مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 142

(22)
جلسة 26 من نوفمبر سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل - نائب رئيس مجلس الدولة والسادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر - المستشارين.

القضية رقم 533 لسنة 8 القضائية

( أ ) دعوى "دفع بعدم الاختصاص". حجية الأمر المقضي فيه - طلب التعويض المتفرع عن الطلب الأصلي الذي كيفته المحكمة بأنه طلب إلغاء - رفض المحكمة الطلب الأصلي بالإلغاء - لا تجوز العودة إلى إثارة مسألة الاختصاص بصدد طلب التعويض - الحكم الصادر في الطلب الأصلي بعدم القبول يكون قد قضى ضمناً باختصاص المحكمة بنظر طلب التعويض - هذا الحكم يحوز قوة الأمر المقضي في هذه الخصوصية.
(ب) دعوى "حكم - حجية الأمر المقضي فيه" - قضاء المحكمة الإدارية فيما يتعلق بطلب المدعي الخاص بتسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 بعدم القبول شكلاً لرفعه بعد الميعاد - حجية هذا الحكم مقصورة على ما قضى به من الناحية الشكلية ومرتبطة بالتكييف الذي ذهب إليه بأن حقيقة طلب المدعي هو طلب إلغاء لا طلب تسوية - لا حجية لهذا الحكم بالنسبة لموضوع الطلب - هذا الحكم لا يحول دون أن يطلب المدعي التعويض العيني عما أصابه من ضرر ناتج عن امتناع الوزارة تسوية حالته.
(ج) موظف "استقالة تيسيرية" - الجهة الإدارية ملزمة بقبول طلبات ترك الخدمة المقدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية - أساس ذلك.
1 - أن طلب التعويض في الخصوصية المعروضة يعتبر فرعاً للطلب الأصلي الذي قضت المحكمة الإدارية بأنه في حقيقته طلب إلغاء، إذ أن المدعي بعد أن أخفق في طلبه الأصلي الخاص بالحكم بتسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 لم يجد مناصاً من اللجوء إلى ذات المحكمة بطلب الحكم له بالتعويض عن الضرر الذي أصابه نتيجة امتناع الجهة الإدارية عن تطبيق القانون المذكور عليه - وهو ذات الطلب الذي سبق أن تقدم به على سبيل الاحتياط أثناء نظر دعواه ولم تفصل فيه المحكمة بسبب عدم سداد الرسم المستحق عنه والذي تبين فيما بعد للقلم المختص بمجلس الدولة أنه لا يستحق عنه رسم وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه "لا تجوز العودة إلى إثارة مسألة الاختصاص بصدد طلب التعويض، لأن الحكم الصادر في الطلب الأصلي إذ قضى بعدم قبول الطلب الأصلي شكلاً لرفعه بعد الميعاد يكون قد قضى ضمناً باختصاص المحكمة بنظر التعويض باعتباره فرعاً من الطلب الأصلي، ومن ثم يكون الحكم المذكور قد حاز في مسألة الاختصاص قوة الأمر المقضي وهو ما يقيد المحكمة في هذه المسألة عند نظر طلب التعويض، ذلك أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في طلبات التعويض متفرع عن اختصاصه بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية والقاعدة في حجية الأمر المقضي هي أن الحكم في شيء هو حكم فيما يتفرع عنه".
