أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 123

جلسة 31 من يناير سنة 1956

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة حسن داود، ومحمود محمد مجاهد، وفهيم يسى الجندي، وأحمد زكي كامل - المستشارين.

(42)
القضية رقم 1173 سنة 25 القضائية

( أ ) إثبات. حرية المحكمة في تكوين عقيدتها من مجموع الأدلة المطروحة عليها.
(ب) سبق الإصرار. حكم. تسبيبه. مثال لكفاية استظهار سبق الإصرار.
(ج) نقض. طعن لا مصلحة منه. لا جدوى من إثارته. مثال في قتل عمد مع سبق الإصرار.
1 - لمحكمة الموضوع أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة من إجماع الأدلة المطروحة عليها أن تتقيد في هذا التصوير بدليل بعينه أو بأقوال شهود بذواتهم.
2 - إذا كان الحكم قد دلل على توافر سبق الإصرار فقال "وحيث إنه لسابقة وجود الخصومات بين المتهم والمجني عليه ولقيام المتهم من الدكان المجاورة للمكان الذي يجلس فيه المجني عليه وتسلله وراء الحائط لضربه على غفلة منه بدون أن يحصل أي استفزاز للمتهم يدعوه لأن يقوم ويتعمد قتل المجني عليه يكون سبق الإصرار متوفراً" - فإن ما أورده الحكم من ذلك يتحقق به ركن سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون.
3 - لا جدوى مما يثيره المتهم حول توافر ظرف سبق الإصرار ما دامت العقوبة المحكوم بها تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعن بأنه: قتل إبراهيم إبراهيم بكر عمداً مع سبق الإصرار على ذلك بأن بيت النية على قتله وأعد لذلك سلاحاً نارياً (مسدساً) حتى إذا ما شاهده أقبل نحوه وأطلق عليه مقذوفات نارية قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وطلبت من غرفة الاتهام إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات فقررت بذلك. وقد ادعت زكية أحمد عبد الله بحق مدني قبل المتهم بمبلغ مائة جنيه مصري على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً - عملاً بمادتي الاتهام - مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم السيد محمد زهران بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني زكية أحمد عبد الله مبلغ مائة جنيه والمصاريف و300 قرش أتعاب محاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه فساد في الاستدلال، ذلك بأنه استند إلى دليلين متعارضين هما أقوال المجني عليه المؤيدة بالمعاينة وأقوال الشاهد عبد العزيز حسن نعناعه مع أن كلا القولين يصور الواقعة تصويراً يختلف عن الآخر من حيث موقف الضارب والمجني عليه واتجاه الأعيرة، ولا يتفق أيهما مع التقرير الطبي، ومع أنه على مقتضى شهادة عبد العزيز حسن نعناعه لا يكون الطاعن في حاجة إلى مبارحة دكان محمد عبد اللطيف.
