أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الخامسة والعشرون - صـ 648

جلسة 7 من أكتوبر سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوي - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين حسن عزام، وإبراهيم أحمد الديواني، وعبد الحميد محمد الشربيني، وعادل برهان نور.

(140)
الطعن رقم 985 لسنة 44 القضائية

(1) استئناف. "نطاقه". محكمة ثاني درجة. دعوى مدنية. إجراءات. "إجراءات المحاكمة".
الاستئناف. نقله الدعوى إلى محكمة الدرجة الثانية في حدود مصلحة رافعه.
حضور المدعي المدني أمامها. في حالة عدم استئنافه الحكم. لا يكون إلا لطلبه. تأييد الحكم الابتدائي بالتعريض.
(2) سب. "السب غير العلني". جريمة. "أركانها". "مسئولية جنائية". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
السب غير العلني. شرط العقاب عليه ؟ المادة 394 عقوبات. مثال.
(3) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام". دعوى مدنية.
تشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم. كفايته لتبرئته ورفض الدعوى المدنية.
(4) دعوى مدنية. اختصاص. "الاختصاص الولائي". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن.. ما لا يقبل منها".
اختصاص المحاكم الجنائية بالدعوى المدنية. رهن بتعلقها بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم. تأسيس البراءة على عدم توافر أركان الجريمة. كفايته تسبيباً لرفض الدعوى المدنية. القضاء بالبراءة والتعويض. متى يصح ؟
1 - من المقرر أن الاستئناف ينقل الدعوى إلى محكمة الدرجة الثانية في حدود مصلحة رافع الاستئناف، وأن استئناف المتهم وحده إنما يحصل لمصلحته الخاصة، وأن حضور المدعي بالحقوق المدنية أمام المحكمة الاستئنافية - إذا لم يكن قد استأنف الحكم الصادر في الدعوى المدنية - لا يكون إلا للمطالبة بتأييد الحكم الصادر له بالتعويض.
2 - يشترط للعقاب على السب المنصوص عليه في المادة 394 من قانون العقوبات أن يكون مرتكب السب قد ابتدر المجني عليه بالسب أي ألا يكون قد ألجئ إلى السب رداً على سب موجه إليه، مما يعتبر معه الاستفزاز عذراً مبرراً للسب في هذه الحالة. ولما كان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما ورد في الرسالة موضوع الاتهام لم يخرج عما يقتضيه المقام ويتلازم مع حق المطعون ضده - بوصفه نائباً لرئيس الجهة الدينية والمنوط به الرد على ما يوجه إليها - في الرد على ما تضمنته رسالة كانت قد صدرت من الطاعن وموجهة إلى أشخاص معينين هم بذواتهم الذين وجهت إليهم الرسالة موضوع الاتهام وتتضمن عبارات فيها تهجم على رئيس تلك الجهة الدينية ونسب إليه فيها ارتكاب أفعال وتصرفات تسيء إلى الجهة المذكورة ويدعو فيها إلى اتخاذ إجراءات معينة في هذا الصدد، وكان الحكم لم يخطئ في فهم مدلول عبارات الرسالة الأخيرة والتزم التطبيق القانوني الصحيح كما صار إثباتها في الحكم وقد خلا من التناقض الذي يعيبه، فإن النعي يكون على غير أساس.
3 - من المقرر أنه يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة ورفض الدعوى المدنية، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تدير الدليل ما دام حكمها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات، وما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله وجاء خالياً من الخطأ في تطبيق القانون.
4 - لا تختص المحكمة الجنائية بالتعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم. فإذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه (السب غير العلني) لعدم ثبوتها فإن ذلك يستلزم حتماً رفض طلب التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت في حق من نسب إليه. أما الحكم بالتعويض ولو قضى بالبراءة فشرطه ألا تكون البراءة قد بنيت على عدم حصول الواقعة أصلاً أو على عدم صحتها أو عدم ثبوت إسنادها إلى المتهم لأنه في هذه الأحوال لا تملك المحكمة أن تقضي بالتعويض على المتهم لقيام المسئوليتين الجنائية والمدنية معاً على ثبوت حصول الواقعة وصحة إسنادها إلى صاحبها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بالبراءة على عدم توافر أركان الجريمة المسندة إلى المطعون ضده، فإن هذه الأسباب بذاتها في هذه الحالة تكون أسباباً للحكم برفض دعوى التعويض.


