أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 85

جلسة 25 من يناير سنة 1956

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل - وكيل المحكمة: وبحضور السادة الأساتذة، محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين - المستشارين.

(32)
القضية رقم 1134 سنة 25 القضائية

( أ ) دفاع شرعي. حكم. تسبيبه. تحدث الحكم عن كل ركن من أركان حق الدفاع الشرعي في عبارة مستقلة. غير لازم.
(ب) إثبات. حرية المحكمة في تكوين عقيدتها. فصل محكمة الجنايات الجنحة عن الجناية. استنادها إلى عناصر الدعوى كافة التي شملها التحقيق الابتدائي لتكوين عقيدتها. جائز.
1 - لا يشترط في القانون أن يتحدث الحكم عن كل ركن من أركان حق الدفاع الشرعي، في عبارة مستقلة، بل يكفي أن يكون ذلك مستفاداً من الظروف والملابسات حسب الواقعة الثابتة في الحكم.
2 - إن فصل محكمة الجنايات الجنحة عن الجناية لا يمنعها في سبيل تكوين عقيدتها في الواقعة المطروحة عليها من مناقشة عناصر الدعوى كافة التي شملها التحقيق الابتدائي ولا يعد ذلك منها قضاء في الجنحة بل يبقى موضوعها سليماً حتى يقضى فيه من المحكمة التي أحيلت إليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة عباس محمد محمد الشامي. بأنه شرع في قتل محمود محمد الشامي عمداً بأن أطلق عليه أعيرة نارية من مسدسه قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهم فيه هو إسعاف المجني عليه بالعلاج. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 45 و46 و234/ 1 من قانون العقوبات. فقررت بذلك. وقد ادعى محمود محمد الشامي (المجني عليه) بحق مدني قدره قرش صاغ واحد علي سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً عملاً بالمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها بمصاريفها.
فقرر الطاعنان الطعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن حاصل طعن النيابة - هو أن الحكم المطعون فيه انطوى علي قصور في البيان وخطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال - ذلك (أولاً) بأن الحكم مع تقريره بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس لدى المتهم - أغفل التحدث عن توافر الشروط التي نصت عليها المادة 247 عقوبات ومنها عدم إمكان الالتجاء إلى رجال الضبط - (ثانياً) بأنه استند في نفي نية القتل إلى ما استخلصه من أقوال الشهود من تعمد المتهم التصويب لأسفل وما يثبت من المعاينة وجود إصابة في الجزء الأسفل من باب دكان المجني عليه مع أنه فضلاً عن أن شهادة علي حسني الذي اعتمد الحكم على قوله في هذا الخصوص - لم يرد فيها صراحة أن المتهم كان يصوب مسدسه لأسفل - فقد جرى التحقيق على أن آخرين غير المتهم أطلقا مقذوفات نارية مما كان مقتضاه أن ينفي الحكم حصول ذلك من غير المتهم - هذا وقد جاء التقرير الطبي الشرعي موضحاً أن المقذوف أطلق في مواجهة المصاب وفي مستواه ولكن أغفل الحكم التحدث عن ذلك الدليل الفني مع إطراحه له - ثم إن الحكم أسس قضاءه بالبراءة وعدم تجاوز المتهم حالة الدفاع الشرعي على أن ما وقع منه لا يعدو إحداث جرح يعاقب عليه بالمادة 242/ 1 عقوبات في حين أن الثابت من التقرير الطبي الشرعي أن الجرح انتهى إلي عاهة مستديمة - ولو أن المحكمة قد نبهت إلى ذلك لكان من الجائز أن تتغير وجهة نظرها في الدعوى - هذا وقد اعتمد الحكم في نفي نية القتل لدي المتهم على أن تصويب السلاح منه كان إلى أسفل فأصاب باب الدكان الذي قال الشهود إنه كان مقفولاً مع مخالفة ذلك لما هو ثابت بالأوراق إذا أجمع الشهود على أن الباب كان مفتوحاً وقت الحادث مما يشوب الحكم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله "إن الواقعة تتحصل فيما أبلغ به وأثبته في محضره اليوزباشي مرسي محمد الحارثي - معاون مباحث البندر - من أنه أثناء مروره يوم 12/ 2/ 1953 الساعة 9 و20 دقيقة مساء سمع أن هناك مشاجرة وإطلاق رصاص بين أفراد أسرة الشامي تجار الخشب فتوجه فوراً إلى محل الحادث فوجد محمود محمد الشامي مصاباً ووجد المتهم واقفاً أمام محله - وفي حالة هياج وبيده مسدس مرخص له بحمله - وقد اعترف