين المؤجرة دون إذن كتابي على ما استخلصه من أوراق الدعوى وما اطمأن إليه من أقوال الشهود فضلاً عن عدم إنكار الطاعنين ذلك. اعتباره قائماً على أدلة متساندة تكفي لحمله.
2 - محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الأدلة".
تحصيل فهم الواقع في الدعوى. من سلطة محكمة الموضوع. شرطه.
3، 4، 5، 6 - إيجار "إيجار الأماكن" "التأجير من الباطن"
"التنازل عن عقد الإيجار" عقد. قانون.
3 - الإيجار من الباطن والتنازل عن الإيجار. ماهية كل منهما.
4 - القانون. سريانه بأثر فوري على المراكز القانونية التي تتكون بعد نفاذه. المراكز القانونية الاتفاقية. خضوعها للقانون القديم الذي تم العقد في ظله ما لم يتضمن القانون الجديد قواعد آمرة. القواعد الآمرة سريانها بأثر فوري على تلك المراكز وما لم يكن قد اكتمل نشوءه من عناصرها.
5 - دعوى المؤجر في ظل القانون رقم 52 لسنة 1969 بإخلاء المستأجر لتنازله للغير عن جزء من العين المؤجرة إلى من يمارس فيها حرفة التجارة. صدور القانون رقم 49 لسنة 1977 الذي يبيح هذا التنازل بشروط معينة أثناء نظر الاستئناف. وجوب تطبيق أحكامه على واقعة الدعوى.
6 - حق المستأجر الذي يزاول مهنة أو حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة في تأجير جزء من المكان المؤجر. م 40 من ق 46 لسنة 1977 عدم سريانه على حالة التنازل عن الإيجار. علة ذلك. لا يغير من ذلك حكم المادة 594/ 1 مدني.
7 - ملكية "حق الملكية". دعوى "المصلحة في الدعوى".
لمالك الشيء وحده حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه في حدود القانون. للشخص المعنوي مالك العقار مصلحة في إقامة الدعوى عند تحقق سبب من أسباب فسخ عقد الإيجار.
8 - نقض "السبب الجديد".
دفاع قانوني يخالطه واقع. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
9 - إثبات. نظام عام.
عدم اعتراض الطاعن على حكم التحقيق قبل سماع الشهود. اعتباره تنازلاً عن الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة. علة ذلك. عدم تعلقه بالنظام العام.
1 - إذ كان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بشأن ثبوت توافر التنازل عن جزء من الأعيان المؤجرة دون تصريح كتابي من الشركة المؤجرة على ما استخلصه من أوراق الدعوى ومستنداتها وما اطمأن إليه من أقوال الشهود بالإضافة إلى عدم إنكار الطاعنين ذلك فيكون الحكم قد أقام قضاءه على أدلة متساندة تحمله ولم يقتصر في هذا الصدد على مجرد سكوت الطاعنين عن الأخطار.
2 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى من شأن قاض الموضوع وحده ولا رقيب عليه في تحصيل ما يقدم إليه من أدلة ما دام من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها.
3 - المقرر قانوناً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الإيجار من الباطن يختلف عن التنازل عن الإيجار، ففي الإيجار من الباطن تبقى العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأصلي خاضعة لأحكام عقد الإيجار الأصلي وتسري على العلاقة بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن أحكام عقد الإيجار من الباطن فلا ينشئ العقد الأخير علاقة مباشرة بين المستأجر من الباطن والمؤجر الأصلي في حين أن التنازل عن الإيجار ينشئ مثل هذه العلاقة بينهما مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية.
4 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل أن القانون يسري بأثر فوري على المراكز القانونية التي تتكون بعد نفاذه، سواء في نشأتها أو في إنتاجها لأثارها أو في انقضائها، وهو لا يسري على الماضي، فالمراكز القانونية التي نشأت واكتملت فور تحقق سببها قبل نفاذ القانون الجديد تخضع للقانون القديم الذي حصلت في ظله، أما المراكز القانونية التي تنشأ وتكتمل خلال فترة تمتد في الزمان فإن القانون يحكم العناصر والآثار التي تتحقق في ظله، ولئن كانت المراكز القانونية الاتفاقية تظل خاضعة للقانون القديم الذي تم العقد في ظله - باعتبار أنه تعبير عن إرادة ذوي الشأن في نشوئها أو في أثارها أو في انقضائها إلا أن هذا مشروط بألا يكون القانون الجديد قد أخضع المراكز القانونية سالفة البيان لقواعد آمره، فحينئذ يطبق القانون الجديد فوراً على ما لم يكن قد اكتمل من هذه المراكز.
