مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 283

(38)
جلسة 16 من ديسمبر سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم وعباس فهمي محمد بدر - المستشارين.

القضية رقم 407 سنة 11 القضائية

( أ ) - قرار إداري. "رقابة القضاء الإداري". تفسير.
القوانين المانعة من اختصاص القضاء الإداري من رقابة بعض القرارات الإدارية - قوانين استثنائية تفسر في أضيق الحدود.
(ب) - الحراسة العامة. اختصاص القضاء الإداري. دعوى: عدم سماع الدعوى.
القرارات الصادرة من الجهات القائمة على تنفيذ الأوامر الصادرة بفرض الحراسات - القانون رقم 99 لسنة 1963 بعدم سماع الطعون فيها - لا يتناول القرارات الصادرة في شأن موظفي الحراسة العامة.
(جـ) اختصاص القضاء الإداري. حراسة عامة. موظفو الحراسة العامة.
القرارات الصادرة من الحارس على أموال الخاضعين للأمر رقم 138 لسنة 1961 - قرارات فصل موظفي إدارة الحراسة - اختصاص القضاء الإداري بطلبات إلغائها.
(د) - دعوى. "تنازل عنها" إقرار.
التنازل عن دعوى مرفوعة أمام المحكمة الإدارية - تمامه أمام محكمة ابتدائية عند نظر دعوى أخرى - أثره: لا يعتبر إقراراً قضائياً.
(هـ) - موظف. "انتهاء الخدمة: أسبابها: الفصل".
انتهاء خدمة الموظف - أسبابها: الفصل - التفرقة بين الفصل التأديبي والفصل غير التأديبي لا يلزم بالنسبة إلى الفصل غير التأديبي إسناد مخالفات محددة للموظف وإنما يكفي قيام سبب يبرره.
(و) موظف. "انتهاء الخدمة: أسبابها: الفصل بغير الطريق التأديبي - قرار إداري بالفصل بغير الطريق التأديبي - متى يعتبر قائماً على سبب يبرره.
(ز) - قرار إداري. "رقابة القضاء الإداري عليه".
فصل الموقف بغير الطريق التأديبي - سببه - رقابة القضاء الإداري له حدودها.
1 - لما كان الأصل طبقاً لمبدأ المشروعية هو تسليط رقابة القضاء الإداري على جميع القرارات الإدارية التي يختص بإلغائها والتعويض عنها فإنه إذا صدر قانون باستثناء طائفة من القرارات من الخضوع لتلك الرقابة لحكمة تغياها المشرع وغاية قصد حمايتها - وجب عدم التوسع في تفسير النص المتضمن لهذا الاستثناء بحيث لا يطبق إلا في خصوص ما صدر في شأنه وفي حدود الهدف التي قصد المشرع إصابته وبلوغه.
2 - أن الحصانة المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 99 لسنة 1963 لا تمتد إلى ما يصدر من قرارات في شأن موظفي الحراسة العامة إذ لا صلة لهذه القرارات (سواء كانت خاصة بتعيينهم أو تأديبهم أو فصلهم أو بغير ذلك من شئونهم) بمكاسب الشعب الاشتراكية التي استهدف المشرع تحصين القرارات والتدابير والإجراءات التي اتخذت تأميناً لها.
3 - إذا كان القرار محل دعوى الإلغاء صادراً من الحارس العام على أموال الخاضعين للأمر رقم 138 لسنة 1961 بفصل المدعي وهو موظف عام بإدارة الحراسة على الأموال المذكورة - فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب الحق بقضائه برفض الدفع بعدم جواز سماع تلك الدعوى.
4 - متى كان إقرار المدعي بتنازله عن دعواه الإدارية لم يحدث أثناء سير هذه الدعوى أمام المحكمة الإدارية إنما حدث في دعوى مرفوعة أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية - فإنه لا يعتبر بالنسبة إلى الدعوى الإدارية إقراراً قضائياً ولا يعدو أن يكون إقراراً غير قضائي لصدوره في دعوى أخرى ومن ثم يخضع لتقدير المحكمة فلها مع تقدير الظروف التي صدر فيها والأغراض التي حصل من أجلها أن تعتبره حجة على المدعي كما لها ألا تأخذ به أصلاً.
5 - أن فصل الموظف العام يتم بإحدى طريقتين - إما عن طريق التأديب أو بغير طريق التأديب - والفصل التأديبي يدخل في باب الجزاءات المنصوص عليها قانوناً أما الفصل غير التأديبي فمرده إلى وجوب هيمنة الإدارة على المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام فلزم أن يكون لها الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية لهذا الغرض من الموظفين وفصل من تراه غير صالح - وذلك من الملاءمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها ما دام قرارها قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة وإذا كان الفصل التأديبي قوامه مخالفات محددة تثبت في حق الموظف فذلك ما لا يتطلبه الفصل بغير الطريق التأديبي الذي يكفي فيه قيام السبب المبرر له.
