مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 259

(35)
جلسة 10 من ديسمبر سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر - المستشارين.

القضية رقم 49 لسنة 9 القضائية

تقادم. استرداد الحكومة لما أدته إلى العاملين فيها بدون وجه حق - تقادمه ووجوب الدفع به - لا يعتبر من النظام العام، إلا فيما ورد به نص خاص لنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات [(1)].
أياً كان الرأي في مدة التقادم المسقطة لدعوى استرداد الحكومة ما تسلمه عمالها منها بغير حق فإنه قد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن الأصل في التقادم المسقط أنه لا يترتب على اكتمال مدته السقوط من تلقاء ذاته، بل لابد أن يتمسك به المدين لأنه لا يعتبر من النظام العام، فهو وإن كان مبنياً على اعتبارات تمت إلى المصلحة العامة لضمان استقرار الأوضاع إلا أنه يتصل مباشرة بمصلحة المدين الخاصة وبضميره، فإذا كان يعلم أن ذمته مشغولة بالدين وتحرج من التذرع بالتقادم، كان له النزول عنه عن طريق عدم التمسك به، فلا تستطيع المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها، كل ذلك ما لم يرد النص على خلاف هذا الأصل، كنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، وليس هناك نص مماثل لنص المادة 50 المشار إليها، في شأن ما تصرفه الحكومة للعاملين فيها من مبالغ تزيد عما هو مستحق لهم، ويترتب على ذلك سريان الأصل العام السابق الإشارة إليه فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها، بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب ذي المصلحة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن وزارة الداخلية أقامت الدعوى رقم 183 لسنة 5 القضائية ضد السيد/ عبد المطلع محمد سليمان، بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية في 28 من مايو سنة 1958، وطلبت في هذه العريضة الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع مبلغ 17 جنيهاً و803 مليمات والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ هذه المطالبة، والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وتوجز أسانيد هذه الدعوى في أن المدعى عليه كان ملحقاً بخدمة الخفر بقسم المنتزه بالإسكندرية، ورفت من الخدمة في 25 من أبريل سنة 1954 للاستغناء عنه، وقد قدمت ضده شكوى تتضمن أنه كان يحصل على إعانة غلاء معيشة عن أولاده دون وجه حق، فظهر من فحصها أن له ثلاثة أولاد هم محمد وسميرة وفاطمة. يعمل الأول منهم بأجر بأحد المصانع منذ 13 من أكتوبر سنة 1952، وتزوجت الثانية في 21 من فبراير سنة 1953، على حين أثبتها المدعى عليه بإقرارات إعانة غلاء المعيشة حتى سنة 1954، وتزوجت الثالثة في 15 من يناير سنة 1948، على حين أثبتها المذكور بإقرارات إعانة غلاء المعيشة حتى سنة 1950، وبذلك استحقت عليه فروق مالية بلغت 35 جنيهاً و358 مليماً، ولما كانت الوزارة قد استولت على إذن صرف له بمبلغ 17 جنيهاً و555 مليماً، هو المكافأة المستحقة له، فإنه يصبح مديناً فقط بمبلغ 17 جنيهاً و803 مليمات، هو باقي في ذمته مما استولى عليه دون وجه حق وبجلسة 18 من نوفمبر سنة 1958 قضت المحكمة الإدارية بانقطاع سير الخصومة لوفاة المدعى عليه، ثم استأنفت الخصومة سيرها بإعلان ورثته، وبجلسة 28 من أكتوبر سنة 1962 قضت المحكمة الإدارية "بسقوط الدعوى وإلزام الوزارة المصروفات" وأقامت قضاءها على أن "الثابت من الأوراق أن الوزارة قد علمت بواقعة استيلاء المورث على هذه المبالغ دون وجه حق وذلك في 17 من يونيه سنة 1954، كما هو ثابت من كتاب السيد وكيل الوزارة الداخلية إلى السيد محافظ الإسكندرية 24/ 18 بهذا التاريخ وهو المودع ملف خدمة المورث، ومن ثم فإن الوزارة تكون قد علمت بحقها في الاسترداد اعتباراً من التاريخ المذكور، وتكون الدعوى وقد أودعت عريضتها قلم كتاب المحكمة في 28 من مايو سنة 1958، قد رفعت بعد انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ العلم، ويتعين الحكم بسقوطها طبقاً للمادة 187 من القانون المدني.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن حق الحكومة في استردادها ما دفع منها بغير حق لا يسقط إلا بانقضاء خمس عشرة سنة.
