مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 263

(36)
جلسة 16 من ديسمبر سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي - المستشارين.

القضية رقم 1627 لسنة 7 القضائية

( أ ) - مجلس تأديب. "قراراته". الطعن فيها. المحكمة الإدارية العليا: "اختصاص" قرارات مجالس التأديب - في حقيقتها قرارات قضائية - الطعون في القرارات الصادرة من مجالس التأديب - اختصاص المحكمة الإدارية العليا بها - أساس ذلك [(1)].
(ب) - المحكمة الإدارية العليا. ميعاد الطعن. "انقطاعه".
ميعاد الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا - انقطاعه إذا ما قدم إلى محكمة غير مختصة - سريانه من جديد من تاريخ الحكم النهائي بعدم الاختصاص.
(جـ) - المحكمة الإدارية العليا. "إجراءات الطعن".
الطعن في حكم صادر من محكمة إدارية برفض دعوى بطلب إلغاء قرار صادر من مجلس التأديب - تضمنه بحكم اللزوم الطعن في قرار مجلس التأديب ذاته - لا ضرورة لرفع طعن جديد في القرار.
( د ) - مجلس تأديب. موظف "تأديبه". "إجراءات الدعوى التأديبية".
الإجراءات المقررة في القوانين المنظمة لتأديب الموظفين - إعلان الموظف المقدم إلى مجلس تأديب بمواعيد الجلسات المحددة - إجراء جوهري يترتب على إغفاله بطلان الإجراءات، مما يؤثر تبعاً في القرار الذي يصدر من المجلس.
1 - أن قرارات مجالس التأديب هي في حقيقتها قرارات قضائية أشبه ما تكون بالأحكام وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن يسري عليها ما يسري على الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية فلا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة الإدارية العليا عملاً بنص المادة 32 من قانون النيابة الإدارية.
2 - أن الطعن في قرار مجالس التأديب العالي أمام محكمة غير مختصة خلال الميعاد القانوني من شأنه أن يقطع ميعاد رفع الطعن في هذا القرار أمام المحكمة الإدارية العليا ويظل هذا الأثر قائماً حتى يصدر الحكم بعدم الاختصاص ويصبح نهائياً، وعند ذلك يحق لصاحب الشأن - مع مراعاة المواعيد - أن يرفع طعناً جديداً في القرار أمام هذه المحكمة مباشرة وفقاً للإجراءات المقررة للطعن أمامها.
3 - أن الطعن الذي أقامه الطاعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية برفض الدعوى بطلب إلغاء قرار مجلس التأديب العالي يتضمن بحكم اللزوم الطعن في القرار الصادر من مجلس التأديب العالي المشار إليه، إذ يهدف به الطاعن إلى إلغاء ذلك القرار واعتباره كأن لم يكن، وقد أفصح عن ذلك في عريضة الطعن وبين أوجه البطلان وعدم المشروعية التي ينعاها على ذلك القرار ومن ثم فلا مندوحة من أن تتصدى هذه المحكمة للفصل في موضوع المنازعة دون أن يتوقف ذلك على رفع طعن جديد أمامها ما دام الطعن الحالي في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية يتضمن في حقيقة الأمر الطعن في القرار الصادر من مجلس التأديب العالي ويشمله.
