أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 50 - صـ 64

جلسة 24 من يناير سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ محمود إبراهيم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسام عبد الرحيم وسمير أنيس وفتحي الصباغ والبشرى الشوربجي نواب رئيس المحكمة.

(11)
الطعن رقم 30157 لسنة 59 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". قتل عمد.
لمحكمة الموضوع القضاء بالبراءة متى تشككت في صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت. شرط ذلك؟
مثال لتسبيب معيب لحكم صادر بالبراءة في جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار.
(2) قتل عمد. مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
القضاء بالبراءة دون تحرى المسئولية الجنائية للمتهم. يعيب الحكم.
(3) نقض "نظر الطعن والحكم فيه" "الطعن للمرة الثانية".
الحكم الصادر في دعويين جنائيتين متغايرتين. قابل للتجزئة. نقض الحكم في إحداهما للمرة الثانية. يوجب تحديد جلسة لنظر موضوعها دون الأخرى. أساس ذلك؟
1 - لما كان يبين من الأوراق أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى كما صورها الاتهام أورد ضمن ما استند إليه تبريراً لقضائه بالبراءة ما نصه "أن المحكمة لا تطمئن إلى شهادة.. من أنه كان يرافق المجني عليه حين فاجأهما المتهم الأول - المطعون ضده الأول - فأطلق عياراً نارياً على المجني عليه ودلائل ذلك أن الشاهد لم يكن متواجداً بمكان الحادث إذ لو كان موجوداً كان قد أثبت ذلك أمام رجل شرطة النجدة، وكان قدم نفسه للشهادة أمام الضابط... والرائد.... إذ إن أياً من هؤلاء لم يشر إلى أن الشاهد المذكور كان موجوداً بمكان الحادث...". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تقضي بالبراءة متى تشككت في صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت عليه. إلا أن ذلك مشروط بأن تلتزم الحقائق الثابتة بالأوراق وبأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات، ولما كان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن الرائد... أثبت في محضره المؤرخ الساعة الواحدة والخمس والثلاثين دقيقة مساء أنه أثناء وجوده في مكان الحادث تقدم له الشاهد... وقرر له شفاهة أنه كان يسير مع المجني عليه بشارع الحداد وفوجئ بالمتهم الذي أطلق على المجني عليه عياراً نارياً من مسدس، فإن ما تساند عليه في تبرير شكه في أن شاهد الرؤية هذا لم يكن موجوداً في مكان الحاث حال وقوعه يخالف الثابت في الأوراق الأمر الذي ينبئ عن أن المحكمة أصدرت حكمها دون أن تحيط بأدلة الدعوى وتمحصها ولا يغني عن ذلك ما ذكرته من أدلة البراءة الأخرى إذ ليس من المستطاع مع ما جاء في الحكم على خلاف ذلك الثابت في الأوراق الوقوف على مبلغ أثر هذا الدليل لو فطنت المحكمة إلى حقيقته في الرأي الذي انتهت إليه.
2 - لما كان يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أورد في أسبابه الدعامات التي أقام عليها قضاءه بتبرئة المطعون ضده الثاني، بيد أنه في ختام إحداها أفصح عن اعتناقه، بأنه وستة أشخاص آخرين هم - بغير سبق إصرار أو اتفاق - الذين أحدثوا الإصابات المتعددة بالمجني عليه منها الإصابات التي أدت إلى وفاته ولم يعرف محدثها منهم، مما كان لازماً على الحكم أن يتحرى المسئولية الجنائية - للمطعون ضده ترتيباً لإعمال صحيح القانون في هذا الصدد قبل أن يتخطى ذلك ويقضى بتبرئة المطعون ضده سالف الذكر، وإزاء هذا الخطأ والاضطراب البادي في الحكم لا تستطيع محكمة النقض مراقبة صحة التطبيق القانوني على الواقعة.
3 - لما كان الثابت أن الحكم قد اشتمل في حقيقة الأمر - على ما يبين من مدوناته - على دعويين جنائيتين كل منهما متغايرة عن الأخرى من حيث الفاعلين والمجني عليه - والظروف التي وقعت فيها كل من الجريمتين بما يكون معه الحكم قابلاً للتجزئة، فمتى كان الحكم الصادر بحق المطعون ضده الثاني محل الطعن الماثل قد قضى بنقضه للمرة الثانية بما لازمه عملاً بالمادة 45 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، أن تحدد هذه المحكمة جلسة لنظر الموضوع، وذلك دون الدعوى الصادر فيها الحكم بحق المطعون ضده الأول والمقضي بنقضه أنفاً للمرة الأولى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بوصف أنهما: - المتهم الأول: قتل... عمداً مع سبق الإصرار بأن عقد العزم على قتله وأعد لهذا الغرض سلاحاً نارياً "مسدس" حمله وتوجه إليه إلى حيث يسير بالطريق العام وأطلق عليه عيارين ناريين قاصداً من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. المتهم الثاني: قتل عمداً... بأن انهال عليه بمطواة كان يحملها قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وأحالتهما إلى محكمة جنايات أسوان لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت غيابياً للأول وحضورياً للثاني عملاً بالمواد 230، 231، 234/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة وبمعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً. فطعن المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض "قيد بجدول محكمة النقض برقم... لسنة... قضائية". ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات أسوان لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة الإعادة بهيئة مغايرة قضت حضورياً ببراءة كل من المتهمين مما أسند إليهما ومصادرة المطواة المضبوطة.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ


المحكمة

أولاً: الطعن المقدم ضد المطعون ضده الأول: -
تنعى النيابة العامة على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده الأول من جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار تأسيساً على أن شاهد الرؤية لم يكن موجوداً بمكان الحادث وقت وقوعه بدلالة عدم تقدمه للشهادة أمام أياً من رجال الشرطة الذين وفدوا، وهو ما يخالف ما أثبته الرائد... في محضر الاستدلالات من أن ذلك الشاهد أخبره شفاهة بأن المطعون ضده هو فاعل القتل، مما يكون معه الحكم قد خالف الثابت بالأوراق بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى كما صورها الاتهام أورد ضمن ما استند إليه تبريراً لقضائه بالبراءة ما نصه "5" (أن المحكمة لا تطمئن إلى شهادة... من أنه كان يرافق المجني عليه حين فاجأهما المتهم الأول - المطعون ضده الأول - فأطلق عياراً نارياً على المجني عليه ودلائل ذلك أن الشاهد لم يكن موجوداً بمكان الحادث إذ لو كان موجوداً كان قد أثبت ذلك أمام رجل شرطة النجدة، وكان قدم نفسه للشهادة أمام الضابط.... والرائد... إذ أن أياً من هؤلاء لم يشر إلى أن الشاهد المذكور كان موجوداً بمكان الحادث..). لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة متى تشككت في صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت عليه، إلا أن ذلك مشروط بأن تلتزم الحقائق الثابتة بالأوراق وبأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات، ولما كان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن الرائد... أثبت في محضره المؤرخ.. الساعة الواحدة والخمس والثلاثين دقيقة مساء أنه أثناء وجوده في مكان الحادث تقدم له الشاهد وقرر له شفاهة أنه كان يسير مع المجني عليه بشارع الحداد وفوجئ بالمتهم الذي أطلق على المجني عليه عياراً نارياً من مسدس، فإن ما تساند عليه في تبرير شكه في أن شاهد الرؤية هذا لم يكن موجوداً في مكان الحاث حال وقوعه يخالف الثابت في الأوراق الأمر الذي ينبئ عن أن المحكمة أصدرت حكمها دون أن تحيط بأدلة الدعوى وتمحصها ولا يغني عن ذلك ما ذكرته من أدلة البراءة الأخرى إذ ليس من المستطاع مع ما جاء في الحكم على خلاف الثابت في الأوراق الوقوف على مبلغ أثر هذا الدليل لو فطنت المحكمة إلى حقيقته في الرأي الذي انتهت إليه، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه والإعادة.
ثانياً: الطعن المقدم ضد المطعون ضده الثاني: -
تنعى النيابة العامة على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضي ببراءة المطعون ضده الثاني من جريمة القتل العمد فقد خالف الثابت في الأوراق وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه عين عدد من ساهم في الاعتداء على حياة المجني عليه... على خلاف أقوال الشهود، كما خلص إلى أن مجهولين مع المطعون ضده الثاني أحدثوا إصابات المجني عليه ومنها الإصابة التي أدت إلى الوفاة مما كان يتعين على الحكم وقد نفى عنهم اتفاقهم أو إصرارهم في مقارفة الجريمة أن يأخذ المطعون ضده بالقدر المتيقن في حقه ومعاقبته بعقوبة جريمة الضرب البسيط، مما يعيبه ويستوجب نقضه..
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق الدعوى أن النيابة العامة قدمت المطعون ضده الثاني إلى المحاكمة الجنائية عن تهمة قتله عمداً المجني عليه، وبتاريخ... قضت محكمة الجنايات حضورياً بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشر عاماً، فطعن بالنقض على هذا الحكم حيث قضت محكمة النقض بتاريخ.... بنقضه والإعادة وبتاريخ... قضت محكمة الإعادة ببراءته، فطعنت النيابة العامة بطعنها الماثل على هذا الحكم الأخير. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أورد في أسبابه الدعامات التي أقام عليها قضاءه بتبرئة المطعون ضده الثاني، بيد أنه في ختام إحداها أفصح عن اعتناقه، بأنه وستة أشخاص آخرين هم... - بغير سبق إصرار أو اتفاق - الذين أحدثوا الإصابات المتعددة بالمجني عليه منها الإصابات التي أدت إلى وفاته ولم يعرف محدثها منهم، مما كان لازماً على الحكم أن يتحرى المسئولية الجنائية - للمطعون ضده ترتيباً لإعمال صحيح القانون في هذا الصدد قبل أن يتخطى ذلك ويقضى بتبرئة المطعون ضده سالف الذكر، وإزاء هذا الخطأ والاضطراب البادي في الحكم لا تستطيع محكمة النقض مراقبة صحة التطبيق القانوني على الواقعة مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وذلك دون حاجه لبحث وجهي الطعن الآخرين، وإذ كان الثابت أن الحكم قد اشتمل في حقيقة الأمر - على ما يبين من مدوناته - على دعويين جنائيتين كل منهما متغايرة عن الأخرى من حيث الفاعلين والمجني عليه - والظروف التي وقعت فيها كل من الجريمتين بما يكون معه الحكم قابلاً للتجزئة، فمتى كان الحكم الصادر بحق المطعون ضده الثاني محل الطعن الماثل قد قضى بنقضه للمرة الثانية بما لازمه عملاً بالمادة 45 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض. أن تحدد هذه المحكمة جلسة لنظر الموضوع، وذلك دون الدعوى الصادر فيها الحكم بحق المطعون ضده الأول والمقضي بنقضه أنفاً للمرة الأولى.