2 - أن المحكمة الإدارية المطعون في حكمها ولئن كان قد سبق لها أن قضت بجلستها المنعقدة في 16 من أكتوبر سنة 1961 في الدعوى رقم 23 لسنة 8 القضائية فيما يتعلق بطلب المدعي الأصلي الخاص بتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 بعدم قبول هذا الطلب شكلاً لرفعه بعد الميعاد، وكان المدعي لم يطعن في هذا الحكم فأصبح نهائياً ومن ثم حاز حجية الأمر المقضي، إلا أن هذه الحجية مقصورة فقط على ما قضى به الحكم في هذا الشأن من هذه الناحية الشكلية ومرتبطة بالتكييف الذي ذهب إليه ومحصورة في نطاق هذا التكييف - وذلك فيما لو صح قضاء المحكمة المذكورة بأحقية طلب المدعي هو طلب إلغاء قرار إداري لا طلب تسوية - ولا تجاوز حجية هذه الناحية الشكلية إلى موضوع الطلب المشار إليه ذاته، لأن المحكمة لم تتصد لهذا الموضوع من حيث مشروعية أو عدم مشروعية موقف الوزارة من عدم تسوية حالة المدعي طبقاً لأحكام القانون آنف الذكر، ولذلك فإن أثر هذه الحجية يقف عند حد التكييف الذي ارتبطت به ويتقيد بالنتيجة التي انتهى إليها الحكم على أساس هذا التكييف لا يتعداهما بحيث لا يحول دون طلب المدعي الحكم له بتعويضه عيناً بتسوية حالته طبقاً لأحكام القانون المذكور أو بتعويضه نقداً تعويضاً يجبر ما أصابه من ضرر ناتج عن رفض الوزارة تسوية حالته، طالما أن حقه في طلب التسوية أو التعويض لا يزال قائماً لم يسقط لأي سبب من الأسباب، وغنى عن البيان أن التصدي لطلب التعويض - مؤقتاً أو جابراً - يثير بالتبعية وبحكم اللزوم النظر في طلب التسوية، بحكم كون هذا الأخير هو الأصل الذي يتفرع عنه طلب التعويض، وأن الحكم به يجب الطلب الآخر ويغني عنه، فضلاً عن أن الأساس القانوني فيهما واحد، وهو مشروعية أو عدم مشروعية تصرف الوزارة برفض تسوية حالة المدعي على مقتضى أحكام القانون المشار إليه.
3 - إن قضاء هذه المحكمة قد جرى - في شأن تطبيق أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 - على أن الجهة الإدارية ملزمة بقبول طلبات ترك الخدمة المقدمة طبقاً للقانون المذكور من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية متى توفرت فيهم الشروط التي استلزمها هذا القانون دون أي قيد آخر لم يرد فيه، وأن الأمر في قبول أو رفض الطلبات التي تقدم من هؤلاء الموظفين ليس مرده إلى تقدير الجهة الإدارية ومحض اختيارها وإنما مرده في الحقيقة إلى أحكام القانون ذاته الذي رتب حقوقاً معينة لهذه الطائفة من الموظفين ذوي الدرجات الشخصية متعلقة بالمعاش، بحيث إذا ما توفرت فيهم الشروط التي نص عليها القانون سالف الذكر حقت لهم الإفادة من أحكامه، وحق على الجهة الإدارية تمكينهم من هذه الإفادة، وعلى ذلك فإن سلطتها في هذا الشأن إنما هي سلطة مقيدة بالقانون، فلا تملك أن تضيف في هذه الحالة حكماً أو قاعدة تنظيمية لا ترقى إلى مرتبة القانون على خلاف أحكامه، وقد استهدف المشرع أصلاً من إصدار هذا القانون معالجة مشكلة قدامى الموظفين، ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها قدر المستطاع بقصد إلغائها، وعلى ذلك فليس ثمة وجه للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل ما بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 23 لسنة 8 القضائية ضد وزارة الأشغال بصحيفة أودعها قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في 22 من أكتوبر سنة 1960 طالباً "الحكم بتسوية حالته على أساس إحالته إلى المعاش طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع حفظ كافة الحقوق الأخرى" وبجلسة 15 من مايو سنة 1961 عدل المدعي طلباته إلى الحكم (أصلياً) بالطلبات الواردة بعريضة دعواه (واحتياطياً) بالتعويض العيني وهو تسوية حالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 (ومن باب الاحتياط الكلي) بإلزام الوزارة المدعى عليها بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. وقال بياناً لدعواه أنه من مواليد 4 من مارس سنة 1901 وأنه يبلغ سن الإحالة إلى المعاش في 4 من مارس سنة 1961، وقد تقدم بطلب الإحالة