أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 1785

جلسة 12 من ديسمبر 1983

برئاسة السيد المستشار الدكتور سعيد عبد الماجد نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين دكتور أحمد حسني، يحيى الرفاعي، زكي المصري، ومنير توفيق.

(348)
الطعن رقم 293 سنة 48 القضائية

1 - 3 - فوائد. بنوك. عرف. محكمة الموضوع. نقض. نظام عام.
1 - تحريم الفوائد المركبة. الاستثناء ما تقضي به القواعد والعادات التجارية. وجوب تجميد الفوائد في الحساب الجاري.
2 - زوال صفة الحساب الجاري عنه بإقفاله. أثره. صيرورة الرصيد ديناً عادياً لا يجوز تقاضي فوائد مركبة عنه ولو اتفق الطرفان عليه. تعلق ذلك بالنظام العام. الاستثناء ما تقضي به القواعد والعادات التجارية.
3 - العادات التجارية. من مسائل الواقع التي يترك التثبت من قيامها وتفسيرها لقاضي الموضوع. خروجها عن رقابة محكمة النقض إلا حيث يحيد القاضي عن تطبيق عادة ثبت لديه قيامها.
4 - حكم "تسبيب الحكم". محكمة الموضوع.
عدم التزام الحكم بتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج.
5، 6 - تأميم. شركات "إدماج الشركات".
5 - تأميم بعض المنشآت بالقانون رقم 117 لسنة 1961. أثره. مسئولية المشروع المؤمم مسئولية كاملة عن جميع التزاماته السابقة على التأميم. لا يغير من ذلك أيلولة أسهم المنشأة للدولة مع تحديد مسئوليتها في حدود ما آل إليها. علة ذلك.
6 - استمرار الشركة في مزاولة نشاطها دون تصفيتها. مؤداه. مسئوليتها وحدها عن كافة ديونها السابقة على التأميم. إدماج الشركات بطريق الضم. أثره. حلول الشركة الدامجة محل الشركة المندمجة فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات. خلافتها لها في ذلك خلافة عامة.
1 - مفاد نص المادتين 232، 233 من القانون المدني أن المشرع قد حرم تقاضي الفوائد المركبة واستثنى من ذلك ما تقضي به القواعد والعادات التجارية كما أقر ما جرى عليه العرف من تجميد الفوائد داخل الحساب الجاري.
2 - صفة الحساب الجاري تزول عنه بإقفاله ويصبح الرصيد ديناً عادياً مما لا يجوز معه وفقاً للمادة 232 من القانون المدني تقاضي فوائد مركبة عنه ولو اتفق على ذلك الطرفان لأن تحريم الفوائد المركبة من النظام العام مما لا يصح معه الاتفاق على مخالفتها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما تقضي به القواعد والعادات التجارية.
3 - تقدير ثبوت العادات التجارية والتحقق من قيامها وتفسيرها يعتبر من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض إلا حيث يحيد عن إعمال حكم العادة التجارية التي ثبت لديه قيامها.
4 - عدم التزام الحكم بتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم ما دام في قيام الحقيقة التي أوردها واطمأن إليها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج.
5 - مؤدى القانون رقم 117 سنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت وقوانين التأميم اللاحقة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الشارع لم يشأ انقضاء الشركة أو المنشأة المؤممة بمقتضى هذه القوانين بل رأى الإبقاء على شكلها القانوني واستمرارها في ممارسة نشاطها مع إخضاعها للجهة الإدارية التي يرى إلحاقها بها وهذا الإشراف لا يعني زوال شخصية الشركة أو المنشأة المؤممة بل تظل شخصيتها المعنوية التي كانت لها قبل التأميم وذمتها المالية المستقلة بما عساه يكون عالقاً بها من التزامات فتسأل الشركة المؤممة مسئولية كاملة عن جميع التزاماتها السابقة على التأميم كنتيجة حتمية لاستمرار شخصيتها المعنوية ولا يغير من ذلك أيلولة أسهم الشركات المؤممة إلى الدولة مع تحديد مسئوليتها عن التزاماتها السابقة في حدود ما آل إليها من أموالها وحقوقها في تاريخ التأميم، ذلك أن مسئولية الدولة - وقد أصبحت المساهم الوحيد بعد أن آلت إليها ملكية الشركة المؤممة - لا تعدو أن تكون تطبيقاً للقواعد العامة في مسئولية المساهم الذي لا يسأل أثناء قيام الشركة عن التزاماتها وإنما تتحدد مسئوليته عند التصفية بقيمة ما يملك من أسهم.