5 - إذ كانت المادة 23/ ب من القانون رقم 52 لسنة 1969 قد أجازت للمؤجر أن يطلب إخلاء العين المؤجرة إذا أجرها المستأجر من الباطن أو تنازل عنها أو تركها للغير بأي وجه من الوجوه بغير إذن كتابي صريح من المالك واستناداً لهذا النص أقامت الشركة المطعون ضدها - المؤجرة - الدعوى طالبة إخلاء الطاعن الأول (المستأجر الأصلي) والطاعن الثاني (المتنازل إليه) من العين التي أستأجرها أولهما لممارسة حرفة التجارة فيها، وأثناء نظر الدعوى صدر القانون رقم 49 لسنة 1977 المعمول به اعتباراً من 9/ 9/ 1977 ونص في المادة 40 منه على أنه "لا يجوز للمستأجر في غير المصايف والمشاتي المحددة وفقاً لأحكام هذا القانون أن يؤجر المكان المؤجر له مفروشاً أو خالياً إلا في الحالات الآتية: ( أ )..... (ب) إذا كان مزاولاً لمهنة أو حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة وأجر جزءاً من المكان المؤجر لهذا الغرض إلى من يمارس مهنة أو حرفة ولو كانت مغايرة لمهنته أو حرفته" وإذ كان هذا النص آمراً وكانت آثار المركز القانوني الذي كانت تتمتع به الشركة المطعون ضدها طبقاً للقانون رقم 52 لسنة 1969 قد أدركها القانون رقم 49 لسنة 1977 قبل أن تتحقق آثاره وتستقر فعلاً بصدور حكم نهائي فيه، فإنه يكون هو الواجب التطبيق عليها.
6 - إذ كان مؤدى نص المادة 40/ ب أنه أعطى للمستأجر الذي يزاول مهنة أو حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة حق تأجير جزء من المكان المؤجر، فإنه يتعين الالتزام بحدود هذا النص وعدم إطلاقه لينطبق على حالة التنازل عن الإيجار لاختلاف حكمه وآثاره عن حالة التأخير من الباطن فضلاً عن أنه نص استثنائي لا يجوز التوسع فيه أو قياسه على الحالة المأذون بها فيظل المنع من التنازل الوارد بنص القانون سارياً بالنسبة لغير ما أذن به، ولا يبطل الحكم المطعون فيه قوله بأن القانون 52 لسنة 1969 هو الواجب التطبيق أو أن نص المادة 40/ ب لا ينطبق إلا على الوحدات السكنية دون غيرها إذ لمحكمة النقض أن تصحح الأسباب القانونية دون نقض الحكم ما دام قد انتهى إلى نتيجة سليمة، هذا ولا يجدي الطاعنين الاستناد إلى المادة 594/ 1 من القانون المدني التي تسوي بين التأجير من الباطن والتنازل عن الإيجار في حالة منع المستأجر من أيهما إذ أنها مقصورة على ما نصت عليه فلا ينطبق في حالة منح المستأجر إحداهما دون الأخرى.
7 - الأصل أن لمالك الشيء وحده - في حدود القانون - حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه مراعياً في ذلك ما تقضي به القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة عملاً بنص المادتين 802، 806 من القانون المدني مما مؤداه أن يكون للمالك أن يؤجر الأماكن التي يملكها وأن يطلب إخلاء المكان المؤجر إذا انتهت المدة المتفق عليها وقام سبب لفسخ عقد الإيجار وأن يختار مستأجره وأن يستعمل العين في أي وجه مشروع، لما كان ذلك فإنه يكون للشركة المطعون ضدها باعتبارها شخصاً معنوياً مالكاً للعقار الكائن به عين النزاع مصلحة في إقامة الدعوى إذ اعتقدت بوجود سبب لفسخ عقد إيجار تلك العين.
8 - النعي غير مقبول ذلك أنه يقوم على دفاع يخالط واقع وإذ لم يقدم الطاعن دليلاً على سبق تمسكه به أمام محكمة الموضوع وخلت مدونات الحكم المطعون فيه مما يدل على ذلك فإنه لا يجوز له التحدي به لأول مرة أمام هذه المحكمة.