إلى المعاش مع ضم سنتين إلى مدة خدمته ومنحه علاوتين طبقاً للقانون 120 لسنة 1960، إلا أنه صدر قرار بحفظ طلبه وذلك بالمخالفة لأحكام هذا القانون، الذي هدفه الأساسي هو علاج مشكلة الموظفين المنسيين علاجاً شاملاً، وتعويضهم تعويضاً عادلاً إلى جانب الرغبة في التخلص من الدرجات الشخصية وتيسير اعتزال الخدمة لقدامى الموظفين ولم يقيد المشرع قبول الطلب بأي قيد أو شرط، وإذا كان سبب رفض طلبه هو أن المدة الباقية على بلوغه سن الإحالة إلى المعاش أقل من سنة فإن هذا الرفض يكون مخالفاً للقانون ولقصد الشارع وروح العدالة ومبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة إلى طائفة واحدة من المواطنين إذ يترتب على ذلك خلق أوضاع شاذة بحيث يغدق المزايا على الموظف الأقل سناً ومرتباً ودرجة ويجعله يتقاضى معاشاً يزيد زيادة بالغة على معاش زميله الأكبر سناً والأطول خدمة، وواقع الأمر أن المشرع قد اشترط فقط حداً أدنى لسن طالب اعتزال الخدمة ولكنه سكت عن تحديد الحد الأقصى لهذه السن بل على العكس من ذلك أورد عبارة واضحة الدلالة على اتجاهه، وهي "حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين" دون التقيد بحد أعلى للسن، ولو أن المشرع قصد إلى وضع حد أعلى للسن لنص على ذلك صراحة. وقد أجابت وزارة الأشغال (مصلحة المساحة) عن الدعوى بمذكرتين قالت فيهما أن المدعي حاصل على شهادة الكفاءة في سنة 1924 وأنه عين في الدرجة الثامنة الفنية في 29 من نوفمبر سنة 1924 ورقي إلى الدرجة السابعة في أول مايو سنة 1946 وإلى الدرجة السادسة الفنية الشخصية في 7 من مارس سنة 1953، وإلى الدرجة الخامسة الفنية الشخصية في 2 من سبتمبر سنة 1956 وإلى الدرجة الرابعة الفنية الشخصية في 26 من مارس سنة 1960، وقد سبق له أن تقدم في 17 من مايو سنة 1960 بطلب لاعتزال الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960، ولكن الوزارة أبلغت مصلحة المساحة التابع لها في 20 من مايو سنة 1960 أنه روئي أخيراً توحيداً للمعاملة بين جميع موظفي الوزارة في شأن تطبيق هذا القانون قصر الانتفاع بالترخيص الوارد به على الموظفين الذين يبلغون سن الإحالة إلى المعاش بعد سنة على الأقل من تاريخ تقديم الطلب، وطلبت الوزارة مراعاة عدم إرسال الطلبات التي تتعارض وهذه التعليمات. ولما كان المدعي من مواليد 4 من مارس سنة 1901 وكانت المدة الباقية له في الخدمة أقل من سنة من تاريخ تقديم الطلب حسب تعليمات الوزارة فقد تقرر حفظ طلبه وأخطر بذلك في 15 من يونيه سنة 1960 فتقدم بثلاث شكاوى إلى كل من مدير المصلحة ومفوض الوزارة ووزير الأشغال في 15 من يونيه سنة 1960 معترضاً على قرار حفظ طلبه إلا أن شكواه حفظت في 7 من يوليه سنة 1960، كما تقدم بتظلم آخر إلى مفوض الوزارة في 18 من أكتوبر سنة 1960، وبجلسة 16 من أكتوبر سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية بعدم قبول الدعوى شكلاً بالنسبة للطلب الأصلي وألزمت المدعي المصروفات وقررت استبعاد الطلب الاحتياطي بالتعويض لعدم سداد الرسم عنه "وبنت قضاءها بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطلب الأصلي على أن الدعوى في حقيقتها هي دعوى إلغاء وليست دعوى تسوية، لأن قرارات إنهاء خدمة الموظف إنما هي قرارات إدارية تصدرها الإدارة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، وأن إجابة المدعي إلى هذا الطلب لا تكون إلا بإلغاء القرار السلبي الصادر من جهة الإدارة بالامتناع عن تطبيق أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 في حقه وما يترتب على ذلك من آثار، إذ أن رفض السلطات الإدارية أو أن امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين أو اللوائح يعتبر في حكم القرارات الإدارية، والثابت من الأوراق أن المدعي تقدم في 17 من مايو سنة 1960 إلى مدير عام مصلحة المساحة بطلب اعتزاله الخدمة طبقاً للقانون المشار إليه فرفضت المصلحة طلبه وأبلغته بهذا الرفض في 15 من يونيه سنة 1960 فتقدم بثلاث تظلمات لوزير الأشغال ومدير المصلحة ومفوض الوزارة