4 - يبين من استقراء النصوص الخاصة بتأديب الموظفين الواردة في كل من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 وقانون النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 الذي صدر قرار مجلس التأديب في ظلهما، أنها تهدف في جملتها إلى توفير الضمانات الأساسية للمتهم للدفاع عن نفسه ولدرء الاتهام عنه، وذلك بإحاطته علماً بذلك باعتباره صاحب الشأن في الدعوى التأديبية، بإعلانه بقرار الإحالة المتضمن بياناً بالمخالفات المنسوبة إليه وبتاريخ الجلسة المحددة لنظر الدعوى ليتمكن من الحضور بنفسه أو بوكيل عنه أمام المحكمة للإدلاء بما لديه من إيضاحات، وتقديم ما قد يعن له من بيانات وأوراق لاستيفاء الدعوى واستكمال عناصر الدفاع فيها ومتابعة سير إجراءاتها وما إلى ذلك مما يتصل بحق الدفاع ويرتبط بمصلحة جوهرية لذوي الشأن، ويستفاد كذلك من الأحكام التي تضمنها هذان القانونان أن إعلان المتهم وإخطاره على الوجه السالف بيانه هو إجراء جوهري رسم الشارع طريقة التحقق من إتمامه على الوجه الأكمل للاستيثاق من تمام هذه الإجراءات، ولذلك يترتب على إغفال الإعلان أو عدم الإخطار وقوع عيب شكلي في الإجراءات يؤثر على الحكم ويترتب عليه بطلانه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطاعن تقدم في 6 من مارس سنة 1961 إلى لجنة المساعدة القضائية بطلب لإعفائه من الرسوم المقررة لإقامة الطعن، وبعد أن أجيب إلى طلبه بموجب قرار تلك اللجنة الصادر بتاريخ 17 من يونيه سنة 1961 أودع عريضة الطعن سكرتيرية هذه المحكمة في خلال الستين يوماً التالية ومن ثم فإن الطعن يكون قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 326 لسنة 6 القضائية لدى المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم ضد وزارة التربية والتعليم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة بتاريخ 31 من ديسمبر سنة 1958 طالباً الحكم بإلغاء قرار مجلس التأديب الابتدائي لوزارة التربية والتعليم الصادر بجلسة 22 من يناير سنة 1958 والذي قضى بمجازاته بخصم شهر من مرتبه وإلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي الصادر بجلسة 30 من سبتمبر سنة 1958 والقاضي بتعديل القرار الابتدائي بمجازاة المدعي بخفض درجته إلى الدرجة الثامنة مع التوصية بنقله إلى وظيفة كتابية، واعتبارهما كأن لم يكونا وإلغاء كافة الآثار المترتبة عليهما وبراءة المدعي مما أسند إليه مع إلزام الوزارة المدعى عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه اتهم بارتكاب جناية هتك عرض وإعطاء دروس خصوصية دون تصريح سابق من الوزارة، وقد أحالته الوزارة إلى المحاكمة التأديبية، ونظراً لإحالته أيضاً إلى المحاكمة الجنائية عن الاتهام الأول فقد قرر مجلس التأديب وقف الدعوى التأديبية إلى أن يفصل في الدعوى الجنائية، وبعد أن قضت محكمة جنايات المنصورة ببراءته من التهمة استأنف مجلس التأديب المحاكمة التأديبية ثم أصدر بجلسة 22 من يناير سنة 1958 قراراً يقضي ببراءته من التهمة الأولى ومجازاته بخصم شهر من راتبه عن التهمة الثانية، وقد طعن في هذا القرار أمام مجلس التأديب العالي، كما طعنت فيه الوزارة أيضاً، وبجلسة 30 من سبتمبر سنة 1958 قرر المجلس العالي قبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بتعديل القرار الابتدائي ومجازاة المدعي بخفض درجته إلى الدرجة الثامنة مع التوصية بنقله إلى وظيفة كتابية. ونعى المدعي على هذا القرار مخالفة القانون ذلك لأنه بالنسبة لتهمة هتك العرض فإن الحكم الجنائي قطع بعدم مسئوليته عنها وهذا الحكم يقيد مجلس التأديب ولا يجوز له أن يخالف مقتضاه وأما بالنسبة إلى التهمة الثانية وهي تهمة إعطاء دروس خصوصية بغير تصريح من الوزارة فإنه بفرض صحتها فإنها لا تستأهل الجزاء الشديد الذي أوقعه به مجلسا التأديب ولا بد أنهما تأثرا باتهامه بهتك العرض مع أن الحكم الجنائي أثبت أنه لا أساس لها من الصحة ويضاف إلى ذلك أنه لم يعلن بالجلسات التي تداولت فيها الدعوى التأديبية أمام المجلس الاستئنافي مما يبطل إجراءات المحاكمة وبالتالي الحكم الصادر بالإدانة.
