مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 111

(18)
جلسة 25 من نوفمبر سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر - المستشارين.

القضية رقم 176 لسنة 10 القضائية

( أ ) موظف. "تأديبه". "إجراءات المحاكمة التأديبية". محكمة تأديبية.
ما يرد في قرار إحالة الموظف إلى المحكمة التأديبية من مخالفات ووصف قانوني لها - تقيد المحكمة التأديبية بالمخالفات دون وصفها القانوني.
(ب) - محكمة تأديبية. خبرة.
سلطة المحكمة التأديبية في تقدير أدلة الإثبات - الالتجاء - إلى "الخبرة" كطريق من طرق التحقيق - للمحكمة ذلك من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أصحاب الشأن إذا ما اقتنعت بجدواه.
(جـ) - موظف. "تأديبه". الجزاءات التأديبية: تقديرها محكمة تأديبية.
الجزاءات التأديبية التي توقع عن المخالفات التأديبية - تقدير السلطات التأديبية لها - حدوده.
( د ) - موظف "تأديبه". هيئة السكك الحديدية. هيئة البريد. هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية.
الجزاءات التي يجوز توقيعها على العاملين في هيئات السكك الحديدية والبريد والمواصلات اللاسلكية - خفض المرتب أو التنزيل إلى درجة أدني - عدم جواز توقيعها بعد العمل بقرار رئيس الجمهورية رقم 3576 لسنة 1966 رغم ورود قرار لوائح الجزاءات الخاصة بهذه الهيئات اعتبار ما ورد في النظم الخاصة بهذه الهيئات متعارضاً مع أحكام قانون نظام العاملين المدنيين منسوخاً اعتباراً من تاريخ العمل بقرار رئيس الجمهورية رقم 3576 لسنة 1966.
1 - أنه وإن كانت المحكمة التأديبية مقيدة بالمخالفات الواردة في قرار الاتهام إلا أنها مع ذلك لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة الإدارية على الوقائع التي وردت في القرار المذكور بل إن عليها أن تمحص الوقائع المطروحة عليها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تنزل حكم القانون.
2 - أن المحكمة التأديبية إنما تستمد الدليل الذي تقيم عليه قضاءها من الوقائع التي تطمئن إليها دون معقب عليها في هذا الشأن ما دام هذا الاقتناع قائماً على أصول موجودة وغير منتزعة من أصول لا تنتجه وإذ الخبرة هي طريق من طرق التحقيق يجوز للمحكمة أن تلجأ إليه بناء على طلب أصحاب الشأن أو من تلقاء نفسها إذا ما تراءى لها ذلك فمن ثم يحق لها رفض الطلب المقدم إليها بطلب ندب خبير، إذا اقتنعت بعدم جدواه والعبرة في ذلك باقتناع المحكمة.
3 - ولئن كان للسلطات التأديبية ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في هذا الشأن إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة شأنها شأن أية سلطة تقديرية أخرى ألا يشوب استعمالها غلو، ومن صوره، عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره.
4 - لما كانت المادة 61 من قانون نظام العاملين بالدولة المشار إليه قد تضمنت أحكاماً خاصة بالجزاءات التي يجوز إيقاعها بالعاملين تتعارض مع أحكام المادة الأولى من لائحة جزاءات موظفي هيئة سكك حديد مصر فقد أغفلت هذه المادة إدراج جزاءات خفض المرتب والتنزيل إلى درجة أدنى أو هما معاً ضمن الجزاءات التي يجوز في إيقاعها بالعاملين المدنيين بالدولة فمن ثم فإن المادة الأولى من لائحة جزاءات موظفي هيئة سكك حديد مصر تعتبر منسوخة في الحدود التي يتحقق فيها رفع التعارض بين حكمها وبين حكم المادة 61 من القانون رقم 46 لسنة 1964 المشار إليه وتكون عقوبات خفض المرتب والتنزيل إلى مرتبة أدنى أو هما معاً قد ألغيت اعتباراً من تاريخ العمل بالقرار الجمهوري رقم 3576 لسنة 1966 بنظام العاملين في هيئات سكك حديد مصر والبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، ويترتب على ذلك أنه اعتباراً من هذا التاريخ لا يجوز إيقاع تلك العقوبات بالعاملين بالهيئة وإنما يجب توقيع عقوبة تتناسب مع جسامة المخالفة من ضمن العقوبات المنصوص عليها في المادة 61 من القانون رقم 46 لسنة 1964 المشار إليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أنه بتاريخ 30 من يناير سنة 1963 أودعت النيابة الإدارية سكرتيرية المحكمة التأديبية للمواصلات أوراق الدعوى التأديبية رقم 26 لسنة 1963 التي قيدت بسجل المحكمة تحت رقم 25 لسنة 5 القضائية وتقرير اتهام فيها ضد السادة:
1 - محمود سيد عيسى، كمساري مرتبة رابعة متوسطة بهيئة سكك حديد مصر.
