مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 50

(10)
جلسة 11 من نوفمبر سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر - المستشارين.

القضية رقم 224 لسنة 12 القضائية

( أ ) موظف. "تأديب". قرار إداري. ركن الاختصاص. إدارة محلية.
السلطة التأديبية للمحافظة على موظفي فروع الوزارات والمصالح في نطاق المحافظة - تحجب اختصاص رئيس المصلحة المركزي في هذا الشأن [(1)].
(ب) موظف "نقل".
عدم اختلاف الوظيفة المنقول منها الموظف عن تلك المنقول إليها - لا ينال من ذلك أن الوظيفة المنقول منها الموظف كان مقرراً لها مكافأة خاصة - هذه المكافآت لا تعتبر حقاً مكتسباً لمن يحصل عليها ولا وزن لها عند معادلة الوظائف المقررة لها بغيرها من الوظائف.
1 - لا يسوغ القول باختصاص رئيس المصلحة المركزي بتوقيع العقوبات على موظفي فرع الوزارة بالمحافظة لما يؤدي إليه هذا القول من ازدواج في الاختصاص، وهو أمر تأباه طبائع الأشياء ومقتضيات التنظيم الإداري للمصالح العامة ويضطرب معه سير المرافق العامة. ومما لا شك فيه أنه إذا كان رئيس المصلحة المحلي يحجب بسلطته في التأديب، سلطة رئيس المصلحة المركزي في نطاق المحافظة فأولى أن تحجب السلطة التأديبية للمحافظ - وهي سلطة وزير - اختصاص رئيس المصلحة المركزي في هذا الشأن خاصة وأن الاختصاص واجب على الموظف المنوط به وليس حقاً له. وأنه إذا ناط التشريع بموظف ما اختصاصاً معيناً بنص صريح لا يجوز لغيره أن يتصدى لهذا الاختصاص أو أن يحل فيه محل صاحبه إلا بناء على حكم القانون (أصالة أو تفويضاً) وإلا كان المتصدي مغتصباً للسلطة. ليس في نصوص القانون ما يجيز لرئيس المصلحة المركزي أي سلطة في تأديب العاملين بنطاق المحافظة.
2 - أنه بالنسبة للقرار الثاني - الخاص بنقل المدعي نقلاً مكانياً من وظيفة مفتش مالية إلى وظيفة وكيل ثان بدار المحفوظات - فإن وظيفة وكيل ثان بهذه الدار التي نقل إليها المدعي لا تختلف عن وظيفة مفتش مالية بمحافظة الغربية التي نقل منها، لا من حيث الدرجة المالية ولا من حيث الكادر - وهو الكادر العالي بالنسبة إلى الوظيفتين - ما لم يثبت أنه ترتب على هذا النقل تفويت دور المدعي في الترقية بالأقدمية المطلقة وعلى ذلك فإن هذا النقل يعتبر نقلاً مكانياً بحتاً.. أما بالنسبة للميزات التي يقول المدعي أنه فقدها بنقله إلى دار المحفوظات - وهي الخاصة بمكافآت الملاهي والجرد العام للعوائد وما إلى ذلك - فليس من شأن هذه المكافآت أن تخل بالتماثل بين الوظيفتين لأنه من الأمور المسلمة أن هذه المكافآت يقصد بها مواجهة ما تتطلبه وظيفة مفتش مالي بحسب وضعها وواجباتها من نفقات يقتضيها التفتيش على الملاهي والعمل في الجرد العام للعوائد وما إلى ذلك من أعمال. ومتى كان الأمر كذلك وكانت هذه هي الحكمة التي تغياها المشرع من تقرير هذه المكافآت ومن ثم فلا يمكن أن تعتبر حقاً مكتسباً لمن يحصل عليها ولا تدخل ضمن مرتبه مهما طال زمن منحه إياها ويجوز إلغاؤها في أي وقت ويفقد الموظف حقه فيها إذا ما نقل إلى وظيفة أخرى غير مقرر لها هذه المكافآت ولذلك فلا يكون لها من وزن عند معادلة الوظائف المقرر لها المكافآت بغيرها من الوظائف.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي السيد/ إبراهيم السيد الرفاعي الصغير أقام الدعوى رقم 1231 لسنة 16 القضائية ضد السيد وزير الخزانة والسيد مدير عام مصلحة الأموال المقررة بصحيفة أودعها سكرتارية محكمة القضاء الإداري "هيئة الجزاءات والفصل بغير الطريق التأديبي" في 25 من أغسطس سنة 1962 طلب فيها الحكم بإلغاء القرارين المطعون فيهما مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات وأتعاب المحاماة. وقال - شرحاً لدعواه - أنه منذ كان مفتشاً للمالية بمحافظة الغربية قدم إلى مصلحة الأموال المقررة تقريرين بنتيجة تفتيشه على أعمال الملاهي ببعض بنادر المحافظة أوضح بهما تقصيرات جسيمة ارتكبها بعض القائمين بعملية الملاهي - وقد انتدبت المصلحة السيد مراقب عام الإدارة لتحقيق ما جاء بهذين التقريرين وانتهى التحقيق بمجازاته بخصم خمسة أيام من مرتبه بالقرار الصادر في 25 من فبراير سنة 1962. وفي ذات التاريخ صدر قرار آخر بنقله نقلاً مكانياً إلى وظيفة وكيل ثان لدار المحفوظات العمومية وأعلن بهذا القرار الأخير في نفس يوم صدوره. أما قرار الجزاء فقد أخطر به في 14 من مارس سنة 1962. وقد تظلم من قرار النقل في 23 من أبريل سنة 1962 وفي أول يوليه سنة 1962 أخطر برفض تظلمه. أما قرار الجزاء فقد تظلم منه في 2 من مايو سنة 1962 ومضى ستون يوماً دون أن يصله أي رد فأقام هذه الدعوى وقرر المدعي أنه يطعن في القرارين المذكورين للأسباب الآتية:
أولاً: أنهما صدرا من غير مختص لأن المخالفة وقعت وهو يعمل بمحافظة الغربية فيكون المختص بتوقيع الجزاء هو السيد المحافظ طبقاً لقانون الإدارة المحلية. ولما كان القراران قد صدرا من السيد مدير عام مصلحة الأموال المقررة فإنهما يكونا قد صدرا من غير مختص بإصدارهما.
ثانياً: لا يجوز إصدار عقوبتين عن سبب واحد، إذ أن قراري الخصم والنقل قد صدرا في يوم واحد لأسباب واحدة بما يوحي أن النقل لم يكن طبيعياً بل عقوبة أخرى.
ثالثاً: مخالفة التحقيق للمادة 50 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 لأنه لم يواجه بنتيجة التحقيق وما تم فيه مما يعتبر تقصيراً يعيبه ويبطله.
رابعاً: أن القرارين المذكورين قد بنيا على إساءة استعمال السلطة وذلك للسرعة التي تم بها التحقيق لأن النية كانت مبيتة أصلاً قبل إجراء التحقيق إلى مجازاته ونقله.
خامساً: لم تحدد وقائع معينة بإعلان الجزاء إنما وردت الأسباب به عامة مما يبطله.
سادساً: ما نسبته المصلحة إليه إنما هي تهم كيدية لأنها لم تظهر إلا بعد أن قدم التقريرين سالفي الذكر ولأن المخالفين الذين أوضحهم بالتقريرين هم الذين تسببوا بإهمالهم في الاختلاس الذي ظهر بملاهي الغربية وقد انتحر محصل الملاهي عقب اكتشاف هذا الحادث. وأنه لما كان هو الشاهد الوحيد في ذات الحادث فلم يكن غريباً أو عسيراً على هؤلاء المخالفين أن يجدوا المساعدة اللازمة من دور الملاهي في استحضار شهود زور ضده لكي يتهموه باستجلاب أولاده للفرجة مجاناً في دور السينما أو اتهامات أخرى كيدية.
سابعاً: تعارض قرار النقل مع قرار السيد نائب رئيس الجمهورية ووزير الإدارة المحلية الوارد بجريدة الأخبار في 27 من مارس سنة 1962 الذي يمنع نقل أو ندب أعضاء لجان الاتحاد القومي إلى جهة أخرى غير جهاتهم الأصلية وهو عضو بالاتحاد القومي بناحية شندلات مركز السنطة محافظة الغربية.
قدمت الحكومة مذكرة بالرد على الدعوى دفعت بها، بالنسبة لقرار الجزاء، بعدم قبول الدعوى في شأنه شكلاً لرفعها بعد الميعاد إذ تقدم المدعي بتظلمه منه في 24 من مارس سنة 1962 ولم ترد عليه الجهة الإدارية فكان يتعين عليه أن يرفع دعواه في ظرف الستين يوماً التالية لمرور ستين يوماً على تقديم التظلم ولكنه لم يرفع دعواه إلا في 25 من أغسطس سنة 1962 أي بعد فوات المواعيد سالفة الذكر ولا يعتد بالتظلم الثاني المقدم منه في 12 من مايو سنة 1962. أما بالنسبة لموضوع القرار المذكور فقالت الحكومة أنه قد صدر من مدير عام مصلحة الأموال المقررة وهو مختص بإصداره لأن قانون الإدارة المحلية لم يقصد أن يسحب سلطة التأديب من مدير المصلحة أو من الوزير ثم قالت الحكومة أن قرار النقل ليس عقوبة. وأنه لا أساس لما قرره المدعي من مخالفة التحقيق لحكم المادة 50 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 فضلاً عن أن نص هذه المادة لم يرتب بطلاناً. وأنه لا دليل على إساءة استعمال السلطة لأن العبرة بمضمون التحقيق وليس بالوقت الذي تم فيه وردت الحكومة على ما قرره المدعي من أن الأسباب الواردة بقرار الجزاء أسباب عامة بأنه لا يشترط في القرار أن يفسر أخطاء المذنب لأن ذلك ثابت بالتحقيق الذي صدر القرار بناء عليه وهي أنه تخطى رؤساءه فأرسل تقريره إلى مدير عام المصلحة مباشرة كما أنه تعمد الإضرار بوكيل القسم المالي السيد/ محمد عبد العظيم الرفاعي وملاحظ ضريبة الملاهي السيد/ محمد عدس لأنهما وقفا في سبيله عندما أراد استغلال سلطة وظيفته في ارتياد دور الملاهي مع أقاربه بالمجان. كما دفعت الحكومة بالنسبة لقرار النقل بعدم اختصاص المحكمة لأنه صدر طبقاً لما تقتضيه مصلحة العمل دون أي تغيير في الكادر إذ أن وظيفة المدعي كمفتش مالية لا تختلف من ناحية الكادر أو المركز الأدبي أو الامتيازات المادية عن وظيفة وكيل ثان لدار المحفوظات العمومية بل تمتاز الثانية من ناحية المركز الأدبي وعلى ذلك فإن هذا النقل لا يعدو نقلاً مكانياً لا يدخل في اختصاص القضاء الإداري وانتهت الحكومة إلى طلب الحكم:
أولاً: بالنسبة لقرار الجزاء.
بصفة أصلية: بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد.
وبصفة احتياطية: برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات في أي الحالين.
ثانياً: بالنسبة لقرار النقل.
بصفة أصلية: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
وبصفة احتياطية: برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات في أي الحالين.
وبجلسة 17 من نوفمبر سنة 1965 قضت محكمة القضاء الإداري:
أولاً: بالنسبة إلى قرار الخصم المطعون فيه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار.
ثانياً: بالنسبة إلى قرار النقل المطعون فيه برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظره وباختصاصها وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار.
ثالثاً: بإلزام الجهة الإدارية بمصروفات الدعوى.
