أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة - العدد الأول - صـ 235

جلسة 12 من مارس سنة 1957

برياسة السيد/ مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد - المستشارين.

(67)
القضية رقم 1393 سنة 26 القضائية

( أ ) نقض. أسباب متعلقة بالنظام العام. جواز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض. حق المحكمة في الأخذ بها من تلقاء نفسها.
(ب) دفاع. حضور المحامي. انضمام المحامي إلى زميله. دلالته.
1 - دل الشارع بما نص عليه في المادة 424 من قانون الإجراءات الجنائية على أن محكمة النقض لا تتصل بالحكم المطعون فيه إلا من تلك الوجوه التي بني عليها والتي حصل تقديمها في الميعاد إلا أن تكون أسباباً متعلقة بالنظام العام فيجوز للطاعن أن يتمسك بها لأول مرة بل يجوز للمحكمة أن تأخذ بها من تلقاء نفسها بشرط أن يكون وجه الخطأ ظاهراً من الاطلاع على ذات الحكم بغير رجوع إلى أوراق أخرى.
2 - انضمام المحامي إلى زميله يتضمن معنى الإقرار بما ورد في مرافعة الأخير واعتبارها من وضعه مما يغنيه عن تكرارها، ومن ثم فإذا كانت إجراءات المحاكمة قد بوشرت في مواجهة محاميين أحدهما موكل عن المتهم والآخر منتدب - وتولى كل منهما مناقشة الشهود وكان المحامي الموكل الذي ترافع عنه غير مقيد بجدول المحامين وانضم الآخر إليه، فإن المتهم يكون قد استوفى دفاعه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - أحمد أحمد دراز و2 - أمين أحمد محمد دراز (الطاعن) بأنهما قتلا صبيحة أحمد محمد دراز عمداً مع سبق الإصرار بأن انتويا قتلها وترقباها حتى إذا تحققا من نومها باغتاها وهي في فراشها ليلاً وانهالا عليها ضرباً بأجسام ثقيلة وحادة بقصد قتلها فأحدثا بها الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياتها. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما على محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً للمادتين 230 و231 عقوبات فصدر قراراها بذلك ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام - مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الثاني (الطاعن) بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة وببراءة المتهم الأول مما أسند إليه. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وشابه القصور في التسبيب وانطوى على خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن المحكمة لم تستسغ السبب الذي علل به والد المجني عليها قتلها فأهدرت الاعتراف الصادر منه بقتلها في حين أنه لا يلزم في القانون أن يذكر الجاني الباعث الذي حفزه على ارتكاب الجريمة وفي حين أن الثابت من الأوراق أن المجني عليها سيئة السير والسلوك واعتادت الهرب من المنزل وأخذ والدها في البحث عنها حتى وجدها فهو الذي يستطيع قتلها ويتخلص منها لوجودها معه في المنزل وقد اعترف بقتلها فور الحادث وليس يكفي لإهدار الاعتراف الصادر منه أن يخفي الأب بعض الحقيقة ويذكر أنه ضربها بالحلة دون الزجاجة هذا وقد تناقض الحكم فيما أسنده إلى مأمور القسم فبينما يقرر أن الأب لم يعترف له بارتكاب الحادث يعود فيذكر أنه اعترف له ثم أن الحكم استند في إدانة الطاعن إلى أقوال والد المجني عليها ووالدتها وأختها مع أن والدها ووالدتها لم يشهدا الجريمة وقت وقوعها ومع أن أخت المجني عليها لم تستقر على رواية واحدة إذ قالت في بادئ الأمر إنها لم تشاهد الحادث ثم عادت وقررت أنها رأت الطاعن يضرب المجني عليها بالحلة - وفي مكان آخر