معترضاً فيها على رفض طلبه سالف الذكر وطلب إعادة النظر في قرار الرفض، وكان يتعين عليه طبقاً للمادة 22 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة أن يقيم دعواه بطلب إلغاء القرار المتظلم منه في ميعاد غايته 13 من أكتوبر سنة 1960 بيد أنه لم يقم دعواه إلا في 22 من أكتوبر سنة 1960 أي بعد فوات المواعيد القانونية، ومن ثم تكون الدعوى غير مقبولة شكلاً. وفي 27 من نوفمبر سنة 1961 تقدم المدعي للمحكمة بطلب جديد - بعد سداد الرسم المقرر - يلتمس فيه الحكم بإلزام الوزارة بأن تدفع له مبلغ مائة جنيه بصفة تعويض مؤقت مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وبجلسة 9 من ديسمبر سنة 1961 أجابته المحكمة إلى طلبه هذا بحكمها المطعون فيه، وأقامت قضاءها على أن شروط تطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 كانت متوفرة في حق المدعي عن تقديمه طلب اعتزاله الخدمة، ولذلك تكون الوزارة قد أخطأت بإصدارها قراراً سلبياً بالامتناع عن تطبيق أحكام القانون المذكور على حالته، وأن هذا الخطأ يترتب عليه ضرر لحق به يتمثل فيما فاته من ضم سنتين إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش ومنحه علاوتين من علاوات درجته مع حسابهما في معاشه مما أثر في مقدار هذا المعاش الأمر الذي يقتضي تعويضه عن هذا الضرر.
ومن حيث إن طعن الحكومة يقوم على أن طلب ترك الخدمة المقدم بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 إنما هو في الواقع اعتزال للخدمة من نوع خاص، وتفصل فيه الجهة الإدارية بما لها من سلطة خولها إياها القانون في ضوء مقتضيات المصلحة العامة فلها أن تقبل هذا الطلب وترفضه وفقاً لهذه المقتضيات، وليس مؤدى توفر الشروط التي يتطلبها القانون في حق المطعون عليه أن تلتزم الإدارة بإجابة طلبه، وعلى ذلك فإذا رأت الجهة الإدارية رفض طلب السيد المذكور وأبلغته بذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديم الطلب أي في الميعاد القانوني فإنها تكون قد استعملت حقها في الرفض وأفصحت عنه في حدود القانون، كما لم يثبت أنها قد تنكبت الجادة وتعيت في إصدار قرارها غير وجه المصلحة العامة، وبذلك يكون قرارها قد صدر صحيحاً مبرءاً من عيب الانحراف بالسلطة، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون حين أنحى عليها بالخطأ، وإذا ما انتفى ركن الخطأ فلا مسئولية على الإدارة مهما ترتب على قرارها من ضرر أصاب ذا الشأن. وقد دفعت الحكومة في مذكرتها الأخيرة بعدم اختصاص القضاء الإداري ولائياً بنظر دعوى التعويض، وأقامت هذا الدفع على أن مناط اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بطلبات التعويض حسبما تنص على ذلك المادة 9 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة - هو وجود قرار من القرارات الإدارية المنصوص عليها على سبيل الحصر في المادة الثامنة من هذا القانون وفيما يتعلق بالموظفين العموميين هي قرارات التعيين والترقية والقرارات التأديبية وقرارات الإحالة إلى المعاش أو الاستيداع، ومعنى ذلك أن الخطأ المطلوب التعويض عنه يتعين أن يكون واقعاً في قرار إداري من القرارات المشار إليها، فإذا تحقق وجود مثل هذا القرار انعقد الاختصاص بدعوى التعويض للقضاء الإداري وإلا خرجت هذه الدعوى عن اختصاصه والخطأ المنسوب لجهة الإدارة والمطلوب التعويض عنه لا يتمثل في دعوى المطعون عليه في قرار إداري بل في تسوية معاشه بوصفه من أصحاب الدرجات الشخصية، وما تجريه جهة الإدارة في حقه من تصرفات بمناسبة اعتزال الخدمة بالتطبيق للقانون رقم 120 لسنة 1960 لا ينطبق عليه وصف القرار الإداري بل هو مجرد أعمال مادية تتعلق بتسوية يستمد فيها حقه مباشرة من القانون حسبما قضت بذلك المحكمة الإدارية العليا. وأضافت الحكومة أنه ولئن كان تقرير طعنها قد خلا من الدفع بعدم الاختصاص المشار إليه إلا أنه نظراً إلى كونه متعلقاً بولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، كما أنه متعلق بالنظام العام فإنه يجوز لها إبداؤه في آية حالة تكون عليها الدعوى.