6 - إن الفصل غير التأديبي يقوم على ما يتجمع لدى الجهة الإدارية من أسباب مستقاة من ملف الخدمة أو من الأوراق الأخرى أو من معلومات رؤساء الموظف عنه ويعتبر صحيحاً وقائماً على سببه المبرر له قانوناً متى استند إلى وقائع صحيحة وكانت الجهة الإدارية قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها في شأنه استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها.
7 - أن رقابة القضاء الإداري لقيام السبب في القرار بالفصل غير التأديبي لا تعني أن يحل نفسه محل جهة الإدارة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لديها من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً ونفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعة التي تكون ركن السبب أو يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار وإنما الرقابة التي لهذا القضاء تجد حدها الطبيعي كرقابة قانونية في التحقق مما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها أم لا وما إذا كان تكييف الوقائع يفرض وجودها مادياً صحيحاً أو خاطئاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية بالإسكندرية في أول أبريل سنة 1963 أقام السيد/ مرسي محمد السيد الدعوى رقم 540 لسنة 10 القضائية ضد السيد وزير الخزانة والسيد الحارس العام على أموال الخاضعين للأمر رقم 138 لسنة 1961 طالباً إلغاء القرار الصادر في 2 من أكتوبر سنة 1962 بفصله من العمل وقال شرحاً لدعواه أنه في أول يناير سنة 1962 التحق بإدارة الحراسة العامة على أموال الخاضعين للأمر رقم 138 لسنة 1961 بالإسكندرية بمرتب شهري قدره خمسة عشر جنيهاً وأنه فصل من الخدمة في 2 من أكتوبر سنة 1962 دون سبب قانوني ونظراً إلى أن هذا القرار كان مجحفاً به فقد تظلم منه إلى الحارس العام في 4 من أكتوبر سنة 1962 إلا أن الجهة الإدارية لم تعر الأمر التفاتاً وأنه لذلك يطعن على القرار بإساءة استعمال السلطة وذكر أنه قد تقرر إعفاؤه من رسوم الدعوى في 7 من مارس سنة 1962.
وأجابت الحراسة على الدعوى بمذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم جواز نظر الدعوى تطبيقاً للقانون رقم 99 لسنة 1963 واحتياطياً بعدم قبولها لتنازل المدعي عن موضوعها - وفي مذكرة ثانية طلبت الحراسة الحكم أصلياً بعدم جواز سماع الدعوى واحتياطياً برفضها وإلزام المدعي بالمصروفات وتضمنت المذكرتان أن المدعي التحق بخدمة الحراسة في 6 من يناير سنة 1962 وفي 4 من سبتمبر سنة 1962 قدمت مذكرة لمراقبة الحراسة بشأن مخالفة المدعي للتعليمات لقيامه باستلام المبالغ المتأخرة على شركة التقدم الصناعي عن يوليه سنة 1962 وأعطى إيصالاً باسم عباس شلبي باعتباره متنازلاً إليه عن الشركة المذكورة وبعد التحري وفحص المستندات المقدمة بشأن التنازل عن المنشأة المذكورة أفتى القسم القانوني بالحراسة بأن هذا التنازل يفيد أيضاً التنازل عن الحق في الإيجار وعرضت هذه المذكرة على المراقب العام فوافق على إقرار التنازل ورفع رأيه إلى الحارس العام بتأشيرة تضمنت أنه وإن كانت إجراءات التنازل صحيحة إلا أن السيد/ مرسي محمد السيد قد أقحم نفسه في بحث أوراق ومستندات لا شأن له بها وأقرها وتسلم الإيجار من المتنازل إليه وأعطاه إيصالاً باسمه ولم يكن له باعتباره محصلاً أن يبدي رأيه في تلك الإجراءات بل كان عليه أن يطلب من المتنازل عرض الأمر على الحراسة لإقراره ثم يصدر إليه الأمر بما يتبعه واقترح المراقب خصم ثلاثة أيام من مرتب المدعي عن تدخله في غير اختصاصه كما أضاف أن سمعة المدعي في عمله تلوكها الألسن في موضوعات شتى ويرى الاستغناء عنه – ووافق الحارس العام على ما ورد في هذه المذكرة في 30 من سبتمبر سنة 1962 ثم صدر القرار رقم 89 لسنة 1962 من الحارس العام بفصله من خدمة الحراسة اعتباراً من 9 من أكتوبر سنة 1962 للتصرفات المنسوبة إليه في موضوع تنازل شركة التقدم الصناعي الزراعي فتظلم في 3 من أكتوبر سنة 1962 وتقرر حفظ تظلمه في 18 من نوفمبر سنة 1962 فأقام هذه الدعوى كما أقام الدعوى رقم 922 لسنة 1963 عمال الإسكندرية وبجلسة 2 من أكتوبر سنة 1963 ناقشته المحكمة الابتدائية فأقر بأنه متمسك بالدعوى المدنية وحدها وأنه متنازل عن الدعوى الإدارية وهو إقرار ملزم له وعلى هذا الأساس وحده لا تقبل هذه الدعوى وصدر حكم من المحكمة