مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 298

(39)
جلسة 17 من ديسمبر سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة، والسادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر -المستشارين.

القضية رقم 1553 لسنة 8 القضائية

اختصاص. "تنازع سلبي".
صدور حكم من المحكمة الإدارية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري - قضاء هذه المحكمة الأخيرة بدورها بعدم اختصاصها وبالإحالة إلى المحكمة الإدارية - صدور حكم المحكمة الإدارية بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها - الطعن في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا - يثير بحكم اللزوم مسألة التنازع السلبي في الاختصاص برمته - المحكمة الإدارية العليا تعين المحكمة المختصة بنظر الدعوى - لا وجه للتحدي بحجية الحكم الصادر من المحكمة التي يتبين أنها مختصة والذي أصبح نهائياً بفوات مواعيد الطعن فيه - أساس ذلك - أن الحكم المذكور لم يفصل في موضوع النزاع فضلاً عن أنه أحد حدي التنازع السلبي في الاختصاص وهو أمر لا يقبل التجزئة.
إن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الميعاد في حكم المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم، قد أثار بحكم اللزوم مسألة التنازع السلبي في الاختصاص برمته بين هذه المحكمة ومحكمة القضاء الإداري، وهو أمر لا يقبل التجزئة في ذاته، إذ جانباه هما الحكمان المتناقضان المتسلبان كلاهما من الاختصاص، فلا محيص والحالة هذه - من التصدي للحكم الأول - في شقه الذي تضمن فيه بعدم الاختصاص - عند إنزال حكم القانون الصحيح، في هذا الأمر الذي لا يقبل التجزئة بطبيعته، وغنى عن البيان أن من الأصول السليمة التي يقوم عليها حسن توزيع العدالة، وكفالة تأدية الحقوق لأربابها ألا يحول دون ذلك تسلب المحاكم من اختصاصها بتنازعها تنازعاً سلبياً فيما بينها في هذا الاختصاص، بينما ولاية القضاء فيه معقود بنص القانون للجهة القضائية التي تتبعها هذه المحاكم، مما لا مندوحة معه إذا ما أثير مثل هذا النزاع أمام المحكمة الإدارية العليا التي تتبعها المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري من أن تضع الأمر في نصابه الصحيح، فتعين المحكمة المختصة بنظر الدعوى وتحيلها إليها بحالتها لتفصل فيها ولو كانت هي المحكمة التي لم يطعن في حكمها في الميعاد. ولا وجه للتحدي عندئذ بحجية حكمها لفوات ميعاد الطعن فيه، لأن هذا الحكم لم يفصل في موضوع النزاع - في الشق الخاص بالطعن في قرار الترقية - حتى تكون له قوة الأمر المقضي في هذا الخصوص، وإنما اقتصر على النظر في الاختصاص منتهياً إلى التسلب منه، فكأن هذا الحكم - في الشق المذكور والحالة هذه أحد حدي التنازع السلبي في الاختصاص الذي حده الآخر هو الحكم المطعون فيه، وهذا التنازع السلبي هو أمر لا يقبل التجزئة كما سلف إيضاحه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الحكم المطعون فيه، صدر بجلسة 29 من مارس سنة 1962، فقدم الطاعن في 27 من مايو سنة 1962، أي في خلال الستين يوماً التالية إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية العليا طلب الإعفاء رقم 276 سنة 8 القضائية ضد جامعة عين شمس لإعفائه من رسوم الطعن في هذا الحكم، وقد قررت اللجنة قبول هذا الطلب مع ندب الأستاذ أحمد عثمان الحضري المحامي لمباشرة إجراءات الطعن وذلك بجلسة 24 من يونيه سنة 1962 فقام سيداته بإيداع تقرير الطعن قلم كتاب هذه المحكمة في 22 من أغسطس سنة 1962، أي في خلال الستين يوماً التالية، ومن ثم يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية، وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة في خصوص أثر طلب المساعدة القضائية القاطع لميعاد رفع الطعن أمامها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، تتحصل - حسبما يخلص من الأوراق، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 264 لسنة 3 القضائية، ضد جامعة عين شمس، بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم في 20 من مارس سنة 1956، بناء على قرار صادر في جلسة 11 من فبراير سنة 1956 من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية المذكورة في طلب الإعفاء رقم 133 لسنة 3 القضائية المقدم منه ضد جامعة عين شمس في 17 من أكتوبر سنة 1955 إلى لجنة المساعدة القضائية بمحكمة القضاء الإداري التي أحالته