قالت إنها لم تشاهده يضربها وإنما شاهدته وهو يهم بضربها فخافت وهربت يضاف إلى هذا أن المحكمة اتخذت من جري الطاعن وهروبه من محل الحادث دليلاً على ارتكاب الحادث ولم ترد على دفاعه من أن النسوة كن يقذفنه بالطوب حتى أصيب في جبهته من طوبة منها ولم تناقش ما شهد به كل من زوج المجني عليها وربيع عبد الغني زوج شقيقتها وهي في مجموعها تدل على صدق دفاع الطاعن أما قول المحكمة إن الطاعن ارتكب جريمته بغير علم والد المجني عليها لأن ظروف القتل وكيفية حصوله تدل على أن مرتكب الجناية شخص واحد لا شخصان هذا القول يعوزه الدليل وهو من قبيل الفروض المبنية على الظن والتخمين فضلاً عن أنها تصدق على الأب أيضاً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر معه العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها أصل في الأوراق من أقوال والد المجني عليها أحمد أحمد دراز ووالدتها بهية إبراهيم وشقيقها خميس أحمد وشقيقتها السيدة أحمد أحمد وزوجها ربيع عبد الغني وزوج المجني عليها أبو زيد شحاتة والجندي عبد اللطيف المصري وإلى تقرير الصفة التشريحية وإلى ما ثبت من هروب الطاعن ووجود آثار دماء بجسمه وملابسه الداخلية والخارجية في مواضع متفرقة ووجود ثوبه بمحل الحادث وخلص من ذلك بقوله "إنه يستفاد من هذه الشهادة الأخيرة وأقوال المتهم الأول أن القاتل وحده هو المتهم الثاني "الطاعن" وأنه هو الذي دخل المنزل في الصباح الباكر بعد أن اعتزم في نفسه منذ الليل أمر القتل انتقاماً في ظنه وتفكيره إلى غسل عرضهم الذي أهين بهربها ثم زواجها برغبتها على غير علم منهم وفعل القتل الذي حصل منه بسبق إصرار إنما كان بغير علم المتهم الأول وهو الأب ولا موافقته ولا اشتراكه في أي أمر ذلك الأب الذي ظهر من تصرفاته بجلاء أنه أراد أن يستر عرض ابنته في الحلال وكان راضياً قانعاً مغتبطاً فذهب وزوجها وكان وكيلها وأراد أن تعيش ويستر عرضه بل أن ظروف القتل السابقة وكيفيته تدل بذاتها على أن مرتكبها شخص واحد وليس شخصين لأن الضرب حصل دفعة واحدة بالزجاجة والحلة بقاعها وحافتها على الوجه والرأس والأنف والجسد مراراً وكانت هي تمنع عن نفسها ذلك الذي أراد قتلها وهو يأبى إلا أن يتم فعلته ويقتلها... كل هذا يقطع في صحة شهادة الشهود الأخيرة التي تطمئن إليها المحكمة وتطمئن إلى أن الاعتراف السابق صدوره من الأب في صدر التحقيق هو اعتراف غير سليم وغير صحيح لأنه يتنافى مع كيفية القتل وأقوال الشهود وليس هناك ما يدعو إليه ولا مصلحة للأب في قتل ابنته بعد هذا الذي تم بموافقته ورضاه وإنما هو عمل المتهم الثاني الذي غضب لهرب ابنة أخيه فظل يلاحق الأب ويوقع في ذهنه بأن لا يزوجها على هذا الشكل بعد هروبها فلما فعل وزوجها وعادت أحس أن عرضهم لا يزال مهاناً وعلى أساس ما يقوم عادةً في بيئتهم ووسطهم أراد أن ينتقم منها فأعد للأمر عدته وفكر فيه طول الليل حتى إذا تدبر الأمر حضر في الصباح الباكر وكان الباب مفتوحاً بل يمكن فتحه من الخارج وصعد حيث يعلم أنها موجودة وضرب أختها لما دفعت عنها ثم أنزلها من على السرير وقد اعتزم قتلها وإزهاق روحها فأمسك بالزجاجة وبدأ يضربها بها حتى تكسرت ثم أراد أن يتم انتقامه بهذه الطريقة الوحشية وهو لا رحمة في قلبه ولا شفقة كما هو الحال في الأب والأم - فأخذ الحلة الثقيلة بعد كسر الزجاجة وبدأ يضرب بها مراراً وتكراراً وهي تدفع عن نفسها بيديها فيصيبها ويكرر بعنف الضربات بقاع الحلة وأطرافها حتى سقطت هامدة وسط الحجرة فخرج ولقي الأب واقفاً مذهولاً من هول ما فجع