أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 49

جلسة 16 من يناير سنة 1956

برياسة السيد الأستاذ حسن داود المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين - المستشارين.

(19)
القضية رقم 1104 سنة 25 القضائية

اختصاص. دعاوى الحقوق المدنية. مناطه. اختصاص المحاكم الجنائية بنظرها والفصل فيها.
الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية وكان الحق المدعى به ناشئاً عن ضرر للمدعي من الجريمة المدفوعة عنها الدعوى العمومية، فإذا لم يكن الضرر ناشئاً عن هذه الجريمة بل كان نتيجة لفعل آخر ولو كان متصلاً بها سقطت تلك الإباحة وكانت المحكمة الجنائية غير مختصة بنظر الدعوى المدنية، وإذن فإذا قضت المحكمة المذكورة فيها بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية وهو أساس آخر غير الجريمة المرفوعة بها الدعوى، فإنها تكون قد تجاوزت حدود ولايتها.


الوقائع

أقامت الست نبوية مرسي حسن "المطعون ضدها" هذه الدعوى مباشرة أمام محكمة الوايلي الجزئية ضد: 1 - عنايات محمد إبراهيم و2 - الدكتور عبد الخالق محمد خفاجة و3 - إبراهيم أحمد أبو حسين (الطاعن) بعريضة أعلنت إليهم اتهمتهم فيها بأنهم: أبدوا أقوالاً غير صحيحة بقصد إثبات وراثة، وطلبت معاقبتهم بالمادة 226/ 1 من قانون العقوبات والحكم لها قبلهم بمبلغ ستين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة.
والمحكمة المذكورة قضت عملاً بمادة الاتهام للمتهمة الأولى وحضورياً للثاني والثالث بتغريم كل منهم خمسة جنيهات وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعية بالحقوق المدنية ستين جنيهاً على سبيل التعويض مع المصاريف المناسبة ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. فعارضت المتهمة الأولى، ولكنها لم تحضر الجلسة المحددة لنظر معارضتها، فقضت المحكمة باعتبارها كأن لم تكن. فاستأنف المحكوم عليهم الثلاثة، ومحكمة القاهرة الابتدائية قضت حضورياً بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمين مما نسب إليهم ورفض الدعوى المدنية قبلهم وإلزام المدعية بالمصاريف المدنية عن الدرجتين. فرفعت المدعية بالحقوق المدنية طعناً عن الحكم الأخير، وقضت فيه محكمة النقض بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى إلى المحكمة الاستئنافية لتنظرها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة مصر الابتدائية قضت حضورياً بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المتهمين متضامنين بأن يدفعوا للمدعية بالحقوق المدنية عشرين جنيهاً والمصروفات المدنية المناسبة. فطعن المحكوم عليه الثالث وحده في الحكم الأخير بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بإلزامه بتعويض عن واقعة لا تتصل بالجريمة التي نسب إليه اقترافها، هذا فضلاً عن أن الدعوى الجنائية قد انقضت بالفصل فيها بالبراءة بحكم نهائي من هيئة سابقة، وبهذا انعدمت الرابطة بين المسئولية الجنائية والمسئولية المدنية.
وحيث إنه لما كان الأصل في دعاوي الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية، وكان الحق المدعى به ناشئاً عن ضرر للمدعي من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى العمومية، فإذا لم يكن الضرر ناشئاً عن هذه الجريمة، بل كان نتيجة لفعل آخر، ولو كان متصلاً بها، سقطت تلك الإباحة، وكانت المحكمة الجنائية غير مختصة بنظر الدعوى المدنية - لما كان ذلك، وكانت الدعوى المدنية موضوع الطعن رفعت أصلاً على الطاعن تعويضاً عن الضرر الذي أصاب المطعون ضدها من جريمة إبداء أقوال غير صحيحة بقصد إثبات وراثة، وقد طرحت أمام محكمة الجنح الجزئية، وفصلت فيها بالإدانة والتعويض، ولما كانت محكمة الجنح المستأنفة قد استظهرت بحكمها الصادر في 12 من أبريل سنة 1952 أن الطاعن لم يرتكب تلك الجريمة في قولها "ويشترط القانون طبقاً للمادة 226/ 1 من قانون العقوبات توفر القصد الجنائي وهو العلم من جانب المتهمين بأن الأقوال التي يدلون بها أمام المحكمة الشرعية غير صحيحة، أو يجهلون حقيقة الوقائع المرغوب إثباتها، فإذا ما انتفى سوء القصد كان القصد الجنائي الذي يشترط توافره للعقاب منعدماً" وقد قضى بنقض هذا الحكم بالنسبة للدعوى المدنية فقط - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بالتعويض استناداً إلى أن الحكم الصادر بالبراءة استئنافياً كان عن فعل لا جريمة فيه لانعدام القصد الجنائي وأنه لذلك لا يحوز قوة الشيء المحكوم فيه عند الفصل في الدعوى المدنية، ثم قضت المحكمة فيها بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية وهو أساس آخر غير الجريمة المرفوعة بها الدعوى، فإنها تكون قد تجاوزت حدود ولايتها القاصرة على نظر الدعوى المدنية التي تنشأ عن الجرائم التي تطرح أمامها ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى المدنية.