أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 47 - صـ 818

جلسة 16 من مايو سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ محمد حسن العفيفي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد محمود، عزت البنداري نائبي رئيس المحكمة، أحمد عبد الرازق ورمضان أمين اللبودي.

(153)
الطعن رقم 1871 لسنة 65 القضائية

(1) محكمة الموضوع "سلطتها بالنسبة لفهم الواقع في الدعوى".
محكمة الموضوع. لها سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى واستخلاص الحقيقة فيها مما يطرح عليها من أدلة وقرائن. (مثال بشأن استخلاص المحكمة الخصم الذي ترك المدعي الخصومة بالنسبة له).
(2) دعوى "المسائل التي تعترض سير الخصومة: ترك الخصومة". حكم "استنفاد المحكمة ولايتها" "بطلان الحكم". بطلان "بطلان الأحكام. استئناف. نظام عام.
ترك الخصومة. ماهيتها. التنازل عن الخصومة دون حكم في موضوعها. أثره. إلغاء إجراءات الخصومة مع إبقاء الحق الموضوعي على حاله. مؤداه. الحكم بترك الخصومة، قضاء لا تستنفد به محكمة أول درجة ولايتها في نظر موضوع الدعوى. إلغاء هذا الحكم استئنافياً. وجوب إعادة الدعوى لمحكمة أول درجة لنظر موضوعها. تصدي محكمة الاستئناف للموضوع إخلال بمبدأ التقاضي على درجتين. أثره. بطلان الحكم الاستئنافى. لا ينال من ذلك عدم التمسك أمام محكمة الاستئناف بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة.
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى واستخلاص الحقيقة فيها مما يطرح عليها من أدلة وقرائن، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن المطعون ضدها الثالثة (شركة التأمين) هي المقصود بالترك على ما أورده في مدوناته من أن (....) وكان هذا الاستخلاص سائغاً وكافياً لحمل قضاء الحكم في هذا الخصوص وله أصله الثابت في الأوراق فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
2 - إن ترك الخصومة - وعلى ما يبين من نص المادة 143 من قانون المرافعات - معناه التنازل عنها دون حكم في موضعها فلا تأثير له في الحق موضوع الدعوى إذ يقتصر هدفه وأثره على إجراءات الخصومة فيؤدي إلى محوها واعتبارها ملغاة، مع إبقاء الحق الموضوعي الذي رفعت به الدعوى على حاله محكوماً بالقواعد المتعلقة به في القانون الموضوعي. لما كان ذلك فإن حكم محكمة أول درجة بترك الخصومة لا تكون قد استنفدت به ولايتها في نظر موضوع الدعوى، فإذا استؤنف حكمها وقضت محكمة الاستئناف بإلغاء هذا الحكم فإنه يتعين عليها في هذه الحالة أن تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظر موضوعها اعتباراً بأن مبدأ التقاضي على درجتين من المبادئ الأساسية للنظام القضائي ويكون حكم محكمة الاستئناف باطلاً إن هي تصدت للموضوع وترتب على تصديها الإخلال بالمبدأ ولا يزيل هذا البطلان عدم التمسك أمامها بإعادة القضية إلى محكمة أول درجة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 6530 لسنة 1989 مدني الإسكندرية الابتدائية طلباً لحكم يلزم الطاعنة والمطعون ضدهما الثانية والثالثة بأن يؤدوا إليه على سبيل التضامن مبلغ 50000 جنيه تعويضاً عما لحقه من ضرر بسبب قيام المطعون ضده الثاني - تابع الشركة الطاعنة - بإتلاف سيارته بواسطة السيارة التي يقودها والمؤمن من مخاطرها لدى شركة التأمين المطعون ضدها الثالثة بعد أن ثبت خطؤه بحكم جنائي بات قضى بإدانته وإلزامه بتعويض مؤقت. وبعد أن ندبت المحكمة خبيراً وأودع تقريره أثبتت ترك الخصومة بالنسبة للطاعنة وألزمت المطعون ضده الثاني بأن يؤدي إلى المطعون ضده الأول مبلغ ثمانية عشر ألفاً من الجنيهات وذلك بحكم استأنفه المطعون ضده الأول بالاستئناف رقم 347 لسنة 50 ق الإسكندرية بطلب تعديل الحكم المستأنف بجعل الخصومة بالنسبة لشركة التأمين المطعون ضدها الثالثة والحكم له على الطاعنة والمطعون ضده الثاني متضامنين بكامل طلباته، كما استأنفه المطعون ضده الثاني بالاستئناف رقم 365 لسنة 50 ق الإسكندرية للحكم بتخفيض مبلغ التعويض المقضي به عليه، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئناف الثاني إلى الأول حكمت بتاريخ 14/ 12/ 1994 بإلزام