2 - مصطفى محمد رشوان، مفتش مرتبة ثانية متوسطة بهيئة سكك حديد مصر.
3 - غبريال سلوانس غبريال، كمساري مرتبة رابعة متوسطة بهيئة سكك حديد مصر.
4 - علي علي شكري، مفتش مرتبة ثانية متوسطة بهيئة سكك حديد مصر.
لأنهم بتاريخ 11 من يناير سنة 1962، 12 من فبراير سنة 1962 بمحطة سكك حديد القاهرة: خرجوا على مقتضى الواجب في أداء وظيفتهم ولم يؤدوا عملهم بدقة وأمانة بأن ارتكبوا المخالفات الآتية:
الأول - بصفته كمساري إرشاد بالمحطة ارتكب تزويراً بتاريخ 21 من يناير سنة 1962 بقسيمة المخالفات رقم 92328 بدفتر المخالفات الذي بعهدة كمساري الرصيف عبد الرؤوف عبد العزيز بأن أشر عليها مفتعلاً توقيع المخالف الثاني مصطفى محمد رشوان مفتش الرصيف بقصد مجاملة هذا الأخير لكي يحصل على نصف الغرامة المحصلة بهذه القسيمة.
الثاني - بصفته مفتش رصيف بمحطة القاهرة حرض الأول على الفعل الذي ارتكبه بقصد تحقيق كسب مادي هو الحصول على نصف الغرامة المحصلة بالقسيمة رقم 92328 ولا مصلحة مادية للمتهم الأول من ارتكاب جريمة التزوير من تلقاء نفسه، كما أنه تستر على المتهم الأول فأدلى ببيانات مضللة إذ قرر أن التوقيع على القسيمة 92328 هو توقيعه وبخطه وأن جملة مفتش الرصيف بخطه أيضاً وأصر على ذلك بالرغم من مواجهته بتقرير الطبيب الشرعي.
الثالث - بصفته كمساري إرشاد بالمحطة المذكورة ارتكب تزويراً بقسيمة المخالفات رقم 92331 بدفتر المخالفات عهدة كمساري الرصيف عبد الرؤوف عبد العزيز أشر عليها بتاريخ 12 من فبراير سنة 1962 مفتعلا توقيع المخالف الرابع علي علي شكري مفتش الرصيف بالمحطة مجاملة لهذا الأخير لكي يحصل على نصف الغرامة المحصلة بالقسيمة.
الرابع - بصفته مفتش رصيف بالمحطة حرض الثالث على الفعل الذي ارتكبه بقصد تحقيق كسب مادي وهو الحصول على نصف الغرامة المحصلة بالقسيمة 92331 ولا مصلحة مادية للمتهم الثالث من ارتكاب جريمة تزوير من تلقاء نفسه كما أنه تستر على المتهم الثالث فأدلى ببيانات مضللة إذ قرر أن التوقيع على القسيمة 92331 هو توقيعه وأن جملة مفتش أول الأرصفة بخطه أيضاً وأصر على ذلك بالرغم من مواجهته بتقرير الطبيب الشرعي.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة هؤلاء العاملين طبقاً لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959، ورقم 1640 لسنة 1960 بشأن نظام موظفي هيئة السكك الحديد ولائحته التنفيذية والقانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن النيابة الإدارية.