الوقائع

أقام المدعي بالحق المدني "الطاعن" دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة جنح الساحل ضد المطعون ضده متهماً إياه بأنه في يوم 19 يونيه سنة 1972 بدائرة قسم الساحل محافظة القاهرة: قذف في حقه وسبه علناً بمنشور اتخذ العمومية والعلانية قام بإرساله إلى جميع أعضاء الطائفة التي ينتمي إليها وقد حوى عبارات أسند إليه فيها أموراً لو صحت لاستوجبت عقابه واحتقاره، وطلب عقابه بالمواد 302 و303 و306 من قانون العقوبات وإلزامه أن يدفع له واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، والمحكمة المشار إليها قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة المتهم بالحبس أسبوعاً مع الشغل وكفالة مائتي قرش لإيقاف التنفيذ وفي الدعوى المدنية بإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت، ومصاريف الدعوى المدنية ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة بلا مصروفات جنائية، فاستأنف المتهم، ومحكمة القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها المصاريف عن الدرجتين وخمسمائة قرش أتعاباً للمحاماة، فطعن المدعي بالحق المدني في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى برفض دعواه المدنية قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على عدم توافر ركن العلانية مع أن ظروف الواقعة تؤكد توافره، كما أن الحكم اعتبر أن العبارات التي تضمنها المنشور لا تعدو دفاعاً من المطعون ضده عن الجهة الدينية التي ينتمي إليها ورداً منه على رسالة صادرة من الطاعن ضمنها اتهامات ونقائص موجهة إلى تلك الجهة بما لا يتحقق معه القذف والسب غير أنه فضلاً عن أن الحكم قد خلا من ذكر مؤدى ما تضمنته تلك الرسالة فإنه قد فهم عباراتها على غير مؤداها إذ أنها لا تنطوي على ذلك الذي قاله الحكم ومن ثم فلم يكن من مقتضاها تضمين المنشور - موضوع الاتهام - العبارات التي وردت به والتي خرجت عن نطاق الرد والدفاع إلى ما يعد قذفاً وسباً في حق الطاعن، هذا بالإضافة إلى أن أسباب الحكم جاءت متناقضة فقد أورد في موضع منه أنه بفرض أن عبارات المنشور تشتمل على قذف وسب فلا يتوافر فيها العلانية ثم عاد في موضع آخر ونفي ذلك مخالفاً ما انتهى إليه الحكم الابتدائي من أن تلك العبارات تكون جريمة سب غير علني، وأخيراً فإن الحكم وقد انتهى إلى رفض الدعوى المدنية فإنه جاء خالياً من الأسانيد التي أقام عليها هذا القضاء فقد يعد ما صدر من المطعون ضده فعلاً خاطئاً يستوجب إلزامه بتعويض الضرر الناشئ عنه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن الطاعن أقام دعواه بطريق الادعاء المباشر ينسب فيها إلى المطعون ضده ارتكاب جريمتي القذف والسب المنصوص عليهما بالمواد 302 و303 و306 من قانون العقوبات، وقضت محكمة أول درجة بمعاقبة المطعون ضده بالحبس لمدة أسبوع وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحقوق المدنية (الطاعن) مبلغ 51ج على سبيل التعويض المؤقت باعتبار أنه ثبت في حقه ارتكاب جريمة سب غير علني المنصوص عليها بالمادة 394/ أولاً من قانون العقوبات وذلك تأسيساً على أن العلانية غير متوافرة في الواقعة، فاستأنف المطعون ضده وحده الحكم وقضت المحكمة الاستئنافية بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المطعون ضده مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها المصاريف، وقد أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على تأييد ما انتهى إليه حكم محكمة أول درجة من عدم توافر العلانية في الواقعة وإلى أنه يبين من مطالعة