- للاختصاص - إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بجلسة أول ديسمبر سنة 1955. وطلب المدعي في عريضة الدعوى "الحكم بإلغاء قرار تخطيه في الترقية إلى الدرجة الثامنة في 2 من أغسطس سنة 1952، واستحقاقه لهذه الدرجة، ابتداء من هذا التاريخ، مع ما يترتب على ذلك من الآثار، وإلغاء قرار اللجنة القضائية رقم 2347 لسنة 2 القضائية، مع إلزام المدعى عليها بالمصاريف والأتعاب". وقال بياناً لدعواه أنه عين بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، على غير درجة، وظل معيناً بها إلى أن منح الدرجة التاسعة في 6 من مارس سنة 1952، وضمت له مدة تطوعه بالقوات المسلحة فأرجعت أقدميته في الدرجة المذكورة إلى 10 من نوفمبر سنة 1942، ثم منح الدرجة الثامنة في شهر مارس سنة 1954 وكان قد طالب الكلية في مايو سنة 1952 بترقيته إلى الدرجة الثامنة الخالية بميزانية الكلية فلم تجبه إلى طلبه، ونقلت إليها موظفاً من كلية الزراعة، هو السيد/ حسين سيد عبد الجواد وقامت بترقيته على هذه الدرجة في 2 من أغسطس سنة 1952 - كما قامت بنقل المدعي إلى جامعة عين شمس - وقد اعترض ديوان المحاسبة على ترقية المذكور قبل مضي سنة على نقله ومن ثم ألغت الكلية ترقيته في 13 من أبريل سنة 1953، ولما كانت الكلية قد أفصحت عن رغبتها في شغل الدرجة الثامنة الخالية، بترقية هذا الأخير عليها في 2 من أغسطس سنة 1952 فقد تقدم المدعي في 19 من يناير سنة 1954 بتظلم من نقله إلى جامعة عين شمس ومن عدم ترقيته إلى الدرجة الثامنة، إلى اللجنة القضائية الأولى لوزارة التربية والتعليم ضد جامعة القاهرة، وقيد هذا التظلم برقم 2347 لسنة 2 القضائية، وطلب فيه "إلغاء هذا النقل وإعادته إلى جامعة القاهرة بكلية الحقوق، والحكم بأحقيته للدرجة الثامنة مع ما يترتب على ذلك من آثار" وذكر في تظلمه ما يفيد طعنه في قرار ترقية السيد/ حسين سيد عبد الجواد، وقد قررت اللجنة القضائية - بجلسة 17 من فبراير سنة 1954 - عدم اختصاصها بنظر التظلم" مؤسسة قرارها على عدم اختصاصها بالنظر في قرارات النقل، فأقام المدعي هذه الدعوى أمام المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم، وفي أثناء سيرها، أدخل فيها جامعة القاهرة في 24 من أبريل سنة 1957، وفي جلسة 15 من يناير سنة 1958 قضت المحكمة "بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص" وأقامت قضاءها على أن الدعوى في حقيقتها مطالبة بإلغاء القرار الصادر من اللجنة القضائية، الذي قررت فيه عدم اختصاصها بنظر التظلم، وبهذه المثابة تختص محكمة القضاء الإداري بنظرها. وفي 16 من مارس سنة 1958، طعنت هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم، أمام المحكمة الإدارية العليا، بالطعن رقم 327 لسنة 4 القضائية، وطلبت في طعنها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء باختصاص المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بنظر الدعوى، وبإحالتها إليها للفصل فيها". وأقامت طعنها على أن المحكمة الإدارية هي المختصة بنظر الدعوى، وقد نظرت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، هذا الطعن، بجلسة 21 من نوفمبر سنة 1959 وقضت فيه "بإجماع الآراء بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً" ومن ثم أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري (هيئة الترقيات والتعيينات) حيث قيدت بجدولها برقم 626 لسنة 14 القضائية، وبجلسة 11 من مايو سنة 1961 قضت فيها" أولاً: بقبول الطعن في قرار اللجنة القضائية شكلاً وبرفضه موضوعاً. ثانياً: بعدم اختصاصها بنظر طلب إلغاء قرار كلية الحقوق بجامعة القاهرة الصادر في 2 من أغسطس سنة 1952 بالترقية إلى الدرجة الثامنة وأمرت بإحالته إلى المحكمة الإدارية المختصة "وعلى هذا أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم فأصدرت حكمها بجلسة 29 من مارس سنة 1962" بعدم جواز نظر الدعوى السابقة الفصل فيها". وهو الحكم المطعون فيه، ويقوم على أنه سبق للمحكمة الإدارية أن قضت في هذه الدعوى بجلسة 15 من يناير سنة 1958 بعدم اختصاصها بنظرها، وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص وأن حكمها هذا قد أصبح نهائياً، وحائزاً قوة الأمر المقضي، بعد أن قضت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، برفض الطعن الذي رفعته هيئة مفوضي الدولة عن هذا الحكم، ومن ثم فإن المحكمة الإدارية لا تملك أن تعيد النظر في موضوع الدعوى.
ومن حيث إن مبنى الطعن الراهن هو ما نشأ من تضارب وتنازع سلبي في الاختصاص بين المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم وبين محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إن مثار المنازعة في هذا الطعن هو تعيين أي هاتين المحكمتين هي المختصة بنظر الطلب الخاص بإلغاء القرار الصادر من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، في 2 من أغسطس سنة 1952 بترقية السيد/ حسين سيد عبد الجواد إلى الدرجة الثامنة، وما إذا كان ثمة مانع إذا ما ظهر أن المحكمة المختصة هي محكمة القضاء الإداري التي لم يطعن في حكمها وانقضى ميعاد الطعن فيه من إحالة هذا الشق من الدعوى إليها مع ذلك للفصل فيه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم "بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها" قد أصاب الحق في قضائه للأسباب التي قام عليها، إذ أن المحكمة المذكورة، كانت قد قضت بجلسة 15 من يناير سنة 1958 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص، وقد أصبح هذا الحكم نهائياً، حائزاً قوة الأمر المقضي، بعد أن قضت دائرة فحص الطعون، بالمحكمة الإدارية العليا برفض الطعن الذي قدمته هيئة مفوضي الدولة فيه، وبالتالي فإن المحكمة الإدارية لم تكن تملك أن تعيد النظر في موضوع الدعوى بعد أن خرجت من ولايتها، وأصبحت محكمة القضاء الإداري هي وحدها المختصة بالفصل فيها.
ومن حيث إنه ولئن كان الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في جلسة 11 من مايو سنة 1961، لم يطعن فيه في الميعاد، وفات ميعاد الطعن فيه، إلا أن ذلك لا يمنع من إحالة الدعوى إلى المحكمة المذكورة، لتفصل في الشق الخاص بالطعن في قرار الترقية إلى الدرجة الثامنة الصادر من كلية الحقوق بجامعة القاهرة في 2 من أغسطس سنة 1952، ذلك.
أن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الميعاد في حكم المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم، قد أشار بحكم اللزوم مسألة التنازع السلبي في الاختصاص برمته، بين هذه المحكمة، ومحكمة القضاء الإداري، وهو أمر لا يقبل التجزئة في ذاته، إذ جانباه هما الحكمان المتناقضان المتسلبان كلاهما من الاختصاص، فلا محيص والحالة هذه - من التصدي للحكم الأول - في شقه الذي قضى فيه بعدم الاختصاص - عند إنزال حكم القانون الصحيح، في هذا الأمر الذي لا يقبل التجزئة بطبيعته، وغنى عن البيان أن من الأصول المسلمة التي يقوم عليها حسن توزيع العدالة، وكفالة تأدية الحقوق لأربابها ألا يحول دون ذلك تسلب المحاكم من اختصاصها بتنازعها تنازعاً سلبياً فيما بينها في هذا الاختصاص، بينما ولاية القضاء فيه معقودة بنص القانون للجهة القضائية التي تتبعها هذه المحاكم، مما لا مندوحة معه، إذا ما أثير مثل هذا النزاع أمام المحكمة الإدارية العليا التي تتبعها المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري، من أن تضع الأمر في نصابه الصحيح، فتعين المحكمة المختصة بنظر الدعوى، وتحيلها إليها بحالتها لتفصل فيها ولو كانت هي المحكمة التي لم يطعن في حكمها في الميعاد. ولا وجه للتحدي عندئذ بحجية حكمها لفوات ميعاد الطعن فيه، لأن هذا الحكم لم يفصل في موضوع النزاع - في الشق الخاص بالطعن في قرار الترقية - حتى تكون له قوة الأمر المقضي في هذا الخصوص، وإنما اقتصر على النظر في الاختصاص، منتهياً إلى التسلب منه، فكأن هذا الحكم - في الشق المذكور، والحالة هذه، أحد حدي التنازع السلبي في الاختصاص الذي حده الآخر هو الحكم المطعون فيه، وهذا التنازع السلبي هو أمر لا يقبل التجزئة كما سلف إيضاحه.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم، يتعين قبول الطعن شكلاً، والقضاء في موضوعه، باختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى في شقها الخاص بالطعن في قرار الترقية، وبإحالتها إليها بحالتها في هذا الشق للفصل فيه.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه باختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر طلب إلغاء قرار كلية الحقوق بجامعة القاهرة الصادر في 2 من أغسطس 1952 بالترقية إلى الدرجة الثامنة، وأمرت بإحالة هذا الطلب بحالته إليها للفصل فيه.