مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 21

(4)
جلسة 22 من أكتوبر سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر - المستشارين.

القضية رقم 1394 لسنة 8 القضائية

( أ ) عامل. "تعيين". "شروطه".
الشروط اللازمة للتعيين - شرط اللياقة الطبية للخدمة - وجوب توافره بالنسبة إلى عمال اليومية الدائمين [(1)].
(ب) عامل. "تعيين". "شروطه". الإعفاء منها.
إعفاء العامل من شرط اللياقة الطبية - لا يكون إلا بنص في القانون أو بقرار صريح ممن خوله القانون في ذلك [(1)].
(جـ) عامل. "تعيينه". "شروطه". قرار إداري: سحبه.
تعيين العامل دون استيفاء شرط اللياقة الطبية - لا يعتبر بمثابة إعفاء ضمني له منها ولا يترتب عليه صيرورة القرار حصيناً من السحب - إنهاء الخدمة في حال عدم ثبوت اللياقة بعدئذ.
1 - إن ثبوت لياقة الموظف الطبية للخدمة، هو شرط من الشروط الجوهرية اللازمة للصلاحية للتعيين في الوظيفة العامة، والاستمرار فيها، وقد رددت هذا الأصل بالنسبة إلى عمال اليومية الدائمين - ومن قبل صدور كادر العمال - التعليمات المالية الصادرة في سنة 1922، والمتضمنة للأحكام التي وافق عليها مجلس الوزراء في 8 من مايو سنة 1922 إذ نصت الفقرة 29 من هذه التعليمات، على ألا يعاد إلى الخدمة أحد عمال اليومية المفصولين لعدم اللياقة الطبية، ما لم يقرر لياقته القومسيون الطبي العام أو أي سلطة ينتدبها القومسيون لهذا الغرض" ولا شبهة في أن اللياقة الطبية التي تشترط لبقاء العامل في وظيفته الدائمة، طبقاً للتعليمات المالية، هي من الأمور التي يتعين اعتبارها مكملة بطبيعتها لأحكام كادر عمال اليومية، ما دام لم يرد في هذه الأحكام ما يتعارض معها.
2 - إن الإعفاء من شرط اللياقة الطبية - وهو استثناء من وجوب توفر هذه اللياقة للصلاحية للتعيين في الوظيفة والبقاء فيها - لا يكون إلا بنص في القانون، أو بقرار صريح ممن خوله القانون رخصة هذا الإعفاء.
3 - طول العهد على تعيين العامل دون استيفاء شرط اللياقة الطبية بالنسبة إليه، لا يعتبر إعفاء ضمنياً له من هذا الشرط، ينبني عليه سقوط حق الإدارة في التمسك به قبله ولا ينطوي على هذا المعني لتعلق الأمر بصلاحية يتجدد تطلبها لمصلحة الوظيفة العامة ذاتها، وهذه الصلاحية الواجب استمرارها، والتي هي حق الوظيفة على المكلف بعملها هي شرط جوهري لازم لقيام العلاقة الوظيفية نشوءاً وبقاءً وبهذه المثابة فإن الإعفاء منها أو النزول عنها، لا يفترض، ومتى انتفى هذا الافتراض سقطت بالتالي حجة تحصن قرار التعيين، غير المقترن بثبوت اللياقة الطبية، بل أن فقدان هذه اللياقة، لسبب ما بعد سابقة ثبوتها، هو في ذاته سبب لإنهاء خدمة العامل، وهو من باب أولى موجب لهذا الإنهاء في حالة عدم ثبوتها أصلاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة. من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة، تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 447 لسنة 9 القضائية ضد وزارة الأشغال العمومية، بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في 12 من ديسمبر سنة 1961 بناء على قرار صادر لصالحه في جلسة أول نوفمبر سنة 1961 من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية المذكورة في طلب الإعفاء رقم 3324 لسنة 8 القضائية المقدم منه ضد وزارة الأشغال العمومية، وطلب في عريضة الدعوى "الحكم للمدعي بتعويض قدره 200 جنيه عن القرار الصادر بتاريخ 22 من إبريل سنة 1959، والقاضي بفصله من اليومية المستديمة، وتحويله إلى اليومية المؤقتة، مع تحميل الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة." وقال بياناً لدعواه، أنه عين في سنة 1941 بتفتيش قناطر الدلتا في مهنة مساعد جنايني مستديم، وطبق عليه كادر العمال واستمر يحصل على علاوته إلى أن صدر - في 22 من مايو سنة 1959 - قرار بفصله من اليومية المستديمة، وتحويله إلى اليومية المؤقتة، بحجة أنه لم يستوف شرط اللياقة الطبية عند بدء تعيينه بالخدمة، ولما كان عدم توفر شرط اللياقة الطبية، لا يعتبر عيباً جسيماً يؤدي إلى انعدام قرار تعيينه في وظيفته هذه التي لا يتطلب أداؤها قدراً معيناً من اللياقة، ولا يخضع شاغلها لنظام دوري في الكشف الطبي، فإنه يمكن اعتباره قد أعفي - إعفاء ضمنياً - من الكشف الطبي بعد مضي مدة طويلة على تعيينه دون طلب استيفاء هذا الشرط فيه. وقد أجابت الوزارة عن الدعوى، بأن المدعي عين باليومية المؤقتة في 13 من أكتوبر سنة 1942 في مهنة عامل حدائق، واعتبر باليومية الدائمة عند تطبيق كادر العمال عليه في سنة 1945، وقد استوجب ذلك استيفاء مسوغات تعيينه ومنها أن تثبت له اللياقة الطبية اللازمة، بيد أنه امتنع عن التقدم لتوقيع الكشف الطبي عليه، على الرغم من تكليفه مراراً بالتقدم لهذا الكشف، ولما تقدم له بعد ذلك، تبين أنه غير لائق طبياً للخدمة، ومن ثم كان يتعين فصله عملاً بمنشور وزارة المالية رقم م/ 6/ 21/ 12 الصادر في سبتمبر سنة 1950، إلا أنه لم يفصل، وإنما حول إلى اليومية المؤقتة اعتباراً من 21 من أبريل سنة 1959 بأجره الذي كان يحصل عليه في ذلك الوقت وهو مبلغ 175 مليماً في اليوم. وانتهت الحكومة من ذلك إلى أن المدعي غير محق في دعواه. وبجلسة 20 من مايو سنة 1962 قضت المحكمة الإدارية بإلزام وزارة الأشغال بأن تدفع للمدعي تعويضاً قدره مائة جنيه والمصروفات المناسبة ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن عدم توفر شرط اللياقة الطبية في المدعي، لا يعتبر عيباً جسيماً لحق قرار تعيينه باليومية المستديمة، يؤدي إلى انعدامه، وبالتالي، فإن هذا القرار يصبح حصيناً من السحب أو الإلغاء بعد فوات مدة الطعن فيه، ويعتبر القرار الصادر بتحويل المدعي إلى سلك اليومية المؤقتة، سحباً أو إلغاء لقرار تعيينه باليومية المستديمة، بعد فوات الميعاد، وبهذه المثابة يقع السحب أو الإلغاء باطلاً ومخالفاً للقانون، ولما كان أساس مسئولية الحكومة عن القرارات الإدارية الصادرة منها: هو وجود خطأ يترتب عليه ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر، وكان الضرر الناشئ عن قرار تحويل المدعي إلى اليومية المؤقتة يتمثل في حرمانه من العلاوات الدورية وما يتمتع به عمال اليومية المستديمة من مزايا وضمانات فقد قدرت المحكمة هذا الضرر بمبلغ مائة جنيه.
ومن حيث إن الطعن يقوم، على أن المدعي عين في سنة 1942 بصفة مؤقتة، وبذلك تقررت طبيعة الرابطة القانونية التي تحدد مركزه القانوني في علاقته بالحكومة على أساس هذا الوضع المؤقت، ومن ثم يكون القرار الصادر بتحويله أخيراً إلى اليومية المؤقتة هو القرار السليم. كما يقوم الطعن على أن استيفاء شرط اللياقة الطبية أمر جوهري يتعين توفره في العامل ابتداء عند تعيينه، كما يتعين توفره بعد ذلك، لاستمرار صلاحيته للبقاء في الخدمة، ولا يعتبر العامل معفى من هذا الشرط، بفوات أية مدة مهما طالت على تعيينه، دون استيفاء الشرط المذكور، لأن الإعفاء منه يتطلب صدور قرار صريح بذلك ممن يملكه، أو وجود نص في القانون يقضي به، وبناء على ما تقدم، لا محل لمطالبة المدعي بتعويض عن تحويله إلى اليومية المؤقتة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق، أن المدعي اعتبر من عمال اليومية المستديمة عند تسوية حالته على مقتضى أحكام كادر العمال، وأنه طلب مراراً لتوقيع الكشف الطبي عليه، فامتنع، ولما تقدم بعد ذلك لهذا الكشف لم ينجح فيه.
ومن حيث إن ثبوت لياقة الموظف الطبية للخدمة، هو شرط من الشروط الجوهرية اللازمة للصلاحية للتعيين في الوظيفة العامة، والاستمرار فيها، وقد رددت هذا الأصل بالنسبة إلى عمال اليومية الدائمين - ومن قبل صدور كادر العمال - التعليمات المالية الصادرة في سنة 1922، والمتضمنة للأحكام التي وافق عليها مجلس الوزراء في 8 من مايو سنة 1922، إذ نصت الفقرة 29 من هذه التعليمات "على ألا يعاد إلى الخدمة أحد عمال اليومية المفصولين لعدم اللياقة الطبية، ما لم يقرر لياقته، القومسيون الطبي العام، أو أية سلطة ينتدبها القومسيون لهذا الغرض" ولا شبهة في أن اللياقة الطبية التي تشترط لبقاء العامل، في وظيفته الدائمة، طبقاً للتعليمات المالية، هي من الأمور التي يتعين اعتبارها مكملة بطبيعتها لأحكام كادر عمال اليومية ما دام لم يرد في هذه الأحكام ما يتعارض معها.
ومن حيث إنه على هدى ما تقدم، يعد إنهاء الإدارة لخدمة المدعي باليومية الدائمة، مع تحويله إلى اليومية المؤقتة إعمالاً صائباً للأصل المقرر، القاضي بإنهاء خدمة العامل الدائم عند ثبوت عدم لياقته الطبية، وبالتالي عجزه عن القيام بأعباء وظيفته الناتج عن عدم اللياقة هذه وليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، من أن تسوية حالة المدعي طبقاً لأحكام كادر العمال، وبوصف أنه عامل دائم، دون توقيع الكشف الطبي عليه في حينه، تعتبر بمثابة إعفاء ضمني له من الكشف الطبي، إذ الأصل أن الإعفاء من شرط اللياقة الطبية - وهو استثناء من وجوب توفر هذه اللياقة للصلاحية للتعيين في الوظيفة والبقاء فيها - لا يكون إلا بنص في القانون، أو بقرار صريح ممن خوله القانون رخصة هذا الإعفاء، أما طول العهد على تعيين العامل دون استيفاء شرط اللياقة الطبية بالنسبة إليه، فلا يعتبر إعفاء ضمنياً له من هذا الشرط ينبني عليه سقوط حق الإدارة في التمسك به قبله، ولا ينطوي على هذا المعنى لتعلق الأمر بصلاحية يتجدد تطلبها لمصلحة الوظيفة العامة ذاتها، وهذه الصلاحية، الواجب استمرارها، والتي هي حق الوظيفة على المكلف بعملها، هي شرط جوهري، لازم لقيام العلاقة الوظيفية نشوءاً وبقاءً، وبهذه المثابة فإن الإعفاء منها، أو النزول عنها، لا يفترض، ومتى انتفى هذا الافتراض سقطت وبالتالي حجة تحصن قرار التعيين غير المقترن بثبوت اللياقة الطبية، بل إن فقدان هذه اللياقة، لسبب ما، بعد سابقة ثبوتها، هو في ذاته سبب لإنهاء خدمة العامل، وهو من باب أولى موجب لهذا الإنهاء، في حالة عدم ثبوتها أصلاً.
ومن حيث إن القرار الصادر بتحويل المدعي من اليومية الدائمة، إلى اليومية المؤقتة، يتضمن قرارين: أولهما قرار بإنهاء خدمته باليومية الدائمة، إعمالاً لأحكام القانون حسبما سلف بيانه، وهو قرار صحيح سليم، مطابق للقانون، وثانيهما قرار بتعيينه باليومية المؤقتة، مراعاة لظروفه ورأفة به، ولا ينطوي أي من هذين القرارين على خطأ ما، على خلاف ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، ومن ثم يكون الخطأ منتفياً في جانب الوزارة ولا يكون ثمة وجه للتعويض المحكوم به، لانعدام موجبه وفقدان سببه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بالتعويض للمدعي يكون قد خالف القانون، وأخطأ في تأويله وتطبيقه، ويتعين من ثم القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] يمثل هذا المبدأ - قضت المحكمة في حكمها الصادر في القضية رقم 1393 لسنة 8 القضائية في الجلسة ذاتها.