وبجلسة 5 من نوفمبر سنة 1963 حكمت المحكمة حضورياً ببراءة المتهمين الثاني والرابع من تهمة التحريض على التزوير في القسائم وإدانتهما في التستر عليها وفي تزوير حوافظ الإيراد الخاصة بكل منهما وإدانة المتهمين الأول والثالث فيما نسب إلى كل منهما ومجازاة كل من المتهمين الأول والثاني والثالث بخفض مرتبته إلى المرتبة الأدنى من مرتبته الحالية بأول مربوطها ومجازاة المتهم الرابع بحرمانه من جنيه شهرياً من معاشه.
وأقامت المحكمة قضاءها على أنه وإن كان المخالفين الأربعة جرحوا شهادة المبلغ وهو الكمساري عبد الرؤوف عبد العزيز لسبب خصومة قامت بينهم، وقد ثبت قيام هذه الخصومة، كما أن المبلغ تراخى في التبليغ عن المخالفات غير أنه مع ذلك لا يمكن إطراح شهادة المبلغ جانباً بعد أن تأيدت بدليل قاطع يكفي وحده لإثبات إدانة المخالفين، فقد أثبت تقرير الطبيب الشرعي أن التوقيع على القسيمة الأولى رقم 92328 والمنسوب إلى المخالف الثاني السيد/ مصطفى محمد رشوان ليس بخطه وإنما هو بخط المخالف الأول السيد/ محمد سيد عيسى، وأن التوقيع على القسيمة الثانية 92331 والمنسوب إلى المخالف الرابع السيد/ علي علي شكري ليس بخطه وإنما هو بخط المخالف الثالث السيد/ غبريال سلوانس غبريال، وقد ضمن كل من المخالفين الثاني والرابع حوافظ الإيراد نصف الشهرية الخاصة بكل منهما رقم القسيمتين المشار إليهما على اعتبار أنهما وقعا عليها حال تحريرها، وحصلا بناء على ذلك على نصف الغرامة المحصلة بالقسيمتين المشار إليهما ومن ثم فإن هذه التهم تكون ثابتة قبل المخالفين الأربعة، وأضافت المحكمة بالنسبة إلى المخالفين الثاني والرابع أن تهمة التحريض المنسوبة إليهما لم يقم عليها دليل مباشر ويتعين تبرئتهما منها، وأما بالنسبة إلى ما وقع منهما بتقديمهما كشوف الاستحقاق النصف الشهرية وهما عالمين بما فيها من تزوير فإنها ثابتة قبلهما. وانتهت المحكمة التأديبية إلى أن ما وقع من المخالفين الأربعة على النحو السالف بيانه إنما هو تلاعب في حوافظ الإيراد وقسائم التحصيل مما يقع تحت حكم البند رقم 33 من المجموعة الأولى من لائحة جزاءات موظفي السكة الحديد بتعيين مجازاة المخالفين الثلاثة الأول عنه بخفض مرتبة كل منهم إلى المرتبة الأدنى بأول مربوطها وأما بالنسبة إلى المخالف الرابع فبسبب انتهاء خدمته رأت المحكمة مجازاته بحرمانه من جنيه شهرياً من معاشه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه من الأوجه الآتية:
أولاً - من المبادئ المقررة في القضاء التأديبي أن تتقيد المحكمة بقرار الاتهام المقدم إليها فلا يجوز لها أن تستحدث تهماً جديدة لم ترد في قرار الاتهام وتنسبها إلى المخالفين وتجازيهم عنها. غير أن الحكم التأديبي المطعون فيه خالف هذه القاعدة وأدان السيد/ مصطفى محمد رشوان عن تهمة التزوير في حوافظ الإيراد الخاصة به مع أنها لم ترد في قرار الاتهام.