فيه فقال له إنه قد فعل واجبه وبيض عمامته وعليه هو بعدها أن يسير ويحملها رافع الرأس وأن يحمل التهمة فلم يجد الأب بعدها من أن يستمع لهذا وأن يعترف اعترافه الغير صحيح" ثم عرض الحكم لما أثاره الطاعن في طعنه بشأن الإصابة التي شوهدت بحاجبه وأطرحه في قوله - "وحيث إن المتهم الثاني "الطاعن" لما سئل بمعرفة المأمور ابتداءً ولاحظ أنه يلبس صديرياً أزرق اللون مخططاً بأقلام بيضاء وأنه مقطع الزراير نتيجة للتماسك ووجد فانلته القطنية ممزقة عند كمها وبها آثار دماء على الكم الأيمن وما يقابل البطن ووجد بلباسه آثار دماء بالرجل اليسرى وعلى قدمه من الخارج آثار دماء ولم يجد به إلا إصابة في حاجبه وسأله عن سبب هذه الدماء فقال إنها من جرح حاجبه وادعى أنه لم يقترب من الجثة ولم تلوث ملابسه من دمائها ولم يدخل الحجرة وإنما شاهد الجثة فقط وهو يقف بمدخل المنزل وسمع الصراخ كذلك والشجار ولم يصعد إلى الحجرة وأنه انصرف من قبل أن ينقل أبوها الجثة وأنه جرى خوفاً من اتهامه فطارده العسكري وضبطه وادعى أن المجني عليها سيئة السير والسلوك وأنها تتغيب من منزل أبيها كثيراً ولا يعرف سبب الحادث ولا من ارتكبه ويستفاد من هذه الأقوال البدائية أن المتهم باعد بينه وبين الجثة أولاً، وثانياً أن الدماء التي في أكمامه والفانلة وقدميه وسرواله هي من جرح حاجبه الذي لم يعلله إذ ذاك ولم يذكر سببه ولم يعلل بقطع زراير صداره ولا تمزق فانلته وادعى أن المسألة شجار وأنه سمع الصياح ولكن لم يعرف سببه وأنه رأى الجثة أي أنه دخل الدار فعلاً ولو كان ما يدعيه حقاً وهو العم الشقيق لانتظر ودخل ورأى الحادث وعرفه وتحقيق منه لا أن يهرب ويجري وهو لا دخل له في الأمر ولا يد في القتل... وحيث إنه بعد ذلك رأى وكيل النيابة أن يسأل المتهم الثاني ووجد الآثار السابقة بملابسه من تمزيق وقطع للزراير وآثار الدماء وطبيعي أن يدعي المتهم بأن أحد العساكر جذبه ومزق ملابسه وهو أمر لم يقرره من قبل - ولما سأله قرر قولاً جديداً وهو أنه خرج من منزله الساعة 5 صباحاً ليصلي في المسجد ومر على منزل أخيه فوجد جمعاً فدخل الدار وإذ ذاك ضربه النسوة بالطوب وأتت طوبة في وجهه وهو قول غريب لا سبب يدعو إليه من أن عم القتيلة وقد حضر ليرى الخبر فيبتدره النسوة دون سبب بضرب الطوب وأنه أراد الخروج فأمسك به الجندي دون غيره من الناس إلا إذا كان الأمر في حقيقته غير ما يدعي وكما ظهر بعد ذلك من أنه كان خارجاً هارباً وقيل أنه القاتل فأمسك به الجندي ثم علل الأمر تعليلاً سخيفاً بأن ضرب الطوب كان لمنعه من الدخول لأن أشخاصاً كانوا يضربون المجني عليها" ولما كان أساس الأحكام الجنائية إنما هو حرية محكمة الموضوع في تقدير الأدلة المطروحة عليها في الدعوى وقد أورد الحكم مؤدى أقوال الشهود في كافة مراحل التحقيق وكان للمحكمة أن تكون عقيدتها في الدعوى من أي دليل تطمئن إليه وأن تأخذ من أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى مما تعتقد أنه حق وتلتفت عن قوله في غيرها كما لها أن تأخذ ببعض قوله في مرحلة بعينها وتطرح ما عداه إذ مرجع الأمر في ذلك إلى تقديرها دون أن تكون ملزمة ببيان العلة في ذلك وكان الاعتراف في المسائل الجنائية بوصفه طريقاً من طرق الاستدلال هو من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيته وقيمته في الإثبات شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة وكان الواقع مما أورده الحكم أن الاعتراف الذي صدر من والد المجني عليها لم يكن مقصوداً به وجه الحق وما دام الحكم قد