الطاعنة بأن تؤدي متضامنة مع المطعون ضده الثاني مبلغ التعويض المقضي به بالحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض في شأن إلزامها بمبلغ التعويض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره فيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أُقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بالثاني منها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وذلك حين صرف طلب المطعون ضده الأول شخصياً بجلسة 9/ 1/ 1991 ترك الخصوم بالنسبة لها إلى شركة التأمين المطعون ضدها الثالثة وبالتالي مبقياً الدعوى قائمة قبل الطاعنة وذلك على سند من أن هذا هو طلب وكيله بذات الجلسة فلا يكون طلب المطعون ضده الأول إلا تأكيداً له في حين أنه هو - دون وكيله - صاحب الحق في الدعوى يوجهها كيفما يشاء بما يعيب الحكم.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى واستخلاص الحقيقة فيها مما يطرح عليها من أدلة وقرائن، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن المطعون ضدها الثالثة (شركة التأمين) هي المقصود بالترك على ما أورده في مدوناته من أن (الثابت من محضر جلسة 9/ 1/ 1991 أمام محكمة أول درجة أن محامي المدعي "المطعون ضده الأول" قرر بترك الخصومة بالنسبة لشركة الشرق للتأمين المدعى عليها الثانية وقد ورد في محضر الجلسة أن المدعي حضر شخصياً وطلب ترك الخصومة بالنسبة للمدعى عليها الثانية وبديهي أن يؤكد ما أبداه محاميه فيكون المقصود من تنازله هو شركة التأمين وليس شركة مساهمة البحيرة (الطاعنة) وقد قدمت مذكرة بجلسة 22/ 12/ 1993 أحالت فيها إلى مذكرتها المقدمة بجلسة 9/ 1/ 1991 دون أن تثير مسألة الترك بالنسبة لها وبذلك تكون المعنية بالترك هي شركة التأمين وتكون شركة مساهمة البحيرة باقية في الدعوى) وكان هذا الاستخلاص سائغاً وكافياً لحمل قضاء الحكم في هذا الخصوص وله أصله الثابت في الأوراق فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون ذلك بتصدي محكمة الاستئناف للفصل في موضوع مسئولية الطاعنة بعدم قضائها بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من ترك الخصومة بالنسبة لها حالة أن محكمة أول درجة لم تستنفد بهذا القضاء ولايتها على موضوع هذه المسئولية لوقوفها عند حد التعرض لترك الخصومة بالنسبة للطاعنة مما كان يوجب على محكمة الاستئناف عند إلغائها ذلك الحكم إعادة الدعوى إلى أول درجة للفصل فيها التزاماً بمبدأ تعدد درجات التقاضي.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك بأن ترك الخصومة - وعلى ما يبين من نص المادة 143 من قانون المرافعات معناه التنازل عنها دون حكم في موضوعها فلا تأثير له في الحق موضوع الدعوى إذ يقتصر هدفه وأثره على إجراءات الخصومة فيؤدي إلى محوها واعتبارها ملغاة، مع إبقاء الحق الموضوعي الذي رفعت به الدعوى على حاله محكوماً بالقواعد المتعلقة به في القانون الموضوعي. لما كان ذلك فإن حكم محكمة أول درجة بترك الخصومة لا تكون قد استنفدت به ولايتها في نظر موضوع الدعوى، فإذا استؤنف حكمها وقضت محكمة الاستئناف بإلغاء هذا الحكم فإنه يتعين عليها في هذه الحالة أن تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظر موضوعها اعتباراً بأن مبدأ التقاضي على درجتين من المبادئ الأساسية للنظام القضائي ويكون حكم محكمة الاستئناف باطلاً إن هي تصدت للموضوع وترتب على تصديها الإخلال بالمبدأ ولا يزيل هذا البطلان عدم التمسك أمامها بإعادة القضية إلى محكمة أول درجة. لما كان ما سلف وكان الواقع في الدعوى أن محكمة أول درجة حكمت بترك الخصومة بالنسبة للطاعنة ثم ألغت محكمة الاستئناف هذا الحكم باعتبار أن الترك لم يكن موجهاً إليها ومتصدية في ذات الوقت للموضوع بالنسبة لها فاصلة فيه دون أن تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظره والتي لم تقل كلمتها فيه فإنها تكون قد خالفت القانون بما يوجب نقض حكمها لهذا السبب دون حاجة إلى بحث السبب الأول من أسباب الطعن.
وحيث إن ما نقض الحكم في خصوصه صالح للفصل فيه ولما تقدم يتعين القضاء بإحالة القضية إلى محكمة الإسكندرية الابتدائية لنظر الموضوع.