الابتدائية بوقف تنفيذ قرار فصله حتى يقضي في الدعوى الموضوعية استأنفته الحراسة وما زالت الدعوى منظورة أمامها - ودفعت الحراسة بعدم جواز سماع الدعوى تطبيقاً للقانون رقم 99 لسنة 1963 تأسيساً على أن الحظر الوارد به من العموم والشمول بحيث يندرج تحته القرارات الصادرة بتعيين الموظفين أو فصلهم منها بالطريق التأديبي أو بغير الطريق التأديبي وذكرت أن هذا القانون يسري على الدعاوى المنظورة وأن القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة هو قرار فصل بغير الطريق التأديبي حسبما هو ثابت من مذكرة مراقب الحراسة العامة المرفوع إلى الحارس العام إذ أن الجزاء التأديبي الذي تضمنته تلك المذكرة ووافق عليه الحارس العام هو خصم ثلاثة أيام من مرتب المدعي للمخالفة المنسوبة إليه أما الاستغناء عنه فقد تم استناداً إلى الشوائب التي علقت بسمعته وأشار إليها المراقب إجمالاً في تلك المذكرة ثم أوضحها تفصيلاً في المذكرة المقدمة منه رداً على تظلم المدعي وأضافت الحراسة أنه في 25 من أغسطس سنة 1964 أصدر رئيس مجلس الوزراء الأمر رقم 165 لسنة 1964 بسريان أحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 في شأن العاملين بالحراسات وإدارة الأموال التي آلت ملكيتها إلى الدولة طبقاً لأحكام القانون رقم 150 لسنة 1964 وقد نصت المادة 78 من القانون المذكور على أن تنتهي خدمة العاملين عند بلوغهم سن الستين ولا يجوز مد الخدمة بعد بلوغ السن المقررة إلا في حالة الضرورة وبقرار من رئيس الجمهورية وقد تجاوز المدعي سن السابعة والستين فيكون طلب إلغاء قرار فصله غير ذي موضوع لعدم جواز بقائه في الخدمة أكثر من ذلك - كما ذكرت الحراسة أن المدعي من الموظفين المؤقتين الخاضعين لقرار مجلس الوزراء الصادر في 31 من ديسمبر سنة 1952 والذين يجوز إنهاء خدمتهم في أي وقت بمقتضى إعلان يرسل كتابة قبلها بشهر.
وعقب المدعي على دفاع الحراسة بقوله أن قرار فصله لم يقم على سبب يبرره ولم تحقق معه الحراسة في شأن ما قيل من أن سمعته تلوكها الألسن أما أحكام القانون رقم 99 لسنة 1963 فلا تسري في شأنه لأن دعواه رفعت قبل صدوره كما أن قرار فصله لا يعتبر من أعمال السيادة التي نص القانون على عدم سماع الدعوى بشأنها أمام أية جهة قضائية وأضاف المدعي في مذكرته طلباً احتياطياً هو الحكم باستحقاقه التعويض عن قرار فصله من الخدمة بما يوازي أجره من وقت فصله حتى تاريخ الفصل في هذه الدعوى باعتبار مرتبه خمسة عشر جنيهاً شهرياً.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن القانون رقم 99 لسنة 1963 بعدم قبول الطعن في الأعمال والتدابير التي اتخذتها الجهة القائمة على تنفيذ جميع الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على أموال وممتلكات بعض الأشخاص قد استهدف حسبما هو مستفاد من أحكامه ومن مذكرته الإيضاحية حماية تصرفات الدولة التي اتخذتها بوصفها ذات سيادة تأميناً لمكاسب الشعب الاشتراكية وعلى هدي هذه الغاية لا يندرج تحت هذه التصرفات ما تصدره الجهات القائمة بتنفيذ الأوامر الصادرة بفرض الحراسة في شأن موظفيها من قرارات إدارية بالتعيين والتأديب أو الفصل ومن ثم يكون الدفع بعدم جواز سماع الدعوى غير مستند إلى أساس من القانون - أما تنازل المدعي عن هذه الدعوى أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية فإنه لا يسقط حقه في رفع دعوى جديدة بنفس الحق أمام الجهة القضائية التي تنازل عن دعواه أمامها ما دام أن تنازله لم ينصب عن الحق ذاته وإذا كان الثابت أنه لم يتنازل عن هذه الدعوى أمام المحكمة بل قرر تمسكه بالاستمرار في نظرها فإن الدفع بعدم قبولها يكون غير مستند إلى أساس من القانون حقيقاً بالرفض - وأقام الحكم قضاءه بإلغاء قرار فصل المدعي على أن المستفاد من القرار أنه قرار فصل تأديبي إذ صدر بسبب التصرفات المنسوبة إليه في موضوع تنازل شركة التقدم الصناعي والزراعي عن الشقة رقم 2 بالعقار رقم 179 شارع السيد محمد دريم والتي رأت الإدارة أنها مخالفات ارتكبها المدعي واستحق من أجلها تأديبه وإذ كانت المذكرة التي قدمها المراقب للحارس العام قد تضمنت اقتراح مجازاته بخصم ثلاثة أيام من مرتبه والاستغناء عنه لأن سمعته في عمله كانت تلوكها الألسن فإن الحارس العام قد أفصح بقراره الصادر بفصله عن أن هذا الفصل لم يكن بسبب سمعته