وقد أجابت الوزارة المدعى عليها على الدعوى بمذكرات قالت فيها أن المسئولية الجنائية تختلف عن المسئولية الإدارية، فالجريمة التأديبية إنما تقوم عندما يخرج الموظف العمومي على مقتضيات وظيفته ويأتي ما من شأنه الإخلال بكرامتها وما تفرضه عليه من تعفف واستقامة وبعد عن مواطن الريبة ولذلك فإن براءة المدعي من التهمة الجنائية لا تقيد مجلس التأديب ولا تمنعه من إيقاع العقاب به بعد أن استظهر أنه خرج على مقتضى الواجب الوظيفي وأتى أفعالاً أخلت بالثقة الواجب توافرها فيه باعتباره مرب للنشئ. وأما بالنسبة إلى التهمة الثانية الخاصة بإعطاء دروس خصوصية فقد أقر بها المدعي في التحقيقات.
ومن حيث إنه بجلسة 5 من يناير سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع برفضها مع إلزام المدعي بالمصروفات، وأقامت قضاءها على أنه وإن كانت محكمة الجنايات قد قضت بتبرئة المدعي من تهمة هتك العرض لعدم ثبوتها في حقه، غير أن أسباب الحكم لم تنف عنه كل شبهة بصفة جازمة، وإذ كان يكفي للمساءلة الإدارية أن يقوم الشك في استقامة الموظف بناء على سلوك وضع فيه الموظف نفسه موضع الريبة، لاسيما إذا كانت طبيعة عمله تتطلب صفات خاصة فمن ثم فإنه ليس هناك ما يمنع من مؤاخذة المدعي إدارياً، لأنه سلك سلوكاً مشيناً ووضع نفسه موضع الريبة والشكوى، وأما عن التهمة الثانية فهي ثابتة في حقه، ولما كان الثابت من أوراق المحاكمة أن المدعي أعلن بجلسة 24 من يونيه سنة 1958 واعتذر عن الحضور، وكان يتعين عليه بعدها أن يوالي معرفة الجلسات التي أحيلت إليها الدعوى فلا يكون هناك من بطلان في إجراءات المحاكمة يترتب عليه بطلان القرار الصادر من مجلس التأديب.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ذلك لأن الطاعن دفع ببطلان إجراءات مجلس التأديب الاستئنافي لعدم إخطاره بجلسة 30 من سبتمبر سنة 1958 بعد أن اعتذر عن حضور جلسة 24 من يونيه سنة 1958 - ورغم أن هذا يشكل إخلالاً بحق الدفاع المكفول له ويترتب عليه بطلان الإجراءات وكذلك بطلان القرار الصادر من مجلس التأديب الاستئنافي فإن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا الدفاع، ويضاف إلى ذلك أن حكم محكمة الجنايات قضى ببراءة الطاعن من تهمة هتك العرض لعدم ثبوت التهمة أي لعدم صحة الاتهام وليس لعدم كفاية الأدلة، وعلى ذلك فلم يقع من الطاعن ما يبرر مؤاخذته تأديبياً عن مسلكه، وإذ نسب الحكم المطعون فيه إلى الطاعن أنه سلك سلوكاً مشيناً وضع به نفسه موضع الريب والشكوك فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين الاطلاع على الأوراق المرفقة بملف الطعن أن الطاعن أحيل إلى المحاكمة أمام مجلس التأديب العادي لموظفي وزارة التربية والتعليم (الدائرة الثانية) ثم تحدد لنظر الدعوى جلسة 22 من يناير سنة 1958، وقد أخطر الطاعن بالجلسة المحددة وأخذت عليه منطقة المنصورة التعليمية التي يعمل بأحد المدارس التابعة لها إقراراً بعلمه بتاريخ الجلسة، وبعد أن سمح مجلس التأديب الابتدائي دفاع الطاعن قرر مجازاته بخصم شهر من مرتبه عن التهمة الثانية وبتبرئته من التهمة الأولى، وقد أبلغ هذا القرار إلى الوزارة وإلى الطاعن فاستأنفاه أمام مجلس التأديب العالي لموظفي الوزارة بتاريخ 16 من فبراير، 20 من فبراير سنة 1958 وطلبت الوزارة تشديد الجزاء أما الطاعن فطلب أن يقضي ببراءته مما أسند إليه، ثم حددت جلسة 24 من يونيه سنة 1958 لنظر