مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 71

(13)
جلسة 12 من نوفمبر سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر - المستشارين.

الطعن رقم 1448 لسنة 8 القضائية

( أ ) اختصاص. اختصاص القضاء الإداري.
المنازعات الخاصة بالمرتبات - اختصاص القضاء الإداري بنظرها - شموله لأصل هذه المنازعات وجميع ما يتفرع منها، وما يصدر فيها من قرارات وإجراءات - اختصاصه بالمنازعة حول استقطاع جزء من راتب الموظف استيفاء لدين عليه.
(ب) خطأ مرفقي. خطأ شخصي.
الخطأ الشخصي الذي يسأل عنه الموظف - مخالفة لوائح المرور وإدانة الموظف جنائياً - خطأ جسيم يسأل عن نتائجه مدنياً.
(ج) دعوى. "حكم في الدعوى". "أثر الحكم الجنائي على القضاء الإداري" قضاء مدني. القاعدة الواردة في المادة 406 من القانون المدني من عدم ارتباط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً - مؤداها - تقييد الحكم الجنائي القضاء المدني بمعناه الواسع الذي يشمل القضاء المدني والقضاء التجاري والقضاء الإداري بما أثبته من وقائع كان الفصل فيها ضرورياً.
1 - اختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعات الخاصة بالمرتبات، منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة وهو اختصاص مطلق شامل لأصل تلك المنازعات ولجميع ما يتفرع عنها، وبهذه المثابة ينظر القضاء الإداري ما يكون قد صدر في شأن تلك المرتبات من قرارات أو إجراءات وذلك باعتبارها من العناصر التي تثير المنازعة حول استحقاق المرتبات المذكورة كاملة خلال فترة معينة، ومن ثم إذا اقتطعت الإدارة جزءاً من مرتب المدعي استيفاءً لدين عليه، فإذا هذا الاستقطاع في ذاته هو مثار المنازعة في المرتب، فيختص القضاء الإداري بنظرها، بمقتضى اختصاصه الكامل.
2 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على نفي وقوع خطأ من جانب المدعي يعد خطأ جسيماً، وإسناد هذا الخطأ إلى المرافق ذاته، مع أن المدعي قد قدم للمحاكمة الجنائية عن الخطأ الذي نسب إليه والذي وقع منه بالمخالفة لأوامر قيادة القوات البحرية ولوائح المرور، وقضى بإدانته من أجله جنائياً باعتباره خطأ شخصياً جسيماً بلغ حد الجريمة التي تقع تحت طائلة قانون العقوبات - فإنه يكون قد جانب الصواب.
3 - إن الحكم الصادر بإدانة المدعي جنائياً في الدعوى رقم 416 لسنة 1957 جنح الدخيلة - والذي أصبح نهائياً وحائزاً قوة الأمر المقضي بما يجعله حجة بما فصل فيه بحيث لا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة قد أقام قضاءه بإدانة المدعي على أنه أخطأ لكونه لم يتحقق من صلاحية السيارة قبل استعمالها بالمخالفة لما تفرضه عليه اللوائح والأوامر الصادرة من قيادة القوات البحرية للسائقين، وقد كان فصل الحكم في ذلك ضرورياً ولما كانت المادة 406 من القانون المدني تنص على أن "لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي، إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً" فإن الحكم الجنائي المشار إليه يقيد القضاء المدني بمعناه الواسع الذي يشمل القضاء المدني والقضاء التجاري والقضاء الإداري، ويتعين - والحالة هذه - اعتبار المدعي مسئولاً مدنياً عن تعويض الأضرار التي نشأت عن الخطأ الذي وقع فيه وثبت في حقه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد صدر بجلسة 28 من مايو سنة 1962 فإن ميعاد الطعن فيه، ينتهي يوم 27 من يوليه سنة 1962، إلا أنه لما كان هذا اليوم، قد صادف عطلة رسمية - يوم جمعة - فإن ميعاد الطعن يمتد إلى أول يوم عمل يليه، وفقاً لحكم المادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
