أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 81

جلسة 25 من يناير سنة 1956

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل - وكيل المحكمة: وبحضور السادة الأساتذة، محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين - المستشارين.

(31)
القضية رقم 1130 سنة 25 القضائية

( أ ) إثبات. خبراء. تقدير رأيهم والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات. موضوعي.
(ب) دفاع. تولي محام واحد الدفاع عن متهمين متعددين في جناية واحدة. متى يجوز؟
1 - الأمر في تقدير رأي الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مما يختص به قاضي الموضوع وله في حدود سلطته التقديرية أن يأخذ بما يطمئن إليه منها.
2 - إذا كانت الواقعة التي أسندت إلى المتهمين جميعاً هي قتل المجني عليه وكان ثبوت الفعل المكون للجريمة في حق واحد منهم لا يؤدي إلى تبرئة الآخرين من التهمة - فإن ذلك يجعل مصلحة كل منهما غير متعارضة مع مصلحة الآخر ولا يقتضي أن يتولى الدفاع عن كل منهم محام خاص به.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل رزق السعيد راشد عمداً بأن طعنه بآلة حادة (مطواة) في بطنه قاصداً من ذلك قتله. فأحدث ببطنه الإصابة الموصوفة بالكشف الطبي التشريحي والتي أودت بحياته. وطلبت من قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات فقرر بذلك. وقد ادعى بحق مدني كل من السعيد عبد العال راشد عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على ابن ابنه عبد الحميد رزق راشد وواجبات محمد بدران (زوجة القتيل) الأول بمبلغ 600 ج والثانية بمبلغ 400 ج تعويضَاً قبل المتهم وذلك بقرار معافاة رقم 9 سنة 1951. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة مصطفى المرسي عيد بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وإلزامه بأن يدفع للمدعين بالحق المدني الأول السعيد عبد العال راشد عن نفسه وبصفته مبلغ مائتي جنيه والمصروفات المدنية المناسبة والثانية واجبات محمد بدران مبلغ مائتي جنيه والمصروفات المدنية المناسبة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

.... وحيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه انطوى على الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن دفاع المتهم قام على أن المجني عليه حاول الاعتداء عليه بالسكين فقاومه المتهم وسقطا سوياً على الأرض فأصيب المجني عليه والسكين في يده - وقدم تقريراً استشارياً بذلك ولكن المحكمة بعد سماع الطبيب الاستشاري أطرحت رأيه وقضت في هذه المسألة الفنية - اعتماداً على ما جاء بأقوال الشهود والطبيب الذي أجرى الصفة التشريحية مع أن هذه المسألة لم تكن معروضة عليه وقت إجرائها.
وحيث إنه يبين من أوراق الدعوى أن الحاضر عن الطاعن اكتفى في جلسة المرافعة بمناقشة الطبيب الاستشاري وثبت من الحكم أن الطبيب الاستشاري هذا لم ينف أن تكون السكين بيد المتهم على ما جاء برواية المجني عليه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد استندت في حكمها إلى تقرير الطبيب الشرعي الذي أجرى الصفة التشريحية وإلى أقوال المجني عليه الثابتة بالتحقيقات وشهوده في خصوص تصوير الحادث وطعن المتهم له بالسكين. ولم تأخذ بالتقرير الاستشاري وكان الأمر في تقدير رأي الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مما يختص به قاضي الموضوع وله في حدود سلطته التقديرية أن يأخذ بما يطمئن إليه منها وقد عللت المحكمة إطراحها للتقرير الاستشاري بما أوردته في حكمها من أن هذا التقرير لم ينف أن تكون السكين بيد الطاعن فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه شابه القصور والتناقض وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الدفاع أثار أن وفاة المجني عليه. لم تكن نتيجة مباشرة لإصابة المعدة، بل كان نتيجة إهمال في العلاج من تدخل جراحي على خلاف الأصول الطبية المعتادة - وأن الواقعة إن صحت في حق المتهم إنما تقف عند حد الشروع في القتل العمد. ولكن الحكم لم يناقش هذه المسألة على أهميتها - وحمل المتهم المسئولية كاملة مع مخالفة ذلك للقانون ولم يطبق المادة 17 من قانون العقوبات مع أن للطاعن مصلحة في ذلك هي أن تطبيق المادة 46 مع المادة 234/ 1 ينزل بالعقوبة إلى نصف الحد الأقصى للأشغال الشاقة المؤبدة أو السجن.
وحيث إنه لا جدوى للطاعن مما يثيره في هذا الوجه من الطعن لأن العقوبة المحكوم بها عليه وهي الأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة على فرض صحة ما يدعيه مقررة في القانون لجريمة الشروع في القتل العمد ما دامت المحكمة لم تر محلاً لتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات مما يستوجب رفض هذا الوجه من الطعن تطبيقاً لنص المادة 433 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث أن إجراءات المحاكمة قد شابها بطلان أثر في الحكم، إذ تولى الدفاع عن الطاعن والثلاثة الآخرين الذين حكم ببراءتهم - محام واحد رغم تعارض المصلحة.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن وثلاثة آخرين بأنهم قتلوا عمداً رزق السعيد راشد مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك سكيناً وعصياً وتربصوا له في طريقه إلى حقله وطعنه المتهم الأول بالسكين في بطنه وصدره وضربه الآخرون بالعصا على رأسه وكتفه قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أدت إلى موته واتهم المجني عليه الطاعن بضربه بالسكين وقد اعترف هذا بالتماسك مع المجني عليه وأنكر الباقون وحضر للدفاع عنهم محام واحد وطلب براءة المتهمين جميعاً. وانتهت المحكمة إلى استبعاد ظرف سبق الإصرار ودانت المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة على اعتبار الواقعة قتل عمد وثبوتها في حقه وببراءة المتهمين الآخرين - لما كان ذلك، وكان الثابت مما تقدم أن الواقعة التي أسندت إلى المتهمين جميعاً هي قتل المجني عليه وأن ثبوت الفعل المكون للجريمة في حق واحد منهم لا يؤدي إلى تبرئة الآخرين من التهمة فإن ذلك يجعل مصلحة كل منهم غير متعارضة مع مصلحة الآخر فلا يقتضي أن يتولى الدفاع عن الطاعن محام خاص به ويكون ما جاء بهذا الوجه من الطعن على غير أساس.
وحيث إن محصل الوجه الآخر من وجوه الطعن أن الحكم أخطأ في الإسناد وشابه الفساد في الاستدلال إذ نسب إلى الطاعن في معرض التدليل على إدانته وكذب دفاعه أنه قال إن إصابة أصبعه من عصا مع أن الطاعن لم يقرر ذلك وأصر على أن إصابة أصبعه من سكين، كما ذهب الحكم إلى أن السكين كانت في يد الطاعن فأصابت إصبعه السبابة الأيمن وقت أن كان يستعملها في ضرب المجني عليه مع أن الطبيب الاستشاري قرر أنه من غير الممكن أن تصاب سبابة الطاعن على هذا النحو.
وحيث إنه يبين من الحكم أنه لم ينسب إلى الطاعن أنه قال إن إصابة إصبعه من عصا وإنما ورد بالحكم أن الطاعن أسس دفاعه على أنه "كان يمر وحده على زراعته ليلة الحادث فرأى أشخاصاً يجمعون القطن من زراعته فتوجه صوبهم فهربوا فجرى خلفهم وأمسك منهم بالمجني عليه وضربه المجني عليه بعصا كانت معه فتركه المتهم الأول وبعد أن تركه رأى أصبعه الإبهام الأيمن مصاباً ولا يعرف كيف أصيب... ثم قال آخر الأمر أنه كان ليلة الحادث عند زراعته فرأى المجني عليه يمر هناك وكان المجني عليه يحمل في يده اليمنى عصا ومطواة معاً فتشاتما وتماسكا وأراد المجني عليه أن يضربه بالمطواة فأصاب نفسه بها في بطنه" ثم عرض الحكم للإصابة التي بأصبع الطاعن وقال "إنه غير صادق فيما قاله من أن المجني عليه ضربه بعصا فإن الكشف الطبي قد كذبه في ذلك إذ أثبت أن الجرح الذي بأصبعه السبابة الأيمن هو جرح قطعي يحدث من جسم حاد قاطع كسكين ولا يحدث من عصا" ولما كان هذا الذي أورده الحكم لا يفيد أنه نسب إلى الطاعن أنه قال إصابة إصبعه بالذات حدثت من الضرب بعصا وكانت المحكمة حين أطرحت رأي الطبيب الاستشاري عللت ذلك بقولها إن تقرير الطبيب الاستشاري هو محاولة استنتاجية لتصوير الواقعة على صورة لم يقل بها نفس المتهم أولاً في التحقيق ولا أحد أمام المحكمة وإنما قصد بها إبعاد الشبهة عنه من أنه محدث الإصابة بنفسه سميا إذا لوحظ أن نفس الطبيب الاستشاري لم ينف عند مناقشته بالمحكمة أن تكون السكين بيد المتهم نفسه وهو تعليل يؤدي إلى ما رأته من إطراح هذا التقرير أخذاً بتقرير الطبيب الشرعي وأقوال الشهود.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.