الاستئنافين وقامت منطقة المنصورة التعليمية بإخطار الطاعن بميعاد الجلسة وأخذت عليه إقراراً بذلك في 29 من مايو سنة 1958، وبتاريخ 19 من يونيه سنة 1958 تقدم الطاعن بطلب إلى ناظر المدرسة التي يعمل بها لتأجيل نظر الدعوى التأديبية إلى موعد آخر بسبب اضطراره لحضور قضية مطروحة على محكمة الأحوال الشخصية في اليوم المحدد لنظر الدعوى التأديبية وبعد أن أثبت مجلس التأديب العالي هذا العذر في محضر جلسة 24 من يونيه سنة 1958 قرر التأجيل إلى جلسة 30 من سبتمبر سنة 1958 مع إعادة إعلان الطاعن بتاريخ الجلسة المقبلة وفي هذه الجلسة الأخيرة نودي على المتهم فلم يحضر فأصدر المجلس قراره "بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل القرار الابتدائي بمجازاة المستأنف إلى خفض درجته إلى الدرجة الثامنة مع التوصية بنقله إلى وظيفة كتابية". ولا يوجد في أوراق الدعوى التأديبية ما يدل على إعلان الطاعن بجلسة 30 من سبتمبر سنة 1958 وأثناء تحضير الدعوى كلفت هيئة مفوضي الدولة مندوب الوزارة بتاريخ 30 من نوفمبر سنة 1959 بتقديم ما يفيد إعلان الطاعن بجلسات مجلس التأديب الاستئنافي غير أنه لم يقدم ما يثبت حصول ذلك الإعلان.
ومن حيث إنه بتاريخ 11 من أغسطس سنة 1958 صدر قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري ونصت المادة 18 منه على ما يأتي "تختص بمحاكمة الموظفين المعينين على وظائف دائمة عن المخالفات المالية والإدارية محاكم تأديبية تشكل على الوجه الآتي": "ونصت المادة 32 على أن أحكام المحاكم التأديبية نهائية ولا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة الإدارية العليا ويرفع الطعن وفقاً لأحكام المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة... ونصت المادة 47 على أن جميع الدعاوى التأديبية المنظورة أمام مجالس التأديب والتي أصبحت بمقتضى أحكام هذا القانون من اختصاص المحاكم التأديبية تحال بالحالة التي هي عليها إلى المحكمة التأديبية المختصة، ويخطر ذوو الشأن بقرار الإحالة، ويظل مجلس التأديب العالي مختصاً بالفصل في القضايا التي استؤنفت أمامه قبل العمل بهذا القانون ونصت المادة 50 على أن يعمل بهذا القانون في الإقليم المصري وينشر في الجريدة الرسمية وقد نشر القانون بتاريخ 24 من أغسطس سنة 1958.
ومن حيث إنه لما كان قرار مجلس التأديب الابتدائي قد استؤنف أمام مجلس التأديب العالي قبل العمل بالقانون رقم 117 لسنة 1958 المشار إليه وفصل فيه بعد العمل بأحكام هذا القانون فإنه يكون صادراً من جهة الاختصاص طبقاً لأحكام المادة 47 المشار إليها.
ومن حيث إن قرارات مجالس التأديب هي في حقيقتها قرارات قضائية أشبه ما تكون بالأحكام، وقد جرى قضاءactes Juridictionnels هذه المحكمة على أن يسري عليها ما يسري على الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية فلا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة الإدارية العليا عملاً بنص المادة 32 من القانون المشار إليه وإذ أقام الطاعن دعواه بطلب إلغاء قرار مجلس التأديب العالي أمام المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم فإنه يكون قد أقامها أمام محكمة غير مختصة ولما كانت تلك المحكمة قد تصدت لموضوع الطعن وقضت فيه برفض الدعوى مع أنها غير مختصة بنظره فإنها تكون قد أخطأت في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين من ثم إلغاء حكمها.