"أ" عن الدفع بعدم الاختصاص:
من حيث إن دفع الحكومة بعدم اختصاص القضاء الإداري ولائياً بنظر دعوى المدعي بالتعويض المؤقت الذي أبدته في مذكرتها الأخيرة المقدمة لهذه المحكمة - يقوم على أن مناط الاختصاص بذلك أن يكون الخطأ المطلوب التعويض عنه ناشئاً عن قرار إداري من القرارات المنصوص عليها في المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة في حين أن التعويض الذي يطالب به المدعي ليس عن قرار إداري بل هو عن عدم تسوية معاشه على النحو الذي قضى به القانون رقم 120 لسنة 1960 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة.
ومن حيث إن المدعي أقام دعواه أصلاً أمام المحكمة الإدارية يطلب فيها الحكم بتسوية حالته على أساس إحالته إلى المعاش طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 المشار إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار، ثم عدل طلباته إلى الحكم (أصلياً) بالطلبات الواردة بعريضة دعواه (واحتياطياً) بالتعويض العيني وهو تسوية حالته طبقاً للقانون سالف الذكر (ومن باب الاحتياط الكلي) بإلزام الوزارة المدعى عليها بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت "ولكن المحكمة قضت بجلسة 16 من أكتوبر سنة 1961 بعدم قبول الطلب الأصلي شكلاً لرفعه بعد الميعاد، وقررت استبعاد الطلب الاحتياطي بالتعويض لعدم سداد الرسم عنه، واستندت في عدم قبول الطلب الأصلي إلى أن هذا الطلب هو في حقيقته طلب إلغاء وليس تسوية حالة، تأسيساً على أن قرار إنهاء خدمة الموظف إنما هو من القرارات الإدارية التي تصدرها الإدارة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، وأن إجابة المدعي إلى هذا الطلب لا تكون إلا بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تطبيق أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 في حقه وما يترتب على ذلك من آثار، وأن رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين أو اللوائح يعتبر في حكم القرارات الإدارية. وبناء على هذا تقدم المدعي للمحكمة بعد ذلك في 27 من نوفمبر سنة 1961 يطلب الحكم له - بما سبق أن طلبه احتياطياً من قبل - بإلزام الوزارة المدعى عليها بأن تدفع له مبلغ مائة جنيه بصفة تعويض مؤقت، وقد أجابته المحكمة إلى طلبه هذا بحكمها المطعون فيه الصادر بجلسة 9 من ديسمبر سنة 1961، على أساس أن الوزارة قد أخطأت بإصدارها قراراً سلبياً بالامتناع عن تطبيق أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 على حالته.
ومن حيث إنه يتبين مما تقدم أن طلب التعويض في الخصوصية المعروضة يعتبر فرعاً للطلب الأصلي الذي قضت المحكمة الإدارية بأنه في حقيقته طلب إلغاء، إذ أن المدعي بعد أن أخفق في طلبه الأصلي الخاص بالحكم بتسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 لم يجد مناصاً من اللجوء إلى ذات المحكمة بطلب الحكم له بالتعويض عن الضرر الذي أصابه نتيجة امتناع الجهة الإدارية عن تطبيق القانون المذكور عليه - وهو ذات الطلب الذي سبق أن تقدم به على سبيل الاحتياط أثناء نظر دعواه، ولم تفصل فيه المحكمة بسبب عدم سداد الرسم المستحق عنه والذي تبين فيما بعد للقلم المختص بمجلس الدولة أنه لا يستحق عنه رسم وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه "لا تجوز العودة إلى إثارة مسألة الاختصاص بصدد طلب التعويض، لأن الحكم الصادر في الطلب الأصلي إذ قضى بعدم قبول الطلب الأصلي شكلاً لرفعه بعد الميعاد يكون قد قضى ضمناً باختصاص المحكمة بنظر طلب التعويض باعتباره فرعاً عن الطلب الأصلي، ومن ثم يكون الحكم المذكور قد حاز في مسألة الاختصاص قوة الأمر المقضي وهو ما يقيد المحكمة في هذه المسألة عند نظر طلب التعويض، ذلك أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في طلبات التعويض متفرع عن اختصاصه بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية، والقاعدة في حجية الأمر المقضي هي أن الحكم في شيء هو حكم فيما يتفرع عنه وعلى ذلك يكون الدفع بعدم الاختصاص - في خصوصية الدعوى الراهنة - في غير محله، ويتعين القضاء برفضه وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.