للضابط أنه أطلق الرصاص على عمه المصاب وضبط الضابط المسدس منه وكانت تنبعث منه رائحة البارود كما ضبط مشطين للذخيرة وجد بأحدهما 4 طلقات لم تستعمل وكان الثاني فارغاً وقد قرر المتهم فور سؤاله أنه أطلق جملة أعيرة نارية في الهواء لفض المشاجرة بين الفريقين من أسرته وكان عمه المصاب على رأس فريق مكون من جملة أشخاص يعتدي على عمه عبد الفتاح محمد الشامي - ووالده محمد محمد الشامي بقطع من الخشب والحديد وأحدثوا بهم جملة إصابات ولما لم يتوقف المعتدون أطلق رصاصة لأسفل ليصيب أرجل المعتدين دون أن يقصد قتل أحدهم - فأصاب عمه فتوقف الاعتداء وهرب باقي المعتدين" ثم عرض الحكم لما جاء في المعاينة فقال "أن للمجني عليه ووالد المتهم شادران متجاوران وقد وجدت بعض نقط دماء أمام محل والد المتهم على الرصيف ووجد ثقب بالباب الصاج لمحل محمود محمد الشامي منزوع الحوافي على ارتفاع نصف متر من الأرض في حالة ما يكون مقفولاً" كما أورد نقلاً عن التقرير الطبي الشرعي "أن المجني عليه أصيب بكسر مضاعف بمنتصف عظمتي الساق الأيمن واستقر المقذوف بالساق نتيجة مقذوف ناري أطلق في مواجهة المصاب وفي مستواه على مسافة تزيد على المترين وتحتاج لعلاج أكثر من عشرين يوماً". وبعد أن استعرض الحكم أقوال من سئلوا في التحقيقات أطرح أقوال المجني عليه من أن ضربه وقع دون أن يسبقه اعتداء من جانبه وفريقه وأخذ بتصوير المتهم وفريقه وما شهد به علي حسن وحمادة علي وانتهى إلى قوله "وحيث إنه ثابت من أقوال جميع من سئلوا بالتحقيقات أن عراكاً نشب بين الفريقين لسبب المنازعات والحزازات القديمة بينهما... وقد كان الاعتداء شديداً كان المجني عليه فيه والد المتهم وعمه وأخوه وقد أطلق المتهم عدة أعيرة نارية في الهواء بقصد الإرهاب - وتخويف المعتدين لإيقاف هذا التعدي - فلما لم يتوقف أطلق عيارين ناريين لأسفل فأصابت عمه المجني عليه إحدى تلك الرصاصات" ثم قال في موطن آخر إن العراك كان ناشئاً بين الفريقين وأن عباس كان يطلق عدة أعيرة في الهواء ولما رأى أن المعتدين مطمئنين إلى أن الإطلاق كان في الهواء ورأى الاعتداء مستمراً أطلق عيارين في الأرجل (إلى أسفل) فأصيب عمه المجني عليه من إحدى الطلقتين، وخلص الحكم من ذلك كله إلى أن المتهم لم يكن يقصد قتلاً أصلاً بل كل ما كان يقصده هو إحداث جرح بأحد المتعاركين - وأن عمه المجني عليه كان يحمل عصاً ومشتركاً في الاعتداء مع باقي فريقه - كما انتهى إلى القول بقيام حالة الدفاع الشرعي لدى المتهم - واستند في ذلك إلى حالة الهياج والاعتداء الشديدين اللذين كانا ماثلين أمام ناظريه عندما اضطر لإطلاق النار لوقف الاعتداء دفاعاً عن نفسه وغيره - ما قاله الحكم في ذلك ومن عدم تجاوز المتهم حدود حقه في الدفاع الشرعي صحيح في القانون ذلك بأن الحكم المطعون فيه استخلص بالأدلة السائغة والاعتبارات السالف ذكرها - أن المجني عليه وفريقه هم الذين بدأوا بالعدوان وأن استعمال الطاعن للمسدس وهو الوسيلة التي تيسر له استعمالها في ذلك الحين إنما حصل رداً على هذا الاعتداء المفاجئ من المجني عليه وفريقه حتى لا يتمادون في عدوانهم عليه وأهله - ولم يكن في وسعه والاعتداء حال الاحتماء برجال السلطة العامة فلا جريمة فيما صدر منه أياً كانت النتيجة التي انتهى إليها الضرب يستوي في ذلك أن يقف الضرب عند حد الجرح البسيط كما جاء بالحكم أو ينتهي إلى العاهة كما جاء بالتقرير الطبي الشرعي - لما كان ذلك - وكان ما تثيره الطاعنة في شأن ما أثبته الحكم من انتفاء نية القتل لا محل له لما أورده الحكم من أسباب سائغة معقولة تؤدي إلى نفي تلك النية على ما سلف بيانه - وكان لا يقدح في صحة هذا الاستدلال أن يكون باب الدكان مفتوحاً وقت الحادث - على ما جاء بالطعن - أو كان مقفلاً كما جاء بالحكم إذ العبرة في ذلك كله بمكان الإصابة ومستواها - لما كان ذلك - وكان لا يشترط في القانون أن يتحدث الحكم عن كل ركن من أركان حق الدفاع الشرعي - في عبارة مستقلة - بل يكفي أن يكون ذلك مستفاداً من الظروف والملابسات حسب الواقعة الثابتة في الحكم - فما تثيره الطاعنة لا محل له.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه.
"طعن المدعي بالحق المدني"
وحيث إن المدعي بالحق المدني - يقول في طعنه إن الحكم المطعون فيه أخل بحقه في الدفاع وجاء قاصر البيان وأخطاء في تطبيق القانون وتأويله - ذلك بأن عذراً قام لدى المدافعين عنه بالجلسة الأخيرة منعهما من حضور جلسة المحاكمة - وأرسلا طلباً للتأجيل قبل الجلسة - وأنابا عنهما اثنين من زملائهما في إثبات هذا الطلب ولكن المحكمة رفضت التأجيل ليوم في ذات الدور بل رفضت إرجاء نظر الدعوى حتى أخر الجلسة فأبدى الدفاع تحت ضغط الظروف ودفعاً للحرج مرافعة سريعة لا يمكن أن توصف بأنها أداء لواجب مما ينطوي على إخلال واضح بحقوق الدفاع - ثم إن ما أورده الحكم في شأن الدفاع الشرعي لا يفيد شيئاً في ثبوته - إذ أن هذا الحق لا يمكن أن يضفي على من يكون أسبق في الاعتداء - وقد أشار الدفاع إلى ذلك في مرافعته ولكن الحكم قد أغفل التحدث عن ذلك مع أن مقتضى الواقعة التي أثبتها الحكم أن من وقع عليه الاعتداء في ظهر يوم الحادث - هو الذي يبدأ بالاعتداء في المساء وهو المجني عليه وفريقه - فجاء الحكم قاصراً قصوراً يعيبه، هذا وقد أثبتت التحقيقات أن الاعتداء على والد المتهم وعمه كان قد انتهى قبل الاعتداء الجسيم الواقع على المجني عليه كما أن الاعتداء على فريق المتهم حصل بالعصا في حين أن الاعتداء على المجني عليه كان بالمسدس - مما يسقط حق الدفاع الشرعي في الحالين - ثم إن الحكم جاء مخالفاً للقانون إذ قام على أن اعتداء ما وقع على المتهم وفريقه من جانب الطاعن وفريقه وما كان للمحكمة بعد أن فصلت الجناية عن الجنحة أن تتناول هذا في بحثها أو تستند إليه في إثبات حدوث الاعتداء من الطاعن أو أحد ممن يلوذون به لأنها بذلك تكون قد قضت في تهمة الجنحة المفصولة والتي ردت إلى محكمة الجنح للقضاء فيها - هذا إلى أن الحكم استند في إثبات حصول الاعتداء من فريق الطاعن إلى أن النيابة اتهمت أفراده بالضرب مع أن ذلك لا يؤدي إلى النتيجة التي رتبها الحكم كما أن الحكم أخطأ بعد استبعاد نية القتل - في بيان حقيقة الفعل المسند إلى المتهم أو وصفه بأنه جنحة ضرب إحداث جرح عمداً يعاقب عليه بالمادة 242/ 1 عقوبات في حين أن المجني عليه قد تخلفت لديه عاهة مستديمة.
وحيث إنه يبين من محضر الجلسة - أن الدعوى تأجل نظرها مرتين بناء على طلب الدفاع عن الطاعن ونبهت المحكمة الدفاع ألا يكرر هذا الطلب - وفي الجلسة المحددة حاول الدفاع تأجيل الدعوى مرة أخرى فرفضت المحكمة التأجيل وقررت سماعها وبعد تحقيقها ترافع الأستاذ أحمد مرسي البنا عن الطاعن وبدأ قوله بالعبارة الآتية (طلباتي أولاً محصورة في طلب التأجيل وإذا كان المدعي بالحق المدني يسمح لي بالمرافعة فلا مانع فقال له المدعي بالحق المدني - لا مانع من المرافعة عني) لما كان هذا وكان الطاعن لم يتمسك بحضور محامييه الآخرين بل أذن للحاضر بالجلسة أن يترافع عنه وقد تم ذلك فعلاً فإن المحكمة لا تكون قد أخلت بدفاعه في شيء - أما ما يشكو منه من أن المحكمة تعرضت لوقائع الجنحة التي قررت فصلها عن الجناية وأن تعرضها لها هو بمثابة قضاء من تلك المحكمة - ما يشكو منه لا محل له - ذلك أن الفصل لا يمنع المحكمة في سبيل تكوين عقيدتها في الواقعة المطروحة عليها - من مناقشة عناصر الدعوى كافة التي شملها التحقيق الابتدائي - ولا يعد ذلك منها فصلاً في الجنحة بل يبقى موضوعها سليماً حتى يقضى فيه من المحكمة التي أحيلت لها - أما باقي ما أورده الطاعن في طعنه فلا يعدو أن يكون ترديداً لما جاء في طعن النيابة وقد سبق الرد عليها.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.