وحيث إن الحكم المعطون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جميع العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وساق على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وعرض لما يثيره الطاعن في هذا الوجه فأورد شهادة المجني عليه والشاهد عبد العزيز حسن نعناعه في قوله "وقرر المجني عليه بالبوليس وشهد في تحقيقات النيابة بأنه في يوم الحادث حوالي الظهر أثناء أن كان في طريقه إلى الوحدة الزراعية التي يشتغل فيها شاهد المتهم جالساً أمام دكان محمد عبد اللطيف فاستمر في سيره إلى الوحدة وبعد أن بقى فيها فترة بسيطة من الوقت خرج منها وتوجه لدكان حسن اللبودي المجاورة لدكان محمد عبد اللطيف فجلس فيها قليلاً وكان المتهم لا زال جالساً في دكان محمد عبد اللطيف وفي الساعة الواحدة مساء تقريباً وجد المتهم مشى ناحية الوحدة الزراعية ثم عاد يتسلل بجوار حائط الدكان الذي كان جالساً فيه فقام يستطلع الأمر ولما اقترب التهم منه بحوالي متر أخرج مسدساً من جيبه وأطلق منه خمسة أعيرة أو ستة وجرى فجرى وراءه مستغيثاً فدخل المتهم في زراعة الذرة قبلي الوحدة ولم يتمكن من اللحاق به لأنه خارت قواه وتمكن المتهم من الهرب... وحيث إن عبد العزيز حسن نعناعه شهد بأنه كان يسير بالطريق، ولما اقترب من محل حسن درويش اللبودي رأى المتهم بجوار دكان محمد عبد اللطيف أبو حلاوة وفي يده مسدس ويطلقه تجاه حسن درويش اللبودي ثم رأى حسن اللبودي يجرى خلف المتهم، ولما وصل لدكان اللبودي وجد المجني عليه مصاباً وملقى على الأرض على بعد مترين من الدكان فجلس بجواره ليعمل على راحته، ولما ازدحمت الناس حملوه إلى دكان اللبودي. ثم عرض الحكم لما جاء في التقرير الطبي وفي محضر المعاينة فأثبت أن إصابات المجني عليه تحدث من ثلاثة أعيرة نارية من آلة صغيرة مششخنة ذات ستة ميازيب يمينية أصاب إحداها مفصل المرفق الأيسر، وأصاب الثاني يسار الصدر واخترق تجويفه الأيمن ثم الأيسر، وأصاب الثالث أسفل يسار الصدر ونفذ لتجويف البطن، وكان الضارب إلى يسار المجني عليه وعلى مسافة تزيد على ربع متر، وقد تصل إلى بضعة أمتار والوفاة تعزي إلى هذه الإصابات النارية وما نشأ عنها من تمزق بالأحشاء الصدرية والبطنية ونزيف داخلي وخارجي وصدمة عصبية، كما دلت المعاينة على أن الحادث وقع في طريق عام ينتهي غرباً بمبنى الوحدة الزراعية التي يفصل بينها وبين حانوت حسن درويش اللبودي الذي كان به المجني عليه منزل وقطعة أرض فضاء ويلي هذا الحانوت مباشرة من الجهة الشرقية حانوت محمد عبد اللطيف أبو حلاوة الذي كان به المتهم، وكان المجني عليه قبيل الحادث يجلس على عتبة الدكان بينما كان يجلس صاحب الدكان بداخله وفي وضع يستطيع معه أن يرى الجاني وهو يطلق النار، وحدد موقف المتهم عند إطلاق النار بأنه كان أمام فتحة دكانه من الجهة الغربية وعلى بعد متر منها وأنه هرب عقب إطلاق النار إلى الجهة الغربية فتبعه الشاهد حتى زراعة الذرة الواقعة خلف مبنى الوحدة الزراعية، حيث اختفى المتهم فلم يستطع اللحاق به. لما كان ذلك وكان لا يبين مما أورده الحكم وجود تعارض بين أقوال المجني عليه والشاهد عبد العزيز حسن نعناعه ولا بين أقوال هذين الشاهدين وما أثبته الكشف الطبي ودلت عليه المعاينة بل اتفقت جميعاً على أن الجاني كان إلى يسار المجني عليه وفي مواجهته، وعلى مسافة قريبة منه تبلغ المتر كما اتفقت في بيان نوع السلاح المستعمل. لما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع أن تتبين الواقعة عل حقيقتها وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة من إجماع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التصوير بدليل بعينه أو بأقوال شهود بذواتهم وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في تصوير الحادث وفي ثبوته على ما سلف البيان سائغاً ولا تناقض فيه وله أصله في الأوراق، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه استند في التدليل على توافر سبق الإصرار إلى وقائع لا أصل لها في الأوراق ذلك بأنه قال بوجود خصومة بين الطاعن وبين المجني عليه قال بها المجني عليه وفهمي محمد زهران شقيق الطاعن في حين أن أقوال هذين الشاهدين لا تؤدي إلى ما ذهب إليه الحكم. وقد سلم الحكم بأن المجني عليه قام نحو الطاعن ليستطلع أمره وذلك يعد استفزازاً من المجني عليه للطاعن ينتفي به سبق الإصرار.