ومن حيث إنه أياً كان الرأي في مدة التقادم المسقطة لدعوى استرداد الحكومة ما تسلمه عمالها منها بغير حق، فإنه قد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن الأصل في التقادم المسقط أنه لا يترتب على اكتمال مدته السقوط من تلقاء ذاته، بل لا بد أن يتمسك به المدين لأنه لا يعتبر من النظام العام، فهو وإن كان مبنياً على اعتبارات تمت إلى المصلحة العامة لضمان استقرار الأوضاع، إلا أنه يتصل مباشرة بمصلحة المدين الخاصة وبضميره، فإذا كان يعلم أن ذمته مشغولة بالدين وتحرج من التذرع بالتقادم، كان له النزول عنه عن طريق عدم التمسك به، فلا تستطيع المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها، كل ذلك ما لم يرد نص على خلاف هذا الأصل، كنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، وليس هناك نص مماثل لنص المادة 50 المشار إليها، في شأن ما تصرفه الحكومة للعاملين فيها من مبالغ تزيد عما هو مستحق لهم، ويترتب على ذلك سريان الأصل العام السابق الإشارة إليه فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها، بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب ذي المصلحة.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم، ولما كان الثابت من مطالعة الأوراق، ومحاضر الجلسات أنه لا المرحوم عبد المطلع محمد سليمان ولا ورثته قد تمسكوا بالتقادم المسقط، في أية مرحلة من مراحل المنازعة أمام المحكمة الإدارية، بل لم يبدوا جميعاً أي دفاع - وهذا هو عين موقفهم في مرحلة الطعن - فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى، على الرغم من ذلك، بسقوط الدعوى يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من الأوراق، أن مجموع ما استولى عليه المرحوم عبد المطلع محمد سليمان من إعانة غلاء معيشة عن أولاده بغير حق، قد بلغ 35 جنيهاً، 358 مليماً، وكانت الوزارة قد استولت على مبلغ 17 جنيهاً و555 مليماً قيمة المكافأة المستحقة له عن مدة خدمته، فإنه يبقى مستحقاً للوزارة في ذمته، مما تسلمه بغير حق، مبلغ 17 جنيهاً و803 مليمات.
ومن حيث إنه يتعين لذلك، القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلزام المدعى عليهم بأن يدفعوا، من تركة مورثهم المرحوم عبد المطلع محمد سليمان، لوزارة الداخلية مبلغ 17 جنيهاً و803 مليمات، وفوائده القانونية بواقع 4% سنوياً، بالتطبيق للمادة 226 من القانون المدني، من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 28 من مايو سنة 1958 لغاية تمام الوفاء، والمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلزام المدعى عليهم بأن يدفعوا لوزارة الداخلية من تركة مورثهم المرحوم عبد المطلع محمد سليمان مبلغ 17 جنيهاً و803 مليمات (سبعة عشر جنيهاً وثمانمائة وثلاثة مليمات) وفوائده القانونية بواقع 4% (أربعة في المائة) سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 28 من مايو سنة 1958 لغاية تمام الوفاء، والمصروفات.


[(1)] راجع حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في القضية رقم 1682 لسنة 16 القضائية بجلسة 16 من يناير سنة 1965 والمنشور بمجموعة السنة العاشرة - العدد الأول - المبدأ 44 - ص403.