في عمله بل بسبب التصرفات المنسوبة إليه سالفة الذكر وبذلك يكون فصله بالطريق التأديبي فكان يتعين على الحراسة أن تواجه المدعي بما هو منسوب إليه وأن تكفل له حق الدفاع عن نفسه وذلك بالتحقيق معه وإذا كان قد فصل دون أن يحقق معه فمن ثم يكون القرار الصادر بفصله مشوباً بعيب مخالفة القانون ويتعين لذلك الحكم بإلغائه - وأنه ولئن كان المدعي قد جاوز سن الستين المقررة قانوناً لإنهاء الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 الذي سرى في شأن موظفي الحراسة العامة عملاً بقرار مجلس الوزراء رقم 165 لسنة 1964 إلا أن إنهاء خدمته لهذا السبب إنما يكون بقرار من الجهة الإدارية التابع لها والتي تملك الإبقاء عليه إلى ما بعد بلوغ هذه السن بالأداة القانونية وفي الحدود المقررة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً: أن المادة الأولى من القانون رقم 99 لسنة 1963 قد نصت على أن لا تسمع أمام أية جهة قضائية أية دعوى يكون الغرض منها الطعن في أي تصرف أو قرار أو تدبير أو إجراء وبوجه عام أي عمل أمرت به أو تولته الجهات القائمة على تنفيذ جميع الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على أموال وممتلكات بعض الأشخاص والهيئات - وقد جاءت عبارات هذا النص عامة شاملة لكافة الأعمال التي أمرت بها أو تولتها الجهات القائمة على تنفيذ أوامر فرض الحراسة دون تفرقة بينها وهذا ما أكدته المذكرة الإيضاحية للقانون - ولما كان فصل موظفي الحراسة من الأمور المتعلقة بإدارة الأموال الموضوعة تحت الحراسة إذ أن هؤلاء الموظفين هم الذين يعاونون الحارس العام في أعمال الإدارة فإنها تعتبر من أعمال السيادة المقصودة بالحماية بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 99 لسنة 63 فلا يجوز سماع الدعوى بالطعن فيها أمام أية جهة من جهات القضاء ويكون الدفع بعدم جواز سماع دعوى إلغاء قرار الفصل المطعون فيه في محله.
ثانياً: أن المدعي قد قرر بتنازله عن هذه الدعوى في محضر جلسة 2 من أكتوبر سنة 1963 أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية في الدعوى رقم 122 لسنة 1963 وهو إقرار غير قضائي ثبت في ورقة رسمية يتضمن تنازله عن كافة إجراءات الدعوى بما في ذلك صحيفة افتتاحها ولا يستساغ القول بعد ذلك أنه وقد عاد إلى التمسك بالسير في الدعوى إنما يكون قد أقام دعوى جديدة طالما أن الحق باق لم يسقط أو ينقض بالتقادم لأن دعوى الإلغاء مقيدة بمواعيد رسمها المشرع يتعين اتخاذ الإجراءات خلالها وإلا كانت غير مقبولة وإذ كان المدعي قد تنازل عن كافة إجراءات الدعوى في 2 من أكتوبر سنة 1963 فإنه لو صح أن تمسكه بالاستمرار فيها بعد ذلك يعد رفعاً للدعوى من جديد فإنها تكون غير مقبولة لرفعها بعد الميعاد فضلاً عن سابقة التنازل عنها.
ثالثاً: واحتياطياً بالنسبة إلى الموضوع فإنه في 25 من أغسطس سنة 1964 أصدر السيد رئيس الوزراء بوصفه رئيس اللجنة المشرفة على تنفيذ الأوامر الصادرة بفرض الحراسة أو رفعها الأمر رقم 165 لسنة 1964 بسريان جميع القواعد الوظيفية والمالية السارية في شأن العاملين بالدولة على العاملين بجميع الحراسات وإدارة الأموال التي آلت ملكيتها إلى الدولة طبقاً لأحكام القانون رقم 150 لسنة 1964 ووفقاً لأحكام المادتين 77، 78 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بشأن العاملين المدنيين بالدولة تنتهي الخدمة ببلوغ سن الستين ولا يجوز مدها إلا في حالة الضرورة وبقرار من رئيس الجمهورية - والثابت أن المدعي قد تجاوز هذه السن وبلغ السابعة والستين وإلغاء قرار فصله يترتب عليه استمراره في الخدمة بما يخالف تلك النصوص بعد أن كشف هذا القرار عن نية الحراسة في عدم مد الخدمة فيصبح إلغاء القرار المذكور غير ذي موضوع - وذلك بالإضافة إلى أن فصل المدعي كان فصلاً غير تأديبي لأن سمعته كانت تلوكها الألسن في موضوعات شتى وقد قام على سبب يبرره أما القول بأن الفصل تأديبي لأنه صدر بسبب ما نسب إليه في موضوع تنازل شركة التقدم فإنه يخالف الثابت في الأوراق من أنه صدر استناداً إلى ما قرره مراقب الحراسة من أن سمعته في عمله تلوكها الألسن في موضوعات شتى - ولما كان القرار غير تأديبي فإنه لم يكن يلزم مواجهة المدعي بما هو منسوب إليه - وبالإضافة إلى ذلك فإنه موظف مؤقت يجوز الاستغناء عنه في أي وقت.
ومن حيث إن المدعي قد عقب على الطعن بمذكرتين دفع فيهما بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد تأسيساً على أن الحكم المطعون فيه صدر في 25 من يناير سنة 1965 وطعن فيه في 27 من مارس سنة 1965 أي في اليوم الثاني والستين - وقال أن الدفعين اللذين أبداهما الطاعنان بعدم جواز سماع دعواه وبعدم قبولها لا يقومان على أساس - وأشار إلى ما تقدم به من تظلمات وشكاوى من قرار فصله وإلى أن مراقب الحراسة بالإسكندرية قد حال دون تحقيقها - وذكر أن الحارس العام قد أفصح في قراره عن أن سبب فصله لم يكن سوء سمعته في عمله بل التصرفات التي نسبت إليه في موضوع التنازل عن الشقة رقم 2 بالعقار رقم 129 بشارع السيد محمد كريم التي رأت الإدارة أنها مخالفات يستحق عنها مجازاته تأديبياً وبذلك يكون القرار المذكور قد جازاه تأديبياً عن ارتكابه لتلك المخالفات بفصله من الخدمة وإذ صدر هذا القرار التأديبي دون أن يواجه بما هو منسوب إليه ودون التحقيق معه وسماع دفاعه فإنه يكون مخالفاً للقانون - كما تقدم الطاعنان بمذكرة صمما فيها على طلباتهما.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد صدر في 25 من يناير سنة 1965 فإن ميعاد الطعن فيه كان ينتهي في 26 من مارس سنة 1965 وهو يوم جمعة وإذ كان الطعن قد أقيم بإيداع التقرير به قلم كتاب المحكمة في اليوم التالي أي في 27 من مارس سنة 1965 فإنه يكون قد أقيم في الميعاد وفقاً لما تقضي به المادة 23 من قانون المرافعات التي تنص على أنه إذا صادف آخر الميعاد عطلة رسمية امتد إلى أول يوم عمل بعدها وبذلك يكون الطعن مستوفياً أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوجه الأول من أوجه الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد خالف أحكام القانون رقم 99 لسنة 1963 إذ رفض الدفع بعدم جواز سماع الدعوى - وتنص المادة الأولى من هذا القانون على أن (لا تسمع أمام أية جهة قضائية أية دعوى ويكون الغرض منها الطعن في أي تصرف أو قرار أو تدبير أو إجراء وبوجه عام أي عمل أمرت به أو تولته الجهات القضائية على تنفيذ جميع الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على أموال وممتلكات بعض الأشخاص والهيئات وذلك سواء أكان الطعن مباشراً بطلب الفسخ أو الإلغاء أو التعديل أو وقف التنفيذ أم كان الطعن غير مباشر عن طريق المطالبة بالتعويض أياً كان نوعه أو سببه) وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون (أنه لما كان الأصل العام أن التصرفات والتدابير والأوامر والقرارات التي اتخذتها أو أصدرتها الجهات القائمة على تنفيذ الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على أموال وممتلكات بعض الأشخاص سواء كانت تلك الجهات هي نائب رئيس الجمهورية ووزير الداخلية أو لجنة الحراسات أو الحراس العامون والخاصون ونوابهم ومندوبوهم هي من أعمال السيادة التي اتخذتها الدولة تأميناً لمكاسب الشعب الاشتراكية ومن ثم لا تختص المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها بنظر الدعاوى التي يكون الغرض منها الطعن في تلك التصرفات أو التدابير أو الأوامر والقرارات وبوجه عام أي عمل أمرت به أو تولته تلك الجهات وسواء كان الطعن بطريق مباشر كالفسخ أو الإلغاء أو التعديل أو وقف التنفيذ أو بطريق غير مباشر كالمطالبة بالتعويض أياً كان نوعه أو سببه كما لا يجوز الطعن بأي طريق آخر - لذلك رؤى أن يعد مشروع القانون المرافق...) وواضح من هذا النص في ضوء المذكرة الإيضاحية أن الشارع قد أراد أن يضفي على طائفة من التصرفات والقرارات والتدابير والإجراءات التي تتصل بالأموال الموضوعة تحت الحراسة والتي اتخذت تأميناً لمكاسب الشعب الاشتراكية - حصانة تعصمها من الرقابة القضائية - ولما كان الأصل طبقاً لمبدأ المشروعية هو تسليط رقابة القضاء الإداري على جميع القرارات الإدارية التي يختص بإلغائها والتعويض عنها - فإنه إذا صدر قانون باستثناء طائفة من القرارات من الخضوع لتلك الرقابة لحكمة تغياها المشرع وغاية قصد حمايتها - وجب عدم التوسع في تفسير النص المتضمن لهذا الاستثناء بحيث لا يطبق إلا في خصوص ما صدر في شأنه وفي حدود الهدف الذي قصد المشرع إصابته وبلوغه - ومن ثم فإن الحصانة المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر لا تمتد إلى ما يصدر من قرارات في شأن موظفي الحراسة العامة إذ لا صلة لهذه القرارات (سواء كانت خاصة بتعيينهم أو تأديبهم أو فصلهم أو بغير ذلك من شئونهم) بمكاسب الشعب الاشتراكية التي استهدف المشرع تحصين القرارات والتدابير والإجراءات التي اتخذت تأميناً لها.