ومن حيث إن تقرير الطعن، قد أودع قلم كتاب هذه المحكمة في يوم السبت الموافق 28 من يوليه سنة 1962، فإن الطعن يكون قد رفع في الميعاد المقرر قانوناً، ومن ثم يكون قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 663 لسنة 8 القضائية، ضد السيدين وزير الحربية، والقائد العام للقوات البحرية، بصفتهما، بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 8 من يناير 1961 بناء على قرار صادر له في جلسة 27 من نوفمبر سنة 1960 من لجنة المساعدة القضائية، بالمحكمة الإدارية المذكورة، في طلب الإعفاء رقم 289 م لسنة 7 القضائية المقدم منه ضد إدارة القضاء العسكري للقوات البحرية، والقيادة العامة للقوات البحرية برأس التين، وطلب في عريضة الدعوى "إلغاء القرار الإداري الصادر من السيد المعلن إليه الثاني بصفته، بتاريخ 6 من يناير سنة 1960، واعتبار الطالب غير مسئول عن الحادث، ومن باب الاحتياط الكلي، اعتبار التعويض المدني الذي قدرته القيادة العامة للقوات البحرية بمبلغ 195 جنيهاً و47 مليماً والتي بدأت تنفذ به على مرتب الطالب، مبالغاً فيه، وتقديره على أساس التلفيات الحقيقية بالسيارة. وذلك مع إلزام المعلن إليهما بصفتهما متضامنين بالمصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة" وقال بياناً لدعواه، أنه حكم عليه بغرامة قدرها خمسمائة قرش في قضية الجنحة رقم 416 لسنة 1957 جنح الدخيلة، من محكمة مينا البصل الجزئية بجلسة 20 من يناير سنة 1959، لاتهامه بالتسبب في حادث انقلاب السيارة رقم 502 بحرية التي كان يقودها في الطريق الصحراوي وأن إدارة المستشفى البحري - الذي يعمل سائقاً به - قد اعتبرته مسئولاً - مدنياً - عن هذا الحادث وأنها شرعت تخصم قيمة تلفيات السيارة من مرتبه في حدود الجزء الجائز الحجز عليه، في حين أنه غير مسئول مدنياً عن الحادث، لأن الحكم الجنائي الذي قضى بتغريمه الخمسة الجنيهات أصبح حكماً باطلاً لعدم توقيعه من القاضي الذي أصدره خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره حسبما تقضي بذلك المادة 312/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية، ولأن التقرير الفني الذي أعده مهندس الحوادث بالقوات البحرية عقب وقوع الحادث قد انتهى إلى أن الحادث إنما وقع قضاء وقدراً، وأنه لم يكن في وسع المدعي تفاديه، إذ أنه نتج عن طول المسافة التي قطعتها السيارة في ذهابها ثم عودتها من المهمة التي كانت مكلفة بها. وقد دفعت القوات البحرية بعدم قبول الدعوى مؤسسة دفعها على أن القرار الذي قضى بخصم قيمة تلفيات السيارة من مرتب المدعي قد صدر في 16 من مارس سنة 1958 ولم يطعن عليه المذكور خلال الميعاد المقرر للطعن في القرارات الإدارية وبذلك تحصن هذا القرار. وبالنسبة إلى موضوع الدعوى أجابت القوات البحرية، بأن مسئولية المدعي عن الحادث قد ثبتت أمام مجلس التحقيق العسكري الذي شكل بالقوات البحرية وانتهى إلى مسئولية المذكور عن الحادث ومجازاته بعزله من رتبة رقيب وتنزيله إلى رتبة الأمباشي مع خصم قيمة تلفيات العربة على جانبه، كما انتهى تحقيق الشرطة إلى إدانته، حيث قدم للمحاكمة التي انتهت إلى الحكم بإدانته بالقضاء عليه بتغريمه خمسمائة قرش، ولا محل لما ينعاه المدعي على هذا الحكم من بطلان، ما دام لم يصدر حكم آخر من محكمة مختصة يقضي بهذا البطلان، إذ تظل لهذا الحكم حجيته، أما التقرير الذي أعده مهندس الحوادث، فإنه الغرض منه هو معاونة سلطات التحقيق العسكرية في