الرسالة - موضوع الاتهام - والمقدمة من المدعي بالحقوق المدنية لإثبات دعواه أنها لا تنطوي إلا على عبارات دفاع من المطعون ضده عن الجهة الدينية التي ينتمي إليها "المجمع" بوصفه نائباً لرئيس تلك الجهة وأن تجريحه للمدعي بالحقوق المدنية لم يكن إلا بالقدر الذي يستلزمه الأمر للنيل من الاتهامات التي وجهها المذكور إلى تلك الجهة بما لا يعد قذفاً أو سباً في حقه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاستئناف ينقل الدعوى إلى محكمة الدرجة الثانية في حدود مصلحة رافع الاستئناف، وأن استئناف المتهم وحده إنما يحصل لمصلحته الخاصة، وأن حضور المدعي بالحقوق المدنية أمام المحكمة الاستئنافية - إذا لم يكن قد استأنف الحكم الصادر في الدعوى المدنية - لا يكون إلا للمطالبة بتأييد الحكم الصادر له بالتعويض. ولما كان نص المادة 394 من قانون العقوبات قد جرى على أنه: "يجازى بغرامة لا تزيد على جنيه واحد مصري أو بالحبس مدة لا تجاوز أسبوعاً: (أولاً) من ابتدر إنساناً بسب غير علني.." وكان يشترط للعقاب على السب المنصوص عليه في هذه المادة أن يكون مرتكب السب قد ابتدر المجني عليه بالسب أي ألا يكون قد ألجئ إلى السب رداً على سب موجه إليه مما يعتبر معه الاستفزاز عذراً مبرراً للسب في هذه الحالة، وكان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما ورد في الرسالة موضوع الاتهام لم يخرج عما يقتضيه ويتلازم مع حق المطعون ضده - بوصفه نائباً لرئيس الجهة الدينية المنوط به الرد على ما يوجه إليها - في الرد على ما تضمنته رسالة كانت قد صدرت من الطاعن وموجهة إلى أشخاص معينين هم بذواتهم الذين وجهت إليهم الرسالة موضوع الاتهام وتتضمن عبارات فيها تهجم على رئيس تلك الجهة الدينية وينسب إليه فيها ارتكاب أفعال وتصرفات تسيء إلى الجهة المذكورة ويدعو فيها إلى اتخاذ إجراءات معينة في هذا الصدد، وكان الحكم لم يخطئ في فهم مدلول عبارات الرسالة الأخيرة والتزم التطبيق القانوني الصحيح كما صار إثباتها في الحكم وقد خلا من التناقض الذي يعيبه. ولما كان من المقرر أنه يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة ورفض الدعوى المدنية، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات، وما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله وجاء خالياً من الخطأ في تطبيق القانون. لما كان ذلك، وكانت المحكمة الجنائية لا تختص بالتعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم، فإذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه لعدم ثبوتها فإن ذلك يستلزم حتماً رفض طلب التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت في حق من نسب إليه، أما الحكم بالتعويض ولو قضى بالبراءة فشرطه ألا تكون البراءة قد بنيت على عدم حصول الواقعة أصلاً أو على عدم صحتها أو عدم ثبوت إسنادها إلى المتهم لأنه في هذه الأحوال لا تملك المحكمة أن تقضي بالتعويض على المتهم لقيام المسئوليتين الجنائية والمدنية معاً على ثبوت حصول الواقعة وصحة إسنادها إلى صاحبها، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بالبراءة على عدم توافر أركان الجريمة المسندة إلى المطعون ضده فإن هذه الأسباب بذاتها في هذه الحالة تكون أسباباً للحكم برفض دعوى التعويض. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أسباب سائغة تؤدي إلى ما انتهى إليه من نتيجة ولم يجانبه التطبيق القانوني الصحيح، وكان ما يثيره الطاعن لا يعدو جدلاً موضوعياً لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة وإلزام الطاعن المصاريف المدنية.