أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 39 - صـ 920

جلسة 9 من مايو سنة 1988

برئاسة السيد المستشار/ الدكتور عبد المنعم أحمد بركه - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد فؤاد بدر - نائب رئيس المحكمة، فهمي الخياط، كمال نافع، يحيى عارف.

(150)
الطعن رقم 912 لسنة 51 القضائية

(1 - 2) محاماة. دعوى.
(1) القيد بالمحاماة بعد تولي الوزارة أو شغل منصب مستشار بمحكمة النقض أو الاستئناف أو مجلس الدولة أو إدارة قضايا الحكومة أو من في درجته في النيابة العامة أو الإدارية. أثره. قصر ممارسة المحاماة أمام الجهات التي لم يشملها في المادة 53 من 65 لسنة 1970. مخالفة ذلك. لا ترتب بطلان الإجراء.
(2) إجابة طلب الخصوم بإعادة الدعوى للمرافعة. من سلطة محكمة الموضوع.
(3 - 7) إيجار "إيجار الأماكن". "احتجاز أكثر من مسكن". محكمة الموضوع. إثبات.
(3) رب الأسرة المستأجر للمسكن - اعتباره دون أفراد أسرته المقيمين معه. الطرف الأصيل في عقد الإيجار. اختصام زوجته في دعوى الإخلاء المرفوعة ضده. غير جائز. علة ذلك.
(4) طلب إلزام الخصم بتقديم محررات تحت يده. شرط قبوله.
(5) تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير قيمة ما يقدم من أدلة. من سلطة محكمة الموضوع. حسبها. أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله. عدم التزامها بتتبع حجج الخصوم والرد عليها استقلالاً. علة ذلك.
(6) تقدير أقوال الشهود والقرائن. مما يستقل به قاضي الموضوع دون معقب عليه من محكمة النقض متى كان سائغاً.
(7) احتجاز أكثر من مسكن في البلد الواحد. شرطه. وجود مقتض. تقديره من سلطة قاضي الموضوع.
1- النص في المادة 53 من قانون المحاماة رقم 61 لسنة 1968 المعدل بالقانون رقم 65 لسنة 1970 - والمطبق على واقعة الدعوى - على أنه "لا يجوز لمن ولي الوزارة أو شغل منصب مستشار بمحكمة النقض أو محاكم الاستئناف أو مجلس الدولة أو إدارة قضايا الحكومة أو من في درجته في النيابة العامة أو النيابة الإدارية أن يمارس المحاماة إلا أمام محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا ومحاكم الاستئناف ومحاكم الجنايات ومحكمة القضاء الإداري ولا يسري هذا الحظر على المحامين المقيدين لدى غير هذه المحاكم وقت صدور هذا القانون" يدل على أن الشارع لم يضع شرطاً من شروط صحة العمل الذي يقوم به المحامي الذي كان يعمل بالجهات الواردة بالنص بل أصدر إليه أمراً لا تعدو مخالفته أن تكون مهنية تقع تحت طائلة الجزاء الإداري ولا تستتبع تجريد العمل الذي قام به المحامي من آثاره القانونية ولا تنال من صحته متى تم وفقاً للأوضاع التي تطلبها القانون، وكل ما يترتب على هذا الحظر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو توقيع العقوبات التأديبية التي نص عليها القانون، لما كان ذلك فلا يترتب على مباشرة محامي المطعون ضده الأول الذي شغل منصب مستشار بإدارة قضايا الحكومة إجراءات الدعوى أمام المحكمة الابتدائية أي بطلان سواء في إجراءاتها أو الحكم الصادر فيها.
2- تقدير مدى الجد في الطلب الذي يقدمه الخصوم بغية إعادة الدعوى للمرافعة هو من الأمور التي تستقل بها محكمة الموضوع ولا يعاب عليها عدم الاستجابة إليه.