"ب" عن الموضوع:
من حيث إنه يتعين بادئ ذي بدء تبيان أن المحكمة الإدارية المطعون في حكمها ولئن كان قد سبق لها أن قضت بجلستها المنعقدة في 16 من أكتوبر سنة 1961 في الدعوى رقم 23 لسنة 8 القضائية فيما يتعلق بطلب المدعي الأصلي الخاص بتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 - بعدم قبول هذا الطلب شكلاً لرفعه بعد الميعاد، وكان المدعي لم يطعن في هذا الحكم فأصبح نهائياً ومن ثم حاز حجية الأمر المقضي، إلا أن هذه الحجية مقصورة فقط على ما قضى به الحكم في هذا الشأن من هذه الناحية الشكلية ومرتبطة بالتكييف الذي ذهب إليه ومحصورة في نطاق هذا التكييف - وذلك فيما لو صح قضاء المحكمة المذكورة بأن حقيقة طلب المدعي هو طلب إلغاء قرار إداري لا طلب تسوية - ولا تجاوز حجية هذه الناحية الشكلية إلى موضوع الطلب المشار إليه ذاته، لأن المحكمة لم تتصد لهذا الموضوع من حيث مشروعية أو عدم مشروعية موقف الوزارة من عدم تسوية حالة المدعي طبقاً لأحكام القانون آنف الذكر، ولذلك فإن أثر هذه الحجية يقف عند حد التكييف الذي ارتبطت به ويتقيد بالنتيجة التي انتهى إليها الحكم على أساس هذا التكييف لا يتعداهما بحيث لا يحول دون طلب المدعي الحكم له بتعويض عيناً بتسوية حالته طبقاً لأحكام القانون المذكور أو بتعويضه نقداً تعويضاً يجبر ما أصابه من ضرر ناتج عن رفض الوزارة تسوية حالته، طالما أن حقه في طلب التسوية أو التعويض لا يزال قائماً لم يسقط لأي سبب من الأسباب، وغنى عن البيان أن التصدي لطلب التعويض - مؤقتاً كان أو جابراً - يثير بالتبعية وبحكم اللزوم النظر في طلب التسوية، بحكم كون هذا الأخير هو الأصل الذي يتفرع عنه طلب التعويض، وأن الحكم به يجب الطلب الآخر ويغني عنه، فضلاً عن أن الأساس القانوني فيهما واحد، وهو مشروعية أو عدم مشروعية تصرف الوزارة برفض تسوية حالة المدعي على مقتضى أحكام القانون المشار إليه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى - في شأن تطبيق أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 على أن الجهة الإدارية ملزمة بقبول طلبات ترك الخدمة المقدمة طبقاً للقانون المذكور من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية متى توفرت فيهم الشروط التي استلزمها هذا القانون دون أي قيد آخر لم يرد فيه، وأن الأمر في قبول أو رفض الطلبات التي تقدم من هؤلاء الموظفين ليس مرده إلى تقدير الجهة الإدارية ومحض اختيارها، وإنما مرده في الحقيقة إلى أحكام القانون ذاته الذي رتب حقوقاً معينة لهذه الطائفة من الموظفين ذوي الدرجات الشخصية متعلقة بالمعاش، بحيث إذا ما توفرت فيهم الشروط التي نص عليها القانون سالف الذكر حقت لهم الإفادة من أحكامه، وحق على الجهة الإدارية تمكينهم من هذه الإفادة، وعلى ذلك فإن سلطتها في هذا الشأن إنما هي سلطة مقيدة بالقانون، فلا تملك أن تضيف في هذه الحالة حكماً أو قاعدة تنظيمية لا ترقى إلى مرتبة القانون على خلاف أحكامه، وقد استهدف المشرع أصلاً من إصدار هذا القانون معالجة مشكلة قدامى الموظفين، ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية، والتخلص منها قدر المستطاع بقصد إلغائها، وعلى ذلك فليس ثمة وجه للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل ما بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه.
