أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 39 - صـ 977

جلسة 25 من مايو سنة 1988

برئاسة السيد المستشار/ عبد المنصف هاشم - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ جرجس إسحق - نائب رئيس المحكمة، محمد فتحي الجمهودي، إبراهيم الطويلة ومحمد شوقي السيد الحديدي.

(159)
الطعن رقم 645 لسنة 54 القضائية

(1) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الأدلة".
لمحكمة الموضوع سلطة بحث وتقدير ما يقدم لها من دلائل ومستندات وترجيح ما تطمئن إليه منها واستخلاص ما تراه متفقاً مع واقع الدعوى.
(2) حكر "تعريفه، انتهاء الحكر" وقف.
الحكر. ماهيته. عقد إيجار يعطي للمحتكر حق البقاء والقرار على الأرض ما دام يدفع الأجرة. تخريب البناء المحتكر أو جفاف شجرة وعدم بقاء أثر لأيهما - لازمه. انتهاء الحكر وعودة الأرض إلى جهة الوقف التابعة لها. توقيت الحكر وتحديد مدته. م 999 مدني. سريانه على الأحكار التي أنشئت بعد العمل بالقانون المدني الجديد في 15/ 10/ 1949. الأحكار السابقة على هذا التاريخ والتي لم ينص على كيفية انتهائها. بقائها خاضعة لقواعد الشريعة الإسلامية التي كانت تحكمها وقت إنشائها.
1- جرى قضاء هذه المحكمة على أن لمحكمة الموضوع سلطة بحث وتقدير ما يقدم لها من الدلائل والمستندات وترجيح ما تطمئن إليه منها واستخلاص ما تراه متفقاً مع واقع الدعوى.
2- المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الاحتكار من وضع فقهاء الشريعة الإسلامية وهو عندهم عقد إيجار يعطي للمحتكر حق البقاء والقرار على الأرض المحكورة ما دام يدفع أجرة المثل ونصوا على أنه لو خرب بناء المحتكر أو جف شجره ولم يبق لهما أثر في أرض الوقف ومضت مدة الاحتكار عادت الأرض إلى جهة الوقف ولم يكن للمحتكر ولا لورثته حق البقاء وإعادة البناء ونصوا أيضاً على أنه إذا لم يمكن الانتفاع بالعين المؤجرة ينفسخ العقد وتسقط الأجرة عن المحتكر عن المدة الباقية - لما كان ذلك - وكان البين من الأعمال التحضيرية للقانون المدني الحالي أن النص في المادة 999 منه على توقيت الحكر وتحديد مدته إنما تسري على الأحكار الجديدة التي تنشأ في ظل العمل به اعتباراً من 15/ 10/ 1949 أما الأحكار السابقة على هذا التاريخ فلم ينص على كيفية انتهائها وتركها إلى أن يصدر في شأنها تشريع خاص بعد أن تعارضت مصالح وحقوق المحكرين والمحتكرين تعارضاً استعصى على التوفيق وبذلك تبقى هذه الأحكار خاضعة لقواعد الشريعة الإسلامية التي كانت تحكمها وقت إنشائها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الهيئة الطاعنة أقامت الدعوى رقم 4732 سنة 1982 مدني الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بإلزام المطعون عليها بإزالة المباني المقامة على الأرض المبينة بالأوراق وتسليمها خالية مما يشغلها، وقالت بياناً لذلك أنها تمتلك بموجب حجة وقف مسجلة برقم 542 سنة 294 هجرية قطعة أرض مساحتها 259.250 ذراعاً تم تحكيرها وأقيمت عليها مباني العقار رقم 10 تنظيم شارع كنيسة الأقباط الأرثوذكس وقد بيع هذا العقار - محملاً بحق الحكر - إلى المطعون عليها التي قامت بهدم مباني ذلك العقار بعد أن استصدرت قرار هدم بتاريخ 23/ 10/ 1978 ثم شرعت في إقامة بناء جديد على الأرض المحكرة ولما كان الحكر على الأرض الموقوفة لمدة غير محددة ينتهي بهدم البناء المقام عليها وكان لا يحق للمطعون عليها إقامة بناء بدلاً من البناء الذي قامت بهدمه بعد أن انتهى الحكر فقد أقامت الدعوى بطلباتها سالفة البيان، وبتاريخ 17/ 4/ 1983 حكمت المحكمة برفض الدعوى، استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 680 سنة 39 ق وبتاريخ 17/ 1/ 1984 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعي الطاعنة بالأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بأن حق الحكر لم ينتقل إلى المطعون عليها وأن عبء إثبات انتقاله يقع على عاتقها بعد أن تمسكت بحق الحكر، وبأن عقد البيع الصادر إلى المذكورة وكذا العقد الصادر إلى البائعة لها اقتصر على ملكية المباني المقامة على الأرض المحكرة فقط غير أن الحكم المطعون فيه لم يواجه هذا الدفاع وأطرحه على مجرد القول بأنه استخلص من المستندات المقدمة أن حق الحكر شملته التصرفات التي تمت وانتقل إلى المطعون عليها دون أن يبين ما إذا كانت هذه التصرفات قد صدرت من المحتكر الأصلي أو ممن تلقى عنه حق الحكر ودون أن يفصح عن صلة من أصدرها بالمحتكر الأصلي ولا يغير من ذلك إقرارها أن أرض النزاع كانت محكرة لأن هذا الإقرار لا يعفي المطعون عليها من تقديم الدليل على أن حق الحكر قد انتقل إليها.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول - ذلك أن قضاء هذه المحكمة جرى على أن لمحكمة الموضوع سلطة بحث وتقدير ما يقدم لها من الدلائل والمستندات وترجيح ما تطمئن إليه منها واستخلاص ما تراه متفقاً مع واقع الدعوى - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه واجه دفاع الطاعنة الوارد بسبب النعي بقوله "...... أن الثابت من الحكم 1175 سنة 1949 م. ك إسكندرية المقدم من المستأنفة (الطاعنة) والصادر في الدعوى المقامة منها ضد البائعين للبائعة للمستأنف ضدها (المطعون عليها) بطلب زيادة قيمة الحكر.. أن محضر الصلح... الذي ألحقته المحكمة بمحضر الجلسة قد تضمن أن أرض النزاع محكرة لتلك البائعتين (......) وهو لذلك يدل على انتقال حق الحكر من المستأنفة للبائعتين المذكورتين ولم يثبت من واقع الدعوى أنه عاد مرة أخرى إليها بل الثابت من عقد البيع المؤرخ 19/ 5/ 65 - أن هاتين البائعتين باعتا المنزل... للبائعة للمستأنف ضدها وزوجها وأن الأرض المقام عليها ذلك المنزل محكرة لوقف بطريركية الأقباط الأرثوذكس وأن قيمة الحكر 34 جنيه... ونص في البند الخامس من العقد على التزام المشترين بدفع ما يطلب من عوائد ورسوم أو حكر، وقد ثبت سدادهما لرسوم الحكر بالإيصال المؤرخ 22/ 12/ 1976... ومن ثم فإن العقد يدل على أن حق الحكر قد انتقل للمشترين وإلا لما التزما بسداد رسومه ثم تضمن عقد البيع المؤرخ 24/ 7/ 1974 - المسجل برقم 2547.. شراء المستأنف ضدها من المشترية في العقد السالف الإشارة... ونص في العقد على أن البيع شمل جميع المباني ومنفعة الأرض المحكرة لصالح أوقاف الأقباط الأرثوذكس وكان التعبير في العقد بنقل منفعة الأرض المحكرة للمشترية يعني نقل حق الحكر إليها.. فإن المحكمة تستخلص من المستندات سالفة البيان أن حق الحكر الذي كان مقرراً أصلاً للمستأنفة قد شملته التصرفات سالفة الذكر وانتقل أخيراً للمستأنف ضدها يؤكد هذا الاستخلاص الطلب المقدم من المستأنف ضدها لوكيل المجلس المحلي لنقل المطالبة الخاصة بالحكر في سجلات ذلك المجلس باسمها... ثم تأشر بعد ذلك على الطلب بأن المجلس قد وافق... ومن ثم فإن المحكمة تستخلص منه أن حق الحكر قد انتقل للمستأنف ضدها بموجب العقد المسجل سالف الذكر وإلا لما كان هناك محلاً للتأشير على الطلب المذكور بتلك التأشيرات... ويؤكد هذا الاستخلاص... أيضاً ما تضمنته صحيفة الدعوى الابتدائية من إقرار المستأنفة فيها بأن حق الحكر قد انتقل إلى المستأنف ضدها إلا أنه انتهى بهدم البناء وكان هذا الإقرار... من المستأنفة يعتبر حجة قاطعة عليها.... ويضحى حق الحكر موضوع النزاع قد انتقل لكل ما تقدم للمستأنف ضدها... ويتعين لذلك طرح الدفاع في هذا الخصوص.... وكان البين من هذه الأسباب أن محكمة الموضوع في حدود سلطتها في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها خلصت إلى انتقال حق الحكر إلى المطعون عليها وأقامت قضاؤها في هذا الخصوص على تلك الأسباب السائغة التي لها أصلها الثابت في الأوراق وتؤدي إلى النتيجة التي خلصت إليها فإن هذا النعي لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنة تنعي بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال إذ اعتبر الحكر غير محدد المدة مؤيداً طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ولا ينتهي حتى يتهدم البناء الذي كان المحتكر الأصلي قد أقامه واستدل على ذلك بعدم تقديمه عقد الحكر حتى يمكن معرفة مدته رغم أن المطعون عليها هي التي استندت إلى قيام الحكر وانتقال الحق فيه إليها وهي المكلفة بإثبات ذلك، وأن الحكر عقد مؤقت ينتهي بانتهاء مدته كما ينتهي حتماً إذا خرب البناء على الأرض المحكرة أو جف شجره وفي هذه الحالة تعود الأرض إلى جهة الوقف ولا يكون للمحتكر ولا لورثته حق البقاء وإعادة البناء.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن الاحتكار من وضع فقهاء الشريعة الإسلامية وهو عندهم عقد إيجار يعطي للمحتكر البقاء والقرار على الأرض المحكورة ما دام يدفع أجرة المثل ونصوا على أنه لو خرب بناء المحتكر أو جف شجره ولم يبق لهما أثر في أرض الوقف ومضت مدة الاحتكار وعادت الأرض إلى جهة الوقف ولم يكن للمحتكر ولا لورثته حق البقاء وإعادة البناء ونصوا أيضاً على أنه إذا لم يكن الانتفاع بالعين المؤجرة بفسخ العقد وتسقط الأجرة عن المحتكر عن المدة الباقية - لما كان ذلك، وكان البين من الأعمال التحضيرية للقانون المدني الحالي أن النص في المادة 999 منه على توقيت الحكر وتحديد مدته إنما يسري على الأحكار الجديدة التي تنشأ في ظل العمل به اعتباراً من 15/ 10/ 1949 أما الأحكار السابقة على هذا التاريخ فلم ينص على كيفية انتهائها وتركها إلى أن يصدر في شأنها تشريع خاص. بعد أن تعارضت مصالح وحقوق المحكرين والمحتكرين تعارضاً استعصى على التوفيق، وبذلك تبقى هذه الأحكار خاضعة لقواعد الشريعة الإسلامية التي كانت تحكمها وقت إنشائها، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم بهذه الأحكام إذ استند في قضائه برفض الدعوى - على ما يبين من مدوناته - إلى أن إقامة المطعون عليها البناء الجديد على الأرض المحكرة لا يعد تخريباً للبناء الذي كان قائماً من قبل بالمعنى الذي قصده فقهاء الشريعة الإسلامية ينتهي معه حق الحكر وإنما هو ضرب من ضروب الاستثمار والانتفاع بتلك الأرض يبقى به حق الحكر الذي كان قد انتقل إليها فإنه يكون قد وافق صحيح القانون ويضحى هذا النعي على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.