تحديد المسئولية ولا حجية له، وهو على أية حال تقرير استشاري غير ملزم، ومن ثم يكون المدعي مسئولاً عن قيمة التلف الذي أصاب السيارة والذي قدر بمبلغ 195 جنيهاً و47 مليماً بما في ذلك المصاريف الإدارية وبجلسة 28 من مايو سنة 1962 قضت المحكمة الإدارية برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً، وبقبولها، وفي الموضوع بإبطال الخصم من مرتب المدعي بمبلغ 195 جنيهاً و47 مليماً، وما يترتب على ذلك من آثار، منها رد ما خصم من مرتبه بغير وجه حق، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات، ومبلغ مائتي قرش أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الدعوى، على أن المنازعة الراهنة إنما هي في حقيقتها منازعة في راتب، وبهذه المثابة لا يكون ثمة محل للتقيد بالمواعيد المقررة بالإلغاء في القرارات الإدارية النهائية، وبالتالي يكون هذا الدفع مرفوضاً، وبالنسبة إلى موضوع الدعوى أسست المحكمة قضاءها، على أن حادث انقلاب السيارة، إنما نشأ عن خطأ مرفقي، هو وجود عيب في السيارة، مرده إلى عدم انضباط عجلة قيادتها فضلاً عن انخفاض مستوى الأرضية الرملية التي انحرفت إليها السيارة، عن مستوى الطريق الصحراوي، مما أدى إلى انقلابها، ومن ثم فإن الحادث لم ينشأ عن رعونة المدعي، أو عدم تبصره، أو قصد سيء متعمد من جانبه، كما أن ما وقع منه لا يعد خطأ جسيماً بل هو خطأ مرفقي، وعلى هذا تكون مسئولية تعويض الأضرار الناجمة عن الحادث على عاتق القوات البحرية دونه.
ومن حيث إن الطعن يقوم - أصلياً - على عدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى، تأسيساً على أن المنازعة موضوع الدعوى تدور أساساً حول المسئولية المدنية عن تعويض الأضرار الناجمة عن حادث انقلاب السيارة، وهو ما يخرج الفصل فيه عن اختصاص القضاء الإداري، ويقوم الطعن - احتياطياً - على طلب الحكم برفض الدعوى، وإلزام المطعون عليه، بالمصروفات، استناداً إلى أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قضى بعدم مسئولية المدعي عن قيمة التلف الذي أصاب السيارة، لأن خطأه ثابت من قرار المجلس العسكري الذي انتهى فيه إلى إدانة المذكور وتنزيله من رتبة شاويش سائق، إلى رتبة أمباشي سائق، مع إلزامه بدفع مقابل تكاليف إصلاح السيارة خصماً من مرتبه، كما أن خطأه ثابت من الحكم الصادر في قضية الجنحة رقم 416 لسنة 1957 الدخيلة، وهو حكم أصبح نهائياً بعد أن قضت دائرة الجنح المستأنفة بالإسكندرية بجلسة 25 من فبراير سنة 1959 بعدم جواز الاستئناف وبذلك أضحى حجة فيما فصل فيه، حسبما تقضي بذلك المادة 405 من القانون المدني ويتعين أنه يتقيد به القاضي المدني طبقاً لما تقضي به المادة 406 من القانون ذاته.
( أ ) عن الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.
من حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن اختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعات الخاصة بالمرتبات، منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة، وهو اختصاص مطلق، شامل لأصل تلك المنازعات ولجميع ما يتفرع عنها، وبهذه المثابة، ينظر القضاء الإداري ما يكون قد صدر في شأن تلك المرتبات من قرارات أو إجراءات، وذلك باعتبارها من العناصر التي تثير المنازعة حول استحقاق المرتبات المذكورة كاملة خلال فترة معينة، ومن ثم إذا اقتطعت الإدارة جزءاً من مرتب المدعي استيفاءً لدين عليه، فإن هذا الاستقطاع في ذاته، هو مثار المنازعة في المرتب، فيختص القضاء الإداري بنظرها، بمقتضى اختصاصه الكلي.