3- ولئن كان لعقد إيجار المسكن طابع عائلي يتعاقد فيه رب الأسرة ليقيم فيه مع باقي أفراد أسرته إلا أن رب الأسرة المتعاقد يبقي دون أفراد أسرته المقيمين معه هو الطرف الأصيل في العقد ولا محل لإعمال أحكام النيابة الضمنية أو الاشتراط لمصلحة الغير ومن ثم فلا تعتبر زوجة الطاعن الأول المقيمة معه في عين النزاع مستأجرة أصلية يتعين اختصامها في دعوى إخلاء هذه العين وإذ يشترط لاختصام الغير وفقاً لنص المادة 117 من قانون المرافعات توافر شروط قبول الدعوى وأن يكون جائزاً اختصامه عند رفعها وأن يتوافر الارتباط بين الطلب الأصلي والطلب الموجه إلى هذا الغير وهو ما يخضع لتقدير المحكمة دون رقابة من محكمة النقض.
4- ولئن كانت المادة 26 من قانون الإثبات قد أجازت للمحكمة أن تأذن أثناء سير الدعوى في إدخال الغير لإلزامه بتقديم محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده في الأحوال الثلاثة الواردة في المادة 20 من هذا القانون إلا أن المشرع تطلب مراعاة الأحكام والأوضاع المنصوص عليها في المواد من 21 إلى 25 من ذلك القانون، ومعها ما أوجبته المادة 21 من بيان أوصاف المحرر المطلوب إلزام الغير بتقديمه وفحواه بقدر ما يمكن من التفصيل والواقعة التي يستدل به عليها والدلائل والظروف التي تؤيد أنه تحت يد هذا الخصم المدخل ووجه إلزامه بتقديمه، ونص المشرع في المادة 22 على أنه لا يقبل طلب إلزام الخصم بتقديم المحررات الموجودة تحت يده إذا لم يتضمن البيانات المشار إليها.
5- لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير قيمة ما يقدم لها من أدلة فلا تثريب عليها في الأخذ بأي دليل تكون قد اقتنعت به ما دام هذا الدليل من طرق الإثبات قانوناً وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله، وهي غير ملزمة بأن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وترد استقلالاً على كل حجة أو قول أثاروه ما دام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج.
6- تقدير أقوال الشهود والقرائن مما يستقل به قاض الموضوع دون معقب عليه من محكمة النقض متى كان ذلك مقاماً على أسباب سائغة لما كان ذلك وكان ما استخلصه الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود وما استنبطه من القرائن من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها ويبرر قضاءه بإخلاء شقة النزاع فإن ما يثيره الطاعنان بسبب النعي لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير محكمة الموضوع للأدلة بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي أخذ بها الحكم بعد أن اطمأن إليها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ولا على المحكمة إذا هي لم تستجب إلى طلب الطاعن الثاني إلا حالة على التحقيق متى رأت بما لها من سلطة التقدير أن لا حاجة بها إليه وأنه غير مجد بالنظر إلى ظروف الدعوى وما هو ثابت فيها من الأدلة والوقائع التي تكفي لتكوين عقيدتها وبحسبها أن تبين في حكمها الأسباب التي اعتمدت عليها.
7- إذ كانت الفقرة الأولى من المادة 5 من القانون رقم 52 لسنة 1969 ومن المادة 8 من القانون رقم 49 سنة 1977 التي تحظر على الشخص مالكاً كان أو مستأجر أن يحتفظ بأكثر من مسكن في البلد الواحد قد استثنت من حكمها حالة وجود مقتض للتعدد دون أن تضع المعايير المحدد له، ومن ثم فإن أمر تقدير المقتضي لحجز أكثر من مسكن في البلد الواحد يخضع لمطلق سلطان قاضي الموضوع يستخلصه من ظروف الدعوى وملابساتها ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض طالما ركن في تقديراته إلى أسباب سائغة تؤدي إلى ما انتهى إليه في قضائه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 1981 سنة 1979 مدني كلي جنوب القاهرة على الطاعن الأول للحكم بإخلاء الشقة المبينة بالصحيفة وتسليمها له، وقال بياناً لذلك أنه بموجب عقد مؤرخ 25/ 4/ 1971 استأجر الأخير منه هذه الشقة