وأقامت المحكمة قضاءها، بالنسبة للقرار الأول، على أن المدعي كان يشغل عند وقوع المخالفات وظيفة مفتش مالية بمحافظة الغربية فيكون المختص بإصدار هذا القرار هو السيد المحافظ إعمالاً لأحكام قانون الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 151 لسنة 1961 ولائحته التنفيذية الصادر بها القرار الجمهوري رقم 1513 الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1960. ولما كان القرار المذكور قد صدر من السيد مدير عام مصلحة الأموال المقررة فإنه يكون قد صدر من غير مختص وقالت المحكمة أنه يؤيد هذا النظر ما خوله القانون المذكور للسيد الوزير - في المادة 93 منه - إذ أسفر التفتيش عن أعمال المجلس المحلي في شئون المرفق المعني به، من سلطة معاقبة موظف المرفق بالمجلس المتسبب في وقوع خطأ أو إهمال، إذ أن تقرير هذه السلطة في التشريع لا يكون تطبيقاً لأصل، وإنما يرد استثناء من هذا الأصل - وهو عدم مكنة الوزير معاقبة هؤلاء الموظفين إلا في الحالة سالفة البيان وانتهت المحكمة لذلك إلى أن قرار الجزاء المشار إليه هو قرار باطل لصدوره من غير مختص وأن هذا البطلان يصل به إلى درجة الانعدام نظراً لجسامة العيب الذي يظهر فيه اعتداء سلطة تأديبية على سلطة أخرى. وعلى هذا فإن هذا القرار لا يعدو أن يكون عملاً مادياً تتمثل فيه صورة غضب السلطة، فلا أثر قانوني له، حتى يتحصن بانقضاء الزمن ومن ثم فلا تجرى عليه مواعيد الطعن التي نظمها القانون في دعاوى الإلغاء.
أما بالنسبة للقرار الثاني - الصادر بنقل المدعي من مفتش مالية بمحافظة الغربية إلى وكيل ثان بدار المحفوظات - فقد أقامت المحكمة قضاءها، برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالطعن عليه، على أن وظيفة وكيل ثان بدار المحفوظات تختلف عن وظيفة مفتش مالية بمحافظة الغربية من حيث صفة الوظيفة أو الاختصاصات الموكولة إلى القائم على العمل بها فإن النقل من الثانية إلى الأولى يعتبر بمثابة تعيين في الوظيفة المنقول إليها مما تختص المحكمة بالنظر في الطعن على القرار الصادر به. كما أقامت قضاءها، بإلغاء هذا القرار على أن مصلحة الأموال المقررة لم تأخذ رأي محافظة الغربية فيه بالمخالفة لأحكام المادة 6 من قانون الإدارة المحلية التي نصت على أن تأخذ الوزارة رأي المحافظ عند نقل أحد موظفيها بالمحافظة وأن هذا الرأي، ولو أنه غير ملزم للوزارة، إلا أن المشرع جعل منه شكلية جوهرية لازمة في قرار النقل لأنها تقوم أساساً على مراعاة مصلحة الإدارة ومصلحة الموظف. ومن ثم فإن إغفال هذه الشكلية يعيب القرار ويصمه بعدم المشروعية التي تبطله. وأضافت المحكمة أنه لا يؤثر في ذلك ما ذكره السيد مراقب عام الإيرادات في مذكرته المؤرخة 24 من فبراير سنة 1962 بنتيجة التحقيق - من أنه اتصل باللواء مدير الأمن وأوضح له ملخصه وبإدانة المطعون ضده وبأنه لا مناص من نقله خارج المحافظة، ووافق سيادته على ذلك شفوياً وذلك عن نفسه وبالنيابة عن السيد المحافظ حيث إنه مفوض من سيادته بالاختصاص - في هذا الشأن لا يؤثر ذلك على بطلان القرار لأنه لو ثبت فعلاً أن السيد مدير الأمن أبدى رأيه بالموافقة على النقل فإن هذا الرأي يعتبر باطلاً، لأن المشرع عهد به إلى السيد المحافظ، ولم يخوله أن يفوض غيره فيه وأنه من المعلوم أن الاختصاص شخصي لا يجوز التفويض فيه إلا بإجازة المشرع نفسه.