ومن حيث إن الطعن في قرار مجلس التأديب العالي أمام محكمة غير مختصة خلال الميعاد القانوني من شأنه أن يقطع ميعاد رفع الطعن في هذا القرار أمام المحكمة الإدارية العليا ويظل هذا الأثر قائماً حتى يصدر الحكم بعدم الاختصاص ويصبح نهائياً، وعند ذلك يحق لصاحب الشأن - مع مراعاة المواعيد - أن يرفع طعناً جديداً في القرار أمام هذه المحكمة مباشرة وفقاً للإجراءات المقررة للطعن أمامها غير أنه لما كان الطعن الذي أقامه الطاعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية برفض الدعوى بطلب إلغاء قرار مجلس التأديب العالي يتضمن بحكم اللزوم الطعن في القرار الصادر من مجلس التأديب العالي المشار إليه إذ يهدف به الطاعن إلى إلغاء ذلك القرار واعتباره كأن لم يكن وقد أفصح عن ذلك في عريضة الطعن بين أوجه البطلان وعدم المشروعية التي ينعاها على ذلك القرار فمن ثم فلا مندوحة من أن تتصدى هذه المحكمة للفصل في موضوع المنازعة دون أن يتوقف ذلك على رفع طعن جديد أمامها ما دام الطعن الحالي في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية يتضمن في حقيقة الأمر الطعن في القرار الصادر من مجلس التأديب العالي ويشمله.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الأول من الطعن والخاص بالبطلان فإنه يبين من استقراء النصوص الخاصة بتأديب الموظفين الواردة في كل من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 وقانون النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 الذي صدر قرار مجلس التأديب في ظلهما أنها تهدف في حملتها إلى توفير الضمانات الأساسية للمتهم للدفاع عن نفسه ولدرء الاتهام عنه، وذلك بإحاطته علماً بذلك باعتباره صاحب الشأن في الدعوى التأديبية، بإعلانه بقرار الإحالة المتضمن بياناً بالمخالفات المنسوبة إليه وبتاريخ الجلسة المحددة لنظر الدعوى ليتمكن من الحضور بنفسه أو وكيل عنه أمام المحكمة للإدلاء بما له من إيضاحات وتقديم ما قد يعن له من بيانات وأوراق لاستيفاء الدعوى واستكمال عناصر الدفاع فيها ومتابعة سير إجراءاتها وما إلى ذلك مما يتصل بحق الدفاع ويرتبط بمصلحة جوهرية لذوي الشأن، ويستفاد كذلك من الأحكام التي تضمنها هذان القانونان أن إعلان المتهم وإخطاره على الوجه السالف بيانه هو إجراء جوهري رسم الشارع طريق التحقق من إتمامه على الوجه الأكمل للاستيثاق من تمام هذه الإجراءات، ولذلك يترتب على إغفال الإعلان أو عدم الإخطار وقوع عيب شكلي في الإجراءات يؤثر على الحكم ويترتب عليه بطلانه تأسيساً على أن الإجراء يكون باطلاً إذا نص القانون على بطلانه أو إذا شابه عيب جوهري ترتب عليه ضرر للخصم. فإذا كان الثابت من الأوراق على النحو السالف بيانه أنه وإن كان الطاعن قد أبلغ بأنه تحددت جلسة 24 من يونيه سنة 1958 لنظر الدعوى التأديبية أمام مجلس التأديب العالي غير أنه اعتذر عن حضور هذه الجلسة وقبل مجلس التأديب عذره وأجل نظر الدعوى لهذا السبب إلى جلسة 30 من سبتمبر سنة 1958 مع إعادة إعلان الطاعن إلا أن هذا الإجراء لم يتم فعلاً فلم يعلن الطاعن بتلك الجلسة وفاته حضورها كما هو ثابت بمحضرها وأصدر مجلس التأديب العالي قراره فيها دون أن يحضر الطاعن بنفسه أو بمن يمثله ودون أن يدلي بدفاعه بأية طريقة كانت كالترخيص له بتقديم مذكرات بل صدر القرار في آخر الجلسة فمن ثم فقد شاب إجراءات المحاكمة عيب شكلي يبطلها ويؤثر في القرار الصادر من المجلس ويستتبع بطلانه. ولذلك فإنه يتعين إلغاء ذلك القرار وإعادة الدعوى إلى مجلس التأديب العالي المختص ليجري شئونه فيها.