فإنه يتعين لذلك القضاء برفض الدفع بعدم الاختصاص وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.
(ب) عن الموضوع:
من حيث إن الثابت من مطالعة الأوراق، أن المدعي - وهو يعمل سائقاً بمستشفى القوات البحرية بالإسكندرية قاد السيارة رقم 502 بحرية في يوم 30 من نوفمبر سنة 1957 في مهمة رسمية، من رأس التين إلى العامرية، وفي طريق العودة إلى رأس التين، انقلبت السيارة وأصيب بعض ركابها، وحدث تلف بها، وقد قام مهندس حوادث سيارات القوات البحرية بمعانية مكان الحادث، وقدم تقريراً فنياً عنه في أول ديسمبر سنة 1957 أثبت فيه، أنه كان يوجد بالسيارة كسر في تيتش عجلة القيادة مع كسر في تيتش الدبرياج "كما أثبت في التقرير تفاصيل التلف الذي لحق بالسيارة نتيجة لانقلابها، وذكر فيه أن السيارة كانت قادمة من العامرية إلى رأس التين، وكانت سرعتها من 50 إلى 60 كيلو متراً في الساعة، وقد شعر المدعي عند الكيلو 26 بخفة عجلة القيادة وتحركها فاستعمل الفرامل، وأدى ذلك إلى انحراف السيارة إلى جهة اليسار ونزولها إلى الطريق الرملي المنخفض حوالي قدم عن الطريق العام، الأمر الذي أفضى إلى انقلابها. وأضاف مهندس الحوادث، أنه ما كان يمكن أن يتفادى المدعي هذا الحادث لأنه لا توجد وسيلة للتحكم في قيادة السيارة سوى استعمال الفرامل، ولما كان تيتش عجلة القيادة مكسوراً فقد أدى ذلك إلى تحويل السيارة وبناء على هذا انتهى مهندس الحوادث إلى أن الحادث إنما وقع قضاء وقدراً، وقد رأت قاعدة إسكندرية البحرية، أن التحقيق الذي أجرته السلطات المدنية قد عزا الحادث إلى السرعة التي كان المدعي يسير بها، بحيث لم يتمكن من التحكم في عجلة قيادة السيارة، كما رأت القاعدة المذكورة أن مهندس حوادث السيارات البحرية، قد أثبت في تقريره - الذي سلفت الإشارة إليه - أن السيارة تسير بسرعة من 50 إلى 60 كيلو متراً، وهذه السرعة تزيد على السرعة التي تقضي الأوامر البحرية بالسير بها، ومن ثم انتهت القاعدة إلى أن المدعي قد ارتكب جناية عسكرية هي "جناية إهمال الأوامر" الصادرة للسائقين من قيادة القوات البحرية وقررت عزله من رتبة شاويش سائق إلى رتبة أمباشي سائق وخصم قيمة تلفيات السيارة الناشئة عن الحادث - ومقدارها بما في ذلك المصاريف الإدارية 195 جنيهاً و47 مليماً - على عاتق المدعي وقد صدقت رئاسة القوات البحرية على هذا القرار، وبعد أن حققت الشرطة حادث انقلاب السيارة، قدمت النيابة العامة المدعي للمحاكمة أمام محكمة جنح مينا البصل الجزئية بالمادة 44 عقوبات، لأنه في يوم 30 من نوفمبر سنة 1957 تسبب بغير قصد ولا تعمد في إصابة ركاب السيارة قيادته، وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه وعدم مراعاته اللوائح، بأن قاد السيارة المذكورة بحالة نتج عنها الخطر وبسرعة فائقة، فانحرف بها إلى اليسار، فانقلبت وقد قضت المحكمة بتغريمه خمسمائة قرش بجلسة 20 من يناير سنة 1959 في الدعوى رقم 416 لسنة 1957 جنح الدخيلة، وأقامت قضاءها على أنه قد ثبت من محضر تحقيق الشرطة ومن التقرير الفني الذي قدمه مهندس حوادث السيارات بالقوات البحرية، وجود كسر في تيتش عجلة القيادة وكسر في تيتش الدبرياج مما أدى إلى وقوع الحادث، وقد تأيدت التهمة قبل المدعي باعترافه في محضر تحقيق الشرطة، أنه حدث خلل في عجلة القيادة، مما نتج عنه الحادث، وأن أحكام المحاكم قد استقرت على مساءلة المتهم عن أي خلل يحدث للسيارة، إذ كان يتعين عليه أن يتأكد من صلاحية السيارة قبل استعمالها، ومن ثم انتهت المحكمة إلى إدانة المتهم، وقد استأنف المدعي هذا الحكم، وقضى في جلسة 25 من فبراير سنة 1959 بعدم جواز الاستئناف وبذلك أصبح الحكم نهائياً وحائزاً قوة الأمر المقضي وقد تضمنت الأوراق مقايسة تصليح السيارة من محطة خدمة السيارات الأهلية بمبلغ 177 جنيهاً و315 مليماً وبياناً بذات القيمة مع إضافة قيمة المصاريف الإدارية ومقدارها 17 جنيهاً و732 مليماً وبذلك أصبحت جملة هذا البيان مبلغ 195 جنيهاً 47 مليماً وهو موقع من قائد ورش صيانة السيارات وقد قامت القوات البحرية بتحصيل هذا المبلغ بالخصم به من مرتب المدعي في حدود الجزء الجائز الحجز عليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على نفي وقوع خطأ - من جانب المدعي - يعد خطأ جسيماً، وإسناد هذا الخطأ إلى المرفق ذاته، مع أن المدعي قد قدم للمحاكمة الجنائية عن الخطأ الذي نسب إليه والذي وقع منه بالمخالفة لأوامر قيادة القوات البحرية ولوائح المرور، وقضى بإدانته من أجله جنائياً باعتباره خطأ شخصياً جسيماً بلغ حد الجريمة التي تقع تحت طائلة قانون العقوبات.
ومن حيث إن الحكم الصادر بإدانة المدعي جنائياً في الدعوى رقم 416 لسنة 1057 جنح الدخيلة - والذي أصبح نهائياً وحائزاً قوة الأمر المقضي - بما يجعله حجة بما فصل فيه بحيث لا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة - قد أقام قضاءه بإدانة المدعي على أنه أخطأ لكونه لم يتحقق من صلاحية السيارة قبل استعمالها بالمخالفة لما تفرضه عليه اللوائح والأوامر الصادرة من قيادة القوات البحرية للسائقين، وقد كان فصل الحكم في ذلك ضرورياً، ولما كانت المادة 406 من القانون المدني تنص على أن "لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي، إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم، وكان فصله فيها ضرورياً" فإن الحكم الجنائي المشار إليه يقيد القضاء المدني بمعناه الواسع الذي يشمل القضاء المدني والقضاء التجاري والقضاء الإداري، ويتعين - والحالة هذه - اعتبار المدعي مسئولاً مدنياً عن تعويض الأضرار التي نشأت عن الخطأ الذي وقع منه وثبت في حقه.
وقد قدرت قيمة هذه الأضرار بمبلغ 195 جنيهاً و47 مليماً، حسبما سلف بيانه، وهو تقدير مستند إلى عناصر ثابتة في الأوراق لم ترد عليها منازعة جدية، وبالتالي يكون تحصيل هذا المبلغ عن طريق الخصم المتاح للإدارة قانوناً من مرتب المدعي في حدود القدر الجائز الحجز عليه، صحيحاً ومطابقاً للقانون.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم، تكون الدعوى غير قائمة على أساس سليم من القانون وإذ أخذ الحكم المطعون فيه، بغير هذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه وبرفض الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وباختصاصه بنظرها وبرفضها موضوعاً مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، وباختصاصه بنظرها، وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.