ومن حيث إنه يبين من استظهار حالة المدعي - من واقع ملف خدمته - أنه من مواليد 4 من مارس سنة 1901، وأنه حاصل على شهادة الكفاءة في عام 1924، والتحق بخدمة الحكومة في 29 من نوفمبر سنة 1924 في الدرجة الثامنة الفنية، وحصل على الدرجة السابعة الفنية في أول مايو سنة 1946، وعلى الدرجة السادسة الفنية الشخصية في 7 من مارس سنة 1953 وعلى الدرجة الخامسة الفنية الشخصية في 2 من سبتمبر سنة 1956، وعلى الدرجة الرابعة الفنية الشخصية في 26 من مارس سنة 1960، وأحيل إلى المعاش اعتباراً من 4 من مارس سنة 1961 التاريخ التالي لبلوغه سن الستين، ومن هذا يتضح أن المدعي كان وقت تقديم طلب اعتزاله الخدمة في 17 من مايو سنة 1960 - بالاستناد إلى أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 من ذوي الدرجات الشخصية، وإذ استوفى الشرائط المنصوص عليها في القانون المذكور فإنه تأسيساً على ما تقدم يكون محقاً في طلب تسوية حالته بالتطبيق لأحكامه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه ولئن كان قد صدر في خصوص طلب المدعي القضاء له بالتعويض المؤقت تمهيداً للتعويض الجابر، إلا أن المدعي كانت نيته الحقيقية منصرفة أصلاً ودائماً إلى طلب الحكم له بتسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، والمحكمة وهي بصدد الفصل في الدعوى الراهنة لها أن تحدد التكييف القانوني السليم للدعوى تتقصى طبيعة طلبات المدعي في ضوء فهم القاعدة القانونية التي يطلب تطبيقها في شأنه فترد تصوير الطلبات الحاصل في الدعوى إلى الفهم الصحيح لحكم القانون فيها غير متقيدة في ذلك بالتطبيق الذي اختاره المدعي أو المنحى الذي توخاه أو اضطر إليه في تكييف طلباته فتردها كما سلف القول - في ضوء النية الحقيقية له والتي قصد إليها أولاً وأخيراً من وراء طلباته بما اجتمع لديها من عناصر - إلى الفهم الصحيح لحكم القانون في هذه الطلبات في غايتها وإذ وضح مما تقدم ذكره - في بيان واقعة الدعوى وحكم القانون فيها - أن المدعي محق أصلاً، في طلب تسوية حالته على مقتضى أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، وهو غاية ما يهدف إليه من دعواه - والدعوى على هذه الصورة أيضاً هي مما يختص القضاء الإداري بنظرها باعتبارها في الحقيقة دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش بعد إذ أحيل المدعي إلى المعاش في 4 من مارس سنة 1961، لم يسقط حقه فيها لأنه أقام دعواه الحالية في 27 من نوفمبر سنة 1961 - أي في الميعاد القانوني - فإنه كان يتعين تأسيساً على ما تقدم أن تقضي المحكمة باستحقاقه لتسوية حالته على وفق أحكام القانون المذكور وهي تسوية متكاملة بطبيعتها لا تتجزأ أو تتوقف بكونه قد طلب تعويضاً مؤقتاً، من باب الاحتياط الكلي، ما دام قد ثبت حقه فيها على نحو يجعل منها خير تعويض عيني جابر وفقاً لطلبه الاحتياطي في دعواه أصلاً، وإذ ذهبت المحكمة الإدارية في حكمها المطعون فيه مذهباً مغايراً، فإن هذا الحكم يقع والحالة هذه مخالفاً لمقتضى حكم القانون ويتعين لذلك إلغاؤه والقضاء باستحقاق المدعي تسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه برفض الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، وباختصاصه بنظرها، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي تسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات.