أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 39 - صـ 1130

جلسة 25 من أكتوبر سنة 1988

برئاسة السيد المستشار/ يحيى الرفاعي - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمود شوقي - نائب رئيس المحكمة، محمد وليد الجارحي، محمود رضا الخضيري وأحمد الحديدي.

(188)
الطعن رقم 2342 لسنة 55 القضائية

(1 - 2) عقد "تكييف العقد" "تفسير العقد". محكمة الموضوع. هبة "الهبة غير المباشرة". حكم "تسبيب الحكم". "ما يعد قصوراً".
(1) تكييف العقود العبرة فيه بحقيقة ما عناه المتعاقدون منها دون التقيد بتكييفهم لها. لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير نية المتعاقدين واستظهار حقيقة العقد واستنباط الواقع من عباراته على ضوء الظروف الملابسة. شرطه أن يكون سائغاً.
(2) عقد البيع الذي يتدخل فيه طرف ثالث بدفع الثمن تبرعاً بقصد نقل الملكية مباشرة إلى المشتري. هبة غير مباشرة. المال الموهوب. العقار المبيع وليس الثمن. (مثال).
1- من المقر في قضاء هذه المحكمة أن العبرة في تكييف العقود هي بحقيقة ما عناه المتعاقدون منها دون التقيد بتكييفهم لها، وأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفهم نية المتعاقدين واستنباط الواقع من عبارات العقد واستظهار حقيقته على ضوء لظروف الملابسة، إلا أنه يشترط أن يبين كيف أفادت هذه الظروف وتلك العبارات المعنى الذي استخلصته منها، وأن يكون هذا البيان سائغاً.
2- لما كان التكيف الصحيح لتداخل طرف ثالث في عقد بيع العقار، وقيامه بدفع كامل الثمن من ماله إلى البائع على سبيل التبرع مقابل أن تنتقل الملكية من الأخير إلى المشتري مباشرة أن هذا التصرف في حقيقة هبة غير مباشرة وأن المال الموهوب ليس هو الثمن بل هو العقار المبيع ذاته، وكان الثابت من عقد البيع موضوع الدعوى أن مورثة الطاعنين كانت طرفاً فيه وقد تضمن هذا العقد أنها هي التي دفعت إلى البائعين كامل الثمن من مالها تبرعاً منها للمشترين، مما مفاده أن المورثة هي المشترية الحقيقة للأطيان المبيعة وقد قصدت بتصرفها أن تختصر الطريق والإجراءات فلا تشتري بعقد تم تهب بآخر بل يتم الأمران بعقد واحد، وكان التكييف الصحيح لهذا التصرف أنه هبة غير مباشرة منها لولدها وزوجته وأولادهما وأن المال الموهوب في الحقيقة ليس هو الثمن كما هو وارد بالعقد بل هو الأطيان المبيعة ذاتها، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وجرى في قضائه على أن المورثة لم تكن طرفاً في العقد واستخلص من عبارات العقد أن المال الموهوب هو الثمن وليس الأطيان المبيعة، وأن هذا الثمن قد هلك بدفعه من المشترين إلى البائعين ورتب الحكم على هذا الاستخلاص الفاسد عدم جواز الرجوع في الهبة تطبيقاً لنص الفقرة السادسة من المادة 502 من القانون المدني وتحجب بذلك عن مواجهة ما أثارته الواهبة من جحود المطعون ضدها الأولى فإنه يكون قد خالف القانون. وأخطأ في تطبيقه وشابه قصور في التسبيب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن مورثة الطاعنين أقامت الدعوى 1766 لسنة 1982 مدني الإسكندرية الابتدائية على المطعون ضدهم بطلب الحكم بثبوت حقها في الرجوع في الهبة التي أصدرتها إلى المطعون ضدها الأولى عن الأطيان المبينة في الصحيفة، وقالت بياناً لذلك أنها بموجب عقد بيع ابتدائي اشترت هذه الأطيان ضمن مساحة أكبر، ثم رأت أن تهب المساحتين إلى ابنها وأولاده وزوجته المطعون ضدها الأولى، فطلبت من البائعين نقل الملكية إليهم مباشرة، وتم ذلك بموجب عقد بيع مسجل برقم 3276 لسنة 1969 أبو المطامير، وثبت فيه أنها هي التي دفعت الثمن من مالها تبرعاً لهم، ونظراً لجحود المطعون ضدها الأولى فقد أقامت دعواها بالطلبات السالفة، ومحكمة أول درجة حكمت في 31/ 12/ 1982 برفض الدعوى، استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف 169 لسنة 40 ق الإسكندرية، وبتاريخ 28/ 5/ 1985 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيه التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب، ذلك أنه أقام قضاءه بعدم جواز الرجوع في الهبة على أن المال الموهوب هو ثمن أطيان النزاع وقد هلك بدفعه من الموهوب لها إلى البائعين، واستدل على ذلك بأن الواهبة لم تتملك تلك الأطيان ولم يثبت أنها كانت طرفاً في عقد البيع في حين أن الثابت من العقد ذاته أنها كانت طرفاً فيه وأنها اختصاراً للإجراءات ارتأت أن يحرر عقد البيع النهائي للموهوب لهم مباشرة واكتفت بالنص في هذا العقد على أنها تبرعت لهم بالثمن ومن ثم فإن التكييف الصحيح لتصرفها أنه هبة غير مباشرة لأطيان النزاع وليس لذلك الثمن.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه من المقر في قضاء هذه المحكمة أن العبرة في تكييف العقود هي بحقيقة ما عناه المتعاقدون منها دون التقيد بتكييفهم لها، وأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفهم نية المتعاقدين واستنباط الواقع من عبارات العقد واستظهار حقيقته على ضوء الظروف الملابسة إلا أنه يشترط أن تبين كيف أفادت هذه الظروف وتلك العبارات المعنى الذي استخلصته منها، وأن يكون هذا البيان سائغاً، ولما كان التكييف الصحيح لتداخل طرف ثالث في عقد بيع العقار، وقيامه بدفع كامل الثمن من ماله إلى البائع على سبيل التبرع مقابل أن تنتقل الملكية من الأخير إلى المشتري مباشرة أن هذا التصرف في حقيقته هبة غير مباشرة، وأن المال الموهوب ليس هو الثمن بل هو العقار المبيع ذاته لما كان ذلك، وكان الثابت من عقد البيع موضوع الدعوى أن مورثة الطاعنين كانت طرفاً فيه وقد تضمن هذا العقد أنها هي التي دفعت إلى البائعين كامل الثمن من مالها تبرعاً منها للمشترين، مما مفاده أن المورثة هي المشترية الحقيقة للأطيان المبيعة وقد قصدت بتصرفها أن تختصر الطريق والإجراءات فلا تشتري بعقد ثم تهب بآخر بل يتم الأمران بعقد واحد، وكان التكييف الصحيح لهذا التصرف أنه هبة غير مباشرة منها لولدها وزوجته وأولادهما وأن المال الموهوب في الحقيقة ليس هو الثمن كما هو وارد بالعقد بل هو الأطيان المبيعة به ذاتها، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وجرى في قضائه على أن المورثة لم تكن طرفاً في العقد واستخلص من عبارات العقد أن المال الموهوب هو الثمن وليس الأطيان المبيعة وأن هذا الثمن قد هلك بدفعه من المشترين إلى البائعين ورتب الحكم على هذا الاستخلاص الفاسد عدم جواز الرجوع في الهبة تطبيقاً لنص الفقرة السادسة من المادة 502 من القانون المدني وتحجب بذلك عن مواجهة ما أثارته الواهبة من جحود المطعون ضدها الأولى فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه قصور في التسبيب بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لمناقشة باقي أوجه الطعن.