ثانياً - استخلص الحكم المطعون فيه أدلة إدانة الطاعنين الثلاثة استخلاصاً غير سائغ من التحقيقات والأوراق وذلك لأن الحكم قد استند في ذلك إلى أقوال المبلغ عبد الرؤوف عبد العزيز مع أن التحقيقات أثبتت أنه موظف متلاعب وقالت عنه مذكرة النيابة الإدارية "أن موقفه محاط بالشبهات لأنه كان في وسعه ألا يمكن المخالفين الأول والثالث من التوقيع على القسيمتين باسم المخالفين الثاني والرابع، كما أنه لم يبادر إلى الإبلاغ عن الواقعة الأولى التي حدثت في يوم 21 من يناير سنة 1962 وإنما انتظر حتى قدم بلاغه بعد الواقعة الثانية وهو ما يكشف عن أنه كان في نيته التغاضي عن التبليغ لولا حدوث أمور لم تكشفها التحقيقات هي التي دفعته إلى التبليغ عن الواقعتين في يوم 14 من فبراير سنة 1962 ومما يؤيد سوء نيته أنه قدم التقرير النصف الشهري عن المدة المنتهية في يوم 31 من يناير سنة 1962 سجل فيه القسيمة رقم 92328 على أساس أن غرامتها مناصفة بينه وبين السيد مصطفى رشوان كما قدم التقرير النصف الشهري عن المدة المنتهية في 15 من فبراير سنة 1962 سجل فيه القسيمة رقم 92331 على أساس أنه يتقاسم غرامتها مع السيد/ علي شكري" فشاهد هذا شأنه ما كان يصح التعويل على أقواله في إدانة المخالفين خاصة وقد أثبتت المحكمة في حكمها قيام الخصومة بينه وبين الطاعنين.
ثالثاً - أهدرت المحكمة التأديبية حق الدفاع المكفول للمخالفين لأنها رفضت التصريح لهم بتقديم تقرير من خبير استشاري يبدي رأيه في التزوير المدعي بحصوله ويثبت أن ما جاء في التقرير الشرعي غير سليم، وهذا مما يعيب الحكم ويبطله.
رابعاً - عدم الملاءمة بين التهم والجزاءات ذلك لأن الفائدة التي يمكن أن يحصل عليها السيد مصطفى رشوان من التلاعب المدعى بحصوله لا يتجاوز خمسة عشر مليماً كما أن الطاعنين الأول والثالث لم يحصلا على أية فائدة مادية وبالرغم من ذلك فقد ترتب على تخفيض مرتبة كل من الطاعنين إلى المرتبة الأدنى بأول مربوطها أن خفض مرتب السيد مصطفى رشوان من 30 جنيهاً شهرياً إلى 12 جنيهاً وبالنسبة إلى السيد غبريال سلوانس من 14 جنيهاً إلى 6 جنيهات شهرياً وبالنسبة إلى السيد/ محمود عيسى من 10 جنيهات و835 مليماً إلى 6 جنيهات شهرياً.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الأول من الطعن فإنه وإن كانت المحكمة التأديبية مقيدة بالمخالفات الواردة في قرار الاتهام إلا أنها مع ذلك لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة الإدارية على الوقائع التي وردت في القرار المذكور بل إن عليها أن تمحص الوقائع المطروحة عليها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تنزل عليها حكم القانون.