لاستعمالها سكناً له وإذ تبين أنه يحتجز مسكنين آخرين في ذات البلد بغير مقتض وترك تلك الشقة خالية لمدة تزيد على أربعة أشهر ورفض تسليمها له فقد أقام الدعوى، حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي ما دون بالمنطوق وبعد سماع الشهود طلب الطاعن الثاني قبوله خصماً منضماً للطاعن الأول في طلباته واحتياطياً إلزام المطعون ضده الأول بتحرير عقد إيجار له استناداً إلى أنه يشغل العين مع الطاعن الأول ومن حقه الاستمرار في شغلها - طبقاً لنص المادة 29 من القانون 49 سنة 1977، كما اختصم الطاعن الأول وزوجته المطعون ضدها الثانية لتقديم ما لديها من مستندات، وبتاريخ 29/ 5/ 1980 حكمت المحكمة بقبول تدخل الطاعن الثاني خصماً ثالثاً منضماً وفي موضوع التدخل برفضه وبعدم قبول اختصام المطعون ضدها الثانية وبالإخلاء والتسليم، استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 4558، 4573 سنة 97 ق القاهرة على التوالي وقررت المحكمة ضم الاستئناف الأخير للأول للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد كما أقامت المطعون ضدها الثانية استئنافاً فرعياً قيد برقم 5910 سنة 97 ق القاهرة طالبة إلغاء الحكم المستأنف واحتياطياً قبولها خصماً منضماً في الاستئناف للطاعن الأول وبتاريخ 9/ 2/ 1981 حكمت المحكمة برفض الدفوع ببطلان إجراءات رفع الدعوى المبتداة وما تلا ذلك من إجراءات حتى صدور الحكم ورفض قبول تدخل المطعون ضدها الثانية وبتأييد الحكم المستأنف وبعدم جواز الاستئناف الفرعي، طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعي الطاعنان بالأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ تطبيق القانون وتأويله وتفسيره من وجوه ثلاثة، قالا في بيان الوجه الأول منها أن الحكم رفض الدفع المبدي منهما ببطلان إجراءات رفع الدعوى وإجراءات التحقيق والمرافعة والأحكام الصادرة فيها لأن المحامي الذي باشر الدعوى عن المطعون ضده الأول ممنوع قانوناً من ذلك إذ كان مستشاراً سابقاً بمحاكم الاستئناف ومحظور عليه الحضور أمام المحاكم الابتدائية، بمقولة عدم تقديم الدليل على ذلك وأن القانون لم يرتب البطلان عليه، في حين أن الثابت من صحيفة الدعوى الابتدائية ومذكرة دفاع المطعون ضده الأول فيها أن محاميه ولي وظيفة مستشار بإدارة قضايا الحكومة وبالتالي فهو محظور عليه الحضور أمام المحاكم الابتدائية طبقاً لنص المادة 53 من قانون المحاماة رقم 61 سنة 1968 التي جاء نصها قاطع الدلالة على ترتيب البطلان على مخالفة هذا الحظر، وفي بيان الوجهين الثاني والثالث يقولان أن الحكم المطعون فيه رفض ما تمسك به الطاعن الأول من بطلان الحكمين الصادرين من محكمة الدرجة الأولى للإخلال بحقه في الدفاع وعدم إجابته إلى طلبي إعادة الدعوى للمرافعة وإعادة إعلان الخصم المدخل المطعون ضدها الثانية وأقام قضاءه على أنه منح الأجل الكافي لإعداد دفاعه الذي قدمه فعلاً وأن إدخاله زوجته خصماً في الدعوى جاء مخالفاً لحكم المادة 117 من قانون المرافعات والمادتين 21، 26 من قانون الإثبات ولم يقصد به إلا إطالة أمد التقاضي وعرقلة الفصل في الدعوى، في حين أن الدعوى حجزت للحكم بدون مذكرات ولم يراع ميعاد التكليف بالحضور بالنسبة له عند إعلانه بصحيفة الدعوى مما كان يتعين معه على المحكمة أن تستجيب لطلب إعادة الدعوى للمرافعة لتقديم دفاعه ومستنداته ويختصم من له الحق في اختصامه وأن من حقه إدخال زوجته في الدعوى إذ كان ينبغي اختصامها فيها منذ البداية باعتبارها مدعى عليها في دعوى إخلاء منزل الزوجية الذي استأجره باسمه نيابة عنها وتعتبر لذلك مستأجرة أصلية مثله، وحتى يكون الحكم الصادر في الدعوى حجة عليها ليمكنه مشاركتها الانتفاع بالسكن الآخر المنسوب إليه استئجاره باسمها، ولو أنه لم يطلب في صحيفة إدخالها إلا أن تسمع الحكم الذي يصدر في الدعوى وإلزامها بتقديم ما لديها من المستندات أوضحها في مذكراته.
وحيث إن النعي في وجهه الأول مردود بأن النص في المادة 53 من قانون المحاماة رقم 61 لسنة 1968 المعدل بالقانون رقم 65 لسنة 1970 - والمطبق على واقعة الدعوى - على أنه "لا يجوز لمن ولي الوزارة أو شغل منصب مستشار بمحكمة النقض أو محاكم الاستئناف أو مجلس الدولة أو إدارة قضايا الحكومة أو من في درجته في النيابة العامة أو النيابة الإدارية أن يمارس المحاماة إلا أمام محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا ومحاكم الاستئناف ومحاكم الجنايات ومحكمة القضاء الإداري ولا يسري هذا الحظر على المحامين المقيدين لدى غير هذه المحاكم وقت صدور هذا القانون "يدل على أن الشارع لم يضع شرطاً من شروط صحة العمل الذي يقوم به المحامي الذي كان يعمل بالجهات الواردة بالنص بل أصدر إليه أمراً لا تعدو مخالفته أن تكون مهنية تقع تحت طائلة الجزاء الإداري ولا تستتبع تجريد العمل الذي قام به المحامي من آثاره القانونية ولا تنال من صحته متى تم وفقاً للأوضاع التي تطلبها القانون، وكل ما يترتب على هذا الحظر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو توقيع العقوبات التأديبية التي نص عليها القانون، لما كان ذلك فلا يترتب على مباشرة محامي المطعون ضده الأول الذي شغل منصب مستشار بإدارة قضايا الحكومة إجراءات الدعوى أمام المحكمة الابتدائية أي بطلان سواء في إجراءاتها أو الحكم الصادر فيها والنعي مردود في وجهه الثاني بأن تقدير مدى الجد في الطلب الذي يقدمه الخصوم بغية إعادة الدعوى للمرافعة هو من الأمور التي تستقل بها محكمة الموضوع ولا يعاب عليها عدم الاستجابة إليه، والنعي في وجهه الثالث مردود بأنه ولئن كان لعقد إيجار المسكن طابع عائلي يتعاقد فيه رب الأسرة ليقيم فيه مع باقي أفراد أسرته إلا أن رب الأسرة المتعاقد يبقي دون أفراد أسرته المقيمين معه هو الطرف الأصيل في العقد ولا محل لإعمال أحكام النيابة الضمنية أو الاشتراط لمصلحة الغير ومن ثم فلا تعتبر زوجة الطاعن الأول المقيمة معه في عين النزاع مستأجرة أصلية يتعين اختصامها في دعوى إخلاء هذه العين وإذ يشترط لاختصام الغير وفقاً لنص المادة 117 من قانون المرافعات توافر شروط قبول الدعوى وأن يكون جائزاً اختصامه عند رفعها وأن يتوافر الارتباط بين الطلب الأصلي والطلب الموجه إلى هذا الغير وهو ما يخضع لتقدير المحكمة دون رقابة من محكمة النقض، ولئن كانت المادة 26 من قانون الإثبات قد أجازت للمحكمة أن تأذن أثناء سير الدعوى في إدخال الغير لإلزامه بتقديم محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده في الأحوال الثلاثة الواردة في المادة 20 من هذا القانون إلا أن المشرع تطلب مراعاة الأحكام والأوضاع المنصوص عليها في المواد من 21 إلى 25 من ذلك القانون، ومنها ما أوجبته المادة 21 من بيان أوصاف المحرر المطلوب إلزام الغير بتقديمه وفحواه بقدر ما يمكن من التفصيل والواقعة التي يستدل به عليها والدلائل والظروف التي تؤيد أنه تحت يد هذا الخصم المدخل ووجه إلزامه بتقديمه، ونص المشرع في المادة 22 على أنه لا يقبل طلب إلزام الخصم بتقديم المحررات الموجودة تحت يده إذا لم يتضمن البيانات المشار إليها، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وخلص بأسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق إلى أن - "...... الطاعن الأول لم يوجه إلى زوجته في صحيفة الإدخال أية طلبات تتعلق بالنزاع المطروح يجعل منها مدعية أو مدعى عليها في الدعوى وطالبها فقط بتقديم ما لديها من مستندات على خلاف ما تقضى به المادة 117 مرافعات والمادتان 21، 26 من قانون الإثبات، ولم يقصد إلا إطالة أمد التقاضي وعرقلة الفصل في الدعوى، وهي أسباب كافية لحمل قضاء الحكم فإن النعي برمته يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثاني من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقولان أن الحكم لم يواجه دفاع الطاعن الأول وأغفل الحديث عن معظم المستندات التي قدمها وأخذ بأقوال شهود المطعون ضده الأول رغم تناقضها وتعارضها مع ادعاءات الأخير واعتد بشهادة مؤجر السكن الآخر الذي قيل أنه استأجره وحرر عقده باسم زوجته وهو لا يجوز له إثبات ذلك إلا بالكتابة، ورفض طلب الطاعن الثاني إلزام المطعون ضده الأول بتحرير عقد إيجار له عن شقة النزاع بمقولة أنه لا يقيم بها استناداً إلى إعلانين أعلنا إليه في عنوان آخر في حين أن مثل هذين الإعلانين لا يدلان على عدم الإقامة في تلك الشقة، كما أن الحكم لم يجبه إلى طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات إقامته فيها.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير قيمة ما يقدم لها من أدلة فلا تثريب عليها في الأخذ بأي دليل تكون قد اقتنعت به ما دام هذا الدليل من طرق الإثبات قانوناً وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله، وهي غير ملزمة بأن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وترد استقلالاً على كل حجة أو قول أثاروه ما دام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج. كما أن تقدير أقوال الشهود والقرائن مما يستقل به قاضي الموضوع دون معقب عليه من محكمة النقض متى كان ذلك مقاماً على أسباب سائغة لما كان ذلك وكان ما استخلصه الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود وما استنبطه من القرائن من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها ويبرر قضاءه بإخلاء شقة النزاع فإن ما يثيره الطاعنان بسبب النعي لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير محكمة الموضوع للأدلة بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي أخذ بها الحكم بعد أن اطمأن إليها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ولا على المحكمة إذا هي لم تستجب إلى طلب الطاعن الثاني الإحالة على التحقيق متى رأت بما لها من سلطة التقدير أن لا حاجة بها إليه وأنه غير مجد بالنظر إلى ظروف الدعوى وما هو ثابت فيها من الأدلة والوقائع التي تكفي لتكوين عقيدتها وبحسبها أن تبين في حكمها الأسباب التي اعتمدت عليها.
وحيث إن الطاعن الأول ينعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله وحاصله أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن احتجازه المسكن الآخر تبرره ظروفه العائلية والاجتماعية بعد أن أقامت زوجته دعوى تطليق قدم صورة صحيفتها، إلا أن المحكمة طرحت هذا الدفاع بمقولة أن الدعوى المشار إليها قد أقامتها زوجته ضده بالتواطؤ بينهما خدمة للدعوى الماثلة وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 5 من القانون رقم 52 لسنة 1969 ومن المادة 8 من القانون رقم 49 سنة 1977 التي تحظر على الشخص مالكاً كان أو مستأجراً أن يحتفظ بأكثر من مسكن في البلد الواحد قد استثنت من حكمها حالة وجود مقتض للتعدد دون أن تضع المعايير المحددة له، ومن ثم فإن أمر تقدير المقتضي لحجز أكثر من مسكن في البلد الواحد يخضع لمطلق سلطان قاضي الموضوع يستخلصه من ظروف الدعوى وملابساتها ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض طالما ركن في تقديره إلى أسباب سائغة تؤدي إلى ما انتهى إليه في قضائه لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى انتفاء المقتضى لاحتجاز الطاعن أكثر من مسكن في البلد الواحد، وأن علاقة الزوجية ما زالت قائمة بين الطاعن الأول وزوجته المطعون ضدها الثانية وإنهما يقيمان معاً بمسكن في المعادي وأن الأخيرة أقامت دعوى التطليق ضده في تاريخ لاحق للدعوى ويقصد عرقلة تحقيق العدالة وهو ما يكفي لحمل قضاء الحكم، ومن ثم فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.