وحيث إن الحكم المطعون فيه دلل على توافر سبق الإصرار فقال "وحيث إنه لسابقة وجود الخصومات بين المتهم والمجني عليه ولقيام المتهم من الدكان المجاورة للمكان الذي يجلس فيه المجني عليه وتسلله وراء الحائط لضربه على غفلة منه بدون أن يحصل أي استفزاز للمتهم يدعوه أن يقوم ويتعمد قتل المجني عليه يكون سبق الإصرار متوافراً" لما كان ذلك وكان ما أورده الحكم يتحقق به ركن سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون وكان لا جدوى مما يثيره الطاعن حول توافر هذا الظرف ما دامت العقوبة المحكوم بها تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار ويتعين رفض هذا الوجه.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث أن الحكم جاء قاصراً في بيان رابطة السببية بين الفعل الجنائي المسند إلى الطاعن وبين الإصابات، وفي بيان نية القتل وقصد إزهاق الروح.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم أنه استخلص استخلاصاً سائغاً من مجموع أقوال الشهود أن الطاعن حين أطلق الأعيرة الثلاثة على المجني عليه قد أصابه بالإصابات التي أثبتها التقرير الطبي وكان هذا التقرير قد أثبت أن الوفاة تعزي إلى هذه الإصابات، وكان الحكم قد تحدث عن نية القتل استقلالاً فقال إنها ثابتة من أن الآلة التي استعملت في القتل هي آلة قاتلة (مسدس) وإن الإصابات في مقتل، وأن الجاني كان يطلق الأعيرة النارية برغم رجاء المجني عليه له بعدم ضربه مما يدل أنه تعمد قتل المجني عليه، كما قال في تحصيله للواقعة إن المدني عليه حين رأى الطاعن أن يتسلل إلى جدار الحائط قام يستطلع الأمر فلما اقترب منه أطلق عليه الطاعن ثلاثة أعيرة نارية من مسدس يحمله متعمداً قتله. لما كان ذلك، وكان ما قاله الحكم كافياً للتدليل على نية القتل، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع أن الحكم لم يأخذ بدفاع الطاعن من أنه كان متغيباً بالقاهرة في الوقت الذي قيل بوقوع الحادث فيه وأطرح أقوال شهود النفي لأسباب غير سائغة واستند في الإدانة إلى أقوال شهود الإثبات الذين جرحهم الطاعن ومن بينهم حسن درويش مصطفى اللبودي مع أن المحكمة لاحظت عند سماع هذا الشاهد أنه ضعيف الإبصار ورغم ذلك أخذت بقوله من أنه رأى الطاعن وقت إطلاقه الرصاص على المجني عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن ورد عليه بما يفنده فقال "وحيث إنه عن غياب المتهم يوم الحادث وإقامته في القاهرة من اليوم السابق فقد سأل ضابط المباحث شقيق المتهم فهمي محمد زهران ووالده محمد السيد زهران فقرر الأول أنه موجود بالقرية وقرر الثاني أنه موجود بقويسنا البلد فلو كان المتهم يقيم في هذا الوقت في القاهرة لبادرا بالتصريح بذلك خصوصاً وأن المتهم يقيم معهما ويعرفان تمام المعرفة أين بات ليلة الحادث وأين كان يوم الحادث" لما كان ذلك، وكان ما قاله الحكم سائغاً ومقبولاً وكان للمحكمة حرية تكوين عقيدتها من أقوال الشهود والأخذ بها ما دامت قد اطمأنت إليها وصدقتها وكانت غير مكلفة بعد ذلك بتتبع دفاع المتهم في كل جزئية يثيرها أو الرد على ما شهد به شهود النفي إذ يكون ردها على ذلك وإطراحها أقوال أولئك الشهود، مستفادين من قضائها بالإدانة للأدلة التي بينتها، وكانت المحكمة حين اختبرت الشاهد حسن درويش أثبت أنه أجاب بإجابات صحيحة - لما كان ما تقدم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يكون إلا مجادلة في واقعة الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه.