أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة - العدد االثانى - صـ 387

جلسة 9 من إبريل سنة 1957

برياسة السيد/ حسن داود - المستشار، وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمد محمد حسنين، والسيد أحمد عفيفي - المستشارين.

(105)
القضية رقم 1551 سنة 26 القضائية

( أ ) بلاغ كاذب. أمر حفظ. سرقة. عدم تقيد المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب بأمر الحفظ عن الواقعة المبلغ عنها. مثال.
(ب) بلاغ كاذب. القصد الجنائي. متى يتوافر؟
1 - لا ينهض أمر الحفظ الذي تصدره النيابة بحفظ دعوى السرقة لعدم معرفة الفاعل دليلاً على صحة الوقائع التي أبلغ بها المتهم، ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة من غير أن تتقيد به، وعليها أن تفصل في الواقعة المطروحة أمامها حسبما ينتهي إليه تحقيقها.
2 - يتوافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب كما هو معرف في القانون متى كان المبلغ عالماً بكذب الوقائع التي أبلغ عنها وكان منتوياً الكيد والإضرار بالمبلغ ضده.


الوقائع

رفع المدعيان بالحقوق المدنية (1) السيد اللواء إبراهيم صالح بصفته الشخصية وبصفته ولياً على كريمته السيدة تماضر، و(2) السيدة نعيمة محمد نوح "زوجته" - هذه الدعوى مباشرةً أمام محكمة قسم أول الجيزة الجزئية - ضد أحمد عبد القادر عوض "الطاعن" بعريضة طلبا فيها الحكم بإلزامه بأن يدفع لهما واحداً وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض مع المصاريف وأتعاب المحاماة، ومعاقبته بالمادتين 303، 305 من قانون العقوبات لأنه أخبر كذباً ومع سوء القصد بحصول سرقة واتهم المدعيين بارتكابها.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام بتغريم المتهم عشرين جنيهاً مع إلزامه بأن يدفع للمدعيين بالحقوق المدنية قرشاً صاغاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم وطلب إلغاءه وبراءته مما نسب إليه، كما استأنفه المدعيان بالحقوق المدنية وطلبا الحكم لهما بما طلباه من تعويض. ومحكمة الجيزة الابتدائية قضت حضورياً بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة للدعوى الجنائية وبتعديله بالنسبة للدعوى المدنية إلى إلزام المتهم بأن يدفع للمدعيين مدنياً ثلاثين جنيهاً على سبيل التعويض مع المصرفات المدنية المناسبة عن الدرجتين وثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في الحكم الأخير بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه خالف القانون، إذ أن لكل إنسان الحق في التبليغ عما يقع عليه من اعتداء على النفس أو المال أو العرض، وإذا كان الطاعن قد وجه الاتهام إلى زوجته وولديها، فإن هذا لم يكن من قبيل التجني، وهذا هو الرأي الذي أخذت به النيابة العامة، إذ صدقت ما أبلغ به الطاعن من حصول السرقة، وأصدرت أمراً بحفظ الأوراق، لأن الاتهام الذي وجهه إلى المطعون ضدهما كان مبناه الظن والاستنتاج، وهو قرار حاسم للنزاع بالنسبة لحصول السرقة، وله حجيته قبل الكافة.
وحيث إنه لا وجه لما ينعاه الطاعن من أن أمر الحفظ الصادر من النيابة بحفظ دعوى السرقة لعدم معرفة الفاعل يعني صحة الواقعة المبلغ عنها وحصول السرقة فعلاً... ... - لا محل لما يقوله الطاعن من ذلك، لأن أمر الحفظ الذي أصدرته النيابة لا ينهض دليلاً على صحة الوقائع التي أبلغ عنها الطاعن، ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة من غير أن تتقيد به، وعليها أن تفصل في الواقعة المطروحة أمامها حسبما ينتهي إليه تحقيقها لها. لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون في شيء، ويكون هذا الوجه من الطعن على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وشابه فساد الاستدلال إذ دلل على سوء قصد الطاعن بالمنازعات السابقة بينه وبين المطعون ضدهما، مخالفاً بذلك ما استقر عليه قضاء محكمة النقض من أنه يجب على المحكمة أن تدلل على قيام هذا الركن استقلالاً، ومن أن وجود نزاع سابق بين المبلغ والمبلغ ضده لا يكفي لإثبات توفره.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه أركان الجريمة التي دان الطاعن بها. واستند في ذلك إلى الأدلة التي أوردها، والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، وتحدث عن توفر ركن سوء القصد لدى الطاعن فقال "ومن حيث إنه واضح كل الوضوح أن المتهم كان سيء القصد في بلاغه، وأنه كانت لديه نية الإضرار بالمدعيين (المطعون ضدهما) من سلسلة المنازعات التي كانت بينه وبين المدعي الأول والد زوجته الذي قدم ضد المتهم شكويين...، ومما يؤكد ذلك ويؤكد أن المتهم كان يبيت نية الإضرار بالمدعيين بالحق المدني أنه قدم البلاغ إلى بوليس قسم أول الجيزة وتعقب بلاغه هو وخاله الكونستابل سيد فضل حسبما قرر المدعي المدني الأول حتى أرسل إلى بوليس قسم الوايلي وأذنت النيابة بتفتيش منزل المدعيين بالحق المدني في ساعة متأخرة من الليل، فتوجه المتهم هو وخاله الكونستابل سالف الذكر وأخوه عباس إلى منزل المدعيين بالحق المدني أثناء قيام الضابط بالتفتيش دون سبب معقول إلا أن يكون التشفي من المدعيين بالحق المدني... ...وحيث إنه يتضح أخيراً أن المتهم ما قدم بلاغه الكاذب سالف الذكر إلا بعد علمه بهرب زوجته منه وهو الذي كان يحرص على أن لا يسلمها إلى والديها رغم طلبها ذلك، ورغم أن الزوجة قررت بأنها لا تريد البقاء معه لأنها تكرهه فطار صوابه ولم يرَ سبيلاً للتشفي في المدعيين بالحق المدني والنكاية بهم إلا أن يتهمها بالسرقة والتحريض عليها، وأن يكون موضوع السرقة مبلغاً كبيراً من المال حتى يهتم رجال البوليس بالأمر... ..." وما قاله الحكم من ذلك يكفي لإثبات القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب، كما هو معرف في القانون، وهو أن يكون المبلغ عالماً بكذب الوقائع التي أبلغ عنها وأن يكون منتوياً الكيد والإضرار بالمبلغ ضده - لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون جدلاً في موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.