أطرح هذا الاعتراف ولم يعول عليه فلا مصلحة للطاعن فيما يدعيه من تناقض بشأن هذا الاعتراف أمام مأمور القسم هذا وأقوال والد المجني عليها ووالدتها كما أوردها الحكم مردودة إلى أصلها في محضر الجلسة تؤدي إلى القول بأن الطاعن وحده هو الذي قتل المجني عليها - أما التناقض في أقوال الشهود على فرض صحة وجوده فإنه لا يعيب الحكم ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً. لما كان ذلك وكانت المحكمة غير ملزمة بمتابعة مناحي دفاع المتهم الموضوعي والرد استقلالاً على كل قول يبديه أو حجة يثيرها إذ الرد مستفاد دلالة من الحكم بإدانته استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم - ومع هذا فقد عرض الحكم لدفاع الطاعن وأطرحه للأسباب السائغة التي تبرر ذلك لما كان ذلك فإن ما ينعاه الطاعن في طعنه لا يكون له محل والمجادلة على الصورة الواردة في الطعن لا يكون لها في حقيقة الأمر من معنى سوى محاولة فتح باب المناقشة في وقائع الدعوى وتقدير أدلة الثبوت فيها مما لا يصح إثارته أمام محكمة النقض لتعلقه بمحكمة الموضوع وحدها.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالعريضة التي تقدم بها محاميه بتاريخ 13 من يونيه سنة 1956 بطلان إجراءات المحاكمة لأن المحامي الذي ترافع عنه لم يكن وقتئذ مقيداً بجدول المحامين.
وحيث إن المادة 424 من قانون الإجراءات نصت على أنه "يحصل الطعن بتقرير في قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم في ظرف ثمانية عشر يوماً من تاريخ الحكم الحضوري أو الصادر في المعارضة أو من تاريخ انقضاء ميعاد المعارضة أو من تاريخ الحكم باعتبارها كأن لم تكن ويجب إيداع الأسباب التي بني عليها الطعن في هذا الميعاد أيضاً وإلا سقط الحق فيه" كما نصت المادة التالية على أنه "لا يجوز إبداء أسباب أخرى أمام المحكمة غير الأسباب التي سبق بيانها في الميعاد المذكور - ومع ذلك فللمحكمة أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها أنه مبني على مخالفة للقانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله وأن المحكمة التي أصدرته لم تكن مشكلة وفقاً للقانون أو لا ولاية لها بالفصل في الدعوى وإذا صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون يسري على واقعة الدعوى" فدل الشارع بذلك على أن محكمة النقض لا تتصل بالحكم المطعون فيه إلا من تلك الوجوه التي بني عليها والتي حصل تقديمها في الميعاد إلا أن تكون أسباباً تتعلق بالنظام العام فيجوز للطاعن أن يتمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض بل يجوز للمحكمة أن تأخذ بها من تلقاء نفسها بشرط أن يكون وجه الخطأ ظاهراً من الاطلاع على ذات الحكم بغير رجوع إلى أوراق أخرى أما وجه البطلان المدعى به لم يكن ظاهراً بنفسه ولا هو قد عرض على محكمة الموضوع فيتعين التقرير بعدم قبوله هذا إلى أن الثابت من الاطلاع على محضر الجلسة أنه جاء به ما يأتي "وحضر للدفاع عن المتهم الثاني (الطاعن) الأستاذان فاروق أبو ستيت الموكل وعبد الرحمن محمود المنتدب" وقد بوشرت الإجراءات في مواجهتهما كليهما وتولى كل منهما مناقشة الشهود وترافع المحامي المنتدب منضماً إلى زميله وأدلى فعلاً بأوجه الدفاع التي رأى الإدلاء بها فحتى لو كان هذا الوجه صحيحاً لما ترتب عليه بطلان لأن الطاعن استوفى دفاعه وفي انضمام المحامي المنتدب معنى الإقرار بما ورد في مرافعة زميله واعتبارها من وضعه مما يغنيه عن تكرارها.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.