وإذا كان من ضمن الوقائع المنسوبة إلى المخالف الثاني السيد/ مصطفى رشوان الحصول على نصف الغرامة المحصلة بالقسيمة رقم 92328 التي نسب تزويرها إلى المخالف الأول السيد/ محمود سيد عيسى، ولا يتأتى له ذلك إلا بقيامه بتقديم حوافظ الإيراد النصف شهرية متضمنة واقعة غير صحيحة وهي اشتراكه في واقعة ضبط المسافر المخالف وقيامه بالتوقيع بنفسه على قسيمة المخالفة حال تحريرها، وقد ووجه بهذه التهمة وأدلى بدفاعه عنها، فمن ثم فإنه يحق للمحكمة التأديبية أن تكيف تلك الوقائع التكييف القانوني الصحيح، وتنسب إلى المخالف الثاني تهمة تقديم كشوف الاستحقاق النصف الشهرية مع علمه بما انطوت عليه من تزوير وتدينه عنها إذا ما توافرت لديها الدليل المقنع على ارتكابه تلك المخالفة ومن ثم يكون هذا الوجه من أوجه الطعن على غير أساس.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجهين الثاني والثالث من الطعن فإن المحكمة التأديبية بنت اقتناعها بإدانة الطاعنين على الأسباب التي استخلصتها من عناصر سليمة لها أصل ثابت في الأوراق، والتي ساقتها المحكمة لدحض دفاع الطاعنين مفصلة إياها على نحو كاف لتبرير مذهبها في الرأي الذي انتهت إليه والتي تأخذ به هذه المحكمة وأما بالنسبة إلى الوجه الثالث من الطعن والمتعلق بأن المحكمة أهدرت حق الدفاع المكفول للطاعنين إذ رفضت ندب خبير استشاري لفحص القسائم المدعى بتزويرها فإنه مردود بأن المحكمة التأديبية إنما تستمد الدليل الذي تقيم عليه قضاءها من الوقائع التي تطمئن إليها دون معقب عليها في هذا الشأن ما دام هذا الاقتناع قائماً على أصول موجودة وغير منتزع من أصول لا تنتجه، وإذ كانت الخبرة هي طريق من طرق التحقيق يجوز للمحكمة أن تلجأ إليه بناء على طلب أصحاب الشأن أو من تلقاء نفسها إذا ما تراءى لها ذلك فمن ثم يحق لها رفض الطلب المقدم إليها بطلب ندب خبير إذا اقتنعت بعدم جدواه. والعبرة في ذلك باقتناع المحكمة.
ولما كان الطاعنون لم يقدموا مع طلبهم ما يدل على فساد الرأي الذي انتهى إليه تقرير الطبيب الشرعي الأمر الذي استظهرت منه المحكمة عدم ندب خبير استشاري فمن ثم كان حقاً عليها أن ترفضه، ويكون هذا الوجه من أوجه الطعن على غير أساس لسلامة الحكم المطعون فيه من أي إخلال بحق الدفاع يمكن أن يكون سبباً لبطلانه.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الرابع من الطعن فإن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه ولئن كان للسلطات التأديبية وما بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في هذا الشأن إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة شأنها شأن أية سلطة تقديرية أخرى ألا يشوب استعمالها غلو، ومن صوره، الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره، ولما كان الثابت في الأوراق أن التلاعب الذي وقع من الطاعنين لا يمس إلا بالتنظيمات الإدارية والتعليمات التي وضعتها هيئة السكة الحديد لتوزيع حصيلة المخالفات على أفراد العاملين الذين اشتركوا في ضبط المخالفة، وليس من شأنه على الإطلاق أن يمس بالمصلحة المالية لهيئة السكك الحديدية، لأن الغرامات المحصلة على قسائم المخالفات لا تضاف إلى موارد الهيئة وإنما تمنح كلها للكمساري محرر قسيمة المخالفة إذا ما استقل بضبط الواقعة وتقسم بين الكمساري ومفتش الرصيف إذا ما شاركه الأخير في ذلك ووقع على قسيمة المخالفة حال تحريرها، وهذا فضلاً عن أن قيمة المبالغ التي حصل عليها كل من المخالفين الثاني والرابع نتيجة للتزوير الذي ارتكبه المخالفان الأول والثالث لا يتجاوز الخمسة عشر مليماً بالنسبة إلى المخالف الثاني، 25 مليماً بالنسبة إلى الرابع ولذلك فإن المخالفات المشار إليها في ذاتها لم تبلغ حداً من الجسامة بحيث تستأهل العقوبة التي أوقعتها المحكمة التأديبية بالطاعنين، ويكون الجزاء الذي أوقعته المحكمة بهم منطوياً على غلو يجعله متسماً بعيب عدم المشروعية الأمر الذي يتعين معه إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعنين بخفض مراتبهم ومرتباتهم والاكتفاء بإيقاع الجزاء الذي يتناسب مع جسامة تلك المخالفات.