9 - من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة في الأحوال التي يجب فيها الإثبات بالكتابة ليست من النظام العام فعلى من يريد التمسك بالدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة أن يتقدم بذلك إلى محكمة الموضوع قبل سماع شهادة الشهود فإذا سكت عن ذلك عد سكوته تنازلاً عن حقه في الإثبات بالطريق الذي رسمه القانون، ومن ثم فلا يجوز التحدي به لأول مرة أمام هذه المحكمة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعون الثلاثة قد استوفت أوضاعها الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعون - تتحصل في أن الشركة المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 5485 سنة 1977 مدني كلي جنوب القاهرة على الطاعنين بطلب الحكم بإخلاء الأعيان المؤجرة بالعقدين المؤرخين 16/ 9/ 1957، 1/ 1/ 1960 المبينين بصحيفة الدعوى، وقالت بياناً لها أن الطاعن الأول استأجر منها الدكان الموضح بالعقد الأول بقصد استعماله في تجارة المانيفاتورة والخردوات والملابس الجاهزة، كما استأجر منها المحل والشقة التي تعلوه الموضحين بالعقد الثاني بقصد استعمالهما في تجارة الخردوات والملابس الجاهزة، إلا أنه تنازل عن المحل الثاني إلى الطاعن الثاني بالمخالفة للبند الخامس من عقد الإيجار كما قام بتغيير غرض الاستعمال إلى بيع الخردوات والمسليات بالمخالفة للبند السادس من العقد، مما يحق لها طلب إخلائها استناداً للمادة 23/ ب من القانون رقم 52 سنة 1969 وبتاريخ 22/ 6/ 1978 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت الشركة هذا الحكم بالاستئناف رقم 5380 لسنة 95 قضائية القاهرة بغية إلغائه والحكم بطلباتها وبتاريخ 22/ 12/ 1979 أحالت محكمة الاستئناف الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي ما تدون بمنطوق الحكم، وبعد سماع أقوال شهود الطرفين قضت في 29/ 3/ 1981 باستجواب الطاعنين فيما تدون بمنطوق حكمها، وبعد أن تنفذ حكم الاستجواب حكمت بتاريخ 23/ 1/ 1982 بإلغاء الحكم المستأنف وإخلاء العين محل النزاع وتسليمها إلى الشركة المطعون ضدها خالية، طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض بهذا الطعن (رقم 597 لسنة 52 قضائية) والطعن المنضم له رقم 876 لسنة 52 قضائية كما طعن فيه الطاعن الأول وحده - بالطعن المنضم رقم 884 لسنة 52 قضائية، وقدمت النيابة العامة مذكرة في كل طعن أبدت فيها الرأي في الطعنين رقمي 597 لسنة 52 قضائية، 876 لسنة 52 قضائية بنقض الحكم وفي الطعن رقم 884 لسنة 52 قضائية برفضه وإذ عرضت الطعون على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظرها، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الأول للطعن رقم 597 لسنة 52 قضائية على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولان أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بالإخلاء على عدم توافر شروط بيع الجدك وعلى أن الطاعنين لا ينكران واقعة التأجير من الباطن دون إذن كتابي صريح من المالك في حين لا يكفي القول بعدم توافر شروط بيع الجدك للحكم بالإخلاء ولا يصلح السكوت عن إنكار التأجير من الباطن دليلاً على قيامه وإنما يتعين على من يدعي التأجير من الباطن أن يدلل على إدعائه هذا إلى أن الحكم لم يثبت إطلاعه على عقد الإيجار للتحقق من خلوه من الإذن الكتابي الصريح بالتأجير من الباطن.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن البين من مدونات الحكم المطعون فيه بأنه أقام قضاءه بشأن ثبوت توافر التنازل عن جزء من الأعيان المؤجرة دون تصريح كتابي من الشركة المؤجرة على ما استخلصه من أوراق الدعوى ومستنداتها وما اطمأن إليه من أقوال الشهود بالإضافة إلى عدم إنكار الطاعنين ذلك فيكون الحكم قد أقام قضاءه على أدلة متساندة تحمله ولم يقتصر في هذا الصدد على مجرد سكوت الطاعنين عن الأخطار، كما أن البين من مدونات الحكم الابتدائي أنه ورد بها عند سرد المستندات المقدمة ما يفيد أن الشركة المطعون ضدها قدمت تأييداً لدعواها حافظة طويت على عقدي الإيجار المشار إليهما بصحيفة دعواها وأنه ثبت من مطالعتهما مطابقتها لما ورد بشأنهما في تلك الصحيفة، وأشار الحكم الصادر من محكمة الاستئناف بتاريخ 22/ 12/ 1979 إلى أن الشركة المطعون ضدها ركنت في إثبات دعواها إلى عقدي الإيجار المشار إليهما بالصحيفة بما يعني إطلاعها عليها.