6 - استمرار الشركة في مزاولة نشاطها بعد التأميم - ولم تتم تصفيتها - تظل مسئولة وحدها مسئولية كاملة عن كافة ديونها السابقة على التأميم ولا يغير من ذلك إدماجها بعد تأميمها، ذلك أن إدماج الشركات بطريق الضم وإن كان يترتب عليه أن تنقضي الشركة المندمجة وتمحى شخصيتها الاعتبارية وذمتها المالية إلا أن الشركة الدامجة تحل محلها فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات وتخلفها في ذلك خلافة عامة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن البنك الطاعن أقام الدعوى رقم 152 لسنة 1967 تجاري كلي القاهرة على المطعون ضدهم من الثاني إلى الأخيرة وشركة مخابز شمال القاهرة بطلب الحكم بإلزامهم متضامين بأن يدفعوا له مبلغ 1140.227 جنيهاً وفوائده بواقع 7% سنوياً تضاف إلى الأصل شهرياً اعتباراً من 1/ 1/ 1965 وحتى السداد. وبياناً لذلك قال إنه بموجب عقد تاريخه 16/ 2/ 1960 فتح حساباً جارياً في حدود مبلغ 1500 جنيه لمدة سنة تنتهي في 15/ 2/ 1961 لصالح المطعون ضدهم من السابع إلى التاسع والحادي عشر والمرحوم....... مورث المطعون ضدهم من الثاني إلى السادسة والمرحوم....... مورث المطعون ضدها العاشرة على أن يكون المذكورون مدينين متضامنين وقد نص في العقد على استحقاق فائدة بواقع 6.5% تضاف إلى الأصل شهرياً وعلى استحقاق فائدة تأخير بواقع 7% سنوياً تضاف إلى الأصل شهرياً. وبتاريخ 31/ 12/ 1964 أقفل الحساب عن رصيد مدين قدره 1140.227 جنيهاً. وإذ كانت مخابز المدينين المذكورين قد أممت وآلت ملكيتها إلى الشركة المطعون ضدها الأخيرة وشركة مخابز شمال القاهرة وامتنعت مؤسسة المخابز المشرفة على هاتين الشركتين عن سداد ذلك الدين فقد أقام البنك الطاعن الدعوى بطلباته السابقة، وبتاريخ 13/ 2/ 1969 قضت محكمة القاهرة الابتدائية بإلزام الشركة المطعون ضدها الأخيرة وشركة مخابز شمال القاهرة بأن تدفعا له مبلغ 1140.227 ج والفوائد بواقع 7% من تاريخ المطالبة القضائية في 7/ 5/ 1968 وحتى السداد وبرفض ما عدا ذلك من طلبات. استأنفت الشركة المطعون ضدها الأولى هذا الحكم بالاستئناف رقم 208 لسنة 86 قضائية القاهرة. كما استأنفه البنك الطاعن بالاستئناف رقم 229 لسنة 86 قضائية القاهرة، وبعد أن قررت محكمة استئناف القاهرة ضم الاستئنافين قضت بتاريخ 24/ 12/ 1977 بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام المطعون ضدهم من الثاني إلى السادسة من تركة مورثهم المرحوم........ والمطعون ضدهم السابع والثامن والتاسع والحادي عشر شخصياً والعاشرة من تركة مورثها........ وعلى وجه التضامن بأن يدفعوا للبنك الطاعن مبلغ 1140.227 جنيهاً والفوائد بواقع 7% سنوياً اعتباراً من 1/ 1/ 1965 وبرفض ما عدا ذلك من طلبات. طعن البنك الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها نقض الحكم المطعون فيه للسبب الأول، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب. وفي بيان ذلك يقول إن الحكم لم يقض له بفائدة مركبة على الرصيد النهائي للحساب الجاري بعد قفله بمقولة إن صفة الحساب الجاري قد زالت عنه بإقفاله وأصبح الرصيد ديناً عادياً مما لا يجوز معه - طبقاً لنص المادة 232 من القانون المدني - تقاضي فوائد مركبة عنه إلا إذا ثبت وجود قاعدة أو عادة تقضي بغير ذلك، وأن المحكمة لم تجد في أوراق الدعوى ما يقنعها بوجود تلك العادة، في حين أن قفل الحساب الجاري وإن كان يترتب عليه تسويته بإجراء المقاصة بين الجانب الدائن والجانب المدين منه لاستخراج الرصيد النهائي، فإنه لا يبرر وقف تجميد الفائدة المتفق عليها ولا يسوغ قول الحكم المطعون فيه - تبريراً لوقف تجميد تلك الفائدة - أنه لم يجد في أوراق الدعوى ما يقنعه بوجود عادة تقضي بغير ذلك؛ لأن الطاعن قدم للتدليل على وجود تلك العادة العديد من الأحكام القضائية. وإذ التفت الحكم عن دلالتها في إثبات العادة التي تقضي باستحقاق فوائد مركبة عن رصيد الحساب النهائي بعد قفله، فإنه يكون فضلاً عن خطئه في تطبيق القانون قد شابه القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان مفاد نص المادتين 232، 233 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع قد حرم تقاض الفوائد المركبة واستثنى من ذلك ما تقضي به القواعد والعادات التجارية، كما أقر ما جرى عليه العرف من تجميد الفوائد داخل الحساب الجاري. إلا أنه لما كانت صفة الحساب الجاري تزول عنه بإقفاله، فإن دين الرصيد يصبح ديناً عادياً مما لا يجوز معه وفقاً للمادة 232 تقاضي فوائد