ومن حيث إنه لا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أنه كان على الطاعن وقد علم بتاريخ الجلسة المحددة لنظر الدعوى التأديبية (جلسة 24 من يونيه سنة 1958) أن يستفسر عن مواعيد الجلسات التي أجلت إليها الدعوى وعلى ذلك فلا يكون هناك من عيب في إجراءات المحاكمة - لا وجه لذلك - لأن الثابت من الأوراق أن الطاعن كان يعمل ويقيم في جهة أخرى بعيدة عن الجهة التي ينعقد فيها مجلس التأديب العالي وقد جرت الجهات المختصة على إعلانه بالجلسات المحددة لنظر الدعوى وعلى أخذ إقرارات عليه بذلك في كل مرة يعلن فيها ومن ثم فلم يكن من جناح عليه إذا كان قد اعتمد على أن الجهات المختصة ستقوم بإعلانه بتاريخ الجلسة التي أجلت إليها الدعوى كما فعلت في المرات السابقة.
ومن حيث إنه وإن كانت المحاكم التأديبية قد حلت محل مجالس التأديب طبقاً لأحكام قانون النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 وبموجبه أحيلت الدعاوى التي كانت منظورة أمام مجالس التأديب إلى المحاكم التأديبية بالحالة التي كانت عليها "مادة 47/ 1، 2" - غير أن المشرع أورد حكماً خاصاً بالنسبة إلى الدعاوى المطروحة على مجالس التأديب العالية فنصت الفقرة الثالثة من المادة 47 من القانون المشار إليه على ما يأتي "ويظل مجلس التأديب العالي مختصاً بالفصل في القضايا التي استؤنفت أمامه قبل العمل بهذا القانون". ومؤدى هذا النص أن تظل مجالس التأديب العالية بتشكيلها المنصوص عليه في المواد 86 وما بعدها من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 معدلاً بالقانون رقم 73 لسنة 1957 مختصة بالفصل في القضايا التأديبية التي استؤنفت أمامها قبل العمل بقانون النيابة الإدارية ولا تحال إلى المحاكم التأديبية التي أنشئت بموجب هذا القانون ولما كانت وزارة التربية والتعليم والطاعن استأنفاً القرار الصادر من مجلس التأديب الابتدائي لموظفي الوزارة أمام مجلس التأديب العالي بتاريخ 16، 20 من فبراير سنة 1958 أي قبل العمل بقانون النيابة الإدارية، فمن ثم فإن الدعوى التأديبية سالفة الذكر تكون ضمن القضايا التي يظل مجلس التأديب العالي مختصاً بنظرها إلى أن يفصل فيها نهائياً، ويكون هذا المجلس هو الجهة التي يجب أن تعاد إليها القضية التأديبية للفصل فيها من جديد ما دام قد تبين أنه شاب إجراءات المحاكمة عيب يترتب عليه بطلان القرار الصادر فيها.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه حين تصدى للفصل في موضوع الطعن المرفوع إلى المحكمة بطلب إلغاء قرار صادر من مجلس التأديب العالي لموظفي وزارة التربية والتعليم مع أن المحكمة غير مختصة بنظره على النحو السالف بيانه، وأن إجراءات المحاكمة أمام مجلس التأديب العالي قد شابها عيب جوهري يترتب عليه بطلان القرار الصادر منها في الدعوى التأديبية، فمن ثم فإنه يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الصادر من مجلس التأديب العالي لموظفي وزارة التربية والتعليم الصادر بتاريخ 30 من سبتمبر سنة 1958 بخفض درجة الطاعن وبإعادة الدعوى التأديبية إلى مجلس التأديب العالي المختص للفصل فيها من جديد مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقرار الصادر من مجلس التأديب العالي وإعادة القضية التأديبية إلى مجلس التأديب العالي المختص وألزمت الحكومة بالمصروفات.


[(1)] أنظر على خلاف ذلك حكم محكمة النقض (الدائرة المدنية) الصادر بجلسة 16 من فبراير سنة 1967 في الطعن رقم 375 لسنة 32 القضائية. والمنشور بمجموعة النقض - السنة الثامنة عشرة ص 373.

1