وحيث إن حاصل النعي بالوجه الأول من السبب الثاني للطعن رقم 597 لسنة 52 قضائية وبالوجه الثاني من السبب الأول للطعن رقم 884 لسنة 52 قضائية أن الحكم المطعون فيه معيب بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والخطأ في فهم الواقع في الدعوى وفي بيان ذلك يقول الطاعنان أن الحكم انتهى إلى صورية عقد الشركة استناداً إلى أن الشريك يجب أن يكون شريكاً بالإدارة وحدها، فإذا كان الثابت أنه اشترك بمبلغ 5000 جنيه في الشركة دون أن يكون شريكاً بالإدارة وترك له البائع المحل وهو ما يعتبر نزولاً اختيارياً لم تقض به الضرورة الأمر الذي تضحى معه الشركة صورية، فإن هذا الذي قرره الحكم لا يكفي لإثبات صورية الشركة لأن اشتراك الطاعن الثاني في الشركة بمبلغ من المال وعدم اقتصاره على الاشتراك بالإدارة وحدها واستناداً للنشاط المستجد له لا يدل على صورية عقد الشركة، كما كان لالتفات محكمة الاستئناف عن أن التعاقد تم بين الطاعن الأول وشركاه وبين الشركة المطعون ضدها أثره في عدم تصور المحكمة لواقع الدعوى، ذلك أن هذا التعاقد كان يعني أن ثمة شركة قائمة وأنه إذ أدخل الطاعن الثاني معه كشريك لم ينشئ شركة جديدة.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى من شأن قاضي الموضوع وحده، ولا رقيب عليه في تحصيل ما يقدم إليه من أدلة، ما دام من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه، أنه بعد أن خلص إلى عدم توافر شروط بيع الجدك وإلى تنازل الطاعن الأول إلى الطاعن الثاني عن المحل المؤجر بدون إذن كتابي من الشركة المالكة، أورد في مدوناته بشأن الشركة أن "الثابت من الأوراق أن الشريك المستأنف ضده الثاني (الطاعن الثاني) قد دفع مبلغ 500 جنيه فقط دون أن يكون شريكاً بالإدارة وترك له البائع المحل وهو ما يعتبر نزولاً من المستأجر الأصلي عن الإجارة إلى الشريك وهو نزول اختياري لم تقض به الضرورة الأمر الذي تضحى معه الشركة صورية لم يقصد بها سوى ستر التنازل عن الإيجار بدون تصريح كتابي من المالك خاصة وأن المشاركة حصلت بعد بيع الجدك بحوالي سنتين" ومفاد هذا أن محكمة الموضوع قد استخلصت صورية الشركة من كونها لاحقة للبيع بالجدك المدعي به، ومن كون الطاعن الثاني ليس شريكاً بالإدارة ومع ذلك ترك له الطاعن الأول المحل اختياراً ومن ثم فإن النعي في حقيقته جدل موضوعي في تقدير الدليل الذي أخذت به محكمة الموضوع مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعنان بالوجه الثاني من السبب الثاني للطعن رقم 597 لسنة 52 قضائية وبالوجه الأول من السبب الثالث من الطعن المنضم رقم 876 لسنة 52 قضائية على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ذلك أن الحكم المطعون فيه أورد في مدوناته أن القانون رقم 52 سنة 1969 هو المنطبق على واقعة النزاع، كما وأن نص المادة 40 من القانون رقم 49 سنة 1977 لا يسري إلا على الوحدات المخصصة للسكنى دون المحال التجارية، بينما أن مفاد نص هذه المادة الأخيرة أنه ينطبق على الأماكن المعدة للسكنى وغير المعدة لها، ولما كان هذا النص آمراً وصدر أثناء نظر الدعوى ويسري على المراكز القانونية التي لم تكن قد اكتملت بصدور حكم نهائي في النزاع فإن مؤدى ذلك أنه يسري على واقعة النزاع بما مؤداه عدم جواز الحكم بالإخلاء طالما كانت المهنة التي يزاولها الطاعن الأول بالعين وهي التجارة ليست بطبيعتها مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة وقد تنازل عن جزء منها لصاحب مهنة أخرى إذ أن التنازل عن الإيجار في هذه الحالة جائز مثل التأجير من الباطن تطبيقاً للمادة 594 من القانون المدني ومن ثم فإن قول الحكم بأن هذا النص لا يسري إلا على الوحدات السكنية دون التجارية يكون قد خالف القانون وحجبه ذلك عن بحث مدى انطباق المادة 40/ ب من القانون 49 لسنة 1977 على واقعة النزاع.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المقرر قانوناً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الإيجار من الباطن يختلف عن التنازل عن الإيجار، ففي الإيجار من الباطن تبقى العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأصلي خاضعة لأحكام عقد الإيجار الأصلي وتسري على العلاقة بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن أحكام عقد الإيجار من الباطن فلا ينشئ العقد الأخير علاقة مباشرة بين المستأجر من الباطن والمؤجر الأصلي، في حين أن التنازل عن الإيجار ينشئ مثل هذه العلاقة بينهما مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية. كما أن المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن الأصل أن القانون يسري بأثر فوري على المراكز القانونية التي تتكون بعد نفاذه، سواء في نشأتها أو في إنتاجها آثارها أو في انقضائها، وهو لا يسري على الماضي، فالمراكز القانونية التي نشأت واكتملت فور تحقق سببها قبل نفاذ القانون الجديد تخضع للقانون القديم الذي حصلت في ظله، أما المراكز القانونية التي تنشأ وتكتمل خلال فترة تمتد من الزمان، فإن القانون يحكم العناصر والآثار القانونية التي تتحقق في ظله، ولئن كانت المراكز القانونية الاتفاقية تظل خاضعة للقانون القديم الذي تم العقد في ظله - باعتبار أنه تعبير عن إرادة ذوي الشأن في نشوئها أو في آثارها أو في انقضائها إلا أن هذا مشروط بألا يكون القانون الجديد قد أخضع المراكز القانونية سالفة البيان لقواعد آمره، فحينئذ يطبق القانون الجديد فوراً على ما لم يكن قد اكتمل من هذه المراكز، لما كان ذلك وكانت المادة 23/ ب من القانون رقم 52 لسنة 1969 قد أجازت للمؤجر أن يطلب إخلاء العين المؤجرة إذ أجرها المستأجر من الباطن أو تنازل عنها أو تركها للغير بأي وجه من الوجوه، بغير إذن كتابي صريح من المالك واستناداً لهذا النص أقامت الشركة المطعون ضدها - المؤجرة - الدعوى طالبة إخلاء الطاعن الأول (المستأجر الأصلي) والطاعن الثاني (المتنازل إليه) من العين التي أستأجرها أولهما لممارسة حرفة التجارة فيها، وأثناء نظر الدعوى صدر القانون رقم 49 لسنة 1977 المعمول به اعتباراً من 9/ 9/ 1977 ونص في المادة 40 منه على أنه "لا يجوز للمستأجر في غير المصايف والمشاتي المحددة وفقاً لأحكام هذا القانون أن يؤجر المكان المؤجر له مفروشاً أو خالياً إلا في الحالات الآتية: (أ)...... (ب) إذا كان مزاولاً لمهنة حرة أو حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة وأجر جزءاً من المكان المؤجر له لهذا الغرض لمن يمارس مهنة أو حرفة ولو كانت مغايرة لمهنته أو حرفته" وإذ كان هذا النص آمراً، وكانت آثار المركز القانوني الذي كانت تتمتع به الشركة المطعون ضدها طبقاً للقانون رقم 52 لسنة 1969 قد أدركها القانون رقم 49 لسنة 1977 قبل أن تتحقق آثاره وتستقر فعلاً بصدور حكم نهائي فيه، فإنه يكون هو الواجب التطبيق عليها. فإذا كان مؤدى نص المادة 40/ ب أنه أعطى للمستأجر الذي يزاول مهنة أو حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة حق تأجير جزء من المكان المؤجر، فإنه يتعين الالتزام بحدود هذا النص وعدم إطلاقه لينطبق على حالة التنازل عن الإيجار لاختلاف حكمه وآثاره عن حالة التأجير من الباطن فضلاً عن أنه نص استثنائي لا يجوز التوسع فيه أو قياسه على الحالة المأذون بها فيظل المنع من التنازل الوارد بنص القانون سارياً بالنسبة لغير ما أذن به، ولا يبطل الحكم المطعون فيه قوله بأن القانون 52 لسنة 1969 هو الواجب التطبيق أو أن نص المادة 40/ ب لا ينطبق إلا على الوحدات السكنية دون غيرها إذ لمحكمة النقض أن تصحح الأسباب القانونية دون نقض الحكم ما دام قد انتهى إلى نتيجة سليمة. هذا ولا يجدي الطاعنين الاستناد إلى المادة 594/ 1 من القانون المدني التي تسوي بين التأجير من الباطن والتنازل عن الإيجار في حالة منع المستأجر من أيهما إذ أنها مقصورة على ما نصت عليه فلا تنطبق في حالة منح المستأجر إحداهما دون الأخرى.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعنان بالسبب الثالث من الطعن 597 لسنة 52 قضائية وبالسببين الأول والثاني من الطعن المنضم رقم 876 لسنة 52 قضائية وبالسبب الثالث من الطعن المنضم رقم 884 لسنة 52 قضائية على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الطاعن الثاني دفع بمذكرته المقدمة بجلسة 10/ 5/ 1979 أمام محكمة الاستئناف بعدم قبول الدعوى لعدم توافر شرط المصلحة فيها ذلك أن المطعون ضدها هي شركة قطاع عام تؤجر أملاكها طبقاً لمعايير موضوعية لا يعنيها شخص المستأجر ومن ثم فلا مصلحة لها في الاعتراض لمجرد اعتبارات شخصية، كما أنه تمسك في نفس المذكرة برضاء الشركة المطعون ضدها عن واقعة التنازل عن عقد الإيجار الذي تضمنه عقد بيع الجدك أخذاً من خطابيهما (الطاعنان) للشركة في سنة 1974 وتأشيرات المسئولين عليها بما يفيد موافقتها على التنازل للطاعن الثاني أو الشروع فيه خاصة وقد تأيد ذلك بقرينة قوية هي عدم رفع الشركة دعواها إلا بعد أكثر من ثلاث سنوات ورغم جوهرية هذا الدفاع فإن الحكم المطعون فيه لم يعرض له بما يشوبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة إن إغفال الحكم ذكر وجه دفاع أبداه الخصم لا يترتب عليه بطلان الحكم إلا إذا كان هذا الدفاع جوهرياً ومؤثراً في النتيجة التي انتهى إليها، بمعنى أن المحكمة لو كانت بحثته لجاز أن تتغير به هذه النتيجة، كما أنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - فإن الأصل أن لمالك الشيء وحده - في حدود القانون - حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه، مراعياً في ذلك ما تقضي به القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة، أو بالمصلحة الخاصة عملاً بنص المادتين 802، 806 من القانون المدني مما مؤداه أن يكون للمالك أن يؤجر الأماكن التي يملكها، وأن يطلب إخلاء المكان المؤجر إذا انتهت المدة المتفق عليها وقام سبب لفسخ عقد الإيجار، وأن يختار مستأجره، وأن يستعمل العين في أي وجه مشروع. لما كان ذلك فإنه يكون للشركة المطعون ضدها باعتبارها شخصاً معنوياً مالكاً للعقار الكائن به عين النزاع - مصلحة في إقامة الدعوى إذ اعتقدت بوجود سبب لفسخ عقد إيجار تلك العين، ولأن الحكم المطعون فيه لم يرد على الدفع بانعدام المصلحة، لما كان ذلك وكان الطاعنان لم يذكرا بسبب النعي ماهية التأشيرات التي يقولان أن الشركة أشرت بها على طلبيهما وتفيد موافقتها على التنازل عن الإيجار حتى يتبين للمحكمة مدلول تلك التأشيرات وأثرها على الحكم المطعون فيه، فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون مجهلاً، وإذ كان مجرد علم المؤجر بواقعة التنازل عن الإيجار قبل رفع دعوى الإخلاء لا يعد نزولاً عن حقه في طلب الإخلاء، فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالوجه الثاني من السبب الثالث للطعن رقم 876 لسنة 52 قضائية والوجه الثالث من السبب الأول للطعن رقم 884 لسنة 52 قضائية أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتحصيل فهم الواقع في الدعوى وفي بيان ذلك يقولان أن الغاية من استعمال المكان المؤجر طبقاً لعقد إيجار عين النزاع هو بيع الخردوات والتسالي والملابس الجاهزة وغير ذلك، وتنصرف العبارة الأخيرة "وغير ذلك" إلى أنواع السلع الأخرى بلا قيد ومن ثم فيكون الطاعن الأول محقاً أن باع في العين تسالي ومرطبات، هذا فضلاً من عدم وجود ضرر للمالك من جراء ذلك إذ أن هذا التغيير غير مقلق للراحة أو مضر بالصحة ولو أن هذا الفهم لواقع الدعوى كان في تصور المحكمة طبقاً لما أفصحت عنه المستندات لتغير وجه الرأي في الدعوى.