ومن حيث إنه لذلك وإذ كان القرار محل دعوى الإلغاء صادراً من الحارس العام على أموال الخاضعين للأمر رقم 138 لسنة 1961 بفصل المدعي وهو موظف عام بإدارة الحراسة على الأموال المذكورة - فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب الحق بقضائه برفض الدفع بعدم جواز سماع تلك الدعوى.
ومن حيث إن الوجه الثاني من أوجه الطعن يتحصل في أن الحكم قد أخطأ إذ قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لسابقة إقرار المدعي بالتنازل عنها أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية بجلسة 2 من أكتوبر سنة 1963.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى الأوراق أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 922 لسنة 1963 عمال كلي ضد الحارس العام على أموال الخاضعين للأمر رقم 138 لسنة 1961 وقد دفعت الحراسة بعدم اختصاص محكمة الإسكندرية الابتدائية بنظر الدعوى وقرر الحاضر عن الحراسة بجلسة 2 من أكتوبر سنة 1963 أن المدعي رفع دعوى أمام مجلس الدولة بذات الطلبات وقال المدعي أنه رفع تلك الدعوى فعلاً لحفظ حقه في ميعاد الستين يوماً ولكنه متنازل عنها ويطلب أجلاً واسعاً وبجلسة المناقشة التي انعقدت أمام مفوض الدولة في 31 من ديسمبر سنة 1963 طلب المدعي السير في إجراءات الدعوى التي أقامها أمام المحكمة الإدارية وقرر أنه لم يسبق له التنازل عنها.
ومن حيث إن إقرار المدعي بتنازله عن دعواه الإدارية لم يحدث أثناء سير هذه الدعوى أمام المحكمة الإدارية إنما حدث في دعوى أخرى مرفوعة أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية - فإنه لا يعتبر بالنسبة إلى الدعوى الإدارية إقراراً قضائياً ولا يعدو أن يكون إقراراً غير قضائي لصدوره في دعوى أخرى ومن ثم يخضع لتقدير المحكمة فلها مع تقدير الظروف التي صدر فيها والأغراض التي حصل من أجلها أن تعتبره حجة على المدعي كما لها ألا تأخذ به أصلاً.
ومن حيث إن الظروف التي صدر فيها الإقرار المذكور تقطع بأن المدعي ما قصد به إلا تفادي الحكم بعدم اختصاص محكمة الإسكندرية الابتدائية بنظر الدعوى التي أقامها أمامها وأنه لم يبتغ به إلزام نفسه بآثاره في دعوى الإلغاء التي أقامها أمام المحكمة الإدارية - يؤكد ذلك تمسكه بالسير في إجراءات هذه الدعوى ومن ثم فإن المحكمة لا ترى وجهاً للاعتداد بالإقرار المذكور.
ومن حيث إنه فضلاً عما تقدم فإنه بالرجوع إلى قانون المرافعات يبين أنه قد استهدف بأحكامه في شأن تلك الخصومة ألا يفترض الترك وألا تستشفه المحكمة من تصرفات أو أقوال تصدر من المدعي في غير الحالات التي أوردها في المادة 308 التي تنص على أن (ترك الخصومة لا يكون إلا إذا حصل بإعلان من التارك لخصمه على يد محضر أو بتقرير منه في قلم الكتاب أو ببيان صريح في مذكرة موقع عليها منه أو من وكيله مع اطلاع خصمه عليها أو بإبدائه شفوياً بالجلسة وإثباته في المحضر) وذلك حتى لا يكون ترك الخصومة مثاراً لنزاع يتفرع عن النزاع الذي رفعت به الدعوى.
ومن حيث إنه لما تقدم وإذ تضمن الحكم المطعون فيه القضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى فإنه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في هذا الشأن.
ومن حيث إن الوجه الثالث من أوجه الطعن يقوم في شق منه على أن فصل المدعي كان فصلاً غير تأديبي فلم يكن يلزم مواجهته بما هو منسوب إليه فضلاً عن أنه كان موظفاً مؤقتاً يجوز الاستغناء عنه في أي وقت.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي كان موظفاً متقاعداً يتقاضى معاشاً قدره 27 جنيهاً و883 مليماً وفي 27 من نوفمبر سنة 1961 تقدم بطلب إلى الحراسة العامة على أموال الخاضعين للأمر رقم 138 لسنة 1961 ذكر فيه أنه كان يعمل في الحراسة العامة على أموال الرعايا الفرنسيين وأخلى طرفه لتسليم معظم أموال الرعايا الموضوعين تحت الحراسة إليهم وطلب إعادته إلى خدمة الحراسة وإسناد أي عمل إليه - وفي 4 من يناير سنة 1962 وافق الحارس العام على تعيينه بمرتب شهري شامل قدره خمسة عشر جنيهاً وأسندت إليه وظيفة محصل - وفي 4 من سبتمبر سنة 1962 رفعت مذكرة في شأنه إلى مراقب الحراسة تضمنت أنه قام بالمرور على العقار رقم 129 بشارع السيد محمد كريم في يوم 19 من أغسطس سنة 1962 لتحصيل الإيجار من السكان بموجب كشف تحت يده مسلم إليه من إدارة التحصيل به أسماء المستأجرين والقيمة الإيجارية لمسكن كل منهم وكان من بين هؤلاء المستأجرين شركة التقدم الصناعي والزراعي فقام باستلام المبالغ المتأخرة على هذه الشركة وأعطى إيصالاً باسم عباس شلبي بحجة أنه حل محل الشركة المذكورة وأنه تأكد من تنازلها له عن عقد الإيجار قبل فرض الحراسة - وانتهت المذكرة إلى أن في ذلك مخالفة للتعليمات الصادرة إليه - وبعد بحث هذا التنازل والاقتناع بصحته رفع مراقب الحراسة الأمر إلى الحارس العام لاعتماد التنازل - وأشر على المذكرة التي رفعت إلى الحارس في هذا الشأن بما نصه:
(هذا ونظراً لأن السيد مرسي السيد قد أقحم نفسه في بحث أوراق ومستندات لا شأن له بها وقد أقرها وتسلم الإيجار من المتنازل إليه على اعتبار أنه أصبح مستأجراً وأعطاه إيصالاً عن سداد الإيجار باسمه.
(وأن تكن إجراءات التنازل صحيحة إلا أنه باعتباره محصلاً لم يكن له أن يبدي رأيه فيها ويتخذ اللازم نحو إقرار التنازل من نفسه وكان عليه أن يطلب من المتنازل إليه عرض الأمر على الحراسة لإقراره ومن ثم يصدر إليه الأمر بما يتبعه واقترح خصم ثلاثة أيام من مرتبه عن تدخله في غير اختصاصه.
(وبهذه المناسبة أرجو التفضل بالإحاطة بأن سمعة السيد المذكور في عمله تلوكها الألسن في موضوعات شتى وأرى الاستغناء عنه رجاء التفضل بالموافقة على ذلك).
وفي 3 من سبتمبر سنة 1962 صدرت من الحارس العام تأشيرتان على ذات المذكرة وأمام تأشيرة المراقب كل منهما ممهورة بتوقيعه - نص الأولى (أوافق) ونص الثانية (ويستغنى عنه).
ثم في 10 من أكتوبر سنة 1962 أصدر الحارس العام القرار رقم 89 متضمناً النص على أنه (اعتباراً من اليوم الأول من شهر أكتوبر سنة 1962 يفصل من خدمة الحراسة السيد/ مرسي محمد السيد المحصل بمكتب الحراسة على أموال وممتلكات الخاضعين للأمر رقم 138 لسنة 1961 بالإسكندرية للتصرفات المنسوبة إليه في موضوع تنازل شركة التقدم الصناعي والزراعي عن الشقة رقم 2 بالعقار 129 شارع السيد محمد كريم).
ومن حيث إنه يتعين بادئ ذي بدء الوقوف على التكييف الصحيح للقرار الصادر بفصل المدعي - هل هو جزاء تأديبي يخضع للقواعد والإجراءات المقررة لذلك أو هو إنهاء لخدمته بسبب عدم صلاحيته للبقاء في وظيفته - ذلك أن فصل الموظف العام يتم بإحدى طريقتين - إما عن طريق التأديب أو بغير طريق التأديب - والفصل التأديبي يدخل في باب الجزاءات المنصوص عليها قانوناً أما الفصل غير التأديبي فمرده إلى وجوب هيمنة الإدارة على المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام فلزم أن يكون لها الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية لهذا الغرض من الموظفين وفصل من تراه غير صالح - وذلك من الملاءمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها ما دام قرارها قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة وإذا كان الفصل التأديبي قوامه مخالفات محددة تثبت في حق الموظف فذلك مما لا يتطلبه الفصل بغير الطريق التأديبي الذي يكفي فيه قيام السبب المبرر له.