ومن حيث إنه وإن كانت لائحة جزاءات موظفي هيئة سكك حديد مصر الصادرة بقرار وزير المواصلات رقم 108 في 18 ديسمبر سنة 1960 والتي عوقب الطاعنون على أساسها قد حددت العقوبات التي يجوز إيقاعها بالعاملين الذين يرتكبون إحدى المخالفات الواردة في المجموعة الأولى فنصت على أن "يعاقب كل من يرتكب إحدى المخالفات الواردة في المجموعة الأولى بالعقوبات الآتية: ( أ ) خفض المرتب. (ب) التنزيل إلى مرتبة أدنى. (جـ) خفض المرتب والتنزيل إلى مرتبة أدنى. ( د ) العزل من الوظيفة مع حفظ الحق في المعاش أو المكافأة أو الحرمان من كل أو بعض المعاش أو المكافأة" غير أنه بتاريخ 20 من سبتمبر سنة 1966 نشر قرار رئيس الجمهورية رقم 3076 لسنة 1966 بنظام العاملين بهيئات سكك حديد مصر والبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ونصت المادة الثانية منه على أن "مع عدم الإخلال بسلطة مجلس إدارة وكل هيئة في وضع اللوائح والقرارات المتعلقة بشئون العاملين طبقاً لأحكام القانون رقم 61 لسنة 1963 المشار إليها تسري أحكام نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964 وأحكام القانون رقم 158 لسنة 1964 وقرار رئيس الجمهورية رقم 2264 لسنة 1964 المشار إليه على العاملين بهذه الهيئات الخاضعين لقرارات رئيس الجمهورية أرقام 2190، 2191، 2192 لسنة 1959 وذلك فيما لا يتعارض مع أحكام هذا القرار" ونصت المادة الثالثة على أن "تستمر اللوائح والقرارات التنفيذية المعمول بها حالياً في شئون العاملين بالهيئات المشار إليها سارية إلى أن تلغى أو تعدل بقرار من مجلس الإدارة وذلك فيما لا يتعارض مع أحكام المادة السابقة". ومفاد هذين النصين أن المشرع رأى الإبقاء على اللوائح والقرارات التنفيذية المعمول بها في شئون العاملين بتلك الهيئات فيما لا يتعارض مع أحكام قانون العاملين المدنيين بالدولة، وليس من شك في أن لائحة جزاءات موظفي هيئة سكك حديد مصر تدخل ضمن اللوائح والقرارات المنصوص عليها في المادة الثالثة المشار إليها.
ومن حيث إنه لما كانت المادة 61 من قانون نظام العاملين بالدولة المشار إليها تضمنت أحكاماً خاصة بالجزاءات التي يجوز إيقاعها بالعاملين تتعارض مع أحكام المادة الأولى من لائحة جزاءات موظفي هيئة سكك حديد مصر فقد أغفلت هذه المادة إدراج جزاءات خفض المرتب والتنزيل إلى درجة أدنى أو هما معاً ضمن الجزاءات التي يجوز إيقاعها بالعاملين المدنيين بالدولة فمن ثم فإن المادة الأولى من لائحة جزاءات موظفي هيئة سكك حديد مصر تعتبر منسوخة في الحدود التي يتحقق فيها رفع التعارض بين حكمها وبين حكم المادة 61 من القانون رقم 46 لسنة 1964 المشار إليه وتكون عقوبات خفض المرتب والتنزيل إلى مرتبة أدنى أو هما معاً قد ألغيت اعتباراً من تاريخ العمل بالقرار الجمهوري رقم 3576 لسنة 1966 المشار إليه، يترتب على ذلك أنه اعتباراً من هذا التاريخ لا يجوز إيقاع تلك العقوبات بالعاملين بالهيئة وإنما يجب توقيع عقوبة تتناسب مع جسامة المخالفة من ضمن العقوبات المنصوص عليها في المادة 61 من القانون رقم 46 لسنة 1964 المشار إليه.
ومن حيث إنه وقد قامت بالحكم المطعون فيه حالة من حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا تستوجب إلغاءه في الحدود السالف بيانها وتوقيع العقوبة المناسبة للمخالفات التي ثبتت في حق الطاعنين فمن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعنين بخفض مراتبهم ومرتباتهم والاكتفاء بمجازاة كل منهم بالخصم من مرتبه لمدة شهرين مع إلزامهم بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعنين بخفض مراتبهم ومرتباتهم والاكتفاء بمجازاة كل منهم بالخصم من مرتبه لمدة شهرين وألزمتهم بالمصروفات.