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يؤسس قضاءه بالإخلاء على تغيير الغرض من الاستعمال بل أنه انتهى في أسبابه إلى عدم بحث هذا السبب اكتفاء بما انتهى إليه من إخلاء للتنازل ومن ثم يكون ما جاء بهذين الوجهين لا يصادف محلاً من قضاء الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الطاعن في الطعن المنضم رقم 884 لسنة 52 قضائية ينعي في الوجه الأول من السبب الأول للطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وقال بياناً لذلك أن الشركة المطعون ضدها اختصمت الطاعن الأول وحده في دعوى الإخلاء في حين أن عقدي إيجار أعيان التداعي قد انعقدا بينها وبين الطاعن الأول وشركاه مما كان يتعين معه إقامة دعوى الإخلاء ضدهم جميعاً وإذا لم تفعل فإن الدعوى تكون قد أقيمت على غير ذي صفة.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه يقوم على دفاع يخالطه واقع وإذ لم يقدم الطاعن دليلاً على سبق تمسكه به أمام محكمة الموضوع وخلت مدونات الحكم المطعون فيه مما يدل على ذلك فإنه لا يجوز له التحدي به لأول مرة أمام هذه المحكمة.
وحيث إن الطاعن في الطعن المنضم رقم 884 لسنة 52 قضائية ينعي بالسبب الثاني للطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال ويقول في بيان ذلك أن محكمة الاستئناف أخطأت إذ أحالت الدعوى للتحقيق لإثبات التنازل عن الإيجار لأن التنازل يجب أن يكون صريحاً وممن يملكه والطاعن لا يملك ذلك لأن له شركاء وكان يتعين أن يصدر هذا التنازل عن الطاعن وشركاه وهو ما لم يحصل كما أن الشهود الذين سمعوا لم يشهد أي منهم بواقعة التنازل عن الإيجار ولذلك أصدرت محكمة الاستئناف حكمها باستجواب الطاعن والمطعون ضده الثاني بخصوص كتابيهما للشركة المطعون ضدها في شهري مارس وإبريل سنة 1974 بطلب تحرير عقد إيجار للمطعون ضده الثاني وركنت إلى هذين الكتابين وفاتها أنهما كانا بمثابة إفصاح عن رغبة فقط ولم يحتو أي منهما على تنازل، وإذ استنبط الحكم المطعون فيه هذا التنازل رغم أنه يتعين أن يكون صريحاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي - أياً كان وجه الرأي فيه - مردود ذلك أنه من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة في الأحوال التي يجب فيها الإثبات بالكتابة ليست من النظام العام، فعلى من يريد التمسك بالدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة أن يتقدم بذلك إلى محكمة الموضوع قبل سماع شهادة الشهود فإذا سكت عن ذلك عد سكوته تنازلاً عن حقه في الإثبات بالطريق الذي رسمه القانون، ومن ثم فلا يجوز التحدي به لأول مرة أمام هذه المحكمة، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن الطاعن لم يبد اعتراضاً ما على حكم التحقيق قبل سماع أقوال الشهود بل سكت عن ذلك حتى صدور الحكم في الدعوى فإن هذا يعد تنازلاً منه عن الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة، أما ما أثاره الطاعن بشأن استناد الحكم المطعون فيه إلى الكتابين الصادرين منه إلى الشركة المطعون ضدها في شهري مارس وإبريل والقول بأنهما لا يتضمنان إقراراً بالتنازل عن عين النزاع إلى المطعون ضده الثاني فإن البين من مدونات ذلك الحكم إنه استند فيما انتهى إليه من حصول التنازل عن الإيجار إلى أقوال الشهود ومستندات الدعوى جميعاً وهي متساندة وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها بما يكون معه النعي برمته في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعون الثلاثة.