ومن حيث إن تأشيرتي الحارس العام المؤرختين 30 من سبتمبر سنة 1962 قد تضمنتا في الواقع من الأمر قرارين إداريين يستقل كل منهما عن الآخر بمحله وسببه أولهما هو الموافقة على ما اقترحه مراقب الحراسة من مجازاة المدعي بخصم ثلاثة أيام من مرتبه لإقحامه نفسه في أمر لا يدخل في اختصاصه بإقراره التنازل عن إيجار إحدى الشقق - وثانيهما هو الموافقة أيضاً على ما اقترحه المراقب من الاستغناء عن المدعي لسوء سمعته التي لاكتها الألسن في موضوعات شتى.
ومن حيث إن القرار المنشئ للمركز القانوني بالفصل والذي أنهى رابطة التوظف بين المدعي والحراسة هو قرار الحارس العام الصادر في 30 من سبتمبر سنة 1962 أما قراره رقم 89 الصادر في 10 من أكتوبر سنة 1962 فلا يعدو أن يكون تنفيذاً للقرار الأول اعتباراً من التاريخ التالي لصدوره وإذ كان سبب هذا القرار هو سوء سمعة المدعي فإنه لا اعتداد بما ورد في القرار التنفيذي من أن سبب الفصل هو ما نسب إلى المدعي في موضوع تنازل شركة التقدم الصناعي والزراعي عن الشقة المؤجرة لها إذ لا يعدو ذلك أن يكون خطأ مادياً في تبيان السبب الحقيقي للفصل الذي أفصح عنه قرار 30 من سبتمبر سنة 1962 المنشئ للمركز القانوني.
ومن حيث إنه إذا كان السبب الحقيقي لفصل المدعي هو فقدانه لشرط حسن السمعة على وجه جعله غير صالح للبقاء في وظيفته. فإن هذا الفصل لا يكون في الواقع من الأمر جزاء تأديبياً بل فصلاً غير تأديبي يكفي فيه قيام أسباب تبرره لدى الجهة الإدارية المختصة - وغني عن البيان أنه لا يلزم في هذا المجال وهو مجال الفصل غير التأديبي أن يواجه الموظف بما ينسب إليه وأن يحقق معه أو يسمع دفاعه فيه ذلك أن الفصل غير التأديبي يقوم على ما يتجمع لدى الجهة الإدارية من أسباب مستقاة من ملف الخدمة أو من الأوراق الأخرى أو من معلومات رؤساء الموظف عنه ويعتبر صحيحاً وقائماً على سببه المبرر له قانوناً متى استند إلى وقائع صحيحة وكانت الجهة الإدارية قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها في شأنه استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها - ورقابة القضاء الإداري لقيام هذا السبب لا تعني أن يحل نفسه محل جهة الإدارة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لديها من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً ونفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية التي تكون ركن السبب أو يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار وإنما الرقابة التي لهذا القضاء تجد حدها الطبيعي كرقابة قانونية في التحقق مما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها أم لا وما إذا كان تكييف الوقائع بفرض وجودها مادياً صحيحاً أو خاطئاً.
ومن حيث إن الحراسة - حسبما يبين من الأوراق - قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها وهي عدم صلاحية المدعي للبقاء في وظيفته لفقدانه شرط حسن السمعة من تصرفات صدرت منه وأمور نسبت إليه فضلاً عن أنه - وهو محصل - قد أقحم نفسه في أمر ليس من اختصاصه وهو اعتماد التنازل عن إيجار إحدى الشقق الأمر الذي يضعه موضع الشبهة - فإنه قد نسب إليه مسلك غير قويم في الإجراءات التي اتخذتها الحراسة لبيع منقولات أحد المصانع بالمزاد العلني كما نسب إليه سوء التصرف على وجه من شأنه جلب متاعب ومشاكل للحراسة حسبما هو مبين في المذكرة المؤرخة في 21 من أكتوبر سنة 1962 المرفوعة من مراقب الحراسة إلى الحارس العام في شأن تظلم المدعي.
ومن حيث إنه لذلك وإذ استخلصت الحراسة من الوقائع المشار إليها أن المدعي فقد الصلاحية للبقاء في وظيفته فإن هذه النتيجة تكون مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها ويكون قرار فصله قائماً على سببه المبرر له قانوناً - وليس في الأوراق ما يفيد أن الحراسة بإصدارها هذا القرار قد انحرفت عن الجادة أو تنكبت وجه المصلحة العامة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى أن المدعي قد فصل من الخدمة بالطريق التأديبي دون أن يحقق معه فيما هو منسوب إليه في موضوع تنازل شركة التقدم الصناعي والزراعي عن إيجار شقتها وأنه من ثم يكون القرار الصادر بفصله مشوباً بعيب مخالفة القانون - إذ ذهب الحكم إلى ذلك يكون قد جانب الصواب ذلك أن فصل المدعي حسبما سبق البيان قد تم بغير الطريق التأديبي لفقدانه الصلاحية للبقاء في وظيفته لأسباب لها أصل ثابت في الأوراق وقدرت الجهة الإدارية خطورتها.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون قرار فصل المدعي صحيحاً وقائماً على السبب المبرر له قانوناً وتكون دعواه غير قائمة على أساس سليم الأمر الذي يتعين معه إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض تلك الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.