مركبة عنه ولو اتفق على ذلك الطرفان: لأن قاعدة تحريم الفوائد المركبة تتعلق بالنظام العام مما لا يصح معه الاتفاق على مخالفتها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما تقضي به القواعد والعادات التجارية، وتقدير ثبوت العادات والتحقق من قيامها وتفسيرها يعتبر من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض إلا حيث يحيد عن إعمال العادة التجارية التي ثبت لديه قيامها. لما كان ذلك وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه - بعدم أحقية البنك الطاعن في اقتضاء الفائدة التأخيرية المتفق عليها مركبة تضاف إلى الأصل شهرياً عن رصيد الحساب الجاري بعد قفله - على أن صفة الحساب الجاري زالت عنه بإقفاله وأصبح الرصيد ديناً عادياً مما لا يجوز معه تقاضي فوائد مركبة عنه إلا إذا ثبت وجود قاعدة أو عادة تقضي بغير ذلك، وأنه لم يثبت لديه وجود تلك العادة. وكان استخلاص الحكم لهذه الحقيقة سائغاً، فإنه لا يكون ملزماً بعد ذلك بأن يتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم ويرد على كل قول أو حجة أثاروها ما دام في قيام الحقيقة التي أوردها واطمأن إليها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج، ويكون النعي عليه بما ورد في سببي الطعن المشار إليهما على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتفسيره. وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه برفض الدعوى قبل الشركتين المطعون ضدهما الأولى والأخيرة، على أن الدولة لا تسأل عن التزامات الشركات والمنشآت المؤممة إلا في حدود ما آل إليها من أموالها وحقوقها في تاريخ التأميم وأن أموال أصحاب هذه الشركات والمنشآت وأموال أزواجهم وأولادهم تكون ضامنة للوفاء بالالتزامات الزائدة عن أصول هذه الشركات والمنشآت. وإنه لما كانت خصوم مخبزي.... وأخوته المؤممين تزيد على أصولهما، فإن أصحاب هاتين المنشأتين يكونون مسئولين عن التزاماتهما في حين أن التأميم لا يفقد الشركة أو المنشأة المؤممة شخصيتها الاعتبارية التي كانت لها قبل التأميم، ومسئولية الدولة - وقد أصبحت المساهم الوحيد بعد أن آلت ملكية جميع الأسهم إليها - لا تعدو أن تكون تطبيقاً للقواعد العامة في مسئولية المساهم الذي لا يسأل أثناء قيام الشركة عن التزاماتها وإنما يسأل عند تصفية الشركة في حدود قيمة الأسهم، وإذ خالف الحكم المطعون فيه ذلك، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن مؤدى القانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت، وقوانين التأميم اللاحقة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الشارع لم يشأ انقضاء الشركة أو المنشأة المؤممة بمقتضى هذه القوانين، بل رأى الإبقاء على شكلها القانوني واستمرارها في ممارسة نشاطها مع إخضاعها للجهة الإدارية التي يرى إلحاقها بها، وهذا الإشراف لا يعني زوال شخصية الشركة أو المنشأة المؤممة بل تظل شخصيتها المعنوية التي كانت لها قبل التأميم وذمتها المالية المستقلة بما عساه أن يكون عالقاً بها من التزامات، فتسأل الشركة المؤممة مسئولية كاملة عن جميع التزاماتها السابقة على التأميم كنتيجة حتمية لاستمرار شخصيتها المعنوية، ولا يغير من ذلك أيلولة أسهم الشركات المؤممة إلى الدولة مع تحديد مسئوليتها السابقة في حدود ما آل إليها من أموالها وحقوقها في تاريخ التأميم، ذلك أن مسئولية الدولة - وقد أصبحت المساهم الوحيد بعد أن آلت إليها ملكية الشركة المؤممة - لا تعدو أن تكون تطبيقاً للقواعد العامة في مسئولية المساهم الذي لا يسأل أثناء قيام الشركة عن التزاماتها وإنما تتحدد مسئوليته عند التصفية بقيمة ما يملك من أسهم. لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه، أنه قد تم تأميم شركة مخابز........ وأخوته وآلت ملكيتها إلى الشركتين المطعون ضدهما الأولى والأخيرة، وبذلك تكون الشركة قد استمرت في مزاولة نشاطها بعد التأميم ولم تتم تصفيتها، ومن ثم تظل مسئولة وحدها مسئولية كاملة عن كافة ديونها السابقة على التأميم، ولا يغير من ذلك إدماجها بعد تأميمها في الشركتين المطعون ضدهما الأولى والأخيرة، ذلك أن إدماج الشركات بطريق الضم وإن كان يترتب عليه أن تنقضي الشركة المندمجة وتمحى شخصيتها الاعتبارية وذمتها المالية، إلا أن الشركة الدامجة تحل محلها فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات، وتخلفها في ذلك خلافة عامة، وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره مما يستوجب نقضه لهذا السبب.