وقد طعنت الحكومة في هذا الحكم بصحيفة أودعتها سكرتارية هذه المحكمة في 15 من يناير سنة 1966 طالبة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بكافة أجزائه والقضاء لها بطلباتها التي أوضحتها بمذكرتها التي قدمتها رداً على الدعوى وذلك للأسباب التي استندت إليها في تلك المذكرة وأضافت إليها بالنسبة لقرار الجزاء المطعون فيه أن نص المادة 93 - الذي أشار إليه الحكم المطعون فيه - يجري مع الأصل العام بالنسبة لحق الوزير في تأديب موظفي وزارته وليس استثناء كما ذهب إلى ذلك الحكم المذكور. أما بالنسبة لقرار النقل فإن المطعون ضده لم يزعم أن النقل ترتب عليه تفويت ترقية. وأن المادة 6 من قانون الإدارة المحلية، التي أشار إليها الحكم المطعون فيه قد جاءت صريحة في أن رأي المحافظ غير ملزم للوزارة ولسيادته أن يرفع الأمر إلى السيد وزير الإدارة المحلية إذا لم يوافق على ما انتهت إليه الوزارة ولذلك فإن رأي السيد المحافظ ليس من الإجراءات الجوهرية التي تعيب قرار النقل. ولما كان سيادته لم يرفع الأمر إلى السيد الوزير فإن ذلك يقطع بأنه غير معترض على هذا القرار.
عقب المطعون ضده على الطعن بأنه بالنسبة لقرار النقل فإن نقله إلى دار المحفوظات قد أفقده ميزات كانت مقررة له بمصلحة الأموال المقررة وهي مكافآت الملاهي وتعديل الضرائب والجرد العام للعوائد والتحصيل وبنك التسليف ومن ثم فإن نقله لا يكون نقلاً مكانياً بحتاً بل هو جزاء مقنع.
ومن حيث إنه عن القرار الأول - الخاص بالجزاء الذي توقع على المدعي، بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه - فإن الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق في قضائه، برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار، وذلك للأسباب التي استند إليها الحكم المطعون فيه والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف إليها أنه لا يسوغ القول باختصاص رئيس المصلحة المركزي بتوقيع العقوبات على موظفي فرع الوزارة بالمحافظة لما يؤدي إليه هذا القول من ازدواج في الاختصاص، وهو أمر تأباه طبائع الأشياء ومقتضيات التنظيم الإداري للمصالح العامة ويضطرب معه سير المرافق العامة. ومما لا شك فيه أنه إذا كان رئيس المصلحة المحلي يحجب، بسلطته في التأديب، سلطة رئيس المصلحة المركزي في نطاق المحافظة فأولى أن تحجب السلطة التأديبية للمحافظ - وهي سلطة وزير - اختصاص رئيس المصلحة المركزي في هذا الشأن، خاصة وأن الاختصاص واجب على الموظف المنوط به وليس حقاً له. وأنه إذا أناط التشريع بموظف ما اختصاصاً معيناً بنص صريح فلا يجوز لغيره أن يتصدى لهذا الاختصاص أو أن يحل فيه محل صاحبه إلا بناء على حكم القانون (أصالة أو تفويضاً) وإلا كان المتصدي مغتصباً للسلطة. وليس في نصوص القانون ما يجيز لرئيس المصلحة المركزي أي سلطة في تأديب العاملين بنطاق المحافظة.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن في هذا الشق من الحكم غير قائم على أساس سليم من القانون وقد تولى الحكم الرد على أسباب الطعن في هذا الشق بما فيه الكفاية ويتعين لذلك القضاء برفضه مع إلزام الحكومة بالمصروفات الخاصة به. وغني عن البيان أن هذا الحكم لا يمنع الجهة الإدارية من إعادة عرض الأمر على السيد المحافظ المختص لإصدار قراره في شأن المخالفات المنسوبة للمدعي.
ومن حيث إنه بالنسبة للقرار الثاني - الخاص بنقل المدعي نقلاً مكانياً من وظيفة مفتش مالية إلى وظيفة وكيل ثان بدار المحفوظات - فإن وظيفة وكيل ثان بهذه الدار التي نقل إليها المدعي لا تختلف عن وظيفة مفتش مالية بمحافظة الغربية التي نقل منها، لا من حيث الدرجة المالية ولا من حيث الكادر - وهو الكادر العالي بالنسبة إلى الوظيفتين - كما لم يثبت أنه ترتب على هذا النقل تفويت دور المدعي في الترقية بالأقدمية المطلقة وعلى ذلك فإن هذا النقل يعتبر نقلاً مكانياً بحتاً. أما بالنسبة للميزات التي يقول المدعي أنه فقدها بنقله إلى دار المحفوظات - وهي الخاصة بمكافآت الملاهي والجرد العام للعوائد وما إلى ذلك - فليس من شأن هذه المكافآت أن تخل بالتماثل بين الوظيفتين لأنه من الأمور المسلمة أن هذه المكافآت يقصد بها مواجهة ما تتطلبه وظيفة مفتش مالي بحسب وضعها وواجباتها من نفقات يقتضيها التفتيش على الملاهي والعمل في الجرد العام للعوائد وما إلى ذلك من أعمال. ومتى كان الأمر كذلك وكانت هذه هي الحكمة التي تغياها المشرع من تقرير هذه المكافآت. ومن ثم فلا يمكن أن تعتبر حقاً مكتسباً لمن يحصل عليها ولا تدخل ضمن مرتبه مهما طال زمن منحه إياها ويجوز إلغاؤها في أي وقت ويفقد الموظف حقه فيها إذا ما نقل إلى وظيفة أخرى غير مقرر لها هذه المكافآت فلا يكون لها من وزن عند معادلة الوظائف المقرر لها المكافآت بغيرها من الوظائف. أما عن قول المدعي بأن هذا النقل هو في حقيقته جزاء مقنع أوقعته به الوزارة دون اتباع الإجراءات التي نص عليها القانون، فإنه لم يقدم ما يفيد أن جهة الإدارة قد تغيت بإصدارها قرار النقل المطعون فيه غاية أخرى غير تلك التي قصد المشرع إلى تحقيقها عندما خولها استعمال تلك الرخصة.
ومن حيث إنه متى ثبت أن نقل المدعي كان نقلاً مكانياً بحتاً فإن مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لا يختص ولائياً بنظر طلب الطعن فيه بالإلغاء ذلك لأن المقرر أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري محدد بما نص عليه قانون تنظيم المجلس. ويبين من مراجعة نص المادة الثامنة منه - التي حددت اختصاصه في إلغاء القرارات الإدارية الصادرة في شأن الموظفين العموميين - قرارات النقل والندب ليست من بينها. ويكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى بغير ذلك، قد خالف القانون ووجب القضاء بإلغائه وبقبول الدفع المبدى من جهة الإدارة بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر طلب إلغاء قرار النقل المطعون فيه مع إلزام المدعي بمصروفات هذا الطلب.
ومن حيث إنه لكل ذلك يتعين القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار النقل المطعون فيه وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر طلب إلغاء هذا القرار وبرفض الطعن فيما عدا ذلك مع إلزام الطرفين بالمصروفات مناصفة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار النقل المطعون فيه وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر طلب إلغاء هذا القرار وبرفض الطعن فيما عدا ذلك وألزمت الطرفين بالمصروفات مناصفة.


[(1)] بمثل هذا المبدأ قضت المحكمة الإدارية العليا في الجلسة ذاتها في الحكم